آلام العنصرية تتراكم لدى أميركيين سود.. من فيرغسون إلى تشارلستون

الولايات المتحدة تعيش لحظة تناقض عرقي

متظاهرة في مدينة تشارلستون أمس تحمل شعار «أرواح السود مهمة» وهو شعار حركة انطلقت عام 2012 ولاقت رواجًا هذا العام  للمطالبة بحماية الأميركيين من أصول أفريقية (أ.ب)
متظاهرة في مدينة تشارلستون أمس تحمل شعار «أرواح السود مهمة» وهو شعار حركة انطلقت عام 2012 ولاقت رواجًا هذا العام للمطالبة بحماية الأميركيين من أصول أفريقية (أ.ب)
TT

آلام العنصرية تتراكم لدى أميركيين سود.. من فيرغسون إلى تشارلستون

متظاهرة في مدينة تشارلستون أمس تحمل شعار «أرواح السود مهمة» وهو شعار حركة انطلقت عام 2012 ولاقت رواجًا هذا العام  للمطالبة بحماية الأميركيين من أصول أفريقية (أ.ب)
متظاهرة في مدينة تشارلستون أمس تحمل شعار «أرواح السود مهمة» وهو شعار حركة انطلقت عام 2012 ولاقت رواجًا هذا العام للمطالبة بحماية الأميركيين من أصول أفريقية (أ.ب)

فيرغسون، بالتيمور، ستيتين أيلاند، نورث تشارلستون، كليفلاند، تم قتل رجل أسود أعزل في كل مدينة من تلك المدن الأميركية على أيدي رجل شرطة، على مدى العام الماضي، مما أثار عاصفة من الألم وعملية تقييم للمشاعر والدوافع بشأن قضية العرق في أميركا. ورغم وجود أدلة مصورة لعدة عمليات قتل، كانت كل عملية تتسبب في المزيد من الخلاف أكثر مما تساعد على تحقيق الوحدة.
وتميل غالبية هيئات المحلفين لصالح ضباط الشرطة، حيث كشف استطلاع رأي عن انقسامات عميقة بين نظرة البيض والسود للحقائق في كل حالة. في حين كان البيض يميلون إلى تصديق روايات رجال الشرطة التي تبرر استخدامهم للقوة، كان يميل السود إلى إدراك عوامل مؤثرة أعمق، مثل انحياز رجال الشرطة الطويل الأمد ضد الرجال السود، وافتراض أنهم في غالب الأحيان مذنبون.
وليلة الأربعاء الماضي، دخل شاب أبيض كنيسة تاريخية للسود في مدينة تشارلستون، وانضم إلى مجموعة من المصلين، قبل أن يطلق الرصاص عليهم وقتل تسعة منهم. وكان لذلك الشاب صورة على صفحته على موقع «فيسبوك» الإلكتروني وهو يرتدي أعلام الأنظمة العنصرية في جنوب أفريقيا وروديسيا سابقا.
وكانت المذبحة في كنيسة «إيمانويل ميثوديست إيبيسكوبال» الأميركية - الأفريقية في تشارلستون أمرًا يختلف تماما عن عمليات القتل التي ارتكبتها عناصر في الشرطة، لكنها أيضا أصبحت حادثة تدل على تعصب بددت أي غموض يحيط بتلك الحالات السابق ذكرها، وتطرح بجرأة تساؤلات بشأن العرق في أميركا. هل أصيب الرجل المسلح بالجنون وكان مدفوعا بهذا السبب فحسب؟ أم أنه نتاج لثقافة العنصرية التي يعتقد الكثير من الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية أنها تسببت في مقتل مايكل براون، وفريدي غراي، وإيريك غارنر، وولتر سكوت، وتامر رايس؟
وقال عضو مجلس الشيوخ ليندسي غراهام، وهو أبيض ينتمي إلى الحزب الجمهورية من ولاية ساوث كارولاينا سيترشح لمنصب الرئاسة، في مقابلة عبر الهاتف مع «سي إن إن»: «أعتقد أنه كان من هؤلاء الصبية المضطربين»، وهو ما يتردد أصداؤه في الشعور العام الذي بدأ في الانتشار.
وأضاف قائلا: «لا أعتقد أن الأمر يتجاوز ذلك. يتعلق الأمر بشاب من الواضح أنه تم التلاعب بعقله». وعدّل غراهام لاحقا تصريحاته، ووصف روف بـ«العنصري»، وقال إن السبب الوحيد لمقتل الضحايا هو عرقهم.
ويرى محامٍ من أصول أفريقيا يتخصص في حالات الإعدام، برايان ستيفنسون، وأرّخ لظلم النظام القانوني للأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية، علاقة عميقة منهجية بين أفعال روف وقتل الشرطة لرجال سود، وكذا الأفعال القاسية التي ارتكبها أحد رجال الشرطة أثناء تفريق حفل أقيم على حمام السباحة في ماكيني بولاية تكساس.
وقال ستيفنسون في مقابلة: «يعد آخر عمل عنيف مثالا مرعبا متطرفا، لكنه لا ينفصل عن الطريقة التي تتعامل بها الشرطة، والمدارس، والدولة مع الرجال، والصبية السود. يعج المشهد بدلالات تشير إلى نشأة الفيدرالية، وتذكر بالتنكيل الشعبي وحالات الاضطهاد التي اتسمت بها تلك الحقبة».
وتعيش أميركا لحظة من التناقض العرقي. لم يحدث في تاريخ السود أن حظوا بهذا التمثيل الكامل في الشأن العام، فالرئيس الأميركي أسود، والسيدة الأولى أنيقة كان أجدادها من العبيد. ويقود الأميركيون من ذوي الأصول الأفريقية الثقافة الشعبية في البلاد من عدة أوجه سواء كان ذلك في مجال الرياضة، أو الموسيقى، أو التلفزيون، حيث باتت سوندا رايمز، ولي دانيلز، أيقونات، فضلا عن شخصية أوليفيا بوب، المصلحة السياسية، في مسلسل «سكاندل» وشخصية كوكي ليون، عملاقة الموسيقى في مسلسل «إمباير».
وأصبح من الشائع الإشارة إلى جيل من الشباب الذي يطلق عليه شباب الألفية، كجيل «ما بعد العنصرية». وأصبحت ثقافة العرق الأسود سائدة إلى الحد الذي جعل نبأ قول امرأة مولودة لأبوين من البيض، زعمت أنها من العرق الأسود، إنها «متجاوزة للأعراق»، ينتشر على الإنترنت خلال الأسبوع الماضي.
وأوضح ستيفنسون قائلا: «كل تلك الأمثلة مضللة فيما تمثله من عدة أوجه. لدينا رئيس أميركي من أصل أفريقي لا يستطيع التحدث عن العرق؛ فهو معرض للهجوم إذا فعل ذلك. لطالما كانت نماذج التفوق البسيطة للسود موجودة في عالم الفن والرياضة».
ويذكر أنه تم إقصاء السود بشكل كبير بعيدا عن فرص تكوين الثروات في القرن العشرين بداية بامتلاك المنازل المدعومة من الحكومة الفيدرالية بعد الحرب العالمية الثانية، ووصولا إلى برامج التدريب الوظيفي، التي وفرت ملايين من فرص العمل للطبقة الوسطى.
وبالنسبة إلى الكثير من السود، تعد واقعة تشارلستون حلقة في مسلسل حياة السود في أميركا. وقال صحافي وناشط من أصل أفريقي لامونت ليلي الذي يبلغ 35 عامًا في مدينة ديرام في نورث كارولينا تبعد نحو 300 ميل عن شمال تشارلستون: «هناك علاقة وثيقة بين الكثير من الظروف، مثل السكن، والطعام، ووحشية الشرطة. إنها تجارب غير منفصلة إطلاقا».
وقال كاتب وموسيقي من أصول أفريقية غريغ تيت، إن السود لا يسعهم سوى الشعور بأنهم تحت حصار في مجتمع مصاب بنسيان تاريخه. وأضاف قائلا: «لطالما كان هناك إنكار مستمر في أميركا لوجود العنصرية. وكما يقول جيمس بولدوين: يعجز الأميركيون البيض عن النظر إلى أنفسهم كأشخاص سيئين. نحن نرى في حالة ديلان روف أن هناك اندفاعًا ليس فقط نحو تبرئة الأميركيين البيض من عنفه، ولكن أيضا نحو النأي بالنفس عن الاستثمار في الآيديولوجية الفوقية».
وتحمل حقبة نشر وتبادل الصور الأمل في حدوث تغيير. مثلت المقاطع المصورة، التي تم التقاطها باستخدام هاتف جوال لضباط شرطة يصوبون النار نحو رجال سود عزل، صدمة لضمير الأميركيين، حسبما تقول النظرية، مثلما تسببت الصور، التي عرضت على التلفزيون لمتظاهرين سود يتم استخدام كلاب، ومدافع مياه، لتهديدهم في عصر الحقوق المدنية، في اضطراب نفوس أميركيين بيض.
وقالت ناشطة شهدت جدتها حملات الاضطهاد الشعبي للسود في ساوث كارولينا ميكايلا أنجيلا ديفيس، إن كل جيل في عائلتها عانى من العنف الذي تمت ممارسته ضد السود بـ«رعاية الدولة». وقالت ديفيس: «تلك كلمات لم يكن جيل والدي يلفظها. لديّ أمل في أن يدفع الجيل الجديد البلاد نحو تغيير».
* خدمة «نيويورك تايمز»



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.