أزمة موسيقية مصرية - إسرائيلية على نغمات «رأفت الهجان»

جمعية «المؤلفين والملحنين» قدمت بلاغاً إلى «ساسام» لحفظ حقوقها

لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (أرشيفية)
لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (أرشيفية)
TT

أزمة موسيقية مصرية - إسرائيلية على نغمات «رأفت الهجان»

لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (أرشيفية)
لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (أرشيفية)

بينما تستعد مصر للاحتفال بذكرى «انتصار أكتوبر (تشرين الأول)»، في السادس من شهر أكتوبر الجاري، بالتزامن مع احتفاء الشاشات المحلية بأعمال درامية وطنية مهمة، أثار اتهام صناع فيلم إسرائيلي بـ«سرقة الموسيقى التصويرية» لمسلسل (رأفت الهجان) المصري، ردوداً واسعة في مصر، كما أعاد للواجهة مجدداً أزمة السرقات الفنية لأعمال مصرية عبر أغنيات وأفلام إسرائيلية.
وعرضت منصة «نتفليكس» فيلماً بعنوان «Tel Aviv On Fire»، الذي استعان مخرجه بالموسيقى التصويرية الخاصة بالمسلسل المصري «رأفت الهجان».
وفجر الموزع الموسيقي المصري محمد شفيق، الجدل حول الأزمة، حيث كتب عبر حسابه بموقع «فيسبوك»: «فيلم إسرائيلي على Netflix اسمه «Tel Aviv On Fire، الموسيقى التصويرية بتاعته هي موسيقى رأفت الهجان تأليف الراحل العظيم عمار الشريعي، وتساءل شفيق قائلاً أين جمعية المؤلفين والملحنين من هذه السرقة العلنية»، على حد تعبيره.
وبحسب الكاتبة هالة العيسوي الصحافية المتخصصة بالشؤون الإسرائيلية بصحيفة «الأخبار» المصرية فإن «الأغاني المصرية بداية من سيد درويش وداود حسني وأم كلثوم وعبد الوهاب، وحتى الأغاني المصرية الحديثة يتم بثها عبر محطات الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية منذ سنوات طويلة».
وتضيف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «بحكم متابعتي لبعض القنوات الإسرائيلية العامة، هناك قناة تبث إرسالها باللغة العربية، تعرض بشكل دائم أفلاماً مصرية قديمة بالأبيض والأسود وبعض الأفلام الملونة من إنتاج السبعينات، أما الأغاني التي تتم إذاعتها فهي كثيرة لجيل العمالقة وكل رموز الغناء، وهناك مطربون إسرائيليون يأخذون اللحن ويقومون بوضع كلمات عبرية عليه مثلما حدث مع أغنية عبد الحليم حافظ «على حسب وداد قلبي».

وتؤكد العيسوي: «المشكلة أن أصحاب هذه الحقوق لا يعرفون بها إلا إذا عرضت على مواقع التواصل الاجتماعي أو المنصات».
ويرى الناقد الموسيقي أمجد مصطفى أن السرقات التي تتم للأعمال الفنية المصرية في إسرائيل صارت أمراً معتاداً بكل أسف، وتسببت في إهدار حقوق بالملايين سواء عن أفلام أو أغانٍ.
ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «هناك أعمال موسيقية مصرية عديدة لكبار الموسيقيين تعرضت للسطو على غرار أعمال محمد الموجي وبليغ حمدي ومحمد عبد الوهاب، وحتى نجوم الثمانينات والتسعينات مثل عمرو دياب ومحمد فؤاد وهشام عباس وعلي حميدة، وأي أغنية مصرية تحقق نجاحاً يؤخذ اللحن ويتم وضع كلمات عبرية عليه بأصوات مطربين إسرائيليين، وبعضهم يجمع بين مقاطع بالعربية وأخرى بالعبرية على اللحن نفسه، وهذا أمر يتكرر على مر الزمن وليس جديداً عليهم، وأذكر أن ورثة الموسيقار محمد الموجي قاموا برفع قضية دولية ضد بعض إسرائيليين خارج مصر.
ويضيف مصطفى أن جمعية المؤلفين والملحنين تخاطب هيئة (ساسام) بفرنسا لحفظ حقوق الملحنين والمؤلفين المصريين عن هذه الأعمال.
بدوره، قال الشاعر فوزي إبراهيم أمين عام جمعية المؤلفين والملحنين في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «الجمعية قامت بإبلاغ (هيئة الإدارة الجماعية لحقوق المؤلفين والملحنين - ساسام - الموجودة بفرنسا بناءً على ما نشر من سرقة ألحان موسيقى مسلسل (رأفت الهجان) في فيلم إسرائيلي، وسوف تتولى هذه الهيئة التحقيق في الأمر باعتبارها الجهة الوحيدة التي تتولى أي تعامل للموسيقى المصرية خارج الحدود، طبقاً لبروتوكول «معاملة بالمثل» وقعته مع 129 دولة للحفاظ على حقوق المؤلفين والملحنين في جميع أنحاء العالم.

ويضيف: «لا أستطيع أن أجزم إذا ما كانت الاستعانة بموسيقى المسلسل في الفيلم الإسرائيلي قد تمت بشكل قانوني أم لا، وسوف تبحث ذلك الهيئة في باريس ذلك وتوافينا به، كما أن الجمعية الفرنسية حين ترسل مستحقات لملحنين لا تحدد سوى الدولة التي وردت منها دون تفاصيل، وقد شاهدنا كأعضاء مجلس إدارة الفيلم الإسرائيلي الذي استخدم موسيقى رأفت الهجان كخلفية لبعض المشاهد، وبعضها مشاهد عاطفية.
وكان مسلسل «الأسطورة» لمحمد رمضان قد عرضته قبل خمس سنوات إحدى القنوات الإسرائيلية مصحوباً بترجمة عبرية ما حدا بمجموعة «إم بي سي» المنتجة له إلى إصدار بيان تنفي فيه التعاقد على عرضه بالقناة الإسرائيلية، وتؤكد تعرضها للقرصنة.
يذكر أن مسلسل رأفت الهجان هو مسلسل درامي مصري قدم عبر ثلاثة أجزاء، بدءاً من عام 1987 ويناقش أحد ملفات المخابرات المصرية، وهي سيرة المصري «رفعت علي سليمان الجمال» الذي تجسس لصالح المخابرات المصرية ولعب دوراً بارزاً خلال فترة الإعداد لحرب أكتوبر 1973، وحقق المسلسل الذي كتبه الأديب صالح مرسي وأخرجه يحيى العلمي وقام ببطولته محمود عبد العزيز، يسرا، عفاف شعيب، يوسف شعبان، إضافة لمجموعة كبيرة من الممثلين، نجاحاً كبيراً على مستوى الوطن العربي، حيث كانت شوارع المدن العربية تخلو من المارة وقت عرضه، كما كانت الموسيقى التصويرية التي أبدعها الموسيقار عمار الشريعي أحد العناصر المميزة التي أسهمت في نجاحه.


مقالات ذات صلة

بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

يوميات الشرق بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

تقدمت كريستين باومغارتنر، الزوجة الثانية للممثل الأميركي كيفين كوستنر، بطلب للطلاق، بعد زواجٍ دامَ 18 عاماً وأثمر عن ثلاثة أطفال. وذكرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية أن الانفصال جاء بسبب «خلافات لا يمكن حلُّها»، حيث تسعى باومغارتنر للحضانة المشتركة على أطفالهما كايدين (15 عاماً)، وهايس (14 عاماً)، وغريس (12 عاماً). وكانت العلاقة بين كوستنر (68 عاماً)، وباومغارتنر (49 عاماً)، قد بدأت عام 2000، وتزوجا عام 2004.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق متحف «المركبات» بمصر يحيي ذكرى الملك فؤاد الأول

متحف «المركبات» بمصر يحيي ذكرى الملك فؤاد الأول

افتتح متحف المركبات الملكية بمصر معرضاً أثرياً مؤقتاً، اليوم (الأحد)، بعنوان «صاحب اللقبين فؤاد الأول»، وذلك لإحياء الذكرى 87 لوفاة الملك فؤاد الأول التي توافق 28 أبريل (نيسان). يضم المعرض نحو 30 قطعة أثرية، منها 3 وثائق أرشيفية، ونحو 20 صورة فوتوغرافية للملك، فضلاً عن فيلم وثائقي يتضمن لقطات «مهمة» من حياته. ويشير عنوان المعرض إلى حمل فؤاد الأول للقبين، هما «سلطان» و«ملك»؛ ففي عهده تحولت مصر من سلطنة إلى مملكة. ويقول أمين الكحكي، مدير عام متحف المركبات الملكية، لـ«الشرق الأوسط»، إن المعرض «يسلط الضوء على صفحات مهمة من التاريخ المصري، من خلال تناول مراحل مختلفة من حياة الملك فؤاد».

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق وضع تسلسل كامل لجينوم «اللبلاب» المقاوم لتغير المناخ

وضع تسلسل كامل لجينوم «اللبلاب» المقاوم لتغير المناخ

قام فريق بحثي، بقيادة باحثين من المعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية بكينيا، بوضع تسلسل كامل لجينوم حبة «فول اللبلاب» أو ما يعرف بـ«الفول المصري» أو «الفول الحيراتي»، المقاوم لتغيرات المناخ، بما يمكن أن يعزز الأمن الغذائي في المناطق المعرضة للجفاف، حسب العدد الأخير من دورية «نيتشر كومينيكيشن». ويمهد تسلسل «حبوب اللبلاب»، الطريق لزراعة المحاصيل على نطاق أوسع، ما «يجلب فوائد غذائية واقتصادية، فضلاً على التنوع الذي تشتد الحاجة إليه في نظام الغذاء العالمي».

حازم بدر (القاهرة)
يوميات الشرق «الوثائقية» المصرية تستعد لإنتاج فيلم عن «كليوباترا»

«الوثائقية» المصرية تستعد لإنتاج فيلم عن «كليوباترا»

في رد فعل على فيلم «الملكة كليوباترا»، الذي أنتجته منصة «نتفليكس» وأثار جدلاً كبيراً في مصر، أعلنت القناة «الوثائقية»، التابعة لـ«الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بمصر»، اليوم (الأحد)، «بدء التحضير لإنتاج فيلم وثائقي عن كليوباترا السابعة، آخر ملوك الأسرة البطلمية التي حكمت مصر في أعقاب وفاة الإسكندر الأكبر». وأفاد بيان صادر عن القناة بوجود «جلسات عمل منعقدة حالياً مع عدد من المتخصصين في التاريخ والآثار والأنثروبولوجيا، من أجل إخضاع البحوث المتعلقة بموضوع الفيلم وصورته، لأقصى درجات البحث والتدقيق». واعتبر متابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي هذه الخطوة بمثابة «الرد الصحيح على محاولات تزييف التار

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق مؤلفا «تحت الوصاية» لـ«الشرق الأوسط»: الواقع أصعب مما طرحناه في المسلسل

مؤلفا «تحت الوصاية» لـ«الشرق الأوسط»: الواقع أصعب مما طرحناه في المسلسل

أكد خالد وشيرين دياب مؤلفا مسلسل «تحت الوصاية»، أن واقع معاناة الأرامل مع «المجلس الحسبي» في مصر: «أصعب» مما جاء بالمسلسل، وأن بطلة العمل الفنانة منى زكي كانت معهما منذ بداية الفكرة، و«قدمت أداء عبقرياً زاد من تأثير العمل». وأثار المسلسل الذي تعرض لأزمة «قانون الوصاية» في مصر، جدلاً واسعاً وصل إلى ساحة البرلمان، وسط مطالبات بتغيير بعض مواد القانون. وأعلنت شركة «ميديا هب» المنتجة للعمل، عبر حسابها على «إنستغرام»، أن «العمل تخطى 61.6 مليون مشاهدة عبر قناة (DMC) خلال شهر رمضان، كما حاز إشادات عديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي». وكانت شيرين دياب صاحبة الفكرة، وتحمس لها شقيقها الكاتب والمخرج خالد د

انتصار دردير (القاهرة)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)
الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)
TT

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)
الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

كان كلّما سُئل عن أقصى أحلامه، يجيب شارل أزنافور: «أن أغنّي على المسرح حتى عمر الـ100». رحل قبل 6 سنوات من تحقيق الحلم، لكنّه أبى إلا أن يطلّ على الجمهور في مئويّته من خلال فيلم «Monsieur Aznavour» (السيّد أزنافور) الذي بدأ عرضُه في الصالات العربية في ديسمبر (كانون الأول)، بعد أن كانت الانطلاقة في فرنسا في أكتوبر (تشرين الأول) 2024.

ليس من الممكن اختصار عملاق الأغنية الفرنسية بساعتَين سينمائيتَين، غير أنّ الفيلم الذي يتّخذ شكل سيرة ذاتية، على قدرٍ عالٍ من الطموح والإتقان. يسرد بسلاسةٍ وبساطة، ومن دون تبجيل، المراحل الأساسية من حياة الفنان الفرنسي الذي لم يتخلّ يوماً عن أصوله الأرمنية.

هو شارل أزنافوريان، الطفل الدائم الابتسامة، الذي نراه في بداية الفيلم وسط عائلته المهاجرة إلى باريس. أبٌ وأمٌ وولدان يحترفون الغناء والرقص والفرح، رغم الفقر وضيق العيش والاحتلال النازيّ إبّان الحرب العالمية الثانية. كبر شارل في غرفةٍ صغيرة لم تتّسع سوى للأحلام والموسيقى، فكان لا بدّ للطريق من أن يرتسم واضحاً أمامه: الفن وخشبة المسرح.

يسلك الفيلم خطاً تاريخياً تصاعدياً، فلا يتضمّن فقرات استرجاع زمني، ولا يخلط مراحل السيرة. أما الإخراج فليس مدّعياً ولا فضفاضاً، رغم ميزانيةٍ تخطّت الـ25 مليون يورو. هذه المعالجة الزمنية الكلاسيكية اعتمدها الكاتبان والمخرجان مهدي إيدير وفابيان مارسو المعروف بـ(Grand Corps Malade)، في مسعىً منهما إلى الإخلاص قدر المستطاع لتاريخ أزنافور الحافل.

مخرجا وكاتبا «Monsieur Aznavour» مهدي إيدير وفابيان مارسو (باتيه فيلم)

اللافت أن أزنافور، ولدى استشارته قبل وفاته في إمكانية تصوير فيلم عن حياته، كان قد منحَ بركتَه لإيدير ومارسو، معبّراً عن إعجابه بأعمالٍ سابقة لهما. ثم أتى الإنتاج ليغلّف الفيلم بمعطفٍ عائليّ، إذ تولّى العملية الإنتاجية صهر أزنافور جان رشيد قالوش. وحتى تكتمل البصمة العربية، بما أنّ قالوش وإيدير من أصول جزائرية، جرى اختيار الممثل طاهر رحيم لأداء دور البطولة، وهو أيضاً جزائريّ الأصل.

لا بدّ من الاعتراف لرحيم بمجهوده الهائل في تجسيد الشخصية الاستثنائية. الممثل البالغ 43 عاماً أدّى مراحل حياة أزنافور كلّها، مع العلم بأنّ التركيز انصبّ على الفترة الممتدّة ما بين البدايات الفنية في سنّ الـ20، وأولى سنوات المجد وما بعدها، أي حتى سنّ الـ50.

بذل طاهر رحيم مجهوداً هائلاً في تجسيد شخصية أزنافور (باتيه فيلم)

وفق حوارات صحافية أجريت معه، فقد تدرّب رحيم 6 أشهر على تقمّص شخصية أزنافور. خلال نصف سنة، اقتصرت مشاهداتُه على أرشيف الفنان الخاص والعام، كما التقى مطوّلاً أفراد عائلته للتعرّف أكثر إلى وجهه الآخر. لم يقف الممثل عند هذا الحدّ من أجل تركيب الشخصية، بل أصرّ على أداء أغاني الفيلم بصوته بعد أن خضع لتدريبٍ طويلٍ وقاسٍ. بدا التشابه صادماً في أغنيات مثل «Emmenez-Moi»، و«La Boheme»، و«Les Comediens»، مما دفع ببعض النقّاد إلى القول إنّه جرى دمج صوتَي أزنافور ورحيم بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ وهو أمرٌ غير مستبعَد.

أغاني أزنافور هي زينة الفيلم وقد أصرّ رحيم على أدائها بصوته (باتيه فيلم)

إذا كان في الغناء بعض الاستنساخ، فإنّ أداء السيناريو هو بصوت رحيم الأصليّ، وهنا يبرز المجهود الحقيقي؛ فعندما يتكلّم الممثل يظنّ السامع أنها نبرة أزنافور نفسه. كما تلعب الحركة الجسمانية والإيماءات الخاصة دوراً إضافياً في الإقناع.

على الرغم من الماكياج والمؤثرات التي كان يستغرق تنفيذها 4 ساعات خلال كل يوم تصوير، لم يتحقّق هدف التشابه في الملامح. لكن ليس بالشبَه وحدَه تحيا أفلام السيرة، فرحيم يملأ موقعه ولا يُفقد الشخصية بريقَها، وذلك من دون أن يقع في فخّ التقليد.

مشهد اللقاء الأول بين أزنافور وزوجته الثالثة أوللا تورسيل (باتيه فيلم)

يسير «Monsieur Aznavour» على إيقاع أبرز أغنيات الفنان وهي زينةُ الفيلم. يُقسم العمل إلى 5 فصول؛ على خلفيّة «Les Deux Guitares» (القيثارتان) ذات النغمات الأرمنية، ينطلق مسترجعاً طفولة المغنّي المحفوفة بذكريات الإبادة الأرمنية والهجرة الصعبة إلى فرنسا. أما الفصل الثاني فمخصّص لأولى سنوات شبابه «Sa Jeunesse»، وبداياته في عالم الكتابة والغناء. قد تُوقِعُ هذه السرديّة الكلاسيكية العمل في الرتابة، لكن سرعان ما يحلّ الفصل الثالث بعنوان «La Boheme» ليبثّ الحياة في الفيلم، لا سيّما مع دخول شخصية المغنية إديث بياف والتي تؤدّيها ببراعة الممثلة ماري جولي باوب.

شكّلت بياف نقطة تحوّل في مسيرة أزنافور، فهي التي وضعته في واجهة حفلاتها ليفتتحها بصوته، وهي التي شجّعته على الخضوع لجراحة تجميلية للأنف. وضمن إطار صداقتهما الاستثنائية، حثّته على سلوك طريقٍ فني منفرد بعد أن استمرت شراكته الغنائية مع بيار روش (تمثيل باستيان بويون) لسنوات.

لم تلعب بياف دوراً محورياً في حياة أزنافور فحسب، بل هي أحد القلوب النابضة للفيلم، كما أنها تستحق كل مشهدٍ خُصِص لها فيه، حتى وإن بدا طويلاً؛ كل ذلك بفَضل موهبة الممثلة الآسرة.

إديث بياف... نقطة تحوّل في مسيرة أزنافور وأحد القلوب النابضة للفيلم (باتيه فيلم)

لعلّ أجمل ما يصوّره الفيلم هو صعود أزنافور، القصير القامة والعاديّ الملامح وصاحب الصوت المجروح، من مغنٍ منبوذٍ من الصحافة والجمهور إلى أيقونة الأغنية الفرنسية وسفيرها إلى العالم. لم يؤمن بالحظّ بل بالعمل 17 ساعة يومياً. لم ينم على الحرير بل حاك ثوبه بخيوط المثابرة. حتى الرمق الأخير، ألّف شارل أزنافور الأغاني وجال بها العواصم. لكنّ البداية لم تكن مفروشةً بالورد، فهو غنّى أمام قاعاتٍ شبه خالية، وأصدرَ أسطوانات لم تحقق أي مبيعات، وتعرّض للشتيمة من النقّاد. وسط ذلك كله، تسلّح بصبره وبعشقٍ للنجاح أفرطَ الفيلم في تجسيده، إلى درجة أنه كاد يصوّره رجلاً مهووساً بالشهرة والمال.

يصوّر الفيلم جزءاً من رحلة الصعود المتعثّرة في بدايات أزنافور (باتيه فيلم)

من بين الهفوات التي قد يُلام عليها الفيلم كذلك، أنه غيّب بعض الوقائع مثل زواج أزنافور الثاني، وتفاصيل سنوات الفقر الطويلة، إضافةً إلى شراكته مع مدير أعماله ليفون سايان والتي امتدّت 40 عاماً.

في المقابل، أضاء «Monsieur Aznavour» على نواحٍ أخرى من حياته مثل زواجه الثالث من حبيبته السويدية أوللا، وعلاقته العميقة بشقيقته عايدة، ليبقى الجزء الأكثر تأثيراً وفاة ابنه باتريك في سن الـ25، الأمر الذي حمّل أزنافور أحزاناً ثقيلة وأسئلةً وجوديّة رافقته إلى آخر العمر، وإلى آخر سطر من أغانيه الـ1300.