باريس: لسنا طرفاً في الصراعات الداخلية ببوركينا فاسو

وزيرة الخارجية الفرنسية: كنا هدفاً لشائعات مغرضة هدفها الإساءة لنا

جنود يجلسون على مقعد خلال مسيرة لدعم الانقلاب في واغادوغو (إ.ب.أ)
جنود يجلسون على مقعد خلال مسيرة لدعم الانقلاب في واغادوغو (إ.ب.أ)
TT

باريس: لسنا طرفاً في الصراعات الداخلية ببوركينا فاسو

جنود يجلسون على مقعد خلال مسيرة لدعم الانقلاب في واغادوغو (إ.ب.أ)
جنود يجلسون على مقعد خلال مسيرة لدعم الانقلاب في واغادوغو (إ.ب.أ)

نأت باريس بنفسها عن الانقلاب الثامن من نوعه الذي شهدته بوركينا فاسو، مستعمرتها السابقة، وأفضى أول من أمس الأحد إلى الإطاحة بالكولونيل بول هنري داميبا، بعد انقلاب مماثل قام به الأخير بداية العام الحالي ومكنه من الوصول إلى السلطة. لكن الرغبة الفرنسية بالبقاء بعيداً عن التطورات التي شهدتها العاصمة واغادوغو وبوبو - ديولاسو، المدينة الثانية في البلاد، وضعت باريس في قلب الحدث، إذ تعرضت السفارة الفرنسية ومعهدان ثقافيان لهجمات ومحاولات إحراق من متظاهرين داعمين للانقلاب، بحجة أن باريس تدعم الكولونيل داميبا، الذي لجأ إلى القاعدة العسكرية التي تشغلها قوة الكوماندوس الفرنسية قرب مدينة كمبونسين الواقعة على بعد 30 كلم عن العاصمة، وأنها توفر له الدعم للقيام بهجوم معاكس لإحباط الانقلاب. وكان الكابتن إبراهيم تراوريه، زعيم الانقلاب، رغم أنه لم يتجاوز الـ34 عاماً، أول من غذى الشعور المعادي لفرنسا بالترويج لرواية الدعم الفرنسي للكولونيل داميبا، من جهة، وإظهار الرغبة بفك العلاقة الخاصة التي تربط باريس بـواغادوغو من خلال اعتبارها «شريكاً كالشركاء الآخرين»، وذلك لاستثارة أنصاره وركوب موجة العداء لباريس الرائجة هذه الأيام في منطقة الساحل وغرب أفريقيا. وخلال يومين (السبت والأحد)، رفعت اللافتات المنددة بفرنسا، وسمعت الشعارات التي تدعو لخروج القوات الفرنسية من بوركينا فاسو وبلدان الساحل بشكل عام. وبالمقابل، رفعت الأعلام الروسية.
إزاء هذه التطورات، كان الهم الأول لباريس إظهار حيادها واعتبار ما يحصل «أمراً داخلياً»، إضافة إلى المحافظة على أمن بعثتها الدبلوماسية ومعهديها الثقافيين والمواطنين الفرنسيين الذين يقدر عددهم بـ4000 شخص. وكان لافتاً أن باريس لم تتخذ موقفاً من الانقلابيين، لا تنديداً ولا تأييداً، واكتفت بالإعلان عن دعمها لمواقف مجموعة غرب أفريقيا الاقتصادية التي نددت بالانقلاب. إلا أن كاترين كولونا، وزيرة الخارجية، دعت الأحد في مقابلة مع «إذاعة فرنسا الدولية»، إلى «وضع حد لأعمال العنف» التي استهدفت مؤسسات بلادها، معتبرة أنه «لا يمكن السماح بحصولها». وإزاء ما تعتبره باريس حملة ممنهجة ومنظمة معادية لها، رأت كولونا أن هناك «مجموعة من الأنباء الزائفة يتم تداولها، وهي تدفع للاعتقاد أن فرنسا متورطة في الأزمة السياسية الداخلية التي تعرفها بوركينا فاسو». وبشكل قاطع، أكدت كولونا أن باريس «ليست طرفاً فيما يحصل، وهو شأن داخلي، وليست فرنسا طرفاً فيه ولن تكون طرفاً». وأكدت كولونا بقوة أن الكولونيل داميبا «لم يوجد أبداً في السفارة الفرنسية أو مع العسكريين الفرنسيين»، وكررت أمس أن الشائعات المغرضة التي تم تناقلها كانت تستهدف الإساءة لفرنسا. وبعد النداء الذي وجهه الكابتن تراوريه لعدم التعرض للمصالح الفرنسية وإدانة الأعمال التخريبية التي حصلت، رحبت الوزيرة الفرنسية بدعوته وأملت باحترامها، وبأن تتوقف محاولات استهداف المصالح الفرنسية.
يتعين الاعتراف أن الأداء الفرنسي في أفريقيا لم يكن دائماً متصفاً بالحيادية. لكن هذه الحيادية لا يبدو أنها ستكون كافية اليوم من أجل أن تحافظ باريس على موقعها في منطقة الساحل وغرب أفريقيا بشكل عام، ناهيك عن الدول الناطقة بالفرنسية التي تشهد محاولات متنوعة الأشكال لإزاحة باريس عن مواقعها السابقة. وأكثر من مرة، عبرت أعلى المراجع الفرنسية عن قلقها من الدور المسيء الذي تلعبه الدعاية الروسية، مستندة إلى وسائل إعلامية نشطة مثل قناة «روسيا اليوم» أو وكالة الأنباء «سبوتنيك». ويفيد تقرير بعنوان «الوسائل الإعلامية الروسية والقوة الناعمة في أفريقيا» صادر عن «معهد جنوب أفريقيا للدراسات الدولية»، أن الإعلام الروسي يكسب جمهوراً متنامياً، وأن لا أقل من 4000 موقع إعلامي أفريقي ينشر محتوى أخبار وتحليلات تنتجها وسائل إعلامية روسية أو بتأثير منها. وليست ميليشيا «فاغنر» التي تعد الذراع العسكرية العاملة لمصلحة موسكو في أفريقيا، كما في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وغيرهما، سوى إحدى الأدوات المستخدمة، إلى جانب السياسة الرسمية وأبرز تجلياتها القمم الروسية - الأفريقية التي يستضيفها عادة منتجع سوتشي بحضور الرئيس بوتين. فقمة 2019 مثلاً شهدت حضور 54 رئيس دولة وحكومة أفريقية إلى المنتجع المذكور. كذلك تجدر الإشارة إلى الجولة الواسعة التي قام بها وزير الخارجية سيرغي لافروف في أفريقيا أواخر يوليو (تموز) الماضي، التي شملت خمسة بلدان أفريقية.
ثمة عناصر تشابه عديدة بين الأوضاع التي تعيشها حالياً بوركينا فاسو وما شهدته مالي المجاورة منذ أوساط عام 2020، وأفضى، في نهاية المطاف، إلى خروج قوة «برخان»، وتدهور العلاقات بين باريس وباماكو. فكلا البلدين شهدا انقلابين عسكريين على خلفية العداء لفرنسا، والمطالبة بخروج قواتها واستبدال شركاء جدد بها. ولم تتأخر ميليشيا «فاغنر» الروسية كثيراً في الوصول إلى باماكو، التي رأى فيها المجلس العسكري الحاكم بديلاً عن القوة الفرنسية. وعلى وقع الأصوات التي نادت «فرنسا إلى الخارج»، والتي سمعت ليومين في واغادوغو، سعى زعيم الانقلاب إبراهيم تراوريه، في حديث لإذاعة «فرنسا الدولية» الناطقة بالفرنسية إلى تهدئة الأمور، مؤكداً أن الفرنسيين «شركاؤنا ونحن شركاء مع روسيا، ويمكن أن يكون لنا عدة شركاء». وتفيد تقديرات متداولة في باريس بوجود خطين داخل القوات المسلحة: الأول، يسعى لتعاون أقوى مع فرنسا، وكان ممثله الأعلى الكولونيل داميبا الذي عزل ورحل إلى لوميه، عاصمة توغو، والتيار الآخر تستهويه الدعوات الروسية، ويريد السير على خطى باماكو. ولا شك أن التدابير الأولى التي سيقررها الانقلابيون الجدد ستبين هوية التيار الذي ستكون له الغلبة.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


الصين تفرض عقوبات على شركات دفاع أميركية رداً على بيع أسلحة لتايوان

علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
TT

الصين تفرض عقوبات على شركات دفاع أميركية رداً على بيع أسلحة لتايوان

علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)

فرضت الصين عقوبات على 10 شركات دفاعية أميركية، اليوم (الخميس)، على خلفية بيع أسلحة إلى تايوان، في ثاني حزمة من نوعها في أقل من أسبوع تستهدف شركات أميركية.

وأعلنت وزارة التجارة الصينية، الخميس، أن فروعاً لـ«لوكهيد مارتن» و«جنرال داينامكس» و«رايثيون» شاركت في بيع أسلحة إلى تايوان، وأُدرجت على «قائمة الكيانات التي لا يمكن الوثوق بها».

وستُمنع من القيام بأنشطة استيراد وتصدير أو القيام باستثمارات جديدة في الصين، بينما سيحظر على كبار مديريها دخول البلاد، بحسب الوزارة.

أعلنت الصين، الجمعة، عن عقوبات على سبع شركات أميركية للصناعات العسكرية، من بينها «إنستيو» وهي فرع لـ«بوينغ»، على خلفية المساعدات العسكرية الأميركية لتايوان أيضاً، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

مركبات عسكرية تايوانية مجهزة بصواريخ «TOW 2A» أميركية الصنع خلال تدريب على إطلاق النار الحي في بينغتونغ بتايوان 3 يوليو 2023 (رويترز)

وتعد الجزيرة مصدر خلافات رئيسي بين بكين وواشنطن. حيث تعد الصين أن تايوان جزء من أراضيها، وقالت إنها لن تستبعد استخدام القوة للسيطرة عليها. ورغم أن واشنطن لا تعترف بالجزيرة الديمقراطية دبلوماسياً فإنها حليفتها الاستراتيجية وأكبر مزود لها بالسلاح.

وفي ديسمبر (كانون الأول)، وافق الرئيس الأميركي، جو بايدن، على تقديم مبلغ (571.3) مليون دولار، مساعدات عسكرية لتايوان.

وعدَّت الخارجية الصينية أن هذه الخطوات تمثّل «تدخلاً في شؤون الصين الداخلية وتقوض سيادة الصين وسلامة أراضيها».

كثفت الصين الضغوط على تايوان في السنوات الأخيرة، وأجرت مناورات عسكرية كبيرة ثلاث مرات منذ وصل الرئيس لاي تشينغ تي إلى السلطة في مايو (أيار).

سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني تبحر بالقرب من جزيرة بينغتان بمقاطعة فوجيان الصينية 5 أغسطس 2022 (رويترز)

وأضافت وزارة التجارة الصينية، الخميس، 28 كياناً أميركياً آخر، معظمها شركات دفاع، إلى «قائمة الضوابط على التصدير» التابعة لها، ما يعني حظر تصدير المعدات ذات الاستخدام المزدوج إلى هذه الجهات.

وكانت شركات «جنرال داينامكس» و«شركة لوكهيد مارتن» و«بيونغ للدفاع والفضاء والأمن» من بين الكيانات المدرجة على تلك القائمة بهدف «حماية الأمن والمصالح القومية والإيفاء بالتزامات دولية على غرار عدم انتشار الأسلحة»، بحسب الوزارة.