ألياف طبيعية تعزز كفاءة تقنيات تحلية المياه بتكلفة منخفضة

وسيلة مستدامة لتعزيز أداء الأنظمة الشمسية

الألياف الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية تُعتبر بديلاً منخفض التكلفة وقابلًا للتحلل الحيوي (الدكتور محمد عجيزة)
الألياف الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية تُعتبر بديلاً منخفض التكلفة وقابلًا للتحلل الحيوي (الدكتور محمد عجيزة)
TT

ألياف طبيعية تعزز كفاءة تقنيات تحلية المياه بتكلفة منخفضة

الألياف الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية تُعتبر بديلاً منخفض التكلفة وقابلًا للتحلل الحيوي (الدكتور محمد عجيزة)
الألياف الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية تُعتبر بديلاً منخفض التكلفة وقابلًا للتحلل الحيوي (الدكتور محمد عجيزة)

تُشكل ندرة المياه العذبة تحدياً عالمياً زائداً، خصوصاً في المناطق الجافة التي تشهد استنزافاً سريعاً لمواردها المحدودة. كما يزيد النمو السكاني والتطور الاقتصادي من حدة المشكلة، حيث يرفعان الطلب على المياه لأغراض الشرب والزراعة والصناعة؛ مما يهدد الصحة العامة والأمن الغذائي.

وتعتمد الطرق التقليدية لتحلية المياه على الطاقة بشكل مكثف ولها آثار بيئية سلبية، بينما تعد تقنيات تحلية المياه بالطاقة الشمسية حلاً واعداً لمعالجة ندرة المياه والعمل المناخي، حيث تستفيد من الطاقة الشمسية المتجددة. وعلى الرغم من أن أنظمة «المقطرات» الشمسية لتحلية المياه تعد طريقة مستدامة، فإنها تواجه تحديات مثل الكفاءة المنخفضة التي تتراوح بين 30 و40 في المائة، ومعدلات إنتاج منخفضة للمياه العذبة، بالإضافة إلى التلوث البيئي الناجم عن استخدام مواد تقليدية، مثل المواد ذات التغير الطوري.

ألياف طبيعية

واستعرضت دراسة مرجعية أجراها باحثون مصريون، إمكانية استخدام الألياف الطبيعية بوصفها وسيلة مستدامة لتعزيز أداء الأنظمة الشمسية لتحلية المياه. وتتميز الألياف الطبيعية، المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية متاحة في المناطق النائية، بكونها بديلاً منخفض التكلفة، وقابلة للتحلل الحيوي، ومتعددة الاستخدامات.

ووفق النتائج المنشورة بعدد نوفمبر (تشرين الثاني) بدورية (Solar Energy)، يمكن للألياف الطبيعية مثل القطن، وقش الأرز، وألياف شجرة الموز، ونبات السيزال، وقش الخيزران، تحسين الأداء من خلال توفير الهيكل المسامي من أجل ترشيح المياه، وإزالة الشوائب، وتعزيز نقل الحرارة.

يقول الدكتور محمد عجيزة، الباحث الرئيسي للدراسة بقسم الهندسة الميكانيكية في جامعة كفر الشيخ، إن الألياف الطبيعية توفر حلاً مستداماً لتحسين كفاءة تحلية المياه بالطاقة الشمسية مع تقليل الأثر البيئي، لأنها تتميز بالتحلل البيولوجي، ما يجعلها خياراً جذاباً لتعزيز كفاءة الأنظمة الشمسية في المناطق التي تفتقر إلى الموارد.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الألياف الطبيعية توفر امتصاصاً عالياً للإشعاع الشمسي؛ مما يُحسّن الاحتفاظ بالحرارة ويزيد معدلات التبخر، كما تعزز الكفاءة الحرارية والعزل وتقلل الفاقد الحراري؛ مما يزيد من كفاءة التكثيف بفضل مساحتها السطحية الكبيرة، فيما تُسهّل خصائصها نقل المقطر الشمسي، وتوزيعه في المناطق النائية، حيث تقلل من الوزن الإجمالي له.

تقنيات تحلية المياه بالطاقة الشمسية تعد حلا ًواعداً لمعالجة ندرة المياه والعمل المناخي (جامعة واترلو)

تقييم الأداء

أثبتت الدراسة أن الألياف الطبيعية تتمتع بقدرة استثنائية على امتصاص المياه تصل إلى 234 في المائة، بالإضافة إلى خصائصها الحرارية المميزة؛ مما يتيح استخدامها بوصفها مواد عازلة أو ممتصة أو موصلة للحرارة في الأنظمة الشمسية. ويسهم ذلك في تحسين عمليات التبخير والتكثيف. وتعمل هذه الألياف على تعزيز نقل الحرارة وتقليل فقد الطاقة؛ مما يؤدي إلى تحسين الكفاءة بنسبة 15 في المائة. كما وجد الباحثون أن هذه الألياف أثبتت قدرتها على زيادة إنتاجية المياه العذبة بشكل ملحوظ، حيث حققت زيادة تصل إلى 123.5 في المائة مع قشور الجوز الأسود، و126.67 في المائة مع مزيج من ألياف النباتات التي تنمو في البرك والمستنقعات وألياف السيزال.

وبالمقارنة مع المقطرات التقليدية، حققت بعض الألياف زيادة ملحوظة في إنتاج المياه العذبة، مثل نشارة الخشب وقش الأرز (62 في المائة)، واللوف الأسود (77.62 في المائة)، وألياف السيزال (102.7 في المائة)، والقماش القطني (53.12 في المائة)، وألياف النخيل (44.50 في المائة)، وألياف الكتان (39.6 في المائة).

وحددت الدراسة أبرز مميزات التوسع في استخدام الألياف الطبيعية في تقنيات تحلية المياه بالطاقة الشمسية، مثل وفرة الموارد الشمسية والمساحات الواسعة لتركيب الأنظمة، بالإضافة لكون الألياف خياراً مستداماً. كما تدعم زيادة استنزاف الموارد المائية العالمية، ونمو السكان، وزيادة الوعي بتغير المناخ الحاجة الملحة لهذه التكنولوجيا.

في المقابل، أشار الباحثون إلى تحديات تواجه هذه التقنيات، منها قلة الاستثمارات في الطاقة المتجددة، والوعي المحدود بفوائد أنظمة التحلية الشمسية، بالإضافة إلى قلة الانتشار والعوائق التجارية مقارنة بالتقنيات التقليدية، والاختلافات في سياسات الطاقة بين الدول، ما يؤثر على إمكانية توسيع نطاق استخدامها.

وأوصى الباحثون بإجراء مزيد من الأبحاث لتحسين تركيبات الألياف الطبيعية، واستكشاف بدائل قابلة للتحلل الحيوي لتقليل الأثر البيئي. وأكدوا أهمية إجراء تقييمات شاملة لتقنيات التحلية الشمسية لتحقيق أقصى تأثير ممكن وتلبية الاحتياجات الزائدة للمياه بشكل مستدام؛ مما يسهم في دعم الأمن المائي، وتعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية.



الذكاء الاصطناعي... من مكافحة «الهلوسة» إلى تصميم «الوكلاء»

الذكاء الاصطناعي... من مكافحة «الهلوسة» إلى تصميم «الوكلاء»
TT

الذكاء الاصطناعي... من مكافحة «الهلوسة» إلى تصميم «الوكلاء»

الذكاء الاصطناعي... من مكافحة «الهلوسة» إلى تصميم «الوكلاء»

كتب جون ليكاتو(*) الباحث في مجالات تقاطع الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة الطبيعية والمنطق البشري، يقول: «بصفتي مدير (مختبر تطوير المنطق البشري والآلي/ Advancing Human and Machine Reasoning lab)، في جامعة جنوب فلوريدا، فإني أقوم بتقديم هذه الأبحاث إلى الجهات الأخرى لتوفير أدوات لمسح ورصد الثغرات في تلك النماذج اللغوية».

تطورات نماذج الذكاء الاصطناعي

ويضيف: «من وجهة نظري، فقد لاحظت تطورات كبيرة في مجال نماذج لغة الذكاء الاصطناعي في عام 2024، سواء في ميدان البحث أو الصناعة. وربما من أكثر هذه التطورات إثارة كانت قدرات نماذج اللغة الصغرى، ودعم معالجة هلوسة الذكاء الاصطناعي، وأطر تطوير وكلاء الذكاء الاصطناعي».

قدرات الذكاء الاصطناعي الصغير

في قلب منتجات الذكاء الاصطناعي التوليدي المتاحة تجارياً مثل «تشات جي بي تي (ChatGPT)» توجد نماذج لغة كبيرة (LLMs)، التي يتم تدريبها على كميات هائلة من النصوص، وتنتج لغةً مقنعةً شبيهةً بالإنسان.

ويقاس حجم هذه النماذج عموماً بـ«معاملات (parameters)»، وهي القيم العددية التي يستمدها النموذج من بيانات التدريب الخاصة به.

* النماذج الكبرى

تحتوي النماذج التي تنتجها شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى على مئات المليارات من المعاملات. وتقوم المنظمات التي لديها أكبر قدر من الموارد الحسابية بتجربة وتدريب نماذج لغة أكبر وأقوى بشكل متزايد. وتنتج هذه النماذج قدرات جديدة لنماذج اللغة الكبرى، ومعايير، ومجموعات تدريب، وحيل تدريب أو تحفيز.

* النماذج الصغرى

هناك تفاعل متكرر بين نماذج اللغة الكبرى ونماذج اللغة الصغرى، الذي يبدو أنه تسارع في عام 2024. وتُستخدم الكبرى لإنشاء نماذج لغوية صغرى - في نطاق 3 مليارات معامل أو أقل - التي يمكن تشغيلها على إعدادات كومبيوتر، وتتطلب طاقة وذاكرة أقل للتدريب، ويمكن ضبطها بدقة باستخدام بيانات أقل.

* إصدارات النماذج الصغرى

ليس من المستغرب إذن أن يصدر المطورون مجموعة من نماذج اللغة الأصغر حجماً والقوية - على الرغم من أن تعريف الصغير يتغير باستمرار مثل إصدارات «Phi-3»، ثم «Phi-4» من «مايكروسوفت»، و«Llama-3.2 1B»، ثم «3B»، وكذلك «Qwen2-VL-2B»... وهي ليست سوى أمثلة قليلة.

مهام محددة

يمكن تخصيص نماذج اللغة الصغرى هذه لمهام أكثر تحديداً، مثل تلخيص مجموعة من التعليقات بسرعة أو التحقق من صحة النص مقابل مرجع محدد. ويمكنها العمل مع «أبناء عمومتها» الأكبر حجماً لإنتاج أنظمة هجينة قوية بشكل متزايد.

التضليل والهلوسة

* تضليل وتزييف

يمكن أن يكون الوصول المتزايد إلى نماذج اللغة عالية القدرة الكبرى والصغرى نعمة مختلطة؛ إذ يمكن أن تمنح نماذج اللغة المستخدمين الضارين القدرة على إنشاء منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، والتأثير بشكل مخادع في الرأي العام.

وكان على شركة «أوبن إيه آي» المنتجة لـ«تشات جي بي تي» التدخل لتعطيل أكثر من 20 عملية وشبكة خادعة حاولت استخدام نماذجها في حملات انتخابية خادعة، حيث تم إنشاء مقاطع فيديو وصور ساخرة مزيفة ومشاركتها بمساعدة أدوات الذكاء الاصطناعي.

* «روبوتات» مشاغبة ومهلوسة

بدأت «غوغل» بتضمين على الذكاء الاصطناعي في نتائج البحث الخاصة بها، ما أسفر عن بعض النتائج التي كانت خاطئة بشكل مضحك وواضح؛ مثل الغراء في البيتزا الخاصة بك. ومع ذلك، ربما كانت النتائج الأخرى خاطئة بشكل خطير، مثل عندما اقترحت خلط مواد التنظيف للتبييض والتعقيم مع الخل لتنظيف الملابس.

وفي حادثة أخرى، قال روبوت محادثة يقدم المشورة بشأن قوانين ولوائح مدينة نيويورك بشكل غير صحيح إنه «من المسموح قانونياً لصاحب العمل طرد عامل يشكو من التحرش الجنسي، أو امرأة لا تكشف عن الحمل، أو رجل يرفض قص ضفائره».

«تخفيف» الهلوسة

إن نماذج اللغة الكبرى، كما يتم تصميمها بشكل شائع، معرَّضة للهلوسة. وهذا يعني أنها يمكن أن تذكر أشياء كاذبة أو مضللة، غالباً بلغة واثقة. على الرغم من أنني وآخرين ندق الطبول باستمرار حول هذا الأمر، فإن عام 2024 لا يزال يشهد محاولة كثير من المنظمات تعلّم المخاطر الناجمة عن هلوسة الذكاء الاصطناعي.

ولحسن الحظ، شهد عام 2024 أيضاً طرقاً جديدة للتخفيف من هلوسات الذكاء الاصطناعي والتعايش معها؛ إذ تعمل الشركات والباحثون على تطوير أدوات للتأكد من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تتبع القواعد المحددة قبل تقديمها للنتائج، فضلاً عن البيئات لتقييمها.

ولكن على الرغم من أن الباحثين يجدون باستمرار طرقاً للحد من الهلوسة، فإن الأبحاث في عام 2024 أظهرت بشكل مقنع أن هلوسات الذكاء الاصطناعي ستظل موجودة دائماً في شكل ما.

الوكلاء: الموجة الثالثة للذكاء الاصطناعي

لا تزال نماذج اللغة الكبرى، خصوصاً تلك التي تعمل بإصدارات مختلفة من بنية نظام المحول المصمم في داخلها، تقود أهم التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي.

على سبيل المثال، يستخدم المطورون نماذج اللغة الكبرى ليس فقط لإنشاء روبوتات الدردشة، ولكن أيضاً لتكون بمثابة أساس لوكلاء الذكاء الاصطناعي. برز مصطلح «الذكاء الاصطناعي الوكيل» في عام 2024، حتى إن بعض الخبراء أطلقوا عليه «الموجة الثالثة من الذكاء الاصطناعي».

* ما هو الوكيل الذكي؟

لفهم ما هو وكيل الذكاء الاصطناعي، فكر في روبوت الدردشة الموسع بطريقتين:

- أولاً، امنحه إمكانية الوصول إلى الأدوات التي توفر القدرة على اتخاذ الإجراءات. قد تكون هذه القدرة على الاستعلام من محرك بحث خارجي، أو حجز رحلة، أو استخدام الآلة الحاسبة.

- ثانياً، امنحه استقلالية متزايدة، أو القدرة على اتخاذ مزيد من القرارات بمفرده.

على سبيل المثال، قد يكون روبوت الدردشة للسفر قادراً على إجراء بحث عن الرحلات بناءً على المعلومات التي تقدمها له، ولكن قد يخطط وكيل السفر المجهز بأدوات، لمسار الرحلة بالكامل، بما في ذلك تنفيذ الحجوزات، وإضافة الأحداث المهمة والفعاليات في أثناء السفرة، إلى التقويم الخاص بك.

إصدارات الوكلاء

في عام 2024، ظهرت أطر عمل جديدة لتطوير وكلاء الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال لا الحصر، تم إصدار أو تحسين «LangGraph»، و«CrewAI»، و«PhiData»، و«AutoGen/Magentic-One» في عام 2024.

بدأت الشركات للتو في تبني وكلاء الذكاء الاصطناعي. وبدأت أطر العمل لتصميم وكلاء الذكاء الاصطناعي جديدة تتطور بسرعة. ولكن ومع ذلك، لا تزال مخاطر الأمن والخصوصية والهلوسة تشكَّل مصدر قلق.

* توقعات المستقبل

ويتوقَّع محللو السوق العالمية أن تخطط 82 في المائة من المنظمات التي شملتها الاستطلاعات لاستخدام الوكلاء في غضون بين 1 و3 سنوات، ومن المرجح أن تتبنى 25 في المائة من جميع الشركات، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي حالياً، وكلاء الذكاء الاصطناعي في عام 2025.

* أستاذ مشارك في علوم الكومبيوتر بجامعة جنوب فلوريدا.

مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا».

حقائق

82 %

من المنظمات التي شملتها الاستطلاعات لاستخدام الوكلاء في غضون بين 1 و3 سنوات