جماعة إرهابية تعدم 11 مزارعاً في النيجر

بالتزامن مع اجتماع لقادة جيوش دول الساحل ودعم أميركي لمواجهة الإرهاب

جنود نيجريون يركبون شاحنة صغيرة أثناء مرافقتهم نيجيريين متجهين شمالاً نحو ليبيا أثناء مغادرتهم في 29 أكتوبر 2019 (رويترز)
جنود نيجريون يركبون شاحنة صغيرة أثناء مرافقتهم نيجيريين متجهين شمالاً نحو ليبيا أثناء مغادرتهم في 29 أكتوبر 2019 (رويترز)
TT

جماعة إرهابية تعدم 11 مزارعاً في النيجر

جنود نيجريون يركبون شاحنة صغيرة أثناء مرافقتهم نيجيريين متجهين شمالاً نحو ليبيا أثناء مغادرتهم في 29 أكتوبر 2019 (رويترز)
جنود نيجريون يركبون شاحنة صغيرة أثناء مرافقتهم نيجيريين متجهين شمالاً نحو ليبيا أثناء مغادرتهم في 29 أكتوبر 2019 (رويترز)

نفذت جماعة إرهابية هجوماً دامياً استهدف مزارعين في منطقة ديفا؛ الواقعة جنوب النيجر على الحدود مع نيجيريا، راح ضحيته 11 مزارعاً؛ وفق حصيلة أولية أعلنتها سلطات النيجر أمس، واتهمت جماعة «بوكو حرام» الموالية لتنظيم «القاعدة» بتنفيذ الهجوم بالتزامن مع اجتماع لقادة جيوش دول الساحل في العاصمة نيامي من أجل وضع خطة جديدة لمواجهة خطر الإرهاب.
وقال عيسى بونغا، وهو رئيس بلدية منطقة ديفا الواقعة بالقرب من بحيرة تشاد، إن 11 مزارعاً أعدموا بالرصاص على بعد 7 كيلومترات من مدينة تومور، حين اعترضهم عناصر مسلحون من ميليشيا «بوكو حرام» الإرهابية، التي تتمركز بشكل أساسي في شمال نيجيريا، ولكنها تنفذ بين الفينة والأخرى هجماتها في النيجر وتشاد المجاورتين. وتأسست جماعة «بوكو حرام» عام 2009، وتسعى منذ ذلك الوقت لإقامة إمارة إسلامية في شمال نيجيريا، ولكنها عانت من انقسامات خلال السنوات الأخيرة، وانشق عنها فصيل بايع تنظيم «داعش»، ليصبح اسمه «تنظيم (داعش) في غرب أفريقيا»، وكثيراً ما يتم الخلط بينه وبين الجماعة الأصلية.
وتشير الرواية الرسمية للحادث الأخير إلى أن 13 مزارعاً كانوا يقطعون الأخشاب في الأدغال المحاذية لقريتهم، عندما اعترضهم مقاتلون من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية، وأعدموا رمياً بالرصاص 11 منهم، كان من ضمنهم 9 من النيجر، ينحدرون من بوسو وتومور؛ وهما قريتان في النيجر تقعان على ضفاف بحيرة تشاد.
ونشرت صحيفة محلية في مدينة ديفا تقريراً عن الحادثة، قالت فيه إن الهجوم نفذه مقاتلون من «تنظيم (داعش) في غرب أفريقيا»؛ المنشق عن جماعة «بوكو حرام»، وهو ما ينافي الرواية الرسمية، وأضافت الصحيفة المحلية؛ التي توصف بأنها مطلعة على الوضع، أن مقاتلي «داعش» بعثوا برسالة مع أحد المزارعين تحذر السكان من التردد على الأدغال القريبة من بحيرة حوض تشاد.
وتتخذ الجماعات الإرهابية وشبكات الإجرام والتهريب من أدغال وغابات بحيرة حوض تشاد، والجزر المترامية فيها، قواعد خلفية لتدريب مقاتليها، وتخزين أسلحتها والتخطيط للهجمات التي تنفذ في الدول المطلة على البحيرة؛ وهي تشاد والنيجر ونيجيريا، ومنذ سنوات تحاول جيوش هذه الدول تمشيط المنطقة وتفكيك قواعد الإرهابيين.
على صعيد آخر؛ تزامن الهجوم الإرهابي مع اجتماع لقادة جيوش دول الساحل الخمس في النيجر، يهدف إلى وضع خطة جديدة لتفعيل القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل (مالي وموريتانيا والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو)، وهي القوة العسكرية التي تواجه مشكلات بنيوية ولوجستية، خصوصاً بعد الانقلاب العسكري في دولة مالي، وتوجه حكامها الجدد إلى التعاون مع روسيا بدل فرنسا؛ القوة الاستعمارية السابقة وأكبر داعم لـ«مجموعة دول الساحل الخمس».
وكانت مالي قد أعلنت الانسحاب من القوة العسكرية المشتركة، وتجميد عضويتها في مختلف هيئات المجموعة، وبالتالي غابت عن اجتماع قادة الجيوش في نيامي، ومع ذلك ناقشت الدول الأربع الأخرى تأثير غياب مالي على تنسيق جيوش الساحل لمواجهة خطر الإرهاب العابر للحدود.
وخلال الاجتماع قال قائد الأركان العامة للجيش في النيجر، الجنرال ساليفو مودي: «انسحاب إخوتنا في مالي من هيئات (مجموعة دول الساحل الخمس)، يفرض علينا التشاور بشكل عاجل ووضع خطة جديدة لمواصلة الجهود المشتركة من أجل مواجهة التحديات العابرة للحدود في منطقتنا».
أما قائد الأركان العامة لجيش تشاد، الجنرال غنينغينغار مانجيتا، فقد أكد أن «الخطة الجديدة لعمل القوة العسكرية المشتركة يجب أن تأخذ في الحسبان التطورات الجديدة»، في إشارة إلى انسحاب دولة مالي، مشيراً في السياق ذاته إلى أن انسحاب مالي «خلف منطقة فراغ؛ إذ أصبحت موريتانيا معزولة في الغرب وغير متصلة ببقية دول الساحل»، وأضاف الجنرال التشادي أن «الخبراء العسكريين يعكفون منذ فترة على وضع خطة جديدة، لتجاوز هذا الفراغ الجغرافي».
من جهة أخرى، أعلنت وزارة الدفاع في النيجر أنها تسلمت (الأربعاء) معدات عسكرية جديدة من واشنطن، تصل قيمتها إلى 13 مليون دولار أميركي، وتهدف إلى دعم جيش النيجر في حربه ضد الجماعات الإرهابية. وأغلب هذه المعدات آليات عسكرية مدرعة لنقل الجنود.
وقال وزير الدفاع النيجري، القاسم إنداتو، إن هذا الدعم «دليل على قوة العلاقات مع الولايات المتحدة»؛ خصوصاً فيما يتعلق بالجانب العسكري والأمني، مشيراً في السياق ذاته إلى أن الآليات العسكرية الأميركية ستوجه أساساً إلى مركز تدريب قوات خاصة مناهضة للإرهاب مولته ألمانيا عام 2021، في منطقة تنشط فيها جماعات إرهابية موالية لتنظيم «القاعدة» وأخرى موالية لـ«داعش». ومنذ سنوات عدة تتولى الولايات المتحدة تدريب القوات الخاصة في النيجر على محاربة الإرهاب، وقتل في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2017 أربعة جنود أميركيين في المنطقة نفسها حين كانوا يدربون جنوداً من النيجر على تعقب مقاتلي «داعش».


مقالات ذات صلة

تونس تستلم 4 طائرات أميركية لمراقبة الحدود ومكافحة التهريب والإرهاب

شمال افريقيا وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي وقائد القوات الأميركية في أفريقيا الجنرال مارك لانغلي في اجتماع قبل أيام بتونس (السفارة الأميركية في تونس)

تونس تستلم 4 طائرات أميركية لمراقبة الحدود ومكافحة التهريب والإرهاب

كشف مصدر من السفارة الأميركية في تونس لـ«الشرق الأوسط»، عن أن مقرّ السفارة الأميركية استضاف مؤخراً جلسات عمل ومشاورات أمنية سياسية حول ليبيا وتونس.

كمال بن يونس (تونس)
أوروبا تصطف الفتيات الأفغانيات في المدرسة الابتدائية بعد عودتهن من العطلة الصيفية في قندهار بأفغانستان في 8 سبتمبر 2024 (إ.ب.أ)

الأمم المتحدة تندد بقانون «بغيض» يحدّ من حقوق النساء في أفغانستان

وصف مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان (الاثنين) القانون الذي صدر أخيراً في أفغانستان ويحد بشكل أكبر من حقوق المرأة والمجتمع بأنه «بغيض».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أوروبا وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر (متداولة)

وزيرة الداخلية الألمانية تصدر تعليمات صارمة لضبط حدود البلاد البرية

من أجل الحد بشكل أكبر من عدد الأشخاص الذين يدخلون البلاد دون تأشيرة، أمرت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر بإجراء عمليات تفتيش مؤقتة على جميع الحدود البرية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا ضباط الشرطة في الخدمة بميونيخ خلال عملية شرطة كبرى بالقرب من القنصلية العامة الإسرائيلية ومركز توثيق النازيين مع إطلاق أعيرة نارية في المنطقة دعت الشرطة الناس إثرها إلى تجنب المنطقة (د.ب.أ)

ألمانيا: استجواب أكثر من 100 شاهد في محاولة هجوم بالقرب من القنصلية الإسرائيلية في ميونيخ

أعلن متحدث باسم الشرطة الألمانية أن الشرطة استجوبت نحو 100 شاهد بشأن محاولة الهجوم الإرهابي المشتبه بها التي جرت بالقرب من القنصلية الإسرائيلية بميونيخ.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ )
آسيا مركبات محترقة بعد هجوم شنه الانفصاليون البلوش بمنطقة مساخيل في بلوشستان (وسائل إعلام باكستانية)

باكستان في مواجهة محتدمة مع الإرهاب

تبدو باكستان في قبضة الإرهاب والعنف، رغم شن الجيش الباكستاني عملية عسكرية ضد جماعة «طالبان باكستان» منذ شهرين، على طول المناطق الحدودية الباكستانية - الأفغانية.

عمر فاروق (إسلام آباد)

خبير جيوسياسي ﻟ«الشرق الأوسط»: سياسة الصين في أفريقيا تتعثّر

الرئيس الصيني شي جينبينغ (وسط الصورة) وقادة أفارقة خلال التقاط صورة جماعية خلال قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC) في قاعة الشعب الكبرى في بكين، الصين، 5 سبتمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الصيني شي جينبينغ (وسط الصورة) وقادة أفارقة خلال التقاط صورة جماعية خلال قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC) في قاعة الشعب الكبرى في بكين، الصين، 5 سبتمبر 2024 (رويترز)
TT

خبير جيوسياسي ﻟ«الشرق الأوسط»: سياسة الصين في أفريقيا تتعثّر

الرئيس الصيني شي جينبينغ (وسط الصورة) وقادة أفارقة خلال التقاط صورة جماعية خلال قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC) في قاعة الشعب الكبرى في بكين، الصين، 5 سبتمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الصيني شي جينبينغ (وسط الصورة) وقادة أفارقة خلال التقاط صورة جماعية خلال قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC) في قاعة الشعب الكبرى في بكين، الصين، 5 سبتمبر 2024 (رويترز)

أوضح البروفيسور الفرنسي كزافييه أوريغان، الخبير بشؤون العلاقات الصينية - الأفريقية، في تقييمه للمنتدى الصيني الأفريقي الأخير الذي عُقد في بكين، أن المنتدى لم يبتكر جديداً في الشق الاقتصادي والمالي، فهو خلاصة المنتديات الثلاثة السابقة بين الطرفين، حيث فضّل المنتدى مصلحة الاقتصاد الصيني والجهات الاقتصادية الصينية، ويهدف في النهاية لزيادة تأثير الصين في الدول الأفريقية.

أشار الخبير إلى أن الصين تستخدم قنوات وأدوات مختلفة للتأثير على السياسات أو الاستراتيجيات الأفريقية، مثل انتقاد الغرب، وتقديم «التجربة» الصينية للأفارقة، أو مسار التنمية الذي اختارته أجيال مختلفة من القادة الصينيين، كحجة أيضاً داعمة لصورة الصين.

وقال أوريغان في مقابلة خاصة أجرتها معه «صحيفة الشرق الأوسط»، إن «القروض الصينية ترتبط، بشكل غير مباشر، بشكل من أشكال الشروط الاقتصادية والسياسية، مثل المنح الدراسية والتدريب المقدم للطلاب أو موظفي الخدمة المدنية من القارة الأفريقية».

خلال قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC) في قاعة الشعب الكبرى في بكين، الصين، 5 سبتمبر 2024 (أ.ب)

ولفت إلى أن دول القارة الأفريقية تواجه تحدي معرفة استخدام رأس المال الصيني الذي يصل إليهم، بتوجيهه إلى القطاعات الإنتاجية.

ويرى الخبير الفرنسي أن العلاقات الصينية الأفريقية تتمتّع بقدر من الاستمرارية والاستقرار، نظراً لقوة الاعتماد المتبادل بين الصين وأفريقيا. فمن ناحية، تحتاج أفريقيا إلى رأس المال الصيني، فيما تحتاج الصين إلى المواد الخام الأفريقية والسوق الأفريقية.

وعن رد الفعل الغربي على النفوذ الصيني في أفريقيا، أشار إلى أن الغرب تأخر كثيراً في مواجهة المشاريع الصينية في القارة، ويوضح أنه رغم ذلك يبقى من الصعب مقارنة النفوذ الصيني في أفريقيا بالنفوذ الغربي؛ وذلك لأن النفوذ الغربي في القارة أكثر قدماً ورسوخاً من الوجود الصيني.

وعن استراتيجية الصين في أفريقيا بشكل عام، يرى الخبير أن سياسة الصين في أفريقيا تتعثّر، فهي طموحة ومكلفة وفي الوقت الحالي لا يمتلك النظام الصيني الوسائل اللازمة لتنفيذ استراتيجيته الاقتصادية والمالية على الأقل. وعلى الصعيد السياسي، بنت الصين سياستها على «مبادئ» يتم تقويضها ونقضها بشكل منتظم من قبل الصين، بما في ذلك مبدأ عدم التدخل؛ حيث إن الصين والأطراف التابعة لها مضطرون إلى التدخل للدفاع عن شريك، أو «صديق» أفريقي، أو دفاعاً عن مصالحهم الخاصة.

كزافييه أوريغان خبير فرنسي بالعلاقات الصينية - الأفريقية (الشرق الأوسط)

من هو كزافييه أوريغان؟

كزافييه أوريغان هو أستاذ جامعي محاضر في الجامعة الكاثوليكية في مدينة ليل الفرنسية. جغرافي حائز على دكتوراه في الجغرافيا الجيوسياسية من المعهد الفرنسي للجيوسياسة. يعمل كذلك باحثاً مشاركاً في معاهد عديدة. عضو أمانة لجنة الجغرافيا السياسية التابعة للجنة الجغرافية الوطنية الفرنسية (CNFG)، وعضو لجنة تحرير مجلة «العالم الصيني» (Monde Chinois)، حسب موقع «المعهد الفرنسي للجيوسياسة»، ومركزه سان دوني في فرنسا.

أوريغان متخصص بالجغرافيا السياسية لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفي العلاقات بين الصين وأفريقيا، والهند وأفريقيا، والعلاقات بين آسيا وأفريقيا، وطرق الحرير الجديدة، والتنمية واقتصاديات التنمية ونظرية المعرفة في الجغرافيا السياسية.

صدر لأوريغان عدد من الكتب باللغة الفرنسية متخصصة بالجغرافيا السياسية، منها:

- «الجغرافيا السياسية للصين في ساحل العاج» (سنة 2016).

- «ديناميات الصين في أفريقيا وأميركا اللاتينية: القضايا والتحديات والآفاق» (سنة 2019).

- «الصين قوة أفريقية» (سنة 2024).

فيما يلي النص الكامل للمقابلة الخاصة التي أجراها الخبير كزافييه أوريغان مع صحيفة «الشرق الأوسط»:

- ما هو تقييمك لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي الأخير الذي عُقد في الصين الأسبوع الماضي؟

يشكل منتدى «فوكاك» 2024 (منتدى التعاون الصين - أفريقيا)، في الشق الاقتصادي والمالي، خلاصة للمنتديات الثلاثة السابقة؛ حيث تم الإعلان عن 50 مليار دولار في هذه القمة (مقابل 60 مليار في 2015 و2018 ثم 40 مليار في 2021). ولم يبتكر منتدى التعاون الصيني الأفريقي الحالي أي جديد؛ حيث اعتمد الأساليب الرئيسية السابقة للتدخل الصيني في أفريقيا، وفضّل الاقتصاد الصيني والجهات الاقتصادية الصينية الفاعلة، كما حدث منذ الثمانينات. ولكن على المستوى السياسي، أُعطيت الأولوية لـ«طريقة الحُكم» والعلاقات بين الطرفين، أي بين «الحزب الشيوعي» الصيني والأفارقة. وهنا ندرك رغبة السلطات الصينية في مواصلة وتكثيف هذه العلاقات السياسية، بهدف زيادة قدرة الصين في نهاية المطاف على التأثير على ممثلي دول أفريقيا وتشكيل القرارات الأفريقية (المستقبلية) والتأثير عليها.

منذ أزمة كورونا، تبدو الحكومة الصينية غير مقيّدة (في توجهها للدول الأفريقية)، ولم تعد تتردد في تسليط الضوء على العامل الآيديولوجي، كما هو الحال هنا في منتدى التعاون الصيني الأفريقي الحالي في بكين.

- كيف تؤثر الصين على السياسات الاقتصادية والاجتماعية في أفريقيا؟

تستخدم الصين قنوات وأدوات مختلفة للتأثير على السياسات أو الاستراتيجيات الأفريقية، مثل انتقاد الغرب على مرحلة الاستعمار. وفي وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، تم تقديم «التجربة» الصينية للأفارقة، أو مسار التنمية الذي اختارته أجيال مختلفة من القادة الصينيين، كحجة أيضاً داعمة (لصورة الصين). علاوة على ذلك، ترتبط القروض الصينية بشكل غير مباشر بشكل من أشكال الشروط الاقتصادية والسياسية، مثل المنح الدراسية والتدريب المقدم للطلاب أو موظفي الخدمة المدنية من القارة الأفريقية، الذين سيبثون بشكل عام صورة جيدة للصين عند عودتهم إلى بلدانهم الأفريقية. وأخيراً، يلعب النفوذ الصيني في القارة الأفريقية دوره أيضاً على نطاق دولي، من خلال، على سبيل المثال، منظمات الأمم المتحدة التي يقودها مواطنون صينيون (صندوق الغذاء العالمي بشكل خاص).

- ما التحديات والانتقادات المرتبطة بالنفوذ الصيني في أفريقيا؟

يتلخص التحدي الرئيسي على الجانب الأفريقي في تحديد استراتيجية إقليمية أو شبه إقليمية لتوجيه رأس المال الصيني وتدفقاته نحو الأولويات المحددة على المستوى الوطني وعلى مستوى الاتحاد الأفريقي. ونظراً للخلافات الداخلية، فإن هذا ليس بالأمر السهل، ولكن من الضروري التغلب على هذه المنافسات والخلافات لإجبار الشركاء الأجانب (بما في ذلك الصين) على استثمار وتمويل القطاعات الإنتاجية المؤدية إلى التصنيع في القارة.

- ماذا يمكن أن نقول عن الديون الصينية في أفريقيا، وكيف تؤثر على الاقتصادات الأفريقية؟

إن الديون الثنائية المستحقة على الصين وقطاعها المالي تطرح العديد من المشاكل السياسية والمالية، ولكن إذا كانت «معقولة» و«يمكن الدفاع عنها»، فإنها تساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلدان الأفريقية. مرة أخرى، المسؤولية تقع على عاتق الحكومات الأفريقية؛ لأنها هي التي تصدّق على القروض أو تطلبها، ومن الطبيعي أن يتم تمويل مشاريعها. ولذلك يجب أن تكون هذه المشاريع مستدامة وقابلة للحياة ومفيدة.

- كيف ترى التطور المستقبلي للعلاقات الصينية الأفريقية خلال العقود المقبلة؟

يوضح منتدى التعاون الصيني الأفريقي أنه على الرغم من الصعوبات، فإن العلاقة تمثل قدراً معيناً من الاستمرارية والاستقرار. وليس هناك سبب لتغيير هذا، خاصة وأن الاعتماد المتبادل بين الطرفين قوي؛ فأغلبية الدول الأفريقية تحتاج إلى رأس المال الصيني، فضلاً عن اللاعبين الاقتصاديين الذين يقومون ببناء بعض البنية التحتية. تحتاج الصين واقتصادها إلى المواد الخام الأفريقية، وفي نهاية المطاف إلى السوق الأفريقية.

- ما مدى النفوذ الصيني في أفريقيا مقارنة بالنفوذ الغربي في القارة؟

من الصعب دائماً مقارنة الوجود الصيني مع الوجود الغربي في القارة الأفريقية، الذي هو أقدم وأكثر رسوخاً من الوجود الصيني. ومع ذلك، يمكننا أن نلاحظ أن بعض الصينيين تمكنوا من اللحاق بالركب، على جميع المستويات: الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والمالية والثقافية. وفي قطاع البناء في البلدان الأفريقية، حل الجانب الصيني محل ما يسمى باللاعبين التقليديين، مع عدم استبعاد تأثير الظروف على الوجود الصيني في القارة. ومن الناحية الهيكلية، لا شك أن الصين أصبحت بالفعل «قوة أفريقية»، وهذا يبشر بالعديد من التحديات لجميع الأطراف.

- كيف يعمل الغرب على مواجهة النفوذ الصيني في أفريقيا؟

مع ردة فعل متأخرة جداً من جهة الغرب، وضعت الدول الغربية برامج تمويل لأفريقيا كالبوابة العالمية للاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، تهدف إلى تقديم عرض مالي ينافس العرض الصيني. ليست الأساليب متماثلة إلى حد كبير فحسب، بل إن هذه المشاريع، قبل كل شيء، تكون دائماً بمثابة رد فعل (على مشاريع صينية)، وليست استباقية في حالة ترقب.

وعلى المستويات كافة، فإن الجهات السياسية والعامة الغربية غير قادرة على مواجهة هذا التأثير الصيني في قارة أفريقيا. إنهم يفتقرون بشكل موضوعي إلى منظور تحليلي للوضع.

- هل تفشل الصين بشكل عام في تحقيق الاستراتيجية التي تريدها في أفريقيا؟

لا أقول إنها تفشل، لكن الصين تتعثر بالتأكيد. إن سياسة الصين في أفريقيا طموحة ومكلفة، وفي الوقت الحالي لا يمتلك النظام الصيني الوسائل اللازمة لتنفيذ استراتيجيته، الاقتصادية والمالية على الأقل. وعلى الصعيد السياسي، بنت الصين سياستها على «مبادئ» يتم تقويضها ونقضها بشكل منتظم، بما في ذلك مبدأ عدم التدخل. لكن الصين والأطراف التابعة لها مضطرون إلى التدخل، هنا للدفاع عن شريك، أو «صديق» أفريقي كما يقولون، أو دفاعاً عن مصالحهم الخاصة. وفي الأمدين المتوسط ​​والطويل، لا يمكن للصين الدفاع عن هذا الموقف حقاً؛ لأن الجغرافيا السياسية لا تلعب لمصلحة الصين في أفريقيا. في مسألة الجغرافيا السياسية، إن الصين، مثلها مثل الجهات الفاعلة الدولية الأخرى، عاجزة جزئياً. ومع تزايد الانتقادات للصين، فمن المؤكد أن القادة الصينيين سوف يُضطرون إلى تطوير هذا الموقف (القائم على التدخل)، الذي من شأنه أن يجعل الصين لاعباً «طبيعياً» في أفريقيا، أي ما يعادل الجهات الفاعلة الغربية.