خرق ثقافي روسي لمعقل إيران في دمشق

معرض تشكيلي في قلب العاصمة السورية

زوار المعرض الذي أقيم في دارة الأمير عبد القادر الجزائري بدمشق (الشرق الأوسط)
زوار المعرض الذي أقيم في دارة الأمير عبد القادر الجزائري بدمشق (الشرق الأوسط)
TT

خرق ثقافي روسي لمعقل إيران في دمشق

زوار المعرض الذي أقيم في دارة الأمير عبد القادر الجزائري بدمشق (الشرق الأوسط)
زوار المعرض الذي أقيم في دارة الأمير عبد القادر الجزائري بدمشق (الشرق الأوسط)

كان على الزوار النساء، بملابسهن الصيفية الخفيفة والملونة، الحذر عند ولوج الأزقة الضيقة واجتياز حواجز التفتيش في حي العمارة، للوصول إلى المعرض الفني المقام في دار الأمير عبد القادر الجزائري المجاورة لمقام السيدة رقية شمال الجامع الأموي بدمشق القديمة.
كان غاليري «ليليت آرت» قد افتتح معرضه الأول في الدار، وقدم التجارب التشكيلية المختلفة للفنانين عصام درويش الذي شارك بتسع لوحات، وإسماعيل نصرة بعشرة أعمال، وعمار الشوا بعشرة أعمال أيضاً.
ولأن تلك المنطقة تعرضت لانفجار استهدف الحجاج الإيرانيين في حي الكلاسة عام 2015، فقد تحولت إلى مربع أمني إيراني أغلقت مداخله ببوابات حديدية، وانتشرت في محيطه نقاط تفتيش ودوريات حراسة مسلحة بزي أسود، وكاميرات مراقبة تدلت على سور المقام (يرتاده الحجاج الشيعة) الذي عزز بشبك حديدي ارتفاعه نحو عشرة أمتار. وانتشرت في الحي أعلام ويافطات بشعارات دينية خضراء وسوداء، ومحلات وبسطات بيع للأعلام والسبح والتذكارات الدينية والبخور، وغيرها من مظاهر تلاشت أمامها هوية دمشق السورية وضاعت لكنتها وسط خليط من اللكنات اللبنانية والعراقية والفارسية.
العديد من إشارات التعجب والاستفهام أحاطت بإقامة صالة «ليليت آرت»، معرضها التشكيلي الأول برعاية وزارة الثقافة السورية وبالتعاون مع «البيت الروسي»، في دارة الأمير عبد القادر الجزائري الذي يعود بناؤه إلى نحو 400 عام وسكنه هو منتصف القرن التاسع عشر.
وبعد سنوات كاد خلالها السوريون ينسون أزقة حي العمارة المحيطة بمقام السيدة رقية، بعد أن بات حكراً على الحجاج الشيعة، وعلى من تبقى من سكان الحي، فتحت أبواب دارة الأمير عبد القادر الجزائري الذي يحظى بمكانة خاصة لدى الدمشقيين، لدوره في حقن الدماء خلال فتنة عام 1860، وإيوائه المسيحيين الهاربين من الملاحقة، هو الذي فر من هيمنة الاستعمار الفرنسي لبلاده الجزائر.
لذا، تمكن السوريون بفضل الرعاية الروسية للمعرض، من زيارة موقع أثري ذي رمزية تاريخية وسياسية مهمة، احتضن حدثاً ثقافياً واجتماعياً له بعد سياسي يكشف عن خريطة التنافس الإيراني - الروسي على قلب دمشق التاريخي.
أحد الحراس (الغرباء)، قال لزائرة سألت عن موقع المعرض، «منذ الأسبوع ليس لنا عمل سوى إرشاد الزوار إلى دارة الجزائري»، وتابع ممازحاً: «لم نعد ننتظر سؤالهم، فبمجرد أن نلمح غرباء عن الحارة نسارع في الإشارة إلى الطريق».
«الغرباء» الذين قصدهم الحارس المسترخي على كرسيه عصراً، لا يشبهونه هو الغريب عن دمشق وعن الحي، إنهم زوار المعرض وغالبيتهم من السوريين، وقد ميزهم بحضورهم الملون الذي بدا غريباً داخل البقعة الإيرانية، زوار يشبهون اللوحات التي انتصبت في باحة الدار بألوانها الصريحة.
الشاب الذي يدرس الفنون الجميلة وزار المعرض مع صديقته، نصحها قبل التوجه إلى هناك «بارتداء ملابس فضفاضة محتشمة». وقال لنا إنه قبل ثلاثة أعوام زار الحي وحاول التقاط صورة لنافذة بيت قديم، فأوقفه الحراس لأن «التصوير ممنوع». لذا اعتبر طالب الفنون زيارته للمعرض والحي الذي يقام فيه فرصة نادرة للتعرف على تحفة معمارية دمشقية والتقاط صور لتلك الأماكن. لكن الحالة ككل أصابته بـ«الفصام»، حسب تعبيره عن مشهد وصفه بـ«السوريالي»، بقوله: «بعد أن تجتاز أزقة يخيم عليها التشدد الشيعي، تصل إلى بيت دمشقي أثري علق على بابه ورقة كتب عليها (منزل عبد القادر الجزائري)، ولدى دخولك تستقبلك لوحة كتب عليها (البيت الروسي)، ثم غرفة فخمة زينت صدرها أيقونة روسية للسيد المسيح، ومن ثم فسحة سماوية تطل عليها 38 غرفة توزعت على طابقين.
بعض الغرف الأرضية بدت مستخدمة، فهناك غرفة نوم تقع تحت سور دمشق الملاصق، وغرفة استقبال زينتها صور بطريرك روسيا إلى جانب صور عبد القادر الجزائري، وصور عائلية تخص مالك المنزل حالياً. وحول البحرة ونافورتها، لوحات المعرض وقد اكتظ الحضور، فنانين، مثقفين، صحافيين ونقاداً، يرفعون الأنخاب، وأحاديث عن مآثر الأمير الجزائري ونقاشات حول (طوشة 1860) التي أضفت على المكان خصوصية تاريخية».
ضمن الازدحام والاحتفاء، غاب حضور السلطات السورية، فلا رمز رسمي، مثل علم سوري، لا عناصر أمن أو حتى شرطة في المحيط. يضيف المتحدث: «كنا ضيوف في بيتنا»، ويكمل: «على الأرجح كلمة (سوريالي) جاءت من سوريا، إذ لن تجد مشهداً كهذا سوى في قلب دمشق الواقع تحت الاحتلالين الروسي والإيراني».
أما عن الدار التي استضافت المعرض، فقد اشتراها سمير غضبان، وهو رجل أعمال سوري - روسي، قبل عشر سنوات من ورثة آل الجزائري، وبدأ أعمال الترميم عام 2010 إلا أنه اضطر للتوقف خلال الحرب، ليعود ويباشر ترميمه بعد التدخل الروسي العسكري في سوريا خريف عام 2015، وينتهي منه عام 2018، وقد سكن فيه مع عائلته، وقرر فتحه أيضاً للأنشطة والفعاليات الثقافية بالتنسيق مع «البيت الروسي» التابع للمركز الثقافي الروسي بدمشق، وقال في تصريحات إعلامية، إن هذا المعرض هو أول نشاط بعد إعادة افتتاح الدار وترميمها، مشيراً إلى أهمية مبنى سكنه الأمير عبد القادر الجزائري الذي لعب دوراً كبيراً في المجتمع السوري، وجاء المعرض اليوم ليجسد رسالة دمشق في المحبة والسلام.
من جهته، أكد مدير المركز الثقافي الروسي في دمشق، نيكولاي سوخوف، لصحيفة «الوطن» المحلية، «الأهمية الخاصة لقصر الأمير عبد القادر الجزائري بالنسبة لروسيا»، وحسب تعبيره: «في هذا المكان، احتمى الدبلوماسيون الروس أثناء أحداث منتصف القرن التاسع عشر، وكان هذا القصر ملجأ لهم».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

وسط انتشار حوادث الطيران... هل هناك مقاعد أكثر أماناً على متن الطائرة؟

يعتقد كثيرون أن الجلوس بمؤخرة الطائرة أكثر أماناً من الجلوس في المقدمة (رويترز)
يعتقد كثيرون أن الجلوس بمؤخرة الطائرة أكثر أماناً من الجلوس في المقدمة (رويترز)
TT

وسط انتشار حوادث الطيران... هل هناك مقاعد أكثر أماناً على متن الطائرة؟

يعتقد كثيرون أن الجلوس بمؤخرة الطائرة أكثر أماناً من الجلوس في المقدمة (رويترز)
يعتقد كثيرون أن الجلوس بمؤخرة الطائرة أكثر أماناً من الجلوس في المقدمة (رويترز)

شهد العالم، خلال الأسبوعين الماضيين، تحطم طائرتين؛ إحداهما تابعة للخطوط الجوية الأذربيجانية في كازاخستان، والأخرى تابعة لشركة «جيجو إير»، وهي أكبر شركة طيران منخفض التكلفة في كوريا الجنوبية.

وقُتل في الحادث الأول 38 شخصاً، ونجا 29 راكباً، في حين قُتل جميع ركاب طائرة «جيجو إير»، باستثناء اثنين.

وبعد هذين الحادثين، انتشرت التقارير المتعلقة بوجود أماكن معينة على متن الطائرة أكثر أماناً من غيرها.

فقد أكد كثيرون صحة المعتقد القديم بأن الجلوس في مؤخرة الطائرة أكثر أماناً من الجلوس في المقدمة، مشيرين إلى أن حطام طائرة الخطوط الجوية الأذربيجانية وطائرة «جيجو إير» يؤكد هذا.

فقد كان الناجون التسعة والعشرون من حادث تحطم الطائرة الأذربيجانية يجلسون جميعاً في مؤخرة الطائرة، التي انقسمت إلى نصفين، تاركة النصف الخلفي سليماً إلى حد كبير. وفي الوقت نفسه، كانت المضيفتان اللتان جلستا في مقعديهما القابلين للطي في ذيل الطائرة، هما الناجيتين الوحيدتين من حادث تحطم الطائرة الكورية الجنوبية.

فهل هذا المعتقد صحيح بالفعل؟

في عام 2015، كتب مراسلو مجلة «تايم» أنهم قاموا بفحص سجلات جميع حوادث تحطم الطائرات في الولايات المتحدة، سواء من حيث الوفيات أم الناجين من عام 1985 إلى عام 2000، ووجدوا، في تحليل تلوي، أن المقاعد في الثلث الخلفي من الطائرة كان معدل الوفيات فيها 32 في المائة بشكل عام، مقارنة بـ38 في المائة في الثلث الأمامي، و39 في المائة في الثلث الأوسط.

كما أشاروا إلى أن المقاعد الوسطى في الثلث الخلفي من المقصورة كانت هي الأفضل، بمعدل وفيات 28 في المائة. وكانت المقاعد «الأسوأ» هي تلك الواقعة على الممرات في الثلث الأوسط من الطائرة، بمعدل وفيات 44 ف المائة.

إلا أنه، وفقاً لخبراء سلامة الطيران فهذا الأمر ليس مضموناً في العموم.

ويقول حسن شهيدي، رئيس مؤسسة سلامة الطيران، لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «لا توجد أي بيانات تُظهر ارتباطاً بين مكان الجلوس على متن الطائرة والقدرة على البقاء على قيد الحياة. كل حادث يختلف عن الآخر».

من جهته، يقول تشنغ لونغ وو، الأستاذ المساعد في كلية الطيران بجامعة نيو ساوث ويلز في سيدني: «إذا كنا نتحدث عن حادث تحطم مميت، فلن يكون هناك أي فرق تقريباً في مكان الجلوس».

أما إد غاليا، أستاذ هندسة السلامة من الحرائق في جامعة غرينتش بلندن، والذي أجرى دراسات بارزة حول عمليات إخلاء حوادث تحطم الطائرات، فقد حذر من أنه «لا يوجد مقعد سحري أكثر أماناً من غيره».

ويضيف: «يعتمد الأمر على طبيعة الحادث الذي تتعرض له. في بعض الأحيان يكون المقعد الأمامي أفضل، وأحياناً أخرى يكون الخلفي آمن كثيراً».

ويرى مختصون أن للمسافر دوراً في تعزيز فرص نجاته من الحوادث عبر عدة طرق، من بينها الإنصات جيداً إلى تعليمات السلامة، وقراءة كتيب تعليمات الأمان المتوفر بجيب المقعد أمامك، ودراسة مخارج الطوارئ جيداً، وتحديد الأقرب إليك، وتجنب شركات طيران ذات سجل السلامة غير الجيد.