«الحكومة المجرية نظام هجين من الاستبداد الانتخابي». بهذه العبارات الحادة وصف البرلمان الأوروبي حكومة فكتور أوربان في القرار الذي اتخذه مساء الأربعاء، ومهّد لاقتراح المفوضية الأوروبية تعليق دفع نحو 7.5 مليار يورو من التمويل الأوروبي للمجر، بسبب «مخاطر عالية مرتبطة بالفساد»، بانتظار تنفيذها إصلاحات.
وقال المفوّض الأوروبي لشؤون الميزانية يوهانس هان في مؤتمر صحافي إن «المجر تعهدت بإبلاغ المفوضية بتنفيذها إجراءات لمعالجة الوضع بحلول 19 نوفمبر (تشرين الثاني). سنعيد تقييم الوضع وسنتصرف بناءً على ذلك». ويعود القرار النهائي إلى المجلس الأوروبي، الهيئة الممثلة للدول الأعضاء التي سيكون أمامها شهر للردّ على اقتراح المفوضية. ويمكن تمديد هذه المهلة شهرين إضافيين. وسبق أن اقترح المفوّض هان في يوليو (تموز) في وثيقة داخلية، تجميد 70 في المائة من الأموال المنبثقة عن عدة برامج مرتبطة بسياسة التضامن التي كان يُفترض أن تُمنح للمجر في الفترة بين 2021 و2027، وسيكون أمام الدول الأعضاء شهر للردّ بالأغلبية المؤهّلة، على اقتراح المفوضية، لكن يمكن تمديد هذه المهلة لشهرين إضافيين.
وجاء اقتراح المفوضية في أعقاب جلسة عاصفة تعرّضت فيها حكومة فيكتور أوربان لانتقادات شديدة بسبب انتهاكها المتواصل للمبادئ والقيم الأساسية التي يقوم عليها الاتحاد، ورفضها اتّخاذ التدابير التي كان المجلس الأوروبي قد أوصى بها لتعزيز استقلالية السلطة القضائية، واحترام الحريات الأساسية، وملاحقة حالات الفساد المالي التي غالباً ما تطال المساعدات الأوروبية لمشاريع التنمية والبنى التحتية. وكانت المجر قد توصلت إلى اتفاق مع المفوضية نهاية الصيف الماضي بعد مفاوضات مكثّفة وطويلة تعهدت بودابست بموجبه اتخاذ سلسلة من الإجراءات لمكافحة الفساد، لكنها إلى الآن لم تقدم على أي خطوة عملية في هذا الاتجاه.
وكانت المفوضية الأوروبية قد اقترحت على بودابست استحداث هيئة عليا مكلفة صلاحيات واسعة لمكافحة الفساد ومستقلّة عن الأجهزة التنفيذية، وشبكة واسعة من المكاتب التابعة لها لتلقي الشكاوى ومتابعتها في الدوائر القضائية. وتجدر الإشارة إلى أن المفوضية، وبعد أشهر طويلة من المواجهات مع بودابست، قررت تفعيل الآلية القانونية التي تتيح لها تعليق دفع المساعدات المالية للدول الأعضاء التي تنتهك سيادة القانون بحيث تتعذّر مراقبة إنفاق الموارد الأوروبية والتأكد من أنها تُنفق للغايات المخصصة لها. وكان ذلك القرار قد جاء في أعقاب الفوز الساحق الذي حققه أوربان في الانتخابات العامة، والذي قال يومها إنه يهديه إلى المفوضية الأوروبية.
ويُذكر أن المجر هي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي لم تقدم بعد خطتها للنهوض من تداعيات جائحة «كوفيد - 19» والتي لا بد منها للحصول على المساعدات من صندوق الإنعاش الذي أقرّه الاتحاد بما يزيد على 750 مليار يورو للبلدان التي تضررت من الجائحة. يضاف إلى ذلك أن بودابست كانت الوحيدة التي خرجت عن الإجماع الأوروبي في موضوع اللقاحات، وقررت شراء لقاح «سبوتنيك» الروسي، كما أنها ما زالت وحدها بين الدول الأعضاء في الاتحاد التي ترفض تطبيق العقوبات الأوروبية المفروضة على موسكو، وما زالت إمدادات الغاز الروسي تتدفق إليها بشكل طبيعي فيما انقطعت نهائياً عن بقية البلدان.
وإذا كانت المواجهة بين بودابست والمفوضية الأوروبية تشهد فصولاً عنيفة منذ سنوات، فهي قد بلغت ذروتها في البرلمان الأوروبي هذا الأسبوع حيث بدت الكتل السياسية، باستثناء بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة وفي طليعتها الإيطالية، عازمة على محاصرة أوربان الذي يرى فيه كثيرون حصان طروادة لروسيا داخل الاتحاد الأوروبي، وذراعاً طويلة للكرملين تحاول زرع الشقاق بين الدول الأعضاء في مواجهة موسكو.
ويصف القرار الأخير الذي اتّخذه البرلمان الأوروبي النظام المجري بأنه «ديمقراطية ناقصة»، ويدين «الجهود المتعمدة والممنهجة» التي تبذلها الحكومة المجرية لتقويض القيم والمبادئ الأوروبية الأساسية، ويحضّ المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية على اتّخاذ التدابير الكفيلة بمعالجة هذا الوضع.
وتتضمّن حيثيات القرار اتهامات قاسية ضد الحكومة المجرية، مثل أن «السياسة التي تتبعها الحكومة المجرية تنهك المواطنين، وتحرمهم من حقوقهم ومن فرص التنمية، فيما تستولي جماعات مستبدة قريبة منها على ثروات الدولة ومواردها». ويتضمّن القرار اقتراحاً بعدم تسليم بودابست مبلغ 8.5 مليار يورو من صندوق الإنعاش الأوروبي، إذا لم تتّخذ الحكومة المجرية، قبل نهاية هذه السنة، التدابير التي نصّ عليها الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان في نهاية مفاوضات الصيف الماضي. لكنّ مصادر أوروبية مطلعة ترى أن هذه المهلة ليست كافية لتنفيذ التدابير المتفق عليها، وبالتالي يصبح من شبه المؤكد أن المجر لن تحصل على هذه المساعدات. وتذكّر هذه المصادر بأن حكومة أوربان حصلت خلال السنوات السبع المنصرمة على ما يزيد على 30 مليار يورو من المساعدات الأوروبية، في الوقت الذي كانت تتّخذ إجراءات تقوّض سيادة القانون والحقوق الاجتماعية وتحدّ من استقلالية القضاء وتلاحق وسائل الإعلام المستقلة.
وفي ضوء هذه التطورات، بات من المؤكد أن الصراع سيحتدم على الصعيد الأوروبي ضد القوى اليمينية المتطرفة التي تتنامى شعبيتها باطّراد، والتي باتت قاب قوسين من الوصول إلى الحكم في بلدان مثل السويد وإيطاليا. وكانت زعيمة حزب إخوان إيطاليا جيورجيا ميلوني، التي ترجح الاستطلاعات فوزها في الانتخابات العامة نهاية الأسبوع المقبل وتوليها رئاسة الحكومة الإيطالية، قد علّقت على قرار البرلمان الأوروبي بقولها إن «أوربان فاز في الانتخابات الأخيرة، والمجر دولة ديمقراطية».
المفوضية الأوروبية تقترح تعليق مساعدات المجر
على خلفية مخاطر مرتبطة بالفساد
المفوضية الأوروبية تقترح تعليق مساعدات المجر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة