يعد معرض الرياض للكتاب، الذي ينطلق يوم الخميس في العاصمة السعودية، عرساً ثقافياً يُتيح الفرصة للقراء والكتاب للاستمتاع بالشراء والتصفح والتعرف على الجديد في عالم النشر والإبداع. وبمثل الحماسة التي يشعر بها كل مشارك في المعرض، يتحدث لنا ريتشارد فاتوريني، خبير الكتب والمخطوطات في «دار سوذبيز» عن أولى مشاركات الدار في معرض الرياض للكتاب، مشيراً إلى أن بدايات الدار كانت عبر بيع الكتب، وبالتالي يشعر بأن ما يحمله معه من معروضات للجمهور السعودي هو من صميم هوية الدار، «في مارس (آذار) 1744 نُظّم أول مزاد للدار في لندن، مقدماً المئات من الكتب النادرة التي بلغت قيمتها حينئذ 826 جنيهاً إسترلينياً، وإذا أخذنا في الاعتبار جذور الدار في عالم الكتب فسنفهم لماذا ظلت (سوذبيز) تحمل مكانة خاصة في عالم الأدب».
...ومع الملوك خالد بن عبد العزيز وفهد بن عبد العزيز وعبد الله بن عبد العزيز (سوذبيز)
ليس فقط مجرد كلام يحمل الحنين للماضي، بل يؤكد فاتوريني مقولته باستعراض بعض القطع التي سيحملها فريق الدار إلى الرياض، آخذاً في البال أن تجذب القطع الجمهور في هذا الجانب من العالم، وهو أمر يعيه جيداً، ولهذا يطلق مجموعة صور تسجل زيارة الراحلين الملكة إليزابيث الثانية وزوجها الأمير فيليب للسعودية في عام 1979 خلال جولتهما إلى دول الخليج العربي. وتشمل المجموعة التي تضم 39 صورة، هبوط الملكة على متن طائرة الكونكورد في مطار الرياض، وترحيب الملك خالد ملك المملكة العربية السعودية الرسمي بهما، وحضورهما في فعاليات من بينها سباقات الهجن في الصحراء. وتضم الصور لقطات للملكة إليزابيث مع الملوك خالد بن عبد العزيز، وفهد بن عبد العزيز، وعبد الله بن عبد العزيز، والملك سلمان بن عبد العزيز. ويأتي عرض الصور في الرياض بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية في 8 سبتمبر (أيلول) الحالي، ويشير فاتوريني إلى أن عرضها كان مرتباً قبل الوفاة، ولكن أهميتها الآن تأتي مضاعفة.
الملكة إليزابيث الثانية ودوق إدنبره أثناء زيارتهما للسعودية في عام 1979
كرة أرضية من القرن الـ19
ضمن القطع يعرض فاتوريني كرة أرضية ضخمة، نلاحظ من الصور أنها أوقفت على خريطة الجزيرة العربية. ويتحدث عنها بقوله: «مجسم استثنائي من حيث الحجم وأيضاً من الناحية التاريخية، صنعه في عام 1840 جورج وجون كاري، وهما من أعظم صانعي الكرة الأرضية وقتها، لصالح كلية يسوع في جامعة أكسفورد. من الطريف أن إيصال الشراء لا يزال موجوداً مع القطعة. أعتقد أنها جميلة، خصوصاً إذا كنا في عالم الكتب، يمكننا تصورها تتربع في مكانها المستحق في إحدى المكتبات الضخمة». يبلغ قطر القطعة الفيكتورية الرائعة 36 بوصة، وتُظهر مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وميناء الحج في جدة، ويصفها فاتوريني بأنها «متحفية»، قائلاً: «كرة أرضية عمرها 180 عاماً، أتوقع أن تكون محطّ أنظار زائري المعرض ولا بدّ أن تستوقفهم».
أسأله، هل القطعة متاحة للشراء؟ يجيب: «بالطبع كل ما نعرضه هناك سيكون متاحاً للشراء الفوري».
مجسم الكرة الأرضية صُنع عام 1840 (سوذبيز)
جانب من مجسم الكرة الأرضية (1840) تعرضه «سوذبيز» في منصتها بمعرض الرياض للكتاب
كتب ورسومات
يتحدث فاتوريني عن بقية القطع التي سيعرضها جناح «سوذبيز» في معرض الكتاب، ويشير إلى نسخة ضخمة من كتاب الرسام البريطاني الشهير ديفيد روبرتس: «يضم رسومات روبرتس عن مصر والقدس، الكتاب من القطع الكبيرة ويأتي في 6 أجزاء واسمه (الأرض المقدسة ومصر). وهو تحفة فنية استغرقت عملية نشرها كاملة نحو 7 سنوات. المعروف أن روبرتس كان من أوائل الرسامين الذي سافروا للمشرق. ورحلته إلى الشرق الأوسط كانت في عام 1838 زار حينها مصر مسجلاً في رسوماته تفاصيل المعمار والمناطق الأثرية المختلفة، ومن ثَم سافر إلى القدس ماراً بالسويس فجبل سيناء، ولم يترك ريشته ودفتر رسوماته من دون أن يدوّن كل ما وقعت عليه عينيه. بعد انتهاء زيارته للقدس عاد إلى إنجلترا في نهاية العام، وبدأ عملية طباعة الرسومات وقد اختار منها 242».
وبالعودة للمجلدات التي ستُعرض في الرياض، يوضح فاتوريني: «العمل لدينا هنا مكتمل، يمكن اعتبار كتاب روبرتس أعظم كتاب صور عن مصر والأرض المقدسة». يشير إلى أن هناك عدداً محدوداً من النسخ الباقية المكتملة، فنسخ كثيرة فُقدت أو انتزعت منها الصور لتأطيرها وتعليقها. ويضيف: «أن تكون لدينا المجموعة كاملة في مجلداتها لهو أمر نادر هذه الأيام». أسأله عن عدد النسخ الكاملة الباقية، يجيب: «مع الأخذ بالاعتبار أن الكتاب كان محبوباً ورائجاً في فترة طباعته، أتوقع أن تكون مئات النسخ صنعت في ذلك الوقت، ربما بقيت 200 أو 300 نسخة، ولا أعرف إن كانت في حالٍ جيدة».
من رسومات روبرتس الشهيرة للقاهرة والقدس يعرج فاتوريني لكتاب آخر بقلم أماديو بريزيوني عن الملابس والعادات في القاهرة، يضم 20 رسماً ملوناً تصور سكان القاهرة ومناظر للنيل، يعلق: «كتاب جميل للأزياء في القاهرة في النصف الثاني من القرن الـ19».
يتوقف أمام كتاب آخر للمعماري الشهير بريس دافين، الذي سجل فيه تفاصيل الآثار المصرية في القاهرة، ويشير إلى أن دافين قضى سنوات عديدة في مصر بعد عام 1826، حيث عمل مهندساً في خدمة محمد علي. وبعد 1836 اكتشف مصر متنكراً في زي عربي مستخدماً اسم إدريس أفندي. أجرى خلال هذه الفترة حفريات أثرية في وادي النيل. وفي عام 1860 عاد إلى فرنسا ومعه ثروة من الوثائق والرسومات، التي أعاد إنتاجها لاحقاً رسامون مدربون تدريباً خاصاً، ونشروها في هذه المجموعة الضخمة، «الفن العربي». ويحمل كتاب دافين أهمية خاصة للمهندسين المعماريين والمصممين والفنانين والرسامين، إذ وفر لهم أفضل الأمثلة للرسومات المقاسة وتفاصيل الأنماط والرسوم التوضيحية لجوانب مختارة من البيئة المبنية لمدينة إسلامية في العصور الوسطى.
تعرض الدار الكتاب المكون من 3 أجزاء تحتوي على «نحو 200 رسم بالحجم الكبير منها 100 ملونة، تظهر واجهات ودواخل مبانٍ وزخارف ومفروشات ومنسوجات؛ كنز من الرسومات أتوقع أن يجذب اهتمام الجمهور المهتم بالعمارة والفن الإسلامي».
فن الصقارة
في سرده لمعروضات الدار يشير فاتوريني إلى عنصر مهم يسري كخيط مشترك في بعضها وهو الصقارة، ودراسة الصقور، يقول: «في الحقيقة لدينا أكثر من قطعة ترتبط بالصقور. أولاها لوحة من الفن المعاصر، للرسام نيكولاس ماننينغ، وهو نادراً ما يعرض لوحاته في المزادات للبيع العلني، فمعظم أعماله تُنفّذ على التكليفات الخاصة، ولهذا نحن سعداء أن نعرض لوحتة هذه». لدقة تفاصيلها تبدو كأنها صورة فوتوغرافية نفذت بالألون الزيتية في عام 2018. على مرّ السنين، طوّرالفنان أسلوباً واقعياً خاصاً به يقوم على الملاحظة الدقيقة للطبيعة التي تؤدي إلى لوحات تصور مخلوقات مليئة بالحياة. أعمال مانينغ نادرة في السوق، إذ يعمل الفنان مباشرة مع قاعدة عملاء مختارة من الرعاة، بما في ذلك أفراد العائلة المالكة البريطانية. يشير فاتوريني إلى أن مانينغ يصنع الألوان التي يعمل بها، مثال على ذلك، اللون الأبيض الرصاصي الذي يخلطه الفنان من الصفر متبعاً في ذلك أسلوب عملاق الرسم رمبرانت.
عن الصقارة أيضاً تضم المعروضات كتاباً للمؤرخ الألماني هيرمان شليغل، صدر في منتصف القرن الـ19 ويمكن اعتباره الأهم في هذا المجال.
لوحة للفنان نيكولاس مانينغ (سوذبيز)
خريطة جيولوجية من عام 1963
يضم المعرض أيضاً خريطة كبيرة مفصلة تصوّر جيولوجيا شبه الجزيرة العربية، يعود تاريخها إلى عام 1963. وقد جُمع في عام 1963 جزء من مشروع هيئة المسح الجيولوجي الأميركية تحت رعاية مشتركة بين السعودية ووزارة البترول والثروة المعدنية ووزارة الخارجية الأميركية. يشير فاتوريني إلى أن الخريطة إلى جانب أهميتها العلمية والتاريخية فهي أيضاً تحمل جوانب فنية.
خريطة جيولوجية للسعودية من عام 1963 (سوذبيز)
ينضم إلى الحديث إدوار غيبز، رئيس مجلس إدارة الدار في أقسام الشرق الأوسط والهند، مؤكداً أهمية السوق السعودية والخليجية للدار مسلحاً بالأرقام والإحصائيات. أشار في حديثه إلى مشاركات الدار في الفعاليات الثقافية بالسعودية ومنها منتدى للفن الرقمي وNFT: «في وقت سابق من العام الحالي، قدمت (سوذبيز) أول منتدى للفنون الرقمية ومعرض (NFT) في السعودية بالشراكة مع وزارة الثقافة في بينالي الدرعية للفن المعاصر. لقد سرّنا التجاوب مع هذا البرنامج الثقافي المبتكر وشجعنا بشكل كبير حيوية المشهد الفني في المملكة. نحن فخورون الآن بتقديم بعض النقاط البارزة من محفظة مبيعاتنا الخاصة كجزء من معرض الرياض الدولي للكتاب، شهادة على التزامنا طويل الأمد بالمملكة العربية السعودية».
أما دانيال أسمر مدير «سوذبيز مينا» فقال: «إن السعودية بلد غني بالتراث، ورعاية هذه التقاليد المتنوعة مع زيادة تطوير القطاع الثقافي هو عنصر أساسي في رؤية المملكة 2030. وتواصل (سوذبيز) لعب دور في هذه الخطط الطموحة من خلال المشاركة في أحداث مثل معرض الرياض الدولي للكتاب، حيث نفخر بتقديم عدد من الأحداث البارزة على المستوى العالمي في هذه الفئة».