أميركا تحذّر من «الاستفزازات»... والصين ترفض «الإشارات الخطيرة» لتايوان

بلينكن ووانغ يرسمان خريطة طريق نقاط التوافق والخلاف قبل قمة بايدن وشي

وزيرا الخارجية الأميركي والصيني خلال اجتماعهما في نيويورك أول من أمس (رويترز)
وزيرا الخارجية الأميركي والصيني خلال اجتماعهما في نيويورك أول من أمس (رويترز)
TT

أميركا تحذّر من «الاستفزازات»... والصين ترفض «الإشارات الخطيرة» لتايوان

وزيرا الخارجية الأميركي والصيني خلال اجتماعهما في نيويورك أول من أمس (رويترز)
وزيرا الخارجية الأميركي والصيني خلال اجتماعهما في نيويورك أول من أمس (رويترز)

في وقت كثّفت واشنطن حملتها الدولية ضد موسكو على خلفية حرب أوكرانيا، أثارت إدارة الرئيس جو بايدن غضب الصين، ليس فقط بسبب الضغوط التي تمارسها على بكين للابتعاد عن موسكو بل أكثر لأن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن طالب بوقف «الأعمال الاستفزازية» الصينية ضد تايوان، ما استدعى تحذيراً قوياً من نظيره الصيني وانغ يي الذي شدد على مخاطر إرسال إشارات «خطيرة للغاية» للجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي.
وتعتبر الصين جزيرة تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي، جزءاً من أراضيها، ولم تستبعد القوة لإعادة توحيدها مع البر الرئيسي، علماً أنها كثّفت في الأشهر الأخيرة نشاطها العسكري في المنطقة. ويأتي تصاعد هذا النشاط، جزئياً على الأقل، رداً على زيارات رفيعة المستوى لأعضاء من الكونغرس الأميركي إلى تايبيه، عاصمة تايوان، بما في ذلك زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، ومبيعات الأسلحة الأميركية المتزايدة للجزيرة.

وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال إلقائه كلمة بلاده أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أمس (إ.ب.أ)

وأطلق الرئيس جو بايدن أخيراً تصريحات أبدى فيها استعداده لإنزال قوات أميركية للدفاع عن تايوان إذا هاجمتها الصين، في ما اعتبر تجاوزاً نادراً لسياسة «الغموض الاستراتيجي» في شأن تايوان والذي يقضي بعدم توضيح ما إذا كانت واشنطن سترد عسكرياً أم لا على أي هجوم على تايوان. لكن بايدن نفسه عاد وتحدث لاحقاً بلغة أكثر تصالحية مع الصين من على منبر الدورة السنوية الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خلال الأسبوع الماضي. إذ حض بكين على الانضمام إلى الأسرة الدولية في التنديد بالحرب الروسية ضد أوكرانيا وبالتصريحات التي وصفها بـ«المتهورة» للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شأن إمكان استخدام الأسلحة النووية، معترفاً في الوقت نفسه بعلاقة يمكن أن تكون «تنافسية» بين واشنطن وبكين، العملاقين الاقتصاديين في العالم.
المقاربة ذاتها ظهرت في اللقاء الذي جمع الجمعة بين وزيري الخارجية الأميركي والصيني على هامش اجتماعات نيويورك، علماً أن الوزير أنتوني بلينكن الذي توفي والده الخميس، حافظ على موعده مع وانغ، الذي بدا - وفقاً لمسؤولين أميركيين - «متقبلًا للرسائل» الأميركية. وأضافوا أن الوزيرين الأميركي والصيني ناقشا الحاجة إلى «الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة وإدارة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بشكل مسؤول، وبخاصة في أوقات التوتر».
تأتي المحادثات بين بلينكن ووانغ وسط فترة من التوترات الشديدة حول مسألتي أوكرانيا وتايوان، وقبل الاجتماع المرتقب في نوفمبر (تشرين الثاني) بين بايدن ونظيره الصيني شي جينبينغ.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إن بلينكن أكد لوانغ التزام الإدارة بـ«الحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان» على رغم تأكيد بايدن في وقت سابق من هذا الأسبوع أن الولايات المتحدة سترسل قوات للدفاع عن تايوان في حالة الغزو الصيني. وكشف أن بلينكن «شدد على أن الحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان أمر بالغ الأهمية للأمن والازدهار الإقليمي والعالمي».
وقال مسؤول آخر إن تايوان كانت المحور الذي دارت حوله المحادثات «المباشرة والصادقة» على مدى 90 دقيقة بين بلينكن ووانغ، مضيفاً أنه «من جانبنا، أوضح وزير الخارجية أن الحفاظ على السلام والاستقرار عبر المضيق أمر مهم للغاية، وفقاً لسياسة الصين الواحدة التي نلتزمها منذ زمن طويل ولم تتغير».
وفي ما يتعلق بروسيا، قال مسؤولون أميركيون إن بلينكن شدد على «الضرر الذي يمكن أن يلحق بالعلاقات الصينية - الأميركية في حالة قيام بكين بدور أكثر نشاطاً لدعم الحرب في أوكرانيا»، معبّرين عن «التفاؤل الحذر في شأن التعليقات الأخيرة للقادة الصينيين حول مخاوفهم بخصوص الحرب وعواقبها». وقال برايس إن بلينكن «سلّط الضوء على التداعيات في حال قدّمت جمهورية الصين الشعبية الدعم لغزو موسكو لدولة ذات سيادة». ويشير مصطلح «جمهورية الصين الشعبية» إلى الاسم الرسمي للصين.
وانعكس ذلك فعلاً في لقاء هو الأول منذ بدء حرب أوكرانيا بين الوزير الصيني ونظيره الأوكراني دميترو كوليبا في نيويورك، علماً أن وانغ شدد خلال جلسة لمجلس الأمن الخميس على الحاجة إلى وقف إطلاق النار بدلاً من الحديث عن دعم روسيا.
في المقابل، أفادت وزارة الخارجية الصينية، في بيان، بأن وانغ اتهم الولايات المتحدة خلال اجتماعه مع بلينكن بأنها «ترسل إشارات خاطئة وخطيرة للغاية» لتشجيع تايوان على الاستقلال. وأضافت أن وانغ أبلغ بلينكن بأن الصين ترغب في «إعادة توحيد سلمية» مع تايوان، محذراً من أنه «كلما زادت نشاطات تايوان (بخصوص الاستقلال) قل احتمال التوصل إلى حل سلمي».
وأصبحت العلاقة بين الولايات المتحدة والصين مشحونة بشكل متزايد في السنوات الأخيرة بسبب قضايا متعددة، بما في ذلك الاتهامات التي تنفيها بكين بخصوص اضطهاد المسلمين والأقليات العرقية في منطقة شينجيانغ بغرب الصين، وقمع المعارضة في التبت وهونغ كونغ، والإجراءات الصينية «العدوانية» في بحر الصين الجنوبي وضد تايوان، والتعامل مع جائحة فيروس «كورونا». ومع ذلك، أفاد برايس بأن الولايات المتحدة لا تزال «منفتحة على التعاون مع جمهورية الصين الشعبية حيث تتقاطع مصالحنا»، علماً أن أحد المجالات التي تأمل الولايات المتحدة في استمرار التنسيق فيها هو تغير المناخ.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس، دعا وزير الخارجية أوكرانيا وروسيا إلى عدم ترك النزاع بينهما «يتفاقم»، قائلاً: «ندعو جميع الأطراف المعنية إلى منع تفاقم الأزمة وحماية الحقوق والمصالح المشروعة للبلدان النامية»، داعياً إلى إيجاد «حل سلمي».
وبخصوص تايوان، قال الوزير الصيني: «يجب أن نكافح بحزم أنشطة تايوان الانفصالية وأن نتخذ خطوات قوية من أجل التصدي للتدخل الخارجي».
وكان وانغ قد شدد، في خطاب ألقاه أمام مركز أبحاث «جمعية آسيا» في نيويورك الخميس، على أن مسألة تايوان تتنامى لتصبح الخطر الأكبر في علاقات الصين والولايات المتحدة. وأكد أن «استقلال تايوان يشبه وحيد قرن ضخماً هائجاً يتجه نحونا ليهاجمنا. يجب وقفه بحزم». وأضاف: «مثلما لا تسمح الولايات المتحدة بأن تُقتطع منها هاواي، يحق للصين المطالبة بتوحيد البلاد». لكن وانغ عبّر عن موقف تصالحي إزاء بايدن. وأكد أن بايدن وشي يسعيان إلى «إنجاح العلاقات الصينية - الأميركية» وإلى «الابتعاد عن النزاع والمواجهة».
وسبق لقاء بلينكن ووانغ اجتماع بين وزراء خارجية المجموعة الرباعية لأستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، والذي أصدر بياناً يشير إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، قائلاً: «إننا نعارض بشدة أي إجراءات أحادية تسعى لتغيير الوضع الراهن أو زيادة التوترات في المنطقة».
وفي إطار مرتبط، قال مسؤول أميركي إن نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس ستناقش أمن تايوان خلال اجتماعات ثنائية مع زعماء حليفتي الولايات المتحدة اليابان وكوريا الجنوبية عندما تزورهم الأسبوع المقبل.


مقالات ذات صلة

بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

الولايات المتحدة​ بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

بايدن يستضيف رئيس الفلبين لمواجهة تصاعد التوترات مع الصين

في تحول كبير نحو تعزيز العلاقات الأميركية - الفلبينية، يستضيف الرئيس الأميركي جو بايدن، الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور، في البيت الأبيض مساء الاثنين، في بداية أسبوع من اللقاءات رفيعة المستوى، تمثل تحولاً في العلاقة بين البلدين التي ظلت في حالة من الجمود لفترة طويلة. زيارة ماركوس لواشنطن التي تمتد 4 أيام، هي الأولى لرئيس فلبيني منذ أكثر من 10 سنوات.

هبة القدسي (واشنطن)
العالم الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

من التداعيات المباشرة والأساسية للحرب في أوكرانيا عودة أجواء الحرب الباردة وبروز العقلية «التناحرية» التي تسود حالياً العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. ومع كل ما يجري في العالم، نلمح الكثير من الشرارات المحتملة التي قد تؤدي إلى صدام بين القوتين الكبريين اللتين تتسابقان على احتلال المركز الأول وقيادة سفينة الكوكب في العقود المقبلة... كان لافتاً جداً ما قالته قبل أيام وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين وشكّل انعطافة كبيرة في مقاربة علاقات واشنطن مع بكين، من حيّز المصالح الاقتصادية الأميركية إلى حيّز الأمن القومي.

أنطوان الحاج
الاقتصاد الشركات الأميركية في الصين  تخشى مزيداً من تدهور علاقات البلدين

الشركات الأميركية في الصين تخشى مزيداً من تدهور علاقات البلدين

تخشى الشركات الأميركية في الصين بشكل متزايد من مزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين، وفقاً لدراسة استقصائية أجرتها غرفة التجارة الأميركية في الصين. وأعرب 87 في المائة من المشاركين في الدراسة عن تشاؤمهم بشأن توقعات العلاقة بين أكبر الاقتصادات في العالم، مقارنة بنسبة 73 في المائة في استطلاع ثقة الأعمال الأخير. ويفكر ما يقرب من ربع هؤلاء الأشخاص، أو بدأوا بالفعل، في نقل سلاسل التوريد الخاصة بهم إلى دول أخرى.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد دعوات أميركية للحد من اعتماد الدول الغنية على السلع الصينية

دعوات أميركية للحد من اعتماد الدول الغنية على السلع الصينية

من المتوقع أن يبحث قادة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في قمتهم المقررة باليابان الشهر المقبل، الاتفاق على تحديد رد على التنمر الاقتصادي من جانب الصين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الصين تنتقد «الإكراه الاقتصادي» الأميركي

الصين تنتقد «الإكراه الاقتصادي» الأميركي

انتقدت بكين الجمعة، عزم واشنطن فرض قيود جديدة على استثمارات الشركات الأميركية في نظيرتها الصينية، معتبرة أن خطوة كهذه هي أقرب ما يكون إلى «إكراه اقتصادي فاضح وتنمّر تكنولوجي». وتدرس إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، برنامجاً لتقييد استثمارات خارجية أميركية، بما يشمل بعض التقنيات الحسّاسة التي قد تكون لها آثار على الأمن القومي. وتعاني طموحات الصين التكنولوجية أساساً من قيود تفرضها الولايات المتحدة ودول حليفة لها، ما دفع السلطات الصينية إلى إيلاء أهمية للجهود الرامية للاستغناء عن الاستيراد في قطاعات محورية مثل أشباه الموصلات. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ونبين، إن «الولايات المتحد

«الشرق الأوسط» (بكين)

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
TT

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)

أعلنت الحكومة الأسترالية اعتزامها فرض ضريبة كبيرة على المنصات ومحركات البحث التي ترفض تقاسم إيراداتها من المؤسسات الإعلامية الأسترالية مقابل نشر محتوى هذه المؤسسات.

وقال ستيفن جونز، مساعد وزير الخزانة، وميشيل رولاند وزيرة الاتصالات، إنه سيتم فرض الضريبة اعتباراً من أول يناير (كانون الثاني)، على الشركات التي تحقق إيرادات تزيد على 250 مليون دولار أسترالي (160 مليون دولار أميركي) سنوياً من السوق الأسترالية.

وتضم قائمة الشركات المستهدفة بالضريبة الجديدة «ميتا» مالكة منصات «فيسبوك»، و«واتساب» و«إنستغرام»، و«ألفابيت» مالكة شركة «غوغل»، وبايت دانس مالكة منصة «تيك توك». وستعوض هذه الضريبة الأموال التي لن تدفعها المنصات إلى وسائل الإعلام الأسترالية، في حين لم يتضح حتى الآن معدل الضريبة المنتظَرة، وفقاً لما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية».

وقال جونز للصحافيين إن «الهدف الحقيقي ليس جمع الأموال... نتمنى ألا نحصل عائدات. الهدف الحقيقي هو التشجيع على عقد اتفاقيات بين المنصات ومؤسسات الإعلام في أستراليا».

جاءت هذه الخطوة بعد إعلان «ميتا» عدم تجديد الاتفاقات التي عقدتها لمدة3 سنوات مع المؤسسات الإعلامية الأسترالية لدفع مقابل المحتوى الخاص بهذه المؤسسات.

كانت الحكومة الأسترالية السابقة قد أصدرت قانوناً في عام 2021 باسم «قانون تفاوض وسائل الإعلام الجديدة» يجبر شركات التكنولوجيا العملاقة على عقد اتفاقيات تقاسم الإيرادات مع شركات الإعلام الأسترالية وإلا تواجه غرامة تبلغ 10 في المائة من إجمالي إيراداتها في أستراليا.