المجر ترضخ للشروط الأوروبية لمكافحة الفساد

بعد تهديد الاتحاد بتجميد مساعدات مالية لها بـ7.5 مليار يورو

TT

المجر ترضخ للشروط الأوروبية لمكافحة الفساد

بعد ثلاث سنوات من التوتر في العلاقات والمواجهات الصدامية بين بودابست وبروكسل، رضخت الحكومة المجرية لشروط المفوضية الأوروبية باتخاذ حزمة من التدابير الصارمة لمكافحة الفساد، وذلك خشية فقدان المساعدات المالية التي باتت خشبة الخلاص الوحيدة في مواجهة الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعانيه المجر، والذي يشكّل كعب أخيل حكومة فكتور أوربان التي تقود جبهة اليمين المتطرف والمتمردين على قواعد اللعبة المتوافق عليها في المشروع الأوروبي.
جاء هذا الرضوخ بعدما قدمت المفوضية اقتراحاً إلى المجلس الأوروبي بتجميد مساعدات مالية للمجر بقيمة 7.5 مليار يورو بسبب «الفساد الممنهج» في إدارة الأرصدة التي تحصل عليها من الموازنة الأوروبية المشتركة.
وبموجب اتفاق مع المفوضية، تتعهد حكومة بودابست استقبال مفتشي مكافحة الفساد من بروكسل، مرة كل شهرين، ليس فقط للتأكد من أنَّ الحكومة المجرية تفي بوعودها، بل أيضاً لكشف حالات الفساد أمام الرأي العام.
وكانت وزيرة العدل المجرية جوديت فارغا قد صرّحت أمس لدى وصولها إلى بروكسل للمشاركة في أعمال المجلس الأوروبي بقولها إنَّ «المجر ملتزمة حماية أجهزة مكافحة الفساد وتعزيزها لضمان حسن التصرف بالمساعدات الواردة من الموازنة الأوروبية».
فارغا، التي تعتبر من الدائرة الضيّقة حول رئيس الوزراء فكتور أوربان، كانت دعت الدول الأعضاء في الاتحاد إلى التحلّي بالتسامح والإيجابية مع بلادها.
وكانت المفوضية الأوروبية قد صعّدت مواقفها في المواجهة مع أوربان بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة وتجديد ولايته للمرة الثالثة، حيث توعّد في خطاب تسلّم مهامه «مواصلة تبدية المصالح الوطنية على أي اعتبارات أخرى». وهو ما فسرّته بروكسل بأنَّه إصرار على الاستمرار في التحدي وتجاهل التوصيات الأوروبية، إشارة إلى أنَّ العجز في ميزان المدفوعات المجري يتنامى منذ سنوات، في وقت يعاني الاقتصاد ركوداً متواصلاً منذ سنوات. يضاف إلى ذلك، أنَّ التضخم يقترب من 20 في المائة، فيما تشكّل المساعدات التي تحصل عليها المجر من الموازنة الأوروبية المشتركة ما نسبته 4 في المائة تقريباً من إجمالي الناتج القومي، وهي الأساس الرئيسي الذي تعتمد عليه الحكومة لوضع سياستها الاقتصادية.
ومن الوسائل التي لجأت إليها المفوضية الأوروبية لرفع منسوب الضغط على الحكومة المجرية، التهديد بتجميد حصة بودابست من صندوق الإنعاش للنهوض من تداعيات الجائحة.
ويخلص خبراء المفوضية في تحليلاتهم إلى أنَّ أوربان مضطر للرضوخ للشروط الأوروبية وإجراء الإصلاحات الموعودة في أقرب فرصة، ليس فقط في مجال مكافحة الفساد، بل أيضاً في وقف ملاحقة وسائل الإعلام المستقلة والمعارضة للحكومة، وعدم التدخل في أنشطة الأجهزة القضائية.
وكان التقرير الأخير الذي وضعه المجلس الأوروبي يشير إلى عدم توفر النّية الحسنة لدى الحكومة المجرية للتجاوب مع المطالب الإصلاحية واحترام المبادئ والقيم الأساسية التي يقوم عليها المشروع الأوروبي.
وتأتي هذه المواجهة بين بروكسل وبودابست في أجواء من انعدام الثقة بين الطرفين بسبب موقف حكومة أوربان من الحرب الدائرة في أوكرانيا، حيث ينظر العديد من الشركاء الأوروبيين إلى رئيس الوزراء المجري على أنه حصان طروادة لموسكو داخل الاتحاد، بسبب علاقته الوطيدة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والصداقة الطويلة التي تربط بينهما.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ المجر هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي رفضت تطبيق العقوبات المفروضة على موسكو، والتي ما زالت إمدادات الغاز الروسي تتدفق إليها بشكل طبيعي، وتسددها بالروبل، بعد أن قررت روسيا قطعها بشكل تام عن البلدان الأخرى في الاتحاد. ويذكر أنَّ المجر كانت وحدها التي خرجت عن الإجماع الأوروبي وقررت شراء اللقاح الروسي «سبوتنيك» وتوزيعه على سكانها، على الرغم من أنَّ الوكالة الأوروبية للأدوية لم توافق على استخدامه.
وما يثير قلق الأوساط الأوروبية أيضاً صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة المتحالفة مع أوربان، خاصة في إيطاليا حيث من المرجح أن يفوز حزب «إخوان إيطاليا» وحزب «الرابطة» في انتخابات الأحد المقبل، ما قد يؤدي إلى اتساع الجبهة اليمينية المتطرفة داخل الاتحاد، لا سيما بعد النتيجة التي حققها حزب النازيين الجدد في السويد وأصبح على أعتاب المشاركة في الحكومة الجديدة.
ويعلّق المسؤولون الأوروبيون أهمية كبيرة على الخطوة التي اتخذتها المفوضية، بموافقة من البرلمان، والتي تشكّل تدشيناً لآليّة «الاشتراط» للتذكير بأنَّ الانتماء إلى المشروع الأوروبي له قواعده وشروطه، وأنَّ الخروج عنها، أو تجاهلها أو انتهاكها، له تبعات وتكلفته باهظة. علماً أنَّ هذه الآلية التي يقتضي تفعيلها إجماع الدول الأعضاء، لم تطبّق حتى الآن بسبب من تمنع المجر وبولندا. لكن الضغوط المتنامية في الفترة الأخيرة أسقطت اعتراض هذين البلدين تحت وطأة التلويح بتجميد المساعدات المالية أو قطعها.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

العالم الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل روسيا، اليوم الخميس، من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين الذي اتهمت موسكو كييف بشنّه، لتكثيف هجماتها في أوكرانيا. وقال بوريل خلال اجتماع لوزراء من دول الاتحاد مكلفين شؤون التنمي«ندعو روسيا الى عدم استخدام هذا الهجوم المفترض ذريعة لمواصلة التصعيد» في الحرب التي بدأتها مطلع العام 2022. وأشار الى أن «هذا الأمر يثير قلقنا... لأنه يمكن استخدامه لتبرير تعبئة مزيد من الجنود و(شنّ) مزيد من الهجمات ضد أوكرانيا». وأضاف «رأيت صورا واستمعت الى الرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم الاتحاد الأوروبي يخطّط لإنتاج مليون قذيفة سنوياً وأوكرانيا تستنزف الذخيرة

الاتحاد الأوروبي يخطّط لإنتاج مليون قذيفة سنوياً وأوكرانيا تستنزف الذخيرة

سيطرح الاتحاد الأوروبي خطة لتعزيز قدرته الإنتاجية للذخائر المدفعية إلى مليون قذيفة سنوياً، في الوقت الذي يندفع فيه إلى تسليح أوكرانيا وإعادة ملء مخزوناته. وبعد عقد من انخفاض الاستثمار، تُكافح الصناعة الدفاعية في أوروبا للتكيّف مع زيادة الطلب، التي نتجت من الحرب الروسية على أوكرانيا الموالية للغرب. وتقترح خطّة المفوضية الأوروبية، التي سيتم الكشف عنها (الأربعاء)، استخدام 500 مليون يورو من ميزانية الاتحاد الأوروبي لتعزيز إنتاج الذخيرة في التكتّل. وقال مفوّض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية، تييري بريتون: «عندما يتعلّق الأمر بالدفاع، يجب أن تتحوّل صناعتنا الآن إلى وضع اقتصاد الحرب». وأضاف: «أنا واث

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد الاتحاد الأوروبي يمدد لمدة عام تعليق الرسوم الجمركية على الواردات الأوكرانية

الاتحاد الأوروبي يمدد لمدة عام تعليق الرسوم الجمركية على الواردات الأوكرانية

أعطت حكومات الدول الـ27 موافقتها اليوم (الجمعة)، على تجديد تعليق جميع الرسوم الجمركية على المنتجات الأوكرانية الصادرة إلى الاتحاد الأوروبي لمدة عام، حسبما أعلنت الرئاسة السويدية لمجلس الاتحاد الأوروبي. كان الاتحاد الأوروبي قد قرر في مايو (أيار) 2022، تعليق جميع الرسوم الجمركية على الواردات الأوكرانية إلى الاتحاد الأوروبي لمدة عام، لدعم النشاط الاقتصادي للبلاد في مواجهة الغزو الروسي. وتبنى سفراء الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي في بروكسل قرار تمديد هذا الإعفاء «بالإجماع».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم الكرملين يهدّد بمصادرة أصول مزيد من الشركات الأجنبية في روسيا

الكرملين يهدّد بمصادرة أصول مزيد من الشركات الأجنبية في روسيا

حذّر الكرملين اليوم (الأربعاء)، من أن روسيا قد توسّع قائمة الشركات الأجنبية المستهدفة بمصادرة مؤقتة لأصولها في روسيا، غداة توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمرسوم وافق فيه على الاستيلاء على مجموعتَي «فورتوم» و«يونيبر». وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف لصحافيين: «إذا لزم الأمر، قد توسّع قائمة الشركات. الهدف من المرسوم هو إنشاء صندوق تعويضات للتطبيق المحتمل لإجراءات انتقامية ضد المصادرة غير القانونية للأصول الروسية في الخارج».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

بلينكن يصل إلى لاوس لحضور اجتماعات «آسيان» ولقاء نظيره الصيني

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
TT

بلينكن يصل إلى لاوس لحضور اجتماعات «آسيان» ولقاء نظيره الصيني

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، فجر السبت، إلى لاوس حيث سيحضر اجتماعات رابطة دول «آسيان» ويجري محادثات مع نظيره الصيني، وذلك في مستهل جولة آسيوية تشمل دولاً عدة وتهدف إلى تعزيز علاقات واشنطن مع حلفائها الإقليميين في مواجهة بكين.

ومن المقرر أن يلتقي بلينكن وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش محادثات وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي تعقد في فينتيان، عاصمة لاوس.

منافسة حادة

ويسعى بلينكن لتحقيق تطلّع بجعل منطقة المحيطين الهندي والهادئ «منطقة حرة ومفتوحة ومزدهرة»، وهو شعار يحمل في طيّاته انتقاداً للصين وطموحاتها الاقتصادية والإقليمية والاستراتيجية في المنطقة.

وقالت وزارة الخارجية في بيان صدر قبل وقت قصير من وصول بلينكن إلى فينتيان، إنّ «محادثات الوزير ستواصل البناء والتوسع غير المسبوق للعلاقات بين الولايات المتحدة وآسيان»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

وهذه هي الزيارة الـ18 التي يقوم بها بلينكن إلى آسيا منذ توليه منصبه قبل أكثر من ثلاث سنوات، ما يعكس المنافسة الحادة بين واشنطن وبكين في المنطقة.

ووصل بلينكن بعد يومين على اجتماع عقده وزيرا خارجية الصين وروسيا مع وزراء خارجية تكتل «آسيان» الذي يضم عشر دول، وقد عقدا أيضاً اجتماعاً ثنائياً على الهامش.

وناقش وانغ وسيرغي لافروف «هيكلية أمنية جديدة» في أوراسيا، وفق وزارة الخارجية الروسية.

وقالت الوزارة إن وانغ ولافروف اتفقا على «التصدي المشترك لأي محاولات من جانب قوى من خارج المنطقة للتدخل في شؤون جنوب شرق آسيا».

وتقيم الصين شراكة سياسية واقتصادية قوية مع روسيا. ويعتبر أعضاء حلف شمال الأطلسي بكين مسانداً رئيسياً لموسكو في حربها على أوكرانيا.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، الجمعة، إن وانغ وبلينكن «سيتبادلان وجهات النظر حول مسائل ذات اهتمام مشترك».

ووفق وزارة الخارجية الأميركية سيناقش بلينكن «أهمية التقيّد بالقانون الدولي في بحر الصين الجنوبي» خلال محادثات «آسيان».

توترات متصاعدة

وتأتي المحادثات في خضم توترات متصاعدة بين الصين والفلبين في بحر الصين الجنوبي، حيث سجّلت مواجهات في الأشهر الأخيرة بين سفن فلبينية وصينية حول جزر مرجانية متنازع عليها.

وتتمسك بكين بالسيادة شبه الكاملة على الممر المائي الذي تعبره سنوياً بضائع بتريليونات الدولارات، على الرغم من حكم أصدرته محكمة دولية قضى بأن لا أساس قانونياً لموقفها هذا.

وفقد بحار فلبيني إبهامه في مواجهة وقعت في 17 يونيو (حزيران) حين أحبط أفراد من جهاز خفر السواحل الصيني محاولة للبحرية الفلبينية لإمداد قواتها في موقع ناء.

وانتقدت الصين في وقت سابق من العام الحالي تصريحات لبلينكن أبدى فيها استعداد واشنطن للدفاع عن الفلبين إذا تعرضت قواتها أو سفنها أو طائراتها لهجوم في بحر الصين الجنوبي.

وتصر بكين على أنه «لا يحق» للولايات المتحدة التدخل في بحر الصين الجنوبي.

والبلدان على طرفي نقيض في ملفات التجارة وحقوق الإنسان ووضع جزيرة تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي.

وتشمل جولة بلينكن ستّ دول هي لاوس وفيتنام واليابان والفلبين وسنغافورة ومنغوليا.

ومن المقرر أن يصدر وزراء خارجية الدول المنضوية في «آسيان» بياناً مشتركاً في ختام الاجتماعات التي ستُعقد على مدى ثلاثة أيام.