البرازيل في عزلة دولية خلال عهد بولسونارو

خالف الأعراف الدبلوماسية وراهن في كلّ شيء على إدارة ترمب

بولسونارو وسط أنصاره في 2 سبتمبر الحالي (رويترز)
بولسونارو وسط أنصاره في 2 سبتمبر الحالي (رويترز)
TT

البرازيل في عزلة دولية خلال عهد بولسونارو

بولسونارو وسط أنصاره في 2 سبتمبر الحالي (رويترز)
بولسونارو وسط أنصاره في 2 سبتمبر الحالي (رويترز)

عانت البرازيل من عزلة في عهد جايير بولسونارو وتراجعت مكانة هذا البلد العملاق من حيث المساحة، والذي كان يحظى بقدر كبير من الاحترام، خلال سنوات الرئيس اليميني المتطرف الأربع في السلطة، وفق ما يقول المحللون بشأن سجلّه الدبلوماسي.
يستند هؤلاء إلى نهجه الآيديولوجي في العلاقات الدولية ومخالفاته الأعراف الدبلوماسية وإهاناته وهفواته على ما قالت «وكالة الصحافة الفرنسية».
ترى فرناندا مانيوتا منسقة العلاقات الدولية في مؤسسة Armando Alvares Penteado Foundation في ساو باولو أن «البلد يعيش عزلة دولية نسبية وأزمة مكانة خطيرة».
وتشرح أن «القرارات متركزة لدى الرئاسة»، أي لدى جايير بولسونارو و«أبنائه وأقرب مستشاريه الذين يشكّلون الجناح الأكثر تمسّكًا بالآيديولوجية في الحكومة».
خاصم هذا الرئيس الذي لم يسافر إلا قليلًا، جزءًا من المجتمع الدولي في مسألتَي البيئة وحقوق الإنسان واصطدم بالصين والعالم العربي.
اقترب من بعض الدول الاستبدادية وهي نفسها معزولة، بينها المجر وبولندا وخصوصًا روسيا التي أثارت زيارته إليها قبل أسبوع من بدء غزو أوكرانيا، جدلًا.
يعتبر المؤرخ في جامعة ساو باولو رودريغو غويينا سواريس أنه لم يعد يُنظر إلى السياسة الخارجية البرازيلية على أنها «وسيلة للترويج الاقتصادي إنما كوسيلة لبناء تحالفات يمينية متطرفة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية».
وشعرت الصين أول شريك تجاري للبرازيل، بالاستياء بسبب تصريحات متهوّرة صدرت عن برازيليا.
وتشير فرناندا مانيوتا إلى أنه لم تتمّ المصادقة على الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والسوق الجنوبية المشتركة (ميركوسور) «بسبب عداء متبادل».
وتضيف أن البرازيل «فقدت دورها كدولة رائدة في الاندماج الإقليمي في أميركا الجنوبية» إذ إن علاقاتها توتّرت مع جارتها الأرجنتين بعد أن اعتبر بولسونارو أن الشعب الأرجنتيني اختار رئيسه «بشكل سيء».
- «غير مسبوق»
تسببت مسألة الحرائق الهائلة التي اجتاحت غابة الأمازون عام 2019، بتوتير العلاقات بين البرازيل وأوروبا. وكذلك تسمّمت العلاقات إلى حدّ اللاعودة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد أن سخر بولسونارو من شكل زوجته بريجيت ماكرون.
والشهر الماضي، توجّه وزير الاقتصاد البرازيلي باولو غيديس لفرنسا التي وصفها بأنها «تافهة» بالقول «فلتذهب إلى الجحيم» في حال لم تتعامل بشكل جيّد مع بلاده.
ويلفت غويينا سواريس إلى أن هذا أمر «غير مسبوق في الدبلوماسية البرازيلية، وحتى في الدبلوماسية ككلّ».
وكان بولسونارو يراهن في كلّ شيء على الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترمب.
ويقول فيليب لوريرو من معهد العلاقات الدولية في جامعة ساو باولو، إن «اصطفاف البرازيل مع الولايات المتحدة برئاسة ترامب غير مسبوق»، لكنه كان «اصطفافًا مع نهج ترمب».
العلاقات الثنائية مع واشنطن باردة جدًا منذ وصول الديموقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض، على الرغم من أن بولسونارو كان من بين أول القادة الذين اعترفوا بفوزه في الانتخابات الرئاسية في وقت كان ترمب مصرًّا على حصول تزوير انتخابي. ويؤكد لوريرو أن ذلك «كان أيضًا مخالفة خطيرة للتقليد الدبلوماسي البرازيلي بعدم التدخل» في شؤون دول أخرى.
- مولع بترمب ومعاد للصين
وقضى تعيين إرنستو أراوجو، وهو دبلوماسي غامض ومتعصّب، عام 2019 وزيرًا للخارجية على الوزارة الضعيفة أصلًا.
وأحدث أراوجو المولع بترمب والمناهض للعولمة والمشكك في جدوى قضية المناخ والمعادي للصين، تغييرًا جذريًا في التوجّه العام للبلاد.
يرى غويينا سواريس أن نجل بولسونارو «إدواردو لديه وزن أكبر» حاليا من وزير الخارجية الجديد كارلوس فرانسا.
في حال انتُخب رئيسًا في أكتوبر (تشرين الأول) ينوي الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (2003-2010) جعل البرازيل مجدّدًا قوة فاعلة دولية أساسية.
ترى مانيوتا أن لولا الذي غالبًا ما يحظى بشعبية في الخارج أكثر من الداخل، يُفترض أن «يقترح حوارًا مع جميع الدول ويعيد إحياء التعاون بين دول الجنوب مع أميركا اللاتينية وأفريقيا» وهو أمر تجاهله بولسونارو.
وكذلك ينوي لولا إعادة إطلاق الاندماج الإقليمي ومشاركة برازيليا في الهيئات المتعددة الأطراف وفي الجهود الرامية إلى مكافحة التغيّر المناخي.
ويوضح غويينا سواريس أنه يُفترض أن يقوم الزعيم اليساري «بإعادة التفاوض بشأن أحكام التحالف مع الولايات المتحدة» إضافة إلى تحديد سياسة فعلية حيال الصين و«التقرّب من الاتحاد الأوروبي عن طريق قضية البيئة».


مقالات ذات صلة

رونالدينيو يُطلق دورياً عالمياً لكرة قدم الشارع

الرياضة رونالدينيو يُطلق دورياً عالمياً لكرة قدم الشارع

رونالدينيو يُطلق دورياً عالمياً لكرة قدم الشارع

يُطلق نجم كرة القدم البرازيلي رونالدينيو دوريا مخصصا لكرة قدم الشارع في جميع أنحاء العالم، وذلك لمنح اللاعبين الشباب الموهوبين فرصة لإظهار مهاراتهم واتباع نفس المسار نحو النجومية مثل لاعب برشلونة السابق، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس». قال المنظمون اليوم (السبت) إن دوري رونالدينيو العالمي لكرة قدم الشارع سيبدأ في «أواخر عام 2023»، وسيتضمن في البداية عملية اختبار على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يمكن للاعبي كرة القدم في الشوارع من جميع الأعمار تحميل أفضل مهاراتهم وحيلهم في محاولة للانضمام إلى أحد فرق المسابقة. ستقام المباريات وجهاً لوجه في المدن الكبرى في جميع أنحاء العالم، وستتنافس الفرق في الدور

«الشرق الأوسط» (برازيليا)
أميركا اللاتينية الرئيس البرازيلي: تحديد الطرف المحقّ في النزاع بين روسيا وأوكرانيا لا يفيد

الرئيس البرازيلي: تحديد الطرف المحقّ في النزاع بين روسيا وأوكرانيا لا يفيد

أكد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، اليوم الأربعاء في مدريد أن «تحديد الطرف الم»" في النزاع بين روسيا وأوكرانيا «لا يفيد في شي»، مؤكدا أن مفاوضات السلام لها الاولوية. وقال الرئيس البرازيلي الذي يزور اسبانيا في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز «لا يفيد أبدا تحديد الطرف المحق والطرف الخاطئ (...). ما يجب القيام به هو إنهاء هذه الحرب»، وفق ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
أميركا اللاتينية لولا في أوروبا سعياً لاستثمارات وللتهدئة مع الغرب

لولا في أوروبا سعياً لاستثمارات وللتهدئة مع الغرب

يعود لويس إينياسيو لولا إلى أوروبا، لكن رئيساً للبرازيل هذه المرة، بعد أن أثارت مواقفه وتصريحاته بشأن الحرب في أوكرانيا موجة من الاستغراب والاستياء في العديد من البلدان الغربية لاعتبارها منحازة إلى موسكو وبعيدة حتى عن موقف الأمم المتحدة. وكان لولا قد وصل مساء الجمعة إلى العاصمة البرتغالية، لشبونة، التي هي عادة البوابة التي يدخل منها البرازيليون إلى القارة الأوروبية، ومن المتوقع أن ينتقل غداً إلى مدريد التي تستعد منذ فترة لتحضير القمة المنتظرة بين الاتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية، في مستهل رئاسة إسبانيا الدورية للاتحاد خلال النصف الثاني من هذه السنة. وسيحاول الرئيس البرازيلي في محادثاته مع رئ

شوقي الريّس (مدريد)
أميركا اللاتينية الرئيس البرازيلي يسعى لإيجاد «حل تفاوضي» بين أوكرانيا وروسيا

الرئيس البرازيلي يسعى لإيجاد «حل تفاوضي» بين أوكرانيا وروسيا

أعلن الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، اليوم (السبت)، رفضه «المشاركة» في النزاع بشأن أوكرانيا، ورغبته في المساهمة بإيجاد «حل تفاوضي» بين كييف وموسكو، بعدما انتقد الغربيون تصريحاته الأخيرة بشأن الحرب في أوكرانيا. وصرح لولا للصحافة عقب لقاء في لشبونة مع نظيره البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوزا، أنه «في الوقت الذي تدين فيه حكومتي انتهاك وحدة أراضي أوكرانيا، ندافع أيضاً عن الحل التفاوضي للنزاع».

«الشرق الأوسط» (لشبونة)
أميركا اللاتينية بولسونارو يواجه «إقصاءً طويلاً» من الحياة السياسية

بولسونارو يواجه «إقصاءً طويلاً» من الحياة السياسية

بدأ الطوق القضائي يضيق حول الرئيس البرازيلي السابق جاير بولسونارو، تمهيداً لإقصائه فترة طويلة عن العمل السياسي، بعد أن وجهت النيابة العامة الانتخابية طلباً إلى المحكمة العليا، الأسبوع الماضي، لمنعه من ممارسة أي نشاط سياسي لمدة لا تقل عن ثماني سنوات بتهمة إساءة استخدام السلطة. وكان بولسونارو قد انتقد النظام الانتخابي الإلكتروني، وشكّك في نزاهته خلال اجتماع مع السفراء الأجانب العام الماضي عندما كان لا يزال رئيساً. وتعود تلك التصريحات لبولسونارو إلى مطلع الصيف الماضي، عندما كانت البرازيل في بداية حملة الانتخابات الرئاسية.

شوقي الريّس (مدريد)

لولا يفرش السجاد الأحمر احتفاءً بالرئيس الصيني في برازيليا

شي ولولا وقّعا اتفاقات ثنائية في برازيليا يوم 20 نوفمبر (أ.ف.ب)
شي ولولا وقّعا اتفاقات ثنائية في برازيليا يوم 20 نوفمبر (أ.ف.ب)
TT

لولا يفرش السجاد الأحمر احتفاءً بالرئيس الصيني في برازيليا

شي ولولا وقّعا اتفاقات ثنائية في برازيليا يوم 20 نوفمبر (أ.ف.ب)
شي ولولا وقّعا اتفاقات ثنائية في برازيليا يوم 20 نوفمبر (أ.ف.ب)

استقبل الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الرئيس الصيني، شي جينبينغ، الذي يجري زيارة دولة إلى البرازيل، الأربعاء، احتفاءً بالتقارب بين بلديهما، على خلفية «الاضطرابات» المتوقعة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، إلى البيت الأبيض. واستُقبل شي بفرش السجاد الأحمر وبالتشريفات العسكرية والنشيد الوطني. فبعد لقائهما بقمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو، خصّ لولا، برفقة زوجته روزانجيلا دا سيلفا، نظيره الصيني باحتفاء مهيب قبل اجتماعهما في ألفورادا؛ مقر إقامته الرئاسي في العاصمة برازيليا، كما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية». وكتب الرئيس الصيني، في مقال نشر بالصحافة البرازيلية قبل الزيارة، إن «الجنوب العالمي يشهد حركة صعود جماعي».

سياق دولي معقّد

شي ولولا وقّعا اتفاقات ثنائية في برازيليا يوم 20 نوفمبر (أ.ف.ب)

ويتبع اجتماعهما في ألفورادا إعلان مشترك في سياق دولي مشحون كما اتضح خلال قمة «مجموعة العشرين»، التي هيمنت عليها أزمة المناخ والحرب في أوكرانيا. وتُنذر عودة دونالد ترمب بتحول انعزالي من جانب واشنطن؛ القوة العظمى في العالم، فضلاً عن موقف أكثر تشدداً تجاه الصين، خصوصاً في المسائل التجارية. وقال شي، على هامش اجتماع أكبر اقتصادات العالم، إن «العالم يدخل مرحلة جديدة من الاضطرابات والتغيير». وكما حدث في «قمة آسيا والمحيط الهادئ» قبل أيام قليلة في ليما، ظهر الرئيس الصيني بوصفه الرجل القوي في اجتماع ريو، حيث عقد لقاءات ثنائية عدّة في مقابل تراجع هالة جو بايدن المنتهية ولايته.

جانب من الاستقبال الرسمي الذي حظي به شي في برازيليا يوم 20 نوفمبر (د.ب.أ)

ويريد شي ولولا مزيداً من توطيد العلاقة القوية بين الصين والبرازيل؛ الدولتين الناشئتين الكبيرتين اللتين تحتلان المرتبتين الثانية والسابعة على التوالي من حيث عدد السكان عالمياً. ويعتزم الرئيس الصيني مناقشة «تحسين العلاقات التي تعزز التآزر بين استراتيجيات التنمية في البلدين»، وفق «وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)».

أما البرازيل، فتسعى إلى تنويع صادراتها بـ«منتجات برازيلية ذات قيمة مضافة أعلى»، وفق ما قال أمين شؤون آسيا بوزارة الخارجية البرازيلية، إدواردو بايس. ويُعدّ العملاق الآسيوي أكبر شريك تجاري للبرازيل التي تزوده بالمنتجات الزراعية. وتُصدّر القوة الزراعية في أميركا الجنوبية فول الصويا والمواد الأولية الأخرى إلى الصين، وتشتري من الدولة الآسيوية أشباه الموصلات والهواتف والسيارات والأدوية.

طرق الحرير

لولا وشي يصلان إلى المؤتمر الصحافي المشترك في برازيليا يوم 20 نوفمبر (أ.ف.ب)

مع ذلك، كانت حكومة لولا حذرة حيال محاولات الصين إدخال البرازيل في مشروع «طرق الحرير الجديدة» الضخم للبنى التحتية. وانضمّت دول عدة من أميركا الجنوبية إلى هذه المبادرة التي انطلقت في عام 2013، وتُشكّل محوراً مركزياً في استراتيجية بكين لزيادة نفوذها في الخارج.

أما الإدارة الديمقراطية في واشنطن، فتراقب ما يحدث بين برازيليا وبكين من كثب. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، ناتاليا مولانو، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن واشنطن تنصح البرازيل بأن «تُبقي أعينها مفتوحة لدى تقييم مخاطر التقارب مع الصين وفوائده». وعقّب مصدر دبلوماسي صيني على ذلك بقوله إن «لدى الصين وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي القول الفصل في تطوير العلاقات بينهما». أما لولا، فهو يهدف إلى اتخاذ موقف دقيق متوازن، فيما يتعلق بهذه القضية كما هي الحال مع قضايا أخرى، وهذا ما عبر عنه قبل بضعة أشهر بقوله: «لا تظنوا أنني من خلال التحدث مع الصين أريد أن أتشاجر مع الولايات المتحدة. على العكس من ذلك؛ أريد أن يكون الاثنان إلى جانبنا».