«السهام المكسورة»... أسلحة نووية أميركية مفقودة منذ عشرات السنين

جندي أميركي بجانب منصة إطلاق صواريخ (أرشيفية- رويترز)
جندي أميركي بجانب منصة إطلاق صواريخ (أرشيفية- رويترز)
TT

«السهام المكسورة»... أسلحة نووية أميركية مفقودة منذ عشرات السنين

جندي أميركي بجانب منصة إطلاق صواريخ (أرشيفية- رويترز)
جندي أميركي بجانب منصة إطلاق صواريخ (أرشيفية- رويترز)

من مفاتيح السيارة، إلى نظارات القراءة، أو ساعة اليد، أو قطع الحلي، يضيع من كل شخص منا شيء مهم في حياته اليومية من وقت لآخر، ويظل يبحث عنه حتى يعثر عليه في نهاية المطاف. ولكن في حالة الحكومة الأميركية، فإن هذا الشيء المفقود قد يكون سلاحاً نووياً يمكنه تدمير مدن بأسرها، وقتل ملايين البشر.
وعلى مدار عشرات السنين، تعرض الجيش الأميركي لـ32 حادثة نووية، يطلق عليها اسم «السهام المكسورة». وتتنوع هذه الحوادث ما بين إطلاق صواريخ من قبيل الخطأ، أو حدوث تلوث إشعاعي، أو فقدان أسلحة نووية، أو غيرها من الوقائع التي تتعلق بأسلحة نووية.
ولعل من حسن الحظ أنه خلال 6 (فقط) من بين هذه الحوادث، اختفت الأسلحة النووية، ولم يتسنَّ العثور عليها أو استعادتها، وأن سلاحاً نووياً واحداً فقط من بينها كان من الممكن أن يتسبب في انفجار نووي، عندما ضاع من الجيش الأميركي، حسبما نقلته وكالة الأنباء الألمانية.
وفي تصريحات للموقع الإلكتروني الأميركي «تاسك أند بيربوس» المعني بالشؤون العسكرية، يقول هانز كريستنسن، مدير مشروع المعلومات النووية التابع لاتحاد العلماء الأميركيين: «بالنظر إلى الاتحاد السوفياتي السابق، فإن سجل الولايات المتحدة يدعو للإعجاب، في ضوء كم الأسلحة النووية التي يجري تشغيلها ونقلها من مكان لآخر على مدار سنوات».
وفي حقيقة الأمر، دائماً ما تبذل الحكومة الأميركية جهوداً محمومة لاستعادة أسلحتها النووية وتأمينها، في حالة وقوع مثل هذه النوعية من الحوادث، ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما حدث يوم 17 يناير (كانون الثاني) عام 1966، عندما اصطدمت قاذفة أميركية من طراز «بي- 52» بطائرة وقود في أجواء جنوبي إسبانيا، ما تسبب في سقوط 4 قنابل نووية حرارية بالقرب من قرية صيادين تسمى بالوماريس.
وعلى الرغم من انفجار العبوات الناسفة في قنبلتين، فإن الشحنات النووية في القنبلتين لم تنفجر؛ لأنها لم تكن مجهزة للانفجار. وسارع الجيش الأميركي بإرسال قوات لانتشال القنبلة الثالثة التي سقطت على الأرض ولم تنفجر، وجمع القطع المشعة من القنبلتين اللتين انفجرتا، وكذلك للبحث عن القنبلة الرابعة التي سقطت في المحيط.
كما أرسلت الحكومة الأميركية غواصة صغيرة متطورة مخصصة للبحث في المياه العميقة، يطلق عليها اسم «إلفين»، وكاد طاقم هذه الغواصة يغرق عندما اشتبكت «إلفين» في المظلة الخاصة بالقنبلة في قاع المحيط.
وفي 28 يوليو (تموز) 1957، تعرضت طائرة تابعة لسلاح الجو الأميركي من طراز «سي 124» لعطل في اثنين من محركاتها، بعد إقلاعها من قاعدة دوفر الجوية في ولاية ديلاوير الأميركية. ووفق التقرير الذي أصدرته وزارة الطاقة الأميركية بشأن هذا الحادث عام 2006، لم تستطع الطائرة الحفاظ على ارتفاعها على الرغم من أنه كان لديها محركان آخران يعملان بشكل سليم.
وتشير التقارير إلى أن الطائرة كانت تحمل 3 أسلحة نووية، وكبسولة نووية واحدة، عند إقلاعها، غير أن قائدها قرر إسقاط قنبلتين لتخفيف الوزن، وإطالة المسافة التي يمكن أن تقطعها الطائرة بغرض إنقاذها. وعلى الرغم من أن الطائرة هبطت اضطرارياً لاحقاً قرب مدينة أتلانتيك سيتي بولاية نيوجيرسي، لم يتسنَّ العثور على القنبلتين اللتين أسقطتا من ارتفاع 4500 و2500 قدم أثناء التحليق. وافترضت السلطات أنهما تحطمتا وغرقتا بشكل شبه فوري في مياه المحيط.
وفي 5 فبراير (شباط) عام 1958، كانت قاذفة أميركية من طراز «بي 47» تقوم بمهمة تدريبية عندما اصطدمت بمقاتلة من طراز «إف 85» قرب مدينة سافانا بولاية جورجيا الأميركية. وتضررت القاذفة بشكل بالغ، لدرجة أن الطيار حاول الهبوط بها 3 مرات في قاعدة «هانتر إير فورس» الجوية، ولكنه لم يستطع إبطاء سرعتها بما يكفي لهبوطها على المدرج بشكل آمن. وعندئذ، قرر الطيار إسقاط السلاح النووي الذي تحمله طائرته في منطقة تحمل اسم واساو ساوند، بالقرب من جزيرة تايبي بولاية جورجيا، بدلاً من المخاطرة بنسف القاعدة الجوية؛ نظراً إلى أن القنبلة كانت مزودة بشحنة ناسفة تزن 400 رطل. ولحسن الحظ، لم تنفجر القنبلة على الرغم من سقوطها من ارتفاع 7200 قدم، وهبطت الطائرة بسلام، ولكن لم يتم العثور على هذه القنبلة حتى الآن.
وفي تقريره بشأن الحوادث النووية التي تعرض لها الجيش الأميركي خلال العقود الماضية، أفاد الموقع الإلكتروني «تاسك أند بيربوس» بأنه في يوم 25 سبتمبر (أيلول) عام 1959، أبحر قارب سريع تابع للبحرية الأميركية يحمل سلاحاً نووياً مضاداً للغواصات، وتحطم في المحيط على بعد مائة ميل غرب الحدود، ما بين ولايتي واشنطن وأوريغون الأميركيتين. وبحسب مشروع «السهم المكسور» الذي أجرته جامعة جنوب كاليفورنيا الأميركية، تم إنقاذ طاقم القارب المؤلف من 10 أفراد، ولكن لم يتسنَّ العثور على السلاح النووي الذي ما زال يرقد حتى وقتنا هذا في قاع المحيط الهادئ.
وفي 24 يناير عام 1961، تحطمت قاذفة أميركية طراز «بي 52» في ولاية نورث كارولاينا الأميركية، وسقطت منها قنبلتان نوويتان. وهبطت إحدى هاتين القنبلتين بالمظلة إلى الأرض دون أضرار تذكر، في حين تحطمت الأخرى بعد هبوطها من دون مظلة، وأوشكت على الانفجار.
وفي وقت لاحق، أشار وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت ماكنمارا إلى هذا الحادث، كدليل على احتمالات حدوث انفجارات نووية بشكل عرضي، على الرغم من «إنفاق ملايين الدولارات لتقليل احتمالات حدوث هذه المشكلة إلى الحد الأدنى». وأشارت وزارة الطاقة الأميركية في تقريرها لعام 2006 إلى أنه تعذر العثور على الوعاء الذي يحتوي مادة اليورانيوم المشع داخل القنبلة، على الرغم من أن فرق البحث حفرت لعمق 50 قدماً في موقع السقوط دون جدوى.
وبعكس قنبلة نورث كارولاينا التي اختفت تحت التراب الأميركي، سقطت مقاتلة أميركية طراز «سكاي هوك إيه 4» من أعلى حاملة طائرات «تيكونديروجا» أثناء إبحارها في بحر الفلبين يوم الخامس من ديسمبر (كانون الأول) عام 1965.
وكانت المقاتلة تحمل قنبلة نووية حرارية طراز «بي 43» في إطار مناورة تدريبية. وعلى الرغم من المحاولات المضنية من طاقم حاملة الطائرات لتحذير الطيار من أجل استخدام المكابح، فإن الطائرة استمرت في الانزلاق نحو الحافة، حتى سقطت من أعلى الحاملة أمام أنظار الجميع. ولم يعثر رجال الإنقاذ سوى على خوذة الطيار، أما حطام الطائرة والقنبلة فقد غرقا على عمق 16 ألف قدم تحت سطح المحيط. ويقول الخبراء إن هذه القنبلة الوحيدة كانت القابلة للانفجار نووياً؛ لأنه لم يكن من الممكن فنياً إزالة النواة الصلبة من هذا الطراز من القنابل الحرارية.
وعلى الرغم من أن هذه الحوادث لم تتسبب في وقوع ضحايا أو حدوث تلوث إشعاعي، فإنها تسلط الضوء وبقوة على أن أهم عنصر من سياسة الحرب النووية لأي دولة هو: «لا تفجر نفسك بسلاحك النووي». ويؤكد كريستنسن أن جميع هذه الحوادث هي «بمثابة تذكرة بأن الأسلحة النووية موجودة، وأن الحوادث يمكن أن تقع».


مقالات ذات صلة

السلطات الأميركية تلاحق رجلاً يشتبه بقتله 5 أشخاص في تكساس

العالم السلطات الأميركية تلاحق رجلاً يشتبه بقتله 5 أشخاص في تكساس

السلطات الأميركية تلاحق رجلاً يشتبه بقتله 5 أشخاص في تكساس

أعلنت السلطات في ولاية تكساس، اليوم (الاثنين)، أنّها تلاحق رجلاً يشتبه بأنه قتل خمسة أشخاص، بينهم طفل يبلغ ثماني سنوات، بعدما أبدوا انزعاجاً من ممارسته الرماية بالبندقية في حديقة منزله. ويشارك أكثر من مائتي شرطي محليين وفيدراليين في عملية البحث عن الرجل، وهو مكسيكي يدعى فرانشيسكو أوروبيزا، في الولاية الواقعة جنوب الولايات المتحدة، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. وفي مؤتمر صحافي عقده في نهاية الأسبوع، حذّر غريغ كيبرز شريف مقاطعة سان خاسينتو في شمال هيوستن، من المسلّح الذي وصفه بأنه خطير «وقد يكون موجوداً في أي مكان». وعرضت السلطات جائزة مالية مقدارها 80 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تتيح الوصول إل

«الشرق الأوسط» (هيوستن)
العالم الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

الحرب الباردة بين أميركا والصين... هل تتغيّر حرارتها؟

من التداعيات المباشرة والأساسية للحرب في أوكرانيا عودة أجواء الحرب الباردة وبروز العقلية «التناحرية» التي تسود حالياً العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. ومع كل ما يجري في العالم، نلمح الكثير من الشرارات المحتملة التي قد تؤدي إلى صدام بين القوتين الكبريين اللتين تتسابقان على احتلال المركز الأول وقيادة سفينة الكوكب في العقود المقبلة... كان لافتاً جداً ما قالته قبل أيام وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين وشكّل انعطافة كبيرة في مقاربة علاقات واشنطن مع بكين، من حيّز المصالح الاقتصادية الأميركية إلى حيّز الأمن القومي.

أنطوان الحاج
العالم وكالة تاس: محادثات سلام بين أرمينيا وأذربيجان قريباً

وكالة تاس: محادثات سلام بين أرمينيا وأذربيجان قريباً

نقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن أمين مجلس الأمن الأرميني قوله إن أرمينيا وأذربيجان ستجريان محادثات في المستقبل القريب بشأن اتفاق سلام لمحاولة تسوية الخلافات القائمة بينهما منذ فترة طويلة، حسبما أفادت وكالة «رويترز» للأنباء. ولم يفصح المسؤول أرمين جريجوريان عن توقيت المحادثات أو مكانها أو مستواها.

«الشرق الأوسط» (يريفان)
العالم مقاتلات روسية تحبط تقدم قوات الاحتياط الأوكرانية بصواريخ «كروز»

مقاتلات روسية تحبط تقدم قوات الاحتياط الأوكرانية بصواريخ «كروز»

أعلنت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الجمعة)، أن الطيران الروسي شن سلسلة من الضربات الصاروخية البعيدة المدى «كروز»، ما أدى إلى تعطيل تقدم الاحتياطيات الأوكرانية، حسبما أفادت وكالة الأنباء الألمانية. وقالت وزارة الدفاع الروسية، في بيانها، إن «القوات الجوية الروسية شنت ضربة صاروخية بأسلحة عالية الدقة بعيدة المدى، وأطلقت من الجو على نقاط الانتشار المؤقتة للوحدات الاحتياطية التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية، وقد تحقق هدف الضربة، وتم إصابة جميع الأهداف المحددة»، وفقاً لوكالة أنباء «سبوتنيك» الروسية. وأضافت «الدفاع الروسية» أنه «تم إيقاف نقل احتياطيات العدو إلى مناطق القتال».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم نائب لرئيس الوزراء الروسي يؤكد أنه زار باخموت

نائب لرئيس الوزراء الروسي يؤكد أنه زار باخموت

أعلن مارات خوسنولين أحد نواب رئيس الوزراء الروسي، اليوم (الجمعة)، أنه زار مدينة باخموت المدمّرة في شرق أوكرانيا، وتعهد بأن تعيد موسكو بناءها، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية. وقال خوسنولين على «تلغرام»ك «لقد زرت أرتيموفسك»، مستخدماً الاسم الروسي لباخموت، مضيفاً: «المدينة متضررة، لكن يمكن إعادة بنائها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.