جدل في لبنان حول مهمة البرلمان بعد اشتراط بري «التوافق» على الرئيس الجديد

امتناعه عن تحديد موعد لجلسة انتخابية ثانية شكّل مفاجأة لدى الخبراء الدستوريين

الرئيس نبيه بري يتابع فرز أصوات النواب في الدورة الأولى لانتخاب رئيس جديد (أ.ب)
الرئيس نبيه بري يتابع فرز أصوات النواب في الدورة الأولى لانتخاب رئيس جديد (أ.ب)
TT

جدل في لبنان حول مهمة البرلمان بعد اشتراط بري «التوافق» على الرئيس الجديد

الرئيس نبيه بري يتابع فرز أصوات النواب في الدورة الأولى لانتخاب رئيس جديد (أ.ب)
الرئيس نبيه بري يتابع فرز أصوات النواب في الدورة الأولى لانتخاب رئيس جديد (أ.ب)

ما إن رُفِعت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اللبناني دون تحديد موعدٍ لجلسة ثانية، حتى تضاربت الآراء القانونية والدستورية حول وظيفة البرلمان اللبناني ودوره في المهلة الفاصلة عن انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وما إذا تحوّل لمجرّد هيئة انتخابية، أم أنه ما زال يملك القدرة على التشريع وسنّ القوانين الجديدة، وإمكان منح الثقة للحكومة الجديدة في حال لو تشكّلت خلال هذا الشهر.
وشكّل امتناع رئيس مجلس النواب نبيه برّي عن تحديد جلسة ثانية لانتخاب الرئيس، مفاجأة لدى الخبراء القانونيين والدستوريين؛ ما أعطى هذا التوجه بعداً سياسياً، خصوصاً أن برّي اشترط تأمين التوافق على اسم الرئيس قبل الدعوة لجلسة جديدة، غير أن رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية المحامي بول مرقص، اعتبر أن «القواعد الدستورية تفترض إبقاء الدورات الانتخابية متتالية ودون فواصل زمنية طويلة، وأن يثابر المجلس على الدورات الانتخابية إلى حين انتخاب الرئيس، دون تطعيمها بدورات تشريعية أو رقابية». وأشار مرقص في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الرئيس نبيه برّي «فسّر المادة 75 من الدستور على نحو حرفي، والتي تقيّد المجلس وتجعل منه هيئة انتخابية حصراً إذا كان ملتئماً، فرفع جلسة الانتخاب (التي انعقدت الخميس) واعتبر أن المجلس لم يعد ملتئماً؛ ما يمكنه من استعادة صلاحياته التشريعية والرقابية على اعتبار أن حصر دور المجلس بالانتخاب هو قيد يفسّر حصراً ولا يجوز التوسع فيه».
وفتح رفع الجلسة الباب على استنتاجات وتفسيرات، ترجّح وضع الاستحقاق الرئاسي أمام احتمالين، إما التسوية أو البقاء في دوّامة الفراغ كما حصل في استحقاقات سابقة، وقال المحامي بول مرقص «كان من الأسلم برأيي عقد جلسات متتالية دون انقطاع، في ضوء القواعد الدستورية أعلاه، لا سيما لناحية التفسير في ضوء مجمل أحكام الدستور وليس بحرفية المواد، حتى لا يضيع مقصد المشترع الدستوري الذي افترض الاستمرار في الالتئام في دورات متتالية حتى لا ندخل في متاهات التأجيل والوصول إلى الفراغ في سدّة الرئاسة كما حصل قبل انتخاب كل من الرئيسين ميشال عون وميشال سليمان».
ويرى الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك، أنه عندما تكون النصوص الدستورية شديدة الوضوح، فهي لا تحتمل التأويل والاستنتاج، ويجزم مالك أن المجلس «بات مقيّداً بانتخاب رئيس الجمهورية، ولا يمكنه الذهاب إلى جلسات تشريعية». وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المادة 49 من الدستور اللبناني تتحدث عن دورات لانتخاب الرئيس وليس جلسات، وهذه الدورات إما تحصل في يوم واحد أو أيام متتالية». ولفت إلى أن «الجلسة التي افتتحت يوم الخميس (الماضي)، ما زالت قائمة ولا يمكن أن تغلق إلا مع انتخاب رئيس الجمهورية». وأضاف المحامي مالك «في الدورة الأولى يشترط انتخاب الرئيس بأكثرية ثلثي أعضاء المجلس النيابي، أما في الدورات التي ستعقد لاحقاً، فإن نصاب الجلسة يحتاج إلى ثلثين، أما الرئيس فينتخب بالأكثرية المطلقة، وهي نصف أعضاء المجلس زائد واحداً، أي 65 نائباً». وشدد على أن «الدستور يجعل من البرلمان مجرّد هيئة ناخبة، لا يستطيع التشريع ولا إعطاء الثقة للحكومة إذا تشكلت، إلا إذا أراد البعض أن يفسّر الدستور وفق هواه السياسي».
المقاربة التي يقدّمها خبراء القانون والدستور، تقابلها قراءة سياسية ودستورية مختلفة للفريق الممسك بورقة البرلمان، ويرى عضو كتلة التحرير والتنمية (التي يرأسها برّي) النائب قاسم هاشم، أن «مضمون المادة 75 من الدستور واضح، وهو أنه بمجرّد رفع الجلسة الأولى وختم المحضر، يصبح المجلس في حاجة إلى دعوة جديدة للانعقاد». ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن بري «سيدعو إلى جلسات انتخاب عندما يتأمن التوافق على اسم الرئيس العتيد، لكن بانتظار هذا التوافق يمكن للمجلس أن يمارس دوره التشريعي المطلق».
كلام رئيس مجلس النواب الذي اختتم به جلسة الخميس، وتأكيده أنه ينتظر «توافق الـ128 نائباً لانتخاب الرئيس وإنقاذ البلد»، فسّره مراقبون على أنه تمهيد للدخول بمرحلة طويلة من الفراغ، بسبب تعذّر توافق جميع أعضاء البرلمان، لكنّ النائب هاشم أوضح، أن «جلسة الأمس (الخميس) كشفت عن كلّ الأوراق والتوجهات لدى الكتل النيابية، وأسقطت الرهان على تحالفات جديدة». وشدد على أن «ما حصل في جلسة انتخاب الرئيس، يظهر مدى الحاجة للبحث عن توافق؛ إذ لا يمكن لفريق أن يفرض رأيه على الآخرين». وتوقف النائب هاشم عند دعوة البعض إلى التئام المجلس حكماً في الأيام العشرة الأخيرة قبل انتهاء ولاية الرئيس عون، فذكّر بأنه «طالما أن رئيس المجلس دعا إلى أول جلسة انتخابية، فقد أسقط إلزامية انعقاد المجلس حكماً، ولا يمكن عقد جلسة إلّا إذا حدد رئيس مجلس النواب موعدها».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

الاتحاد الأوروبي: الإعادة القسرية للسوريين غير ممكنة حالياً

مركب يحمل مهاجرين من مصر والبنغال وسوريا وإثيوبيا والسودان انطلق من تونس ووصل إلى ميناء لامبيدوسا الإيطالي في 19 سبتمبر الماضي (أرشيفية - إ.ب.أ)
مركب يحمل مهاجرين من مصر والبنغال وسوريا وإثيوبيا والسودان انطلق من تونس ووصل إلى ميناء لامبيدوسا الإيطالي في 19 سبتمبر الماضي (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

الاتحاد الأوروبي: الإعادة القسرية للسوريين غير ممكنة حالياً

مركب يحمل مهاجرين من مصر والبنغال وسوريا وإثيوبيا والسودان انطلق من تونس ووصل إلى ميناء لامبيدوسا الإيطالي في 19 سبتمبر الماضي (أرشيفية - إ.ب.أ)
مركب يحمل مهاجرين من مصر والبنغال وسوريا وإثيوبيا والسودان انطلق من تونس ووصل إلى ميناء لامبيدوسا الإيطالي في 19 سبتمبر الماضي (أرشيفية - إ.ب.أ)

قال المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة، الخميس، إن الإعادة القسرية للسوريين إلى وطنهم «غير ممكنة» في الوقت الحالي، بعد إعلان النمسا أنها تخطط للقيام بذلك.

وأشارت فيينا، هذا الأسبوع، إلى أنها تنوي ترحيل اللاجئين السوريين بعد إطاحة فصائل المعارضة بالرئيس بشار الأسد.

لكن المفوض الأوروبي للشؤون الداخلية والهجرة واللجوء ماغنوس برونر، وهو نمساوي، أوضح بعد محادثات مع وزراء الداخلية في بروكسل أن خطوة كهذه ستكون سابقة لأوانها.

وقامت فصائل المعارضة السورية بقيادة «هيئة تحرير الشام» بتعيين رئيس وزراء لفترة موقتة تنتهي في مارس (آذار)، وتعهدت بتحقيق دولة القانون والمؤسسات في سوريا.

لقطة جوية تُظهر رجلاً سورياً يلوّح بعَلم الاستقلال السوري في ساحة الأمويين بوسط دمشق (أ.ف.ب)

ولكن ارتباط الهيئة السابق بـ«القاعدة» في سوريا جعل فرح الإطاحة بالأسد مصحوباً بحالة من عدم اليقين بشأن مستقبل الدولة المتعددة الأعراق والمذاهب.

وقال برونر في مؤتمر صحافي: «في الوقت الراهن، أود أن أقول إن العودة القسرية غير ممكنة»، مشيراً إلى أن العودة الطوعية قد تكون أكثر جاذبية للسوريين الذين يحتفلون بنهاية حكم الأسد القاسي.

أضاف برونر: «بما أن الوضع لا يزال متقلباً، علينا التركيز على العودة الطوعية»، داعياً الاتحاد الأوروبي إلى تقديم الدعم المادي للراغبين بالعودة.

وأشار برونر إلى أنه «عندما يتعلق الأمر بمسألة المال، نعم، أعتقد أنه علينا أن نفعل شيئاً».

سوريون يرفعون علامة النصر ويلوّحون بأعلام سوريا احتفالاً بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد في ساحة الأمويين بدمشق 11 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

وتسببت الحرب في سوريا التي أشعل فتيلها الأسد بقمعه الدموي للاحتجاجات عام 2011، بأزمة المهاجرين، وخصوصاً في أوروبا التي شهدت وصول أكثر من مليون شخص عام 2015.

وفي أعقاب الإطاحة بالأسد، جمدت دول عدة في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا، درس طلبات اللجوء الجديدة التي قدمها مواطنون سوريون، مع وجود أكثر من 100 ألف حالة معلقة في جميع أنحاء دول التكتل حتى نهاية أكتوبر (تشرين الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.