تقنية جديدة لتدوير مياه الصرف الصحي واستخدامها في الزراعة

طوّرتها باحثة من «كاوست» وتجرّب حاليّاً في السعودية

تجارب على التقنية المبتكرة
تجارب على التقنية المبتكرة
TT

تقنية جديدة لتدوير مياه الصرف الصحي واستخدامها في الزراعة

تجارب على التقنية المبتكرة
تجارب على التقنية المبتكرة

لماذا نعالج مياه الصرف الصحي؟ تشير هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إلى أن «معالجة مياه الصرف الصحي تعد استخداماً للمياه، لأنها مترابطة كثيراً مع استخدامات أخرى لها».
وينبغي أن تُعالج المياه التي يستخدمها الإنسان في الصناعة والمنازل والأعمال قبل تصريفها إلى البيئة مجدداً، لأن التهاون في هذا الأمر قد يؤدي إلى إلحاق أضـــرار بمَواطن الحياة البرية والثروات السمكية وصحة البـــشر والحيوانات، ناهيك بتعذر استخدام المياه في الاستحمام.
وتشير الإحصائيات إلى أنه بحلول عام 2025 سيعيش نصف سكان العالم في مناطق تعاني من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب.
كما أن العوامل الأخرى من زيادة النمو السكاني في العالم وارتفاع تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري ستعرّض موارد المياه العذبة في العالم للتوتر والاستنزاف على نحو متزايد.
الأمر الذي يضع على عاتق المجتمع العلمي الدور الأكبر في الخروج بحلول مجدية واكتشافات تقنية تلبي الاحتياجات البشرية للمياه العذبة والنقية.
وستحتاج المدن الحضرية المستقبلية حول العالم إلى أكثر من استدامة وإعادة تدوير المياه بصورة أكثر كفاءة لتتكيف مع المناخ الحار، والإجهاد المائي بسبب الزيادة السكانية.

عمليات لاهوائية
حاليّاً يعد أغلب مياه الصرف الصحي المُعالجة مياهاً نظيفة من خلال عملية هوائية، حيث يُضاف الأكسجين إلى مياه الصرف الصحي، الذي يفكك المادة العضوية، ثم بعد ذلك يُضاف الكلور لتطهيرها، ومع ذلك فإنَّ الأزمة الكبرى لتلك المعالجة الهوائية تكمن في أنَّ الطاقة مُكلّفة، وكذلك لا يمكن استخدام المياه المعالجة بالكلور في عملية الزراعة.
وفي المقابل تعتمد طريقة الدكتورة هونغ الجديدة، على عملية لاهوائية، عن طريق استخدام تقنية المفاعل الحيوي للغشاء اللاهوائي -يرمز إليه باللغة الإنجليزية اختصاراً (AnMBR)- الذي يستخدم الكائنات المجهرية الدقيقة غير المستهلكة للأكسجين، لتحويل الكربون العضوي إلى ميثان، ويتم تنقية المياه وتطهيرها، عبر استخدام الأشعة فوق البنفسجية، وبيروكسيد الهيدروجين. والنتيجة النهائية كانت الحصول على مياه نظيفة صالحة لنمو المحاصيل الزراعية.
وشاركت «هونغ» مع مؤسسة «مدن»، الهيئة السعودية للمدن الصناعية والمناطق التقنية، في وقتٍ سابق هذا العام لتحويل نموذج أوّلي من التقنية الجديدة لبرنامج تجريبي لمعالجة مياه الصرف الصحي بالطريقة اللاهوائية، والتي تعمل حاليّاً في موقع تابع لـ«مدن» بجدة، ومن المتوقع أن يعالج المصنع التجريبي 23 ألف لتر من مياه الصرف الصحي يوميّاً. ويتم إنتاج الكتلة الحيوية من خلال نظام يمكن استخدامه أيضاً في الأسمدة الزراعية، حيث يحتوي النظام الجديد على بصمة موقع أصغر من مصانع التجهيز الحالية، وهي لامركزية وتقلل من تكاليف الطاقة المستهلكة في عمليات النقل والتوزيع. أضف إلى ذلك، فإن النظام يمكنه توزيع التقنية؛ كنظام لامركزي مبتكر يعالج مياه الصرف الصحي، وقابل للتطبيق تجارياً.
ووفقاً لأحد التقديرات، فإنّ تقنية المفاعل الحيوي للغشاء اللاهوائي قد تنتج 15 في المائة من احتياجات الزراعة للمياه في المملكة، ويمكن تصدير تلك التقنية أيضاً إلى بلدان أخرى، بمجرد إثبات نجاعتها.
تقنية المفاعل الحيوي للغشاء اللاهوائي هي تقنية عملية تم تطويرها بعقول باحثي «كاوست»، وقدرة الجامعة على الشراكة مع اللاعبين الصناعيين الفاعلين لتطبيق التقنية الجديدة على نطاق واسع، بحيث يمكن تطبيقها على أرض الواقع.

شراكة مع «مدن»
وفي هذا السياق، طوّرت الأستاذة المشاركة بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، الدكتورة بينغ هونغ، طريقة جديدة مبتكرة لمعالجة مياه الصرف الصحي بطاقة أقل، وإعادة استخدامها بطريقة آمنة في الزراعة، وتخضع التقنية حاليّاً لمرحلة الاختبار بالشراكة مع «مدن» في جدة.
وحول هذه الشراكة، يقول أحمد الهليّل، المدير التنفيذي لمشروعات الصحّة والبيئة في «مدن»: «تدعم شراكة (كاوست – مدن) المشروعات الصناعية الصغيرة والمتوسطة في جميع أنحاء المملكة، مع حلول تقنية جديدة من أجل تطوير عمليات إعادة استخدام مياه الصرف الصحّي، والتي تحقق وفرة هائلة في استهلاك الطاقة ومعالجتها».
ويُذكر أن لدى الدكتورة هونغ أبحاثاً رائدة في مجال المياه، وعلى وجه الخصوص معالجة مياه الصرف الصحي والاستفادة القصوى منها لمواجهة تحدي ندرة المياه على الصعيد العالمي، فضلاً عن تحسين القضايا الصحية العالمية في البلدان النامية. كما تهدف أبحاثها إلى فهم أدوار وتفاعلات الكائنات الدقيقة في النظم البيئية لحل المشكلات المتعلقة بجودة المياه وإعادة استخدامها. ومن خلال أبحاثها المستمرة مع فريقها، تؤمن هونغ بأن مياه الصرف المعالجة هي من مصادر المياه البديلة الثمينة.
وتعد إعادة استخدام المياه أحد أهداف «رؤية السعودية 2030»، حيث إنَّ الظروف المناخية القاسية في السعودية تتطلب تقليل وإعادة استخدام أحد أكثر مواردها الثمينة وهي المياه، بما في ذلك مياه الصرف الصحي، إذ يقلل زيادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالَجة الحاجة إلى تحلية المياه، كون تحلية المياه مُكلفة وتحتاج إلى طاقة هائلة، وتتسبب في ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لأعلى مستوياتها.
تقول هونغ: «تطرقت رؤية 2030 بشكل خاص إلى إعادة استخدام المياه. والقصد من ذلك هو التخفيف من إمدادات المياه الجوفية المستنفدة من خلال زيادة معدلات إعادة الاستخدام. مع هذا التوجه الجديد، من المتوقع أن تصبح التطورات التقنية المتعلقة بمعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها أولوية بحثية وطنية».

تحديات ندرة المياه
> يفتقر 2.2 مليار شخص إلى الوصول إلى خدمات مياه الشرب المدارة بأمان.
> يعتمد ما يقرب من ملياري شخص على مرافق الرعاية الصحية دون خدمات المياه الأساسية.
> يفتقر أكثر من نصف سكان العالم أو 4.2 مليار شخص إلى خدمات الصرف الصحي المُدارة بأمان.
> يموت 297 ألف طفل دون سن الخامسة كل عام بسبب أمراض الإسهال كنتيجة لسوء الصرف الصحي أو سوء النظافة أو مياه الشرب غير الآمنة.
> 90 في المائة من الكوارث الطبيعية لها علاقة بالطقس، بما في ذلك الفيضانات والجفاف.
> 80 في المائة من مياه الصرف الصحي تتدفق مرة أخرى إلى النظام البيئي دون معالجتها أو إعادة استخدامها.
> نحو ثلثي الأنهار العابرة للحدود في العالم ليس لديها إطار إدارة تعاونية.
> تستهلك الزراعة 70 في المائة من المياه المسحوبة في العالم.
المصادر: منظمة الصحة العالمية، اليونيسيف، اليونيسكو، الفاو، الأمم المتحدة، معهد استوكهولم الدولي للمياه..


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ألياف طبيعية تعزز كفاءة تقنيات تحلية المياه بتكلفة منخفضة

الألياف الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية تُعتبر بديلاً منخفض التكلفة وقابلًا للتحلل الحيوي (الدكتور محمد عجيزة)
الألياف الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية تُعتبر بديلاً منخفض التكلفة وقابلًا للتحلل الحيوي (الدكتور محمد عجيزة)
TT

ألياف طبيعية تعزز كفاءة تقنيات تحلية المياه بتكلفة منخفضة

الألياف الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية تُعتبر بديلاً منخفض التكلفة وقابلًا للتحلل الحيوي (الدكتور محمد عجيزة)
الألياف الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية تُعتبر بديلاً منخفض التكلفة وقابلًا للتحلل الحيوي (الدكتور محمد عجيزة)

تُشكل ندرة المياه العذبة تحدياً عالمياً زائداً، خصوصاً في المناطق الجافة التي تشهد استنزافاً سريعاً لمواردها المحدودة. كما يزيد النمو السكاني والتطور الاقتصادي من حدة المشكلة، حيث يرفعان الطلب على المياه لأغراض الشرب والزراعة والصناعة؛ مما يهدد الصحة العامة والأمن الغذائي.

وتعتمد الطرق التقليدية لتحلية المياه على الطاقة بشكل مكثف ولها آثار بيئية سلبية، بينما تعد تقنيات تحلية المياه بالطاقة الشمسية حلاً واعداً لمعالجة ندرة المياه والعمل المناخي، حيث تستفيد من الطاقة الشمسية المتجددة. وعلى الرغم من أن أنظمة «المقطرات» الشمسية لتحلية المياه تعد طريقة مستدامة، فإنها تواجه تحديات مثل الكفاءة المنخفضة التي تتراوح بين 30 و40 في المائة، ومعدلات إنتاج منخفضة للمياه العذبة، بالإضافة إلى التلوث البيئي الناجم عن استخدام مواد تقليدية، مثل المواد ذات التغير الطوري.

ألياف طبيعية

واستعرضت دراسة مرجعية أجراها باحثون مصريون، إمكانية استخدام الألياف الطبيعية بوصفها وسيلة مستدامة لتعزيز أداء الأنظمة الشمسية لتحلية المياه. وتتميز الألياف الطبيعية، المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية متاحة في المناطق النائية، بكونها بديلاً منخفض التكلفة، وقابلة للتحلل الحيوي، ومتعددة الاستخدامات.

ووفق النتائج المنشورة بعدد نوفمبر (تشرين الثاني) بدورية (Solar Energy)، يمكن للألياف الطبيعية مثل القطن، وقش الأرز، وألياف شجرة الموز، ونبات السيزال، وقش الخيزران، تحسين الأداء من خلال توفير الهيكل المسامي من أجل ترشيح المياه، وإزالة الشوائب، وتعزيز نقل الحرارة.

يقول الدكتور محمد عجيزة، الباحث الرئيسي للدراسة بقسم الهندسة الميكانيكية في جامعة كفر الشيخ، إن الألياف الطبيعية توفر حلاً مستداماً لتحسين كفاءة تحلية المياه بالطاقة الشمسية مع تقليل الأثر البيئي، لأنها تتميز بالتحلل البيولوجي، ما يجعلها خياراً جذاباً لتعزيز كفاءة الأنظمة الشمسية في المناطق التي تفتقر إلى الموارد.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الألياف الطبيعية توفر امتصاصاً عالياً للإشعاع الشمسي؛ مما يُحسّن الاحتفاظ بالحرارة ويزيد معدلات التبخر، كما تعزز الكفاءة الحرارية والعزل وتقلل الفاقد الحراري؛ مما يزيد من كفاءة التكثيف بفضل مساحتها السطحية الكبيرة، فيما تُسهّل خصائصها نقل المقطر الشمسي، وتوزيعه في المناطق النائية، حيث تقلل من الوزن الإجمالي له.

تقنيات تحلية المياه بالطاقة الشمسية تعد حلا ًواعداً لمعالجة ندرة المياه والعمل المناخي (جامعة واترلو)

تقييم الأداء

أثبتت الدراسة أن الألياف الطبيعية تتمتع بقدرة استثنائية على امتصاص المياه تصل إلى 234 في المائة، بالإضافة إلى خصائصها الحرارية المميزة؛ مما يتيح استخدامها بوصفها مواد عازلة أو ممتصة أو موصلة للحرارة في الأنظمة الشمسية. ويسهم ذلك في تحسين عمليات التبخير والتكثيف. وتعمل هذه الألياف على تعزيز نقل الحرارة وتقليل فقد الطاقة؛ مما يؤدي إلى تحسين الكفاءة بنسبة 15 في المائة. كما وجد الباحثون أن هذه الألياف أثبتت قدرتها على زيادة إنتاجية المياه العذبة بشكل ملحوظ، حيث حققت زيادة تصل إلى 123.5 في المائة مع قشور الجوز الأسود، و126.67 في المائة مع مزيج من ألياف النباتات التي تنمو في البرك والمستنقعات وألياف السيزال.

وبالمقارنة مع المقطرات التقليدية، حققت بعض الألياف زيادة ملحوظة في إنتاج المياه العذبة، مثل نشارة الخشب وقش الأرز (62 في المائة)، واللوف الأسود (77.62 في المائة)، وألياف السيزال (102.7 في المائة)، والقماش القطني (53.12 في المائة)، وألياف النخيل (44.50 في المائة)، وألياف الكتان (39.6 في المائة).

وحددت الدراسة أبرز مميزات التوسع في استخدام الألياف الطبيعية في تقنيات تحلية المياه بالطاقة الشمسية، مثل وفرة الموارد الشمسية والمساحات الواسعة لتركيب الأنظمة، بالإضافة لكون الألياف خياراً مستداماً. كما تدعم زيادة استنزاف الموارد المائية العالمية، ونمو السكان، وزيادة الوعي بتغير المناخ الحاجة الملحة لهذه التكنولوجيا.

في المقابل، أشار الباحثون إلى تحديات تواجه هذه التقنيات، منها قلة الاستثمارات في الطاقة المتجددة، والوعي المحدود بفوائد أنظمة التحلية الشمسية، بالإضافة إلى قلة الانتشار والعوائق التجارية مقارنة بالتقنيات التقليدية، والاختلافات في سياسات الطاقة بين الدول، ما يؤثر على إمكانية توسيع نطاق استخدامها.

وأوصى الباحثون بإجراء مزيد من الأبحاث لتحسين تركيبات الألياف الطبيعية، واستكشاف بدائل قابلة للتحلل الحيوي لتقليل الأثر البيئي. وأكدوا أهمية إجراء تقييمات شاملة لتقنيات التحلية الشمسية لتحقيق أقصى تأثير ممكن وتلبية الاحتياجات الزائدة للمياه بشكل مستدام؛ مما يسهم في دعم الأمن المائي، وتعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية.