«الثقافة» السعودية تنظم مهرجان القطيف الدولي للأدب في يناير

محمد رضا: دلالات المبادرة تؤكد أن المشروع الوحدوي السعودي يشمل كافة أنحاء الوطن

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي في لقاء سابق يجمعه مع محمد رضا نصرالله (الشرق الأوسط)
الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي في لقاء سابق يجمعه مع محمد رضا نصرالله (الشرق الأوسط)
TT

«الثقافة» السعودية تنظم مهرجان القطيف الدولي للأدب في يناير

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي في لقاء سابق يجمعه مع محمد رضا نصرالله (الشرق الأوسط)
الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي في لقاء سابق يجمعه مع محمد رضا نصرالله (الشرق الأوسط)

أعلنت هيئة الأدب والنشر والترجمة التابعة لوزارة الثقافة السعودية عن تنظيمها مهرجاناً عالمياً للأدب في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، تحت اسم «مهرجان القطيف الدولي للأدب»؛ وذلك بهدف الاحتفاء بالأدب العالمي بمختلف لغاته من الشرق والغرب.
يُقام المهرجان في محافظة القطيف على مدى عشرة أيام، حيث تسعى الهيئة من خلاله إلى تحقيق الرؤية الاستراتيجية لقطاع الأدب (ثروة أدبية متجددة)، وإعلاء قيمة الأدب في حياة الفرد، وتعزيز حضوره في المجتمع السعودي، إضافة إلى تعزيز فرص التواصل الأدبي بين الأدباء السعوديين ونظرائهم من الأدباء من مختلف دول العالم. وتسعى الهيئة إلى استقطاب نخبة من الأدباء العالميين خلال أيام المهرجان العشرة، وإتاحة الفرصة لهم لاكتشاف محافظة القطيف وتراثها الحضاري والثقافي، ولقاء جمهور القراء المتنوع من مختلف مناطق المملكة.
وستتحالف الهيئة مع المؤسسات المعنية بالأدب والثقافة من داخل المملكة وخارجها لتضع المهرجان في موضع بارز بين المهرجانات الأدبية الكبرى على مستوى العالم، وأن يكون منصة مفتوحة لعقد الشراكات الأدبية في مجالات النشر والترجمة، مع ما يتضمنه ذلك من إتاحة المجال للقطاعين الخاص وغير الربحي، وتعزيز إسهامه في إثراء الحراك الأدبي. وقال محمد رضا نصرالله عضو مجلس الشورى السابق، إن «أهالي محافظة القطيف ومثقفيها وأدباءها وفنانيها يتقدمون بالشكر الجزيل لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان لهذه اللفتة الحضارية الرائعة بعقد مهرجان القطيف الدولي في القطيف ذي التاريخ الحضاري والموقع الممثل لتلافح الحضارات وحوار الثقافات كحال معظم المواقع الجغرافية ذات العمق التاريخي في جزيرتنا العربية منذ قديم الزمان، قامت على ثراها أسواق العرب القديمة التي كانت تحتضن نخب المجتمعات الأدبية في أسواق عكاظ في الحجاز وذي المجاز وهجر والخط في شرقها ودومة الجندل في شمالها وحباشة في جنوبها».
وأضاف أن هذه المبادرة من وزارة الثقافة لها دلالات تؤكد أن مشروع الملك عبد العزيز الوحدوي يتمثل في شمول اهتمام القيادة بكافة أنحاء الوطن من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، متمنياً أن يكون مهرجان القطيف الأدبي الدولي «رسالة إلى دول الإقليم والعالم أن السعودية اليوم تمتلك من عناصر القوة الناعمة الكثير، وهي أحد عناوين (رؤية 2030) وبرامج التحول الوطني الرئيسية التي يقودها الأمير محمد بن سلمان، ما يؤكد أن المملكة اليوم تعيش تحولاً تاريخياً مفصلياً يأخذ بيد وطننا العظيم إلى ما يستحقه من مكانة دولية في كل مجال».
يذكر أن وزارة الثقافة في السعودية منذ تأسست في الثاني من يونيو (حزيران) 2018، تُعنى بالمشهد الثقافي في المملكة على الصعيدين المحلي والدولي. وتحرص على الحفاظ على التراث التاريخي السعودي مع السعي لبناء مستقبل ثقافي غني تزدهر فيه مختلف أنواع الثقافة والفنون.
كما تعمل الوزارة على المساهمة في تحقيق برنامج التحول الطموح الذي تعيشه السعودية ضمن «رؤية 2030»، ويتمثل هدفها في المساهمة في بناء مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح.
وفي هذا السياق، قامت الوزارة خلال الأعوام الماضية بتنظيم عدد من الفعاليات والملتقيات والمؤتمرات في شتى صنوف الهيئات الثقافية في العديد من المناطق والمحافظات السعودية، كان آخرها الإعلان عن مهرجان «أجا وسلمى» في حائل خلال المدة من 29 سبتمبر (أيلول) إلى 7 أكتوبر (تشرين الأول)، لتحيي من خلاله فنون وتقاليد المنطقة بين جنبات الجبلين الشهيرين أجا وسلمى، متضمناً أنشطة ثقافية متنوعة، تشمل القطاعات الثقافية كافة، من رسم ومسرح وموسيقى وفنون الطهي والأدب، إلى جانب مساحات إبداعية للأطفال.
ويقدم المهرجان عرضاً هولوجرامياً يحكي أسطورة أجا وسلمى التاريخية، وعروضاً ضوئية على الكثبان الرملية والجبال المحيطة، ومعرضاً رقمياً، إضافة إلى حضور للمنسوجات الخاصة بالبيئة الحائلية والصحراوية، والحِرَف اليدوية، وصور ومعروضات من الآثار التاريخية، والأدوات الفنية.
كما تستعد وزارة الثقافة لتنظيم النسخة الثانية من مهرجان الغناء بالفصحى، على مسرح أبو بكر سالم في منطقة رياض بوليفارد سيتي، متضمنة أربعة حفلات غنائية ستُقام في 29 و30 سبتمبر، و5 - 6 أكتوبر، وسيشارك فيها نجوم الأغنية العربية الذين تغنوا بأعمال فصيحة شهيرة، إلى جانب مواهب سعودية وعربية صاعدة. وخلال الشهر الحالي، نظمت هيئة الأدب والنشر والترجمة «أسبوع الطفل الأدبي» الذي اختتم الأسبوع الماضي في تبوك. وفي الشهر الماضي نظمت هيئة الأدب والنشر والترجمة، بالتعاون مع أكاديمية الشعر العربي، ملتقى الأدباء بالطائف بحضور عدد من الأدباء والمثقفين من مختلف مناطق المملكة.
وأعلنت هيئة الأدب والنشر والترجمة عن تنظيم ملتقى «الترجمة» في دورته الثانية خلال المدة من 3 - 4 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في الرياض، وذلك تحت عنوان «ترجمة المستقبل... الترجمة والتقنية»، حيث سيتناول الملتقى، التقنيات والتوجهات الحديثة في صناعة الترجمة، والتحديات والفرص الواعدة التي أتاحها التطور التقني في عصر الذكاء الصناعي. وسيشهد الملتقى إقامة فعالية «هاكاثون الترجمة»، وهي منافسة نوعية تنظمها الهيئة، وتتنافس فيها فرق من المبرمجين والمترجمين على ابتكار حلول تقنية للتحديات التي تواجه صناعة الترجمة. كما تنظم هيئة الأدب والنشر والترجمة معرض جدة الدولي للكتاب خلال المدة من 8 - 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وذلك ضمن مبادرة «معارض الكتاب»، إحدى المبادرات الاستراتيجية للهيئة، التي تعمل من خلالها على التوسع في إقامة معارض الكتاب بالمملكة، بوصفها نوافذَ ثقافية تجمع صناع الأدب والنشر والترجمة من المؤسسات والشركات المحلية والدولية مع القراء والمهتمين، بالإضافة إلى البرامج الثقافية المثرية المصاحبة لهذه المعارض؛ لتوفر تجربة ثقافية متكاملة لمختلف أطياف المجتمع.
وتسعى الهيئة إلى مشاركة واسعة من دور النشر بما يتجاوز 600 دار، إضافة إلى إعداد برنامج ثقافي شامل بمشاركة الهيئات الثقافية يضم العديد من الأنشطة والفعاليات المصاحبة. كما تعمل الهيئة على تنظيم مؤتمرين في جدة بالتزامن مع المعرض، سيتناول الأول منهما مجال النشر الرقمي، فيما سيتطرق الثاني إلى مجال الخيال العلمي، بمشاركة من الخبراء والمتخصصين في هذين المجالين. ويعد معرض جدة للكتاب ثالث معارض الكتاب التي تنظمها هيئة الأدب والنشر والترجمة خلال هذا العام، بعد معرض المدينة المنورة للكتاب الذي أقيم في يونيو الماضي، ومعرض الرياض الدولي للكتاب الذي سيقام في نهاية شهر سبتمبر الحالي؛ وذلك بهدف دعم وصول الكتب لأكبر شريحة ممكنة، وصُنع منافذ متعددة للنشر والتوزيع، بما يضمن تحويل المملكة إلى منصة رئيسة في صناعة الكتاب.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

التعلّم الآلي يقود أميركياً وكندياً للفوز بـ«نوبل» الفيزياء

الفائزان بـ«نوبل» في الفيزياء (أ.ب)
الفائزان بـ«نوبل» في الفيزياء (أ.ب)
TT

التعلّم الآلي يقود أميركياً وكندياً للفوز بـ«نوبل» الفيزياء

الفائزان بـ«نوبل» في الفيزياء (أ.ب)
الفائزان بـ«نوبل» في الفيزياء (أ.ب)

في خطوة تعكس التقدّم المذهل في مجالات الفيزياء وعلوم الحاسوب، أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، الثلاثاء، عن منح جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2024 للفيزيائي الأميركي جون هوبفيلد، وعالم النفس الإدراكي الكندي البريطاني جيفري هينتون؛ تقديراً لاكتشافاتهما التي وضعت الأسس للتعلّم الآلي باستخدام الشبكات العصبية الاصطناعية.

وذكرت لجنة «نوبل» في بيان، أن أبحاث الفائزَين استندت إلى أدوات من علم الفيزياء، حيث أسهم هوبفيلد في إنشاء بنية تخزين واسترجاع المعلومات، بينما طوّر هينتون الملقّب بـ«الأب الروحي للذكاء الاصطناعي»، طريقةً لاكتشاف الخصائص في البيانات بشكل مستقل.

وأكّدت اللجنة أن ابتكاراتهما أدت إلى «انفجار» في تطوّر التعلّم الآلي خلال العقدين الماضيين، مما أتاح للآلات تقليد وظائف مثل الذاكرة والتعلّم.

ووصف هينتون حصوله على الجائزة بأنه «مذهل»، وأكّد في مقابلة هاتفية بعد الإعلان أهمية التكنولوجيا التي أسهم بحثه في تطويرها، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي سيكون له «تأثير هائل» على المجتمع، مشابهاً للثورة الصناعية، ولكن في مجال القدرة العقلية بدلاً من البدنية.

وتوقع هينتون أن تُحدِث التكنولوجيا ثورة في مجالات مثل الرعاية الصحية، مما سيؤدي لـ«تحسين كبير في الإنتاجية»، لكنه حذّر من العواقب السلبية المحتملة، مثل خطر خروج هذه التكنولوجيا عن السيطرة.

جون هوبفيلد الفائز بجائزة نوبل للفيزياء (معهد فرنكلن)

واستقال هينتون من شركة «غوغل» ليتحدث بحرية عن مخاوفه بشأن الأضرار المحتملة للذكاء الاصطناعي، مثل نشر المعلومات المضلّلة، وقلب سوق العمل، وحذّر من أن الذكاء الاصطناعي «يعرف كيفية البرمجة»، مما يمكّنه من التغلب على القيود، والتلاعب بالناس لتحقيق أهدافه.

وقال هينتون لشبكة «CNN»، العام الماضي: «أنا مجرد عالم أدرك فجأة أن هذه الأمور تصبح أذكى منا، أريد أن أُبلغ عن ذلك وأقول إنه يجب علينا أن نكون جادّين بشأن كيفية منع هذه الأشياء من السيطرة علينا».

وذكرت إيلين مونز، رئيسة لجنة «نوبل» للفيزياء، أن أعمال الفائزَين جعلت الذكاء الاصطناعي «جزءاً من حياتنا اليومية»، مثل التعرف على الوجه، وترجمة اللغات، حيث تشكّل اكتشافاتهما الأساس لتطبيقات التعلم الآلي التي تعزّز دقة وسرعة اتخاذ القرارات.

محاكاة الدماغ

يُعدّ الدماغ البشري الذي يحتوي على مليارات من الخلايا العصبية المترابطة، المصدرَ الذي ينشأ منه الوعي، هو أقوى وأدق جهاز كمبيوتر معروف في الكون، ومع ذلك فإن العلماء قد سعوا لعقود لتقليد ذلك عبر أساليب التعلّم الآلي التي تحاكي قدرة الدماغ على التكيف.

جيفري هينتون الفائز بجائزة نوبل للفيزياء (رويترز)

وتقنيات التعلم الآلي هي أساليب تمكّن الأنظمة الحاسوبية من تحسين أدائها تلقائياً من خلال التعلّم من البيانات، وتعتمد على خوارزميات معقّدة لتحليل الأنماط داخل مجموعات البيانات، ما يتيح للأنظمة اتخاذ قرارات أو إجراء تنبؤات، وتُستخدم هذه التقنيات في تطبيقات متنوعة، مثل التعرف على الصور والصوت، وتوصيات المنتجات، وتحليل البيانات الكبيرة. وشهد التعلّم الآلي طفرة كبيرة في السنوات الـ20 الماضية، حيث يعتمد بشكل أساسي على «الشبكة العصبية الاصطناعية»، وهذه التكنولوجيا التي طوّرها هوبفيلد وهينتون مستوحاة من بنية الدماغ.

وبينما يحتوي الدماغ على خلايا عصبية، تحتوي الشبكة العصبية الاصطناعية على عُقَد تحمل قيماً مختلفة، وبينما تتواصل خلايا الدماغ بعضها مع بعض عبر المشابك العصبية، تؤثر العقد الاصطناعية على بعضها من خلال الاتصالات، ويمكنك تدريب الشبكة العصبية الاصطناعية من خلال تعزيز الروابط بين العُقد، تماماً كما يمكنك تدريب الدماغ.

شبكة هوبفيلد

ويمكن للبشر التفكير في كلمات أو حقائق نادرة وصعبة التذكر، بينما تستطيع الشبكات العصبية الاصطناعية البحث في الأنماط المخزَّنة بفضل تصميم الذاكرة الترابطية المعروف بـ«شبكة هوبفيلد»، واخترع جون هوبفيلد هذه الشبكة في عام 1982، وهي تُعرف بـ«الذاكرة الترابطية»، وتسترجع الأنماط حتى في حال عدم اكتمالها، مستفيداً من خلفيته في الفيزياء لاستكشاف ديناميكيات الشبكات العصبية.

وتتكوّن شبكة هوبفيلد من عُقد مرتبطة بقوى مختلفة، حيث تُخزّن كل عُقدة قيمة فردية، وشبّه هوبفيلد استرجاع حالة محفوظة في الشبكة بدحرجة كرة عبر تضاريس مليئة بالقمم والوديان، حيث ستتدحرج الكرة إلى أقرب وادٍ، وتستقر هناك. وإذا وُجد نمط قريب من أحد الأنماط المحفوظة ستقوم الشبكة بتعديل نفسها تدريجياً حتى تصل إلى قاع الوادي، مما يسمح لها باسترجاع أقرب نمط في ذاكرتها، ويمكن استخدام شبكة هوبفيلد لاستعادة البيانات التي تم مسحها جزئياً.

بعد ذلك، وسّع هينتون أبحاث هوبفيلد لتطوير «آلة بولتزمان»، وهي عبارة عن نوع من الشبكات العصبونية التي تتكون من عُقد مرئية وأخرى خفية يمكنها التعرف على أنماط جديدة، وبرغم بطء الآلة الأصلية طوّر هينتون إصدارات أكثر كفاءةً، وأصبحت تُستخدم الآن في أنظمة توصية الأفلام.

الفائزان بـ«نوبل» في الفيزياء (أ.ب)

ومنذ الثمانينات تضخمت الشبكات من 30 عُقدة لأكثر من تريليون مَعلَمة، وبينما تستخدم البرمجيات التقليدية وصفات ثابتة للطهي على سبيل المثال، تتعلّم الشبكات العصبية من الأمثلة، وتبتكر وصفات جديدة، وأسّس هوبفيلد وهينتون ثورة التعلم الآلي التي بدأت حول عام 2010، مدعومة بتوفر كميات هائلة من البيانات، وزيادة قوة الحوسبة، مما أدى إلى ظهور الشبكات العصبية العميقة وطرق التدريب المعروفة بـ«التعلّم العميق».

تحليل البيانات

وقال البروفيسور مايكل وولدرج، عالم الكمبيوتر في جامعة أكسفورد، إن الجائزة تعكس التأثير العميق للذكاء الاصطناعي، موضحاً أنها «مؤشر على تحوّل العلم».

وأكّد لصحيفة «الغارديان» البريطانية، أن نجاح الشبكات العصبية مكّن من تحليل البيانات بطرق غير مسبوقة، مشيراً إلى أنه «لا جزء من العالم العلمي بقي دون تغيير بسبب الذكاء الاصطناعي. نحن في لحظة رائعة في تاريخ العلم، ومن الرائع رؤية الأكاديمية تعترف بذلك».

من جانبه، قال الدكتور وائل عبد القادر عوض، عميد كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي في جامعة دمياط بمصر، إن «جائزة نوبل تُمنح للاكتشافات الجديدة في العلم، ويُعدّ التعلم الآلي الاتجاه الأبرز حالياً في الذكاء الاصطناعي»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الجائزة تعكس أهمية الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في حل المشكلات المعقّدة التي تواجه البشرية».

وأشار إلى أن «تقنيات التعلّم الآلي يمكن أن تُسهم بشكل كبير في المجالات الطبية، مثل فهم آليات الإصابة بالأمراض المستعصية؛ ما يساعد في التشخيص المبكر، وتطوير أدوية فعّالة تعتمد على البيانات».

الفائزان بـ«نوبل» في الفيزياء (أ.ب)

في المقابل، أعربت البروفيسورة ديم ويندي هول، عالمة الكمبيوتر بجامعة ساوثامبتون، ومستشارة الأمم المتحدة للذكاء الاصطناعي، عن دهشتها من الجائزة، وقالت لـ«الغارديان»: «لا توجد جائزة نوبل لعلوم الكمبيوتر، وهذا يبدو وسيلةً مثيرة لإنشاء واحدة، وبرغم تأثير الشبكات العصبية على أبحاث الفيزياء، يظل السؤال: هل هي نتيجة لأبحاث الفيزياء نفسها؟».

لكن وفق خبراء، فإن الفيزياء أسهمت في تطوير التعلم الآلي، والآن تستفيد الفيزياء بدورها من الشبكات العصبية الاصطناعية.

ويُستخدم التعلم الآلي في مجالات حازت جوائز «نوبل»، مثل معالجة البيانات الضخمة لاكتشاف جسيم هيغز، وتقليل الضوضاء في قياسات موجات الجاذبية من تصادم الثقوب السوداء، والبحث عن الكواكب الخارجية.

وبدأ استخدام التعلم الآلي بالآونة الأخيرة لتوقّع خصائص الجزيئات والمواد، مثل تحديد هيكل جزيئات البروتين، أو اكتشاف مواد جديدة لتحسين كفاءة الخلايا الشمسية.