الإيطاليون يدخلون «عصر ميلوني»... وحنينه السياسي

أمام تداعيات الداخل وردات فعل أوروبا

ميلوني... بعد انتصارها (أ.ب)
ميلوني... بعد انتصارها (أ.ب)
TT

الإيطاليون يدخلون «عصر ميلوني»... وحنينه السياسي

ميلوني... بعد انتصارها (أ.ب)
ميلوني... بعد انتصارها (أ.ب)

منذ مطالع القرن الماضي وإيطاليا أشبه بمختبر سياسي لأوروبا، تنشأ فيها حركات وتعتمل تيارات وتجارب للمرة الأولى، ولا تلبث أن تنكفئ وتتلاشى حتى تظهر مجدداً في أماكن أخرى بحلة جديدة... وغالباً أكثر تطوراً ورسوخاً.. من الفاشية التي كانت مصدر الإلهام الأول للنازية، إلى الديمقراطية المسيحية التي انتشرت لاحقاً في عدد من الدول الأوروبية. ومن ثم، من الحركة الأورو - شيوعية التي أخرجها أنريكو برلينغوير من دائرة التبعية للاتحاد السوفياتي لتصبح الحزب الشيوعي الأقوى والأقرب للحكم في أوروبا الغربية، ولاحقاً، من اندثار الأحزاب التقليدية - وفي طليعتها اليسارية والديمقراطية المسيحية... حتى الوصول إلى الرائد الأول للشعبوية اليمينية الحديثة سيلفيو برلوسكوني والصعود السريع لحركات مناهضة النظام القائم والخروج عن الأعراف وقواعد اللعبة السياسية الكلاسيكية. وها هي اليوم تقدّم للاتحاد الأوروبي أولى تجارب وصول اليمين المتطرف إلى الحكم بعد الفوز الذي حققه الائتلاف الذي يقوده حزب الفاشيين الجدد «إخوان إيطاليا» بقيادة «المرأة الحديدية الجديدة» جيورجيا ميلوني التي ستصبح أول امرأة تتولّى رئاسة الحكومة في تاريخ إيطاليا، والمرآة التي تتهيّب أوروبا النظر فيها إلى مستقبلها السياسي.
بعدما تولّت مارغريت ثاتشر رئاسة الحكومة البريطانية وأنجيلا ميركل منصب المستشارة في ألمانيا، وكذلك تكرار التجربة مرات عدة في البلدان الإسكندينافية، ومع وجود أورسولا فون در لاين على رأس المفوضية الأوروبية، لم يعد وصول امرأة إلى قمة السلطة الإجرائية في أوروبا الغربية يشكّل حدثاً بارزاً في المشهد السياسي القاري. غير أن وصول جيورجيا ميلوني إلى رئاسة الحكومة الإيطالية بعد الفوز الساحق الذي حققه حزبها «إخوان إيطاليا» في انتخابات الأحد الفائت، كان من أبرز التحولات السياسية التي شهدتها أوروبا خلال السنوات الأخيرة. لقد كان نقطة تحوّل تستدعي التوقف عندها لاستشراف صورة المستقبل السياسي الذي قد يكون يعتمل في بلدان الاتحاد الأوروبي، وربما في الدول الغربية.
إذ إن الحزب الذي تتزعمه ميلوني هو وليد «ارتقاء» فلول الحركة الفاشية، التي كان قد حظرها الدستور الإيطالي بعد سقوط بنيتو موسوليني وولادة «الجمهورية الثانية»، والدليل القاطع على أن «الطوق الأخلاقي» الذي حاولت الأحزاب التقليدية في أوروبا الغربية فرضه حول اليمين المتطرف طوال عقود لم يمنع هذا اليمين من الانخراط في المسار السياسي والصعود إلى قمة هرم السلطة. ويضاف إلى ذلك، أن هذه الاستراتيجية التي تبنّتها أحزاب اليسار واليمين المعتدل لم تكن حائلاً دون الانهيار المطّرد لهذه الأحزاب واندثار معظمها.

عِبَر كثيرة
كثيرة هي العِبَر التي ينبغي استخلاصها من هذه القفزة الإيطالية الجديدة نحو المجهول، خاصة أنها تأتي بعد أيام من الفوز الذي حقّقه النازيّون الجدد في السويد ودخولهم الحكومة الجديدة لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية في واحدة من أكثر الدول الأوروبي اعتدالاً. ولا يغيب عن البال أن هذا التطور، الذي يحصل في دولة أوروبية وازنة اقتصادياً وسياسياً وديمغرافياً، يتزامن مع مرحلة دقيقة جداً من التاريخ الأوروبي الحديث تعتمل فيها أزمات عدة عميقة ومفتوحة على احتمالات يصعب التكهن بمآلها. فقد تبيّن هذه التجربة، أن «تركيز» الحملات الانتخابية على الإدانة الأخلاقية، والتحذير من العواقب الكارثية لوصول القوى المتطرفة إلى السلطة، يضع هذه القوى في موقع «البديل الفعلي» مهما كانت برامجها السياسية خاوية من الاقتراحات والحلول العملية لمعالجة الأزمات.
نعم، عكفاً على ما سبق، فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الإيطالية سبقه منذ أسابيع قليلة فوز كتلة المحافظين في السويد، حيث نال حزب النازيين الجدد ما يزيد على 20 في المائة من الأصوات. إلى جانب ذلك، يتضّح أن حكومات «الوحدة الوطنية» أو الائتلافية، التي غالباً ما يستهدف تشكيلها تهميش أو عزل القوى المتطرفة، تساهم في نهاية المطاف في توسيع دائرة التحرك أمام هذه القوى التي لا تعود مُحتاجة إلى طرح برامج سياسية بديلة، بل تكتفي بمعارضة السلطة الحاكمة العاجزة عن معالجة المشاكل اليومية الملحة للمواطنين.
الحقيقة، أنه تميّزت الأحزاب اليمينية المتطرفة خلال السنوات الأخيرة بنجاحها في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتسويق صورة معتدلة لها، ومنزّهة عن العقم والفساد الذي كانت تقع فيه الأحزاب المشاركة في الحكم؛ الأمر الذي سمح لها باستقطاب نسبة كبيرة من التأييد الذي كانت تحظى به الأحزاب التقليدية، وبخاصة منها المحافظة. وتفيد الدراسات بأن القوى اليمينية المتطرفة تسخّر نسبة كبيرة من مواردها في حملات واسعة على وسائل التواصل، قبل الانتخابات وخلالها وبعدها، وتوكلها إلى أفضل الاختصاصيين في هذا المجال.
ومن العوامل الأخرى التي تفسّر هذا الصعود للقوى اليمينية المتطرفة، إلى جانب مهارتها في نقل الأفكار الهامشية إلى واجهة النقاش العام - والتي تجلّت بوضوح في التجربة الإيطالية - هي الروابط التي نسجتها مع القوى اليمينية المؤسّسية، التي أصبحت تشكّل خطراً وجودياً على الأحزاب والقوى المحافظة التقليدية. فالتحالف الذي بناه حزب أنطونيو تاجاني، الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي والمرشح لخلافة برلوسكوني، مع «إخوان إيطاليا»، كان له أكبر الأثر في التخفيف من حدة الصورة المتطرفة لحزب ميلوني، ما يحمل على التساؤل حول ما إذا كانت التجربة الإيطالية - مرة أخرى - نافذة تطل على المشهد السياسي المقبل في أوروبا.

الأبعاد الأوروبية المستقبلية
وإذا كان وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في إيطاليا «مرآة» يستشرف الأوروبيون من خلالها ما قد ينتظرهم في السنوات المقبلة، فهو أيضاً يطرح علامات استفهام حول مستقبل المواجهة الأوروبية مع روسيا وموقع الاتحاد في المعادلة الدولية التي ستسفر عنها الحرب الدائرة في أوكرانيا. إذ من المعروف أن معظم الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا تقيم منذ سنوات علاقات وثيقة مع موسكو، وهي أعربت مراراً عن معارضتها للعقوبات المفروضة على روسيا بذريعة أنها تضرّ بالمصالح الأوروبية أكثر من المصالح الروسية؛ ولذا عارضت إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا.
وهنا، مع أن جيورجيا ميلوني حرصت منذ بداية الحرب في أوكرانيا على تأكيد موقف حزبها الداعم للمحور الأطلسي وللعقوبات على موسكو، فإن حليفيها اليمينيين البارزين سيلفيو برلوسكوني وماتّيو سالفيني لا يفوّتان فرصة للتمايز والابتعاد عن الموقف الأوروبي الموحّد من موسكو، لا، بل إلى محاولة تبرير الغزو الروسي لأوكرانيا... كما فعل برلوسكوني عشيّة الانتخابات الأخيرة.
للعلم، كان زعيم حزب «إخوان إيطاليا» قد أدلى بتصريحات قال فيها، إن العملية العسكرية الخاصة التي أطلقتها روسيا في أوكرانيا كانت تستهدف الوصول إلى كييف في غضون أسبوع واحد، وتعويض حكومة زيلينسكي بأخرى من «أشخاص صالحين»، والعودة بعد أسبوع إلى قواعدها. وأردف «لكن الضغوط التي تعرّض لها فلاديمير بوتين من وزرائه وحزبه، دفعته إلى الإقدام على هذه الخطوة... وما حصل هو أن القوات الروسية واجهت مقاومة غير متوقعة تعززت بفضل إمدادات بكل أنواع الأسلحة من الغرب».
من جهة ثانية، كان برلوسكوني، الذي التزم الصمت التام طوال شهرين قبل شجبه الغزو الروسي لأوكرانيا، قد صرّح منذ أسابيع بأن «على الدول الغربية أن تحاول إقناع الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي بالإصغاء إلى مطالب بوتين». ويُذكر، أن برلوسكوني، زعيم حزب «فورتسا إيطاليا»، تربطه صداقة شخصية وطيدة بالرئيس الروسي الذي استضافه مرات عديدة في رحلات ترفيهية... اعتاد برلوسكوني على التباهي بسرد تفاصيلها في مجالسه الخاصة. وكان أيضاً أول زعيم أوروبي رافق بوتين في زيارة إلى شبه جزيرة القرم بعدما ضمتها موسكو عام 2014.
جدير بالذكر، أنه، منذ بداية الحرب في أوكرانيا دأب الاتحاد الأوروبي على تكرار التحذيرات الموجهة إلى حكومات الدول الأعضاء من محاولات موسكو التأثير على مواقفها وسياساتها الداخلية عن طريق المعلومات المزيفة والأنباء المضللة واستخدام حلفائها في هذه الدول. وكان من الطبيعي أن توجّه هذه التحذيرات بشكل خاص إلى إيطاليا، ولو من غير تسميتها، لسببين رئيسيين:
الأول، لأن موسكو نسجت منذ سنوات علاقات تجارية واقتصادية وثيقة مع روما، ومدّت جسوراً وطيدة مع بعض القوى السياسية الصاعدة مثل حزب الرابطة اليميني المتطرف. وفي الوقت نفسه، أخذت تترسّخ العلاقات الشخصية بين بوتين وبرلوسكوني الذي رغم أفول نجمه السياسي ما زال يتمتع بقدرة كبيرة على التأثير في الرأي العام بفضل إمبراطوريته الإعلامية الضخمة.
والآخر، لأن إيطاليا دولة وازنة في الاتحاد الأوروبي، إلا أنها تعاني من وضع اقتصادي حرج يجعلها تتردد كثيراً قبل الإقدام على خطوات من شـأنها أن تساهم في مفاقمة هذا الوضع.
بناءً عليه؛ لم يكن مستغرباً أن الانتخابات الإيطالية استأثرت باهتمام واسع في الأوساط الأوروبية والأميركية، نظراً للتداعيات المحتملة لنتائجها على «وحدة الصف الأطلسية» من المواجهة مع موسكو. ويجدر التذكير في هذا الصدد بأن أصابع الاتهام الأوروبية وجّهت إلى موسكو مطلع هذا الصيف عندما قرّر برلوسكوني وحليفه اليميني المتطرف سالفيني سخب الثقة من حكومة ماريو دراغي. وكان دراغي قد تحوّل، بفضل علاقاته الوثيقة بالإدارة الأميركية، إلى «رأس حربة» في الدعم الأوروبي لأوكرانيا. يضاف إلى ذلك، أن سالفيني، الذي يطالب منذ فترة بإنهاء العقوبات المفروضة على موسكو وبناء تحالف اقتصادي وسياسي بين أوروبا وروسيا، سبق له أن دخل البرلمان الأوروبي مرة وهو يرتدي قميصاً يحمل صورة لفلاديمير بوتين.
وحقاً، لم تنفع التطمينات المتكررة على لسان ميلوني وتأييدها للعقوبات والمساعدات العسكرية لأوكرانيا، في تهدئة خواطر الحلفاء الغربيين. والسبب أنها مضطرة إلى التحالف مع سالفيني وبرلوسكوني لتشكيل الحكومة الجديدة. وهذا، بينما يرتبط حزبها بتحالف وثيق مع رئيس الوزراء المجري اليميني المتطرف فيكتور أوربان الذي يقود حملة إنهاء العقوبات على روسيا داخل الاتحاد الأوروبي. وكانت ميلوني قد سعت أخيراً، عبر حلفائها في الحزب الجمهوري الأميركي، إلى «طمأنة» واشنطن حول موقفها من الحرب في أوكرانيا في حال وصولها إلى الحكومة. غير أن إدارة الرئيس بايدن ردّت بأنها ستبقي على حذرها في انتظار المواقف التي ستعلنها الحكومة الإيطالية الجديدة.

                                                                                      سالفيني
نحو إعادة تشكّل المشهد السياسي الإيطالي... في أعقاب «زلزال» الانتخابات الأخيرة
> على الصعيد الإيطالي الداخلي، أعادت الانتخابات الأخيرة خلط الأوراق مرة أخرى في المشهد السياسي، وفتحت الباب مجدداً أمام إعادة تشكيل التحالفات وظهور قوى سياسية جديدة أو اندثار بعضها. فالحزب الديمقراطي (يسار الوسط)، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق إنريكو ليتّا، والمفترض أن يكون حزب المعارضة الرئيس ضد حكومة ميلوني، يجد نفسه أمام أزمة وجودية جديدة بعد الهزيمة التي مني بها في الانتخابات.
وفعلاً، دفعت الهزيمة الأمين العام إلى الدعوة لعقد مؤتمر استثنائي بهدف تجديد قيادته، والإعلان عن أنه لن يترشّح للمنصب مرة أخرى. ويذكر، أن هذا الحزب قام من ركام الحزب الشيوعي الإيطالي - الذي كان أقوى الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية قبل أن يندثر من المشهد السياسي – إلا أنه ما زال يعيد تشكيل ذاته تحت تسميات وشعارات مختلفة، ويبدّل تحالفاته مع قوى الوسط واليسار. ولقد شارك هذا الحزب في كل الحكومات التي تعاقبت على إيطاليا منذ سقوط حكومة برلوسكوني الرابعة والأخيرة في العام 2011. ومن ناحية أخرى، يعاني الحزب منذ سنوات من صراعات داخلية عميقة بين قياداته، أدت إلى انشقاق بعضهم نحو الوسط ونحو أقصى اليسار، في حين استقطبت «حركة النجوم الخمس» الشعبوية الناشئة نسبة كبيرة من شعبيته مكنتها من الفوز في الانتخابات الماضية عام 2018 حين حصلت على 33 في المائة من الأصوات.
غير أن «حركة النجوم الخمس» تعرّضت هي أيضاً للانقسام أخيراً عند سقوط حكومة ماريو دراغي، وانشقّ عنها زعيمها السابق ووزير الخارجية لويجي دي مايو... الذي خسر مقعده البرلماني في الانتخابات الأخيرة. ولكن رغم التوقعات التي كانت تشير إلى انهيار «الحركة»، فإنها تمكّنت من الصمود في وجه «إعصار ميلوني»، وحلّت في المرتبة الثالثة بعد «إخوان إيطاليا» والحزب الديمقراطي. وهذا واقع يفتح الباب أمام تشكّل التحالف الذي كان من المفترض أن يحصل مع الديمقراطيين، والذي كان السبيل الوحيد لانتزاع الانتصار من التحالف اليميني في الانتخابات.

                                                                                  برلوسكوني
وتشاء مفارقات المشهد السياسي الإيطالي، أن اللغز الأكبر يدور حول مصير تحالف الأحزاب اليمينية الذي حقق هذا الانتصار التاريخي في انتخابات الأحد الماضي. فالرابطة تشهد غلياناً في قواعدها المطالبة بتنحية سالفيني بعد تراجع شعبيتها والخسائر التي منيت بها في معظم معاقلها الشمالية على يد حلفائها في «إخوان إيطاليا»، في حين يتنامى التيار الذي يدعو للعودة إلى الجذور الإقليمية، حيث إن هذا الحزب كان قد تأسس كحركة انفصالية لأقاليم الشمال قبل أن يتسلّم سالفيني زمامه ويقرر توسيع امتداده على الصعيد الوطني، مستغلاً المشاعر المناهضة للهجرة التي سادت إيطاليا.
في هذه الأثناء، كان من المفاجآت التي حملتها الانتخابات الأخيرة أيضاً صمود حزب برلوسكوني الذي تنزف شعبيته منذ سنوات، والذي كان قد انشقّ عنه أخيراً عدد من قياداته البارزة بسبب مشاركته في مؤامرة إسقاط حكومة دراغي. وليس واضحاً بعد الموقع الذي سيحتله هذا الحزب في الحكومة الجديدة والخط الذي سينهجه برلوسكوني، الذي دأب على تسخير حزبه لتحقيق مآربه والدفاع عن مصالحه الشخصية.
وهكذا، يبقى حزب «إخوان إيطاليا» وزعيمته جيورجيا ميلوني المنكبّة على تهدئة خواطر الشركاء الأوروبيين، وعلى تشكيل الحكومة الجديدة التي من المفترض إلا يواجه عقبات كبيرة في ظل الغالبية البرلمانية التي حصل عليها الائتلاف اليميني. إلا أن السياسة الإيطالية سخيّة دائماً بالمكائد والمؤامرات التي جعلت من منصب رئيس الحكومة الأسرع زوالاً في أعصى البلدان الأوروبية على الحكم وأغناها بالمفاجآت.
وقبل أن ينقضي أسبوع واحد على الانتخابات التي بايعت ميلوني وحدها «ملكة غير متوجّة» على إيطاليا، ظهرت أمامها أولى العقبات من حليفها ماتّيو سالفيني، الذي أعلن أنه في حال عدم حصوله على حقيبة وزارة الداخلية ومنصب نائب الرئيس، لن يشارك في الحكومة، بل سيكتفي بتأييدها من الخارج، فاتحاً بذلك موسماً جديداً في «البازار السياسي» الإيطالي العريق.
ويبقى أيضاً، أن لغزاً كبيراً ما زال يحيط بمسار حزب «إخوان إيطاليا». إذ حرصت زعيمته ميلوني في الفترة الأخيرة على النأي عن تصريحاتها النارية والتأكيد على أنها ستحكم «بمسـؤولية ولكل الإيطاليين»، لكنها في المقابل، ذكّرت بأن الفوز الذي حققه هو نقطة البداية وليس نقطة الوصول. وتابعت أنها لن تخذل الذين انتخبوها «أولئك الذين بعد النصر، سيتمكنون من رفع رؤوسهم والجهر بما كانوا دائماً يفكرون ويـؤمنون به»، كما قالت في المهرجان الذي اختتمت به حملتها الانتخابية.


مقالات ذات صلة

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

أصبح برنامج «تشات جي بي تي» الشهير الذي طورته شركة الذكاء الاصطناعي «أوبن إيه آي» متاحا مجددا في إيطاليا بعد علاج المخاوف الخاصة بالخصوصية. وقالت هيئة حماية البيانات المعروفة باسم «جارانتي»، في بيان، إن شركة «أوبن إيه آي» أعادت تشغيل خدمتها في إيطاليا «بتحسين الشفافية وحقوق المستخدمين الأوروبيين». وأضافت: «(أوبن إيه آي) تمتثل الآن لعدد من الشروط التي طالبت بها الهيئة من أجل رفع الحظر الذي فرضته عليها في أواخر مارس (آذار) الماضي».

«الشرق الأوسط» (روما)
العالم إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

في الخامس والعشرين من أبريل (نيسان) من كل عام تحتفل إيطاليا بـ«عيد التحرير» من النازية والفاشية عام 1945، أي عيد النصر الذي أحرزه الحلفاء على الجيش النازي المحتلّ، وانتصار المقاومة الوطنية على الحركة الفاشية، لتستحضر مسيرة استعادة النظام الديمقراطي والمؤسسات التي أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم. يقوم الدستور الإيطالي على المبادئ التي نشأت من الحاجة لمنع العودة إلى الأوضاع السياسية التي ساهمت في ظهور الحركة الفاشية، لكن هذا العيد الوطني لم يكن أبداً من مزاج اليمين الإيطالي، حتى أن سيلفيو برلوسكوني كان دائماً يتغيّب عن الاحتفالات الرسمية بمناسبته، ويتحاشى المشاركة فيها عندما كان رئيساً للحكومة.

شوقي الريّس (روما)
شمال افريقيا تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

أعلنت الحكومة المصرية عن عزمها تعزيز التعاون مع إيطاليا في مجال الاستثمار الزراعي؛ ما يساهم في «سد فجوة الاستيراد، وتحقيق الأمن الغذائي»، بحسب إفادة رسمية اليوم (الأربعاء). وقال السفير نادر سعد، المتحدث الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء المصري، إن السفير الإيطالي في القاهرة ميكيلي كواروني أشار خلال لقائه والدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، (الأربعاء) إلى أن «إحدى أكبر الشركات الإيطالية العاملة في المجال الزراعي لديها خطة للاستثمار في مصر؛ تتضمن المرحلة الأولى منها زراعة نحو 10 آلاف فدان من المحاصيل الاستراتيجية التي تحتاج إليها مصر، بما يسهم في سد فجوة الاستيراد وتحقيق الأمن الغذائي». وأ

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.