نزل الإيرانيون إلى الشوارع في نحو مائة مدينة إيرانية في خامس أيام الاحتجاجات العامة، التي كان وقودها صدمة من موت شابة أثناء احتجازها لدى «شرطة الأخلاق» في طهران بدعوى «سوء الحجاب». وسرعان ما تحولت شعارات الاحتجاجات إلى المطالبة بإسقاط النظام؛ خصوصاً المرشد الإيراني علي خامنئي، على غرار الاحتجاجات العامة الأخيرة التي شهدتها إيران في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وكذلك ديسمبر (كانون الأول) 2017.
لكن هذه الاحتجاجات العامة الأولى التي تواجهها الحكومة بعد تولي إبراهيم رئيسي منصبه، وسط ازدياد الإحباط في الشارع الإيراني جراء تفاقم المشكلات المعيشية، وإطالة المحادثات الماراثونية لإحياء الاتفاق النووي، والتي انطلقت في أبريل (نيسان) من العام الماضي، وتسبب تعطلها المستمر في موجات من التضخم والضغوط على كاهل المواطن الإيراني.
وتعايشت حكومة رئيسي طوال العام الماضي مع شبح الاحتجاجات العامة، وسط احتجاجات متقطعة في أنحاء البلاد، مثل إضرابات عامة للمعلمين والعمال بسبب التدهور المعيشي، وكذلك الاحتجاجات على سياسة إدارة المياه في مختلف المحافظات الغربية والجنوبية، بالإضافة إلى الاحتجاجات إثر انهيار مبنى تجاري في ميناء عبادان جنوب غربي إيران.
وكانت السلطات تتوقع تفجر احتجاجات عامة في بداية الصيف.
شعارات مناهضة للنظام
ردد الإيرانيون خلال الأيام الخمسة الأولى من الاحتجاجات شعارات متنوعة؛ كان بعضها صدىً لما هتف به الإيرانيون في الاحتجاجات السابقة، وأضيفت شعارات جديدة أغلبها يستهدف المؤسسة الحاكمة.
وكان شعار: «الموت للديكتاتور» بيت القصيد في الشعارات.
شعارات جديدة:
- «هذه رسالة أخيرة... هدفنا (إسقاط) النظام».
- «المرأة... الحياة... الحرية».
- «سأقتل من قتل أختي».
- «دورية الإرشاد (التوجيه) دورية المجازر».
- «أقسم بدماء مهسا... ستعود إيران حرة».
- «من كردستان إلى طهران... الظلم ضد النساء».
- «حذار من يوم تسلحنا».
شعارات متكررة:
- «الديكتاتور الحرسي... أنت داعِشُنا».
- «خامنئي قاتل... ولايته باطلة».
- «بمدفعية أو دبابة أو مفرقعات... يجب طرد الملالي».
- «سنحارب من أجل استعادة إيران».
- «الموت لخامنئي... الموت للديكتاتور».
- «لا غزة ولا لبنان... روحي فداء لإيران».
ما الذي يختلف عن الاحتجاجات السابقة؟
الاختلاف الوحيد يكمن في سبب اندلاع الاحتجاجات الأخيرة؛ الذي هو موت الشابة مهسا أمنيي التي كانت في زيارة لأسرتها في طهران، آتية من مدينة سقز بمحافظة كردستان.
وكان الحادث نقطة مهمة في تسليط الضوء على المضايقات التي تتعرض لها المرأة الإيرانية، بعد تصاعد عمليات شرطة «الإرشاد» في بداية فصل الصيف.
وخطفت أنباء شرطة «الإرشاد»؛ المسؤولة عن ضبط «قانون الحجاب»، اهتمام الرأي العام الإيراني بينما كانت السلطات تتأهب لمواجهة الاحتجاجات المعيشية.
لكن من ناحية اتساع رقعة الاحتجاجات، فإن سرعة الانتشار أبطأ قليلاً من احتجاجات نوفمبر 2019، رغم أن ما يميز هذه الاحتجاجات مشاركة الشباب، خصوصاً النساء.
أكبر احتجاجات عامة طوال 40 عاماً
- احتجاجات 2019
أعلنت حكومة الرئيس المعتدل نسبياً حسن روحاني في وقت متأخر من 15 نوفمبر 2019، قراراً مفاجئاً برفع سعر الوقود بنسبة 300 في المائة، بهدف تعويض نقص الموازنة جراء العقوبات الأميركية. وبذلك سكبت الحكومة الزيت على نار الغضب الشعبي من تدهور الوضع المعيشي، لتبدأ الاحتجاجات من محيط مدينة الأحواز ذات الأغلبية العربية، قبل أن تمتد إلى 29 محافظة، بما في ذلك العاصمة طهران في اليوم التالي، وهو اليوم الذي قطعت فيه السلطات الإنترنت بقرار من «اللجنة العليا للأمن القومي».
واستغرقت عملية إخماد الاحتجاجات 72 ساعة، ولم تقدم السلطات إحصائية عن القتلى، فيما قال نواب البرلمان إن عدد المعتقلين تجاوز 7 آلاف شخص في الأسبوع الأول. واستمر قطع الإنترنت من أسبوعين إلى شهر بحسب حدة الاحتجاجات في مختلف المحافظات.
امتدت الاحتجاجات إلى 29 من أصل 31 محافظة إيرانية، وشملت 104 مدن.
وبعد نحو 5 أسابيع من الاحتجاجات، ذكرت «رويترز» أن عدد القتلى وصل إلى 1500 بعد أوامر مباشرة من المرشد علي خامنئي للمسؤولين الإيرانيين؛ بمن فيهم الرئيس السابق حسن روحاني، بقمع الاحتجاجات. وقال أحد المصادر إن خامنئي رفع صوته في الاجتماع، قائلاً للمسؤولين: «(الجمهورية الإسلامية) في خطر. افعلوا ما يلزم لوضع نهاية لذلك. هذا أمر لكم».
وسقط غالبية القتلى في بلدة الجراحى بميناء معشور جنوب محافظة الأحواز التي سجلت أكبر عدد من الضحايا. وتباينت الأرقام التي نشرتها منظمات حقوق الإنسان حول عدد القتلى الذي تراوح بين 40 شخصاً و100 شخص. ووجهت الاتهامات في الأساس إلى «الحرس الثوري».
ورغم المطالب الداخلية الواسعة، فإن الحكومة السابقة اكتفت بإشارات عابرة حول مقتل 230 شخصاً في الاحتجاجات. وتقاذفت الحكومة والجهاز القضائي على مدى أشهر مسؤولية إعلان الحصيلة النهائية.
- احتجاجات 2017
انطلقت كل من احتجاجات 2017 واحتجاجات 2019 لأسباب معيشية وتدهور الاقتصاد الإيراني. وردد المتظاهرون شعارات ضد الفساد وسوء الإدارة.
كانت بداية احتجاجات 2017 عفوية في مدينة مشهد؛ مركز محافظة خراسان، قبل أن تمتد إلى أنحاء البلاد. واستهدفت شعارات المحتجين المرشد علي خامنئي.
وجاءت الاحتجاجات بعد أشهر قليلة من إعادة انتخاب الرئيس السابق حسن روحاني الذي ركز على الوعود الاقتصادية؛ خصوصاً تحسين أزمة البطالة.
وما تميزت به الاحتجاجات هو تحرك الطبقة الوسطى والفقيرة، دون أن تقودها قيادة أو توجه سياسي محدد.
وبلغ عدد الضحايا 25 شخصاً على مدى أسبوعين من الاحتجاجات، بعد تدخل عنيف من قوات الشرطة في أكثر من 160 مدينة؛ وفق المتحدث السابق باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي. واستهدف المحتجون بشكل أساسي مقر ممثلي خامنئي في 60 مدينة إيرانية.
وكانت غالبية المدن التي شهدت احتجاجات في محافظات الوسط والغرب والجنوب الغربي. وتحولت مدينة أصفهان والمدن المجاورة لها إلى بؤرة الاحتجاجات، قبل أن تتوسع في طهران والمحافظات الشمالية.
وشهد اليوم الثاني من الاحتجاجات بداية العملية القمعية، وسجل أكبر عدد من القتلى.
- احتجاجات سابقة
وكانت «الموجة الخضراء» أو «الحركة الخضراء» في 2009 أكبر احتجاجات عامة شهدتها إيران، وامتدت 8 أشهر، بعدما رفض المرشحان الرئاسيان الإصلاحيان مير حسين موسوي ومهدي كروبي الاعتراف بفوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بالرئاسة لولاية ثانية.
وسرعان ما خرجت الاحتجاجات من قبضة قيادتها الإصلاحية لتتحول إلى احتجاجات مناهضة للنظام اجتاحت عموم البلاد، في حدث قل نظيره خلال 30 عاماً فصلت بين تلك الاحتجاجات وقيام النظام الإيراني في 1979.
وتباينت إحصائية عدد القتلى بين ما أعلنته منظمات حقوق الإنسان والسلطات الإيرانية. وتشير الاحصاءات المستقلة إلى مقتل نحو 80 شخصاً، فيما تراوحت إحصائية المسؤولين الإيرانيين بين 24 شخصاً و36 شخصاً.
وقبل احتجاجات «الموجة الخضراء» بـ10 أعوام شهدت العاصمة طهران أحداثاً دموية مؤلمة بعد تدخل قوات الأمن ضد حراك الطلاب الذي امتد 5 أيام في جامعة طهران. وقدر عدد القتلى بنحو 17 شخصاً، فيما وصل عدد المعتقلين إلى نحو 1500 شخص؛ غالبيتهم من الطلاب.