فرار السجناء في لبنان تحول إلى ظاهرة عادية... أسبابها قضائية وسياسية

العناصر الأمنية غير مؤهلة للتعاطي مع عدد كبير منهم

سجناء في باحة سجن رومية (أ.ف.ب)
سجناء في باحة سجن رومية (أ.ف.ب)
TT

فرار السجناء في لبنان تحول إلى ظاهرة عادية... أسبابها قضائية وسياسية

سجناء في باحة سجن رومية (أ.ف.ب)
سجناء في باحة سجن رومية (أ.ف.ب)

تسارعت وتيرة فرار الموقوفين من النظارات ومراكز الاحتجاز الاحتياطي في لبنان، حتى تحوّلت من ظاهرة غريبة إلى واقع اعتيادي ودائم، في وقت كان يشكّل فرار سجين في الماضي، فضيحة تستدعي استنفار الأجهزة الأمنية بكل قطاعاتها، ويعزو معنيون بالشأن الأمني تنامي هذه الظاهرة إلى أسباب سياسية وقضائية واجتماعية أكثر من التراخي الأمني «الموجود بقوّة ولا أحد ينكره».
وسجّلت في الأسابيع الماضية العديد من حالات الفرار، بدأت بهروب 32 موقوفاً من نظارة التوقيف في منطقة العدلية - المتحف، في السابع من أغسطس (آب) الماضي، تبعها فرار 10 موقوفين من سجن حسبة صيدا (جنوب لبنان)، في 14 سبتمبر (أيلول) الحالي، كانوا موقوفين بتهم مختلفة، منها السرقة والاتجار بالمخدرات، ثمّ 6 موقوفين، فرّوا في السادس من سبتمبر الحالي من سجن فصيلة اهدن (شمال لبنان)، وآخرها تمكّن 19 موقوفاً من الهرب من نظارة سراي جونية، وينتمي الفارون إلى جنسيات لبنانية وسوريا وفلسطينية.
تعددت الأسباب التي سهّلت على هؤلاء عودتهم إلى الحريّة، رغم تمكن الأجهزة من إعادة توقيف بعضهم، وعزا مصدر أمني مطلع الأسباب إلى أن «نظارات التوقيف والاحتجاز المؤقت الذي لا يتجاوز اليومين، تحوّلت إلى سجون، كما أن العناصر الأمنية الموجودة داخل المخافر، هم عبارة عن عناصر إداريين غير مؤهلين للتعاطي مع عدد كبير من الموقوفين، عدا عن أن معظم النظارات في حاجة إلى أعمال صيانة». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «ثمّة معضلة كبيرة تتمثّل بالنقص الهائل في عدد العناصر الأمنية، بسبب إحالة الآلاف منهم سنوياً على التقاعد، وفرار المئات من الخدمة بفعل الأزمة المالية والاقتصادية، وتوقّف دورات التطويع منذ العام 2014». وقال «العنصر الموجود على الخدمة منهمك بكيفية تأمين الطبابة وأقساط المدراس لأولاده، وتأمين الأمور الحياتية لعائلته، أكثر من اهتمامه بعمله».
وتتحمّل الأجهزة القضائية مسؤولية كبيرة في اختناق السجون ومراكز التوقيف، جرّاء اعتكاف القضاة وامتناعهم عن البت بطلبات إخلاء سبيل الموقوفين، والإحجام أيضاً عن توقيع مذكرات الإفراج عمّن أنهوا مدّة العقوبة، وشدد المصدر الأمني على أن «الاكتظاظ الهائل داخل السجون، والذي تراكم مع اعتكاف القضاة عن العمل، فاقم الأزمة إلى حدّ كبير». ولفت إلى أن «كل قرارات ترك الموقوفين داخل النظارات متوقفة». وأعطى المصدر مثالاً يتعلق بتوقّف القضاة عن العمل منذ أكثر من 40 يومأً، وأضاف «هناك معدل وسطي بترك 20 موقوفاً يومياً؛ ما يعني أن إضراب القضاة المستمرّ منذ 40 يوماً حال دون ترك 800 موقوف خلال هذه الفترة، وهذا فاقم المشكلة إلى حدّ كبير، وزاد من تراجع التقديمات الطبية والغذائية». وأبدى أسفه لأن «الدولة غائبة عن هذه الأزمة، في حين قوى الأمن بضباطها وعناصرها تتحمل وزر الموقوفين بمفردها، مع ما تيسر من بعض الجمعيات التي مهما قدمت من دعم لا يمكن أن تحل محلّ الدولة».
ويحال على التقاعد سنوياً، أكثر من 500 عنصر ورتيب من قوى الأمن، لبلوغهم السنّ القانونية (العنصر يتقاعد في سنّ الـ48 سنة والرتيب في سنّ الـ52 سنة)، ومنذ عام 2014 لم يجرِ تطويع دورات جديدة، بسبب قانون وقف التوظيف في الدولة.
وما بين حالات الفرار الجماعية، برزت حالات فرديّة أيضاً، عبر فرار سجناء من المؤسسات الصحّية، كان آخرها هروب سجين من داخل المستشفى الحكومي في طرابلس، وآخر من مستشفى دار الحكمة في بعلبك. ولا تخفي الأوساط القضائية، أن اعتكاف القضاة منذ خمسة أسابيع، انعكس سلباً على واقع السجون ومراكز التوقيف المؤقت. وأوضح مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن قضاة لبنان «باتوا هم أيضاً أسرى القرارات السياسية التي حوّلت البلاد إلى سجن كبير».
وأكد، أن «أهل السلطة لم يتركوا للقضاة خياراً آخر غير الاعتكاف». وسأل «ماذا يفعل القاضي إذا كان راتبه لا يكفي لملء بنزين سيارته لبضعة أيام؟ هل تعلم منظومة الحكم بأن أولاد عدد من القضاة مهددون بالحرمان من التعليم على أبواب العام الدراسي؟»، مؤكداً أن «الدولة تتحمّل أولاً وأخيراً تبعات ما يحصل في السجون، وليس الأجهزة القضائية والأمنية».
وإذا كانت أزمة النظارات مفتوحة على تطورات مماثلة، فإن واقع السجون الكبرى يبدو أكثر خطورة، خصوصاً مع تراجع الآمال بإقرار قانون العفو العام الذي ينتظره السجناء، أو قانون تخفيض سنة السجن (تحسب في لبنان بتسعة أشهر)، وقال مصدر متابع لملفّ السجون، إن «آلاف السجناء يعوّلون على الوعود التي أطلقها وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي، بتخفيض السنة السجنيّة إلى ستّة أشهر بدلا من تسعة».
وتخوّف المصدر من وصول مبادرة وزير الداخلية إلى «طريق مسدودة». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن الوزير المولوي «امتصّ غضب السجناء في الفترة الأخيرة، عندما قدّم وعداً بتخفيض السنة السجنية إلى ستّة أشهر، وبتمرير هذا القانون فور الانتهاء من إقرار قانون الموازنة العامة، إلّا أن المؤشرات غير مشجعة، باعتبار أن البرلمان اللبناني بالكاد يستطيع تمرير الموازنة، وإعطاء الحكومة العتيدة الثقة إذا تشكلت خلال هذا الأسبوع، وبعدها سيتحوّل إلى هيئة ناخبة لانتخاب رئيس للجمهورية».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

دحلان يجدد رفضه تولي دور أمني أو حكومي في غزة

القيادي الفلسطيني محمد دحلان (صفحته عبر «فيسبوك»)
القيادي الفلسطيني محمد دحلان (صفحته عبر «فيسبوك»)
TT

دحلان يجدد رفضه تولي دور أمني أو حكومي في غزة

القيادي الفلسطيني محمد دحلان (صفحته عبر «فيسبوك»)
القيادي الفلسطيني محمد دحلان (صفحته عبر «فيسبوك»)

قال القيادي الفلسطيني محمد دحلان، اليوم (الخميس)، إن وقف الحرب هو الأولوية القصوى، مجدداً رفضه تولي أي دور أمني أو حكومي في غزة.

وأوضح دحلان، عبر منصة «إكس»: «كل زملائي وأنا شخصياً لسنا هنا إلا لتقديم كل ما نستطيع لإغاثة أهلنا في غزة، استناداً إلى دعم كريم ومتواصل من الأشقاء في دولة الإمارات المتحدة على امتداد هذه الإبادة القذرة».

ونشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريراً يشير إلى أن هناك اتجاهاً لقبول تولي القيادي الفلسطيني محمد دحلان مسؤولية الأمن في قطاع غزة عقب وقف إطلاق النار.

وأضاف دحلان: «وقف الحرب هو الأولوية القصوى لدينا، ولن ندعم أي خيار إلا ضمن تفاهمات وطنية فلسطينية تقودنا إلى إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني عبر عملية ديمقراطية شفافة، وتوفير خطة عمل دولية موثقة ومجدولة تُفضي إلى تجسيد نضالات شعبنا بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس».

وأكد دحلان رفضه «قبول أو أداء أي دور أمني أو حكومي أو تنفيذي».