انطلاق «استفتاءات الانفصال» في أقاليم أوكرانيا

وسط خرائط نفوذ مربكة وآليات تصويت معقدة

سيدة تصوّت في الاستفتاء (رويترز)
سيدة تصوّت في الاستفتاء (رويترز)
TT

انطلاق «استفتاءات الانفصال» في أقاليم أوكرانيا

سيدة تصوّت في الاستفتاء (رويترز)
سيدة تصوّت في الاستفتاء (رويترز)

انطلقت صباح الجمعة عمليات التصويت في استفتاءات نظمتها موسكو في أربع مناطق أوكرانية تخضع في أجزاء واسعة منها للسيطرة الروسية. ويجري التصويت في دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوروجيا وفقاً لآليات معقدة تحيط بها الكثير من التساؤلات، على خلفية تباين مساحات النفوذ الروسي في المناطق الأربع، فضلاً عن استمرار المواجهات في مناطق واسعة منها.
ومع تزامن العملية في المناطق، لكن تمت صياغة الأسئلة التي يتوجب على السكان الإجابة عليها بنعم أو بلا بشكل متفاوت. إذ سيكون على سكان دونيتسك ولوغانسك، وهما إقليمان استبقت موسكو الحرب في أوكرانيا بإعلان الاعتراف باستقلالهما، الإجابة عن سؤال وحيد، تمت صياغته بهذا الشكل «هل تؤيد الانضمام إلى روسيا كأحد مكونات الاتحاد الروسي؟» في حين أن الأسئلة المطروحة في منطقتي زابوروجيا وخيرسون، صيغت بطريقة أخرى لتغدو «هل تؤيد الانفصال عن أوكرانيا؟ هل تؤيد تحويل المقاطعة إلى دولة مستقلة؟ وهل تؤيد الانضمام إلى روسيا؟».
يعكس هذا الفارق جانباً من التطورات المتوقعة بعد انتهاء عمليات التصويت؛ إذ سيكون بمقدور روسيا الانتقال مباشرة إلى ضم إقليمي لوغانسك ودونيتسك على غرار سيناريو ضم شبه جزيرة القرم في العام 2014، في حين أن مسار ضم إقليمي زابوروجيا وخيرسون سوف يستغرق بعض الوقت ويحتاج إلى تعديلات دستورية روسية تمهد لذلك.
وتعليقاً على بدء الاستفتاء، قال رئيس لوغانسك ليونيد باسيتشنيك الموالي لموسكو «لقد انتظرنا هذا اليوم منذ ثماني سنوات طويلة. (من خلال هذا الاستفتاء) سوف نجد الهدوء، والسلام، وسوف نعود إلى أحضان الوطن الأم».
ويجري التصويت في ظل انتشار أمني مكثف لضمان سلامة العملية، وسط استمرار عمليات القصف الأوكراني للمناطق «المحررة»، فضلاً عن استمرار مواجهات ضارية على أطراف عدد من المناطق الخاضعة لعمليات التصويت.
اللافت، أن موسكو أعلنت عملياً بشكل مسبق النتائج المتوقعة في العملية؛ إذ نشر مركز دراسات الرأي العام بالقرب من الكرملين نتائج استطلاع أجراها خلال الأيام الأخيرة، وجاء فيها، أن غالبية سكان لوغانسك ودونيتسك سوف تؤيد الانضمام المباشر إلى روسيا بنسبة تبلغ 95 في المائة في مقابل 3 في المائة يعارضون ذلك ويفضلون البقاء ضمن «كيان مستقل»، بينما وجدت نسبة الـ2 في الباقية صعوبة في تحديد موقفها.
اللافت، أن هذه النتائج المتوقعة تحيط بها كثير من علامات الاستفهام؛ كون آلية التصويت تجري بطريقة غير معهودة في الاستحقاقات المماثلة، وعلى مدى الأيام الخمسة التي تجري فيها عمليات التصويت، سوف يقوم آلاف الأشخاص التابعين للجان الانتخابات بالتجول على المساكن رفقة جهات أمنية وعسكرية لتعبئة استمارات التصويت بينما سيتم في الخامس فتح أبواب مئات المراكز الاقتراعية لقدوم من يرغب في التصويت إليها.
وتثير هذه الطريقة حفيظة كثيرين؛ كونها لا تضمن حرية الخيار، على الرغم من أن الدعاية الرسمية المحلية وكذلك عبر وسائل الإعلام الروسية ركزت على أن مرافقة العسكريين والجهات الأمنية لموظفي اللجان الانتخابية إلى المنازل تهدف «ليس إلى ترويع السكان، بل لضمان حفظ الأمن ومنع الأوكرانيين من تخريب الاستحقاق».
تبدو هذه المقولة قابلة لتفسيرات مختلفة على خلفية الشكوك التي تحيط العملية برمتها.
لكن العنصر الثاني المهم هنا، هو مدى ضمان أن توفر هذه الآلية الوصول إلى نحو خمسة ملايين ناخب مسجل وفقاً للسلطات الانفصالية في دونيتسك ولوغانسك، وبالمناسبة فإن هذا الرقم تحديداً هو الذي أشار إليه الرئيس فلاديمير بوتين في حديثه أخيراً عن تأييد نتائج الاستفتاء.
والعنصر الثالث اللافت، لا يقل أهمية، وهو يتعلق بمساحة السيطرة الروسية في المنطقتين، وهي مساحة تتباين بقوة بين لوغانسك، حيث تسيطر روسيا والقوات الانفصالية على نحو تسعين في المائة من الأراضي، بينما لا تزيد نسبة السيطرة في دونيتسك على ستين في المائة. وفي الحالين تتواصل الاشتباكات وعمليات القصف بشكل قوي على طول خطوط التماس في محيط المنطقتين، فضلاً عن الاستهداف الأوكراني المتواصل بالمدفعية على مواقع الانفصاليين داخل المدن والبلدات فيهما.
هذا يجري في مناطق جنوب شرقي أوكرانيا، لكن مع الانتقال جنوباً نحو خيرسون وزابوروجيا إلى الشمال منها يبدو الوضع أكثر صعوبة؛ إذ تتغير هنا مساحة السيطرة الروسية، وفي زابوروجيا مثلاً التي تنقسم إدارياً إلى خمس مناطق كبرى تسيطر القوات الانفصالية على أربعة منها بينما تخضع المنطقة الكاملة لسيطرة القوات الحكومية الأوكرانية بشكل كامل. وهذا يعقد عمليات التصويت ويلقي بظلال ثقيلة حولها.
وفي خيرسون، حيث تبلغ نسبة السيطرة الروسية أكثر بقليل من 95 في المائة، لا يمكن القول، إن الوضع يبدو أكثر هدوءاً، خصوصاً أن المناطق الشمالية والغربية من المدينة تشهد مواجهات ضارية وتبادلاً كثيفاً لإطلاق النار خلال الأسابيع الأخيرة.
اللافت على هذه الخلفية، أن موسكو أعلنت عن فتح عشرات المراكز الاقتراعية على أراضيها لاستقبال نحو ثلاثة ملايين أوكراني تقول موسكو إنهم يعيشون في روسيا حالياً، ويكفي أن يقدم الأوكراني أي ورقة ثبوتية ليتمكن من المشاركة في العملية؛ ما يعني أن شرط إبراز الهوية الأوكرانية التي تثبت أن المواطن مسجل لدى دائرة انتخابية محددة لن يتم التعامل معه بصرامة.
على الرغم من هذه الأجواء، استبقت لجنة الانتخابات المركزية الروسية العمليات بإعلان ثقتها بنزاهة عمليات التصويت، وأكدت قيادة مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي الثقة بحجم ونوعية «الإشراف الدولي» على عمليات الاقتراع. علماً بأن المناطق الانفصالية الأوكرانية كانت قد أعلنت عن دعوة مراقبين من روسيا وبيلاروسيا وسوريا وأبخازيا واوسيتيا الجنوبية (وهما منطقتان انفصاليتان عن جورجيا تعترف روسيا باستقلالهما).
وقالت رئيسة مجلس الاتحاد فالنتينا ماتفيينكو، إن أعضاء مجلس الشيوخ يعملون كمراقبين في الاستفتاءات و«كل شيء جاهز على أعلى مستوى ممكن، تمت دعوة مراقبين دوليين، وأعضاء مجلس الشيوخ الروس يعملون أيضاً كمراقبين. لقد اتصلت بهم، وكما يقول زملائي، ليس هناك أي شكاوى من حيث التنظيم». وأشارت ماتفيينكو إلى أن «شروط التصويت تملي متطلبات أمنية خاصة، لكن تم عمل كل شيء لضمان الشفافية والانفتاح».
في الداخل الروسي انخفض الاهتمام بالاستفتاءات «الأوكرانية» إلى الصفر تقريباً، وسيطرت موضوعات التعبئة العسكرية و«إشارات حسن النية» الجديدة التي تمثلت في عمليات تبادل الأسرى والمسجونين أخيراً على النقاشات الدائرة على مواقع التواصل الاجتماعي وتغطيات وسائل الإعلام.


مقالات ذات صلة

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز)

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.

أوروبا صورة مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرضت لأضرار بسبب غارة بطائرة مسيرة على طريق في منطقة زابوريجيا في أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (رويترز)

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

قال مدير الطاقة الذرية إن مركبة تابعة للوكالة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم بمسيرة على الطريق المؤدي إلى محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ورئيس وزراء إستونيا كريستين ميشال لدى اجتماعهما في كييف الاثنين (أ.ب)

زيلينسكي: 800 ألف جندي روسي منتشرون في أوكرانيا

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي انتشار مئات الآلاف من الجنود الروس حالياً في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف - لندن)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.