الاستجابة العالمية لـ«كوفيد - 19»... «إخفاق في كل الاتجاهات»

تقرير لـ28 خبيراً عدد أوجه القصور ودعا للاستفادة من الأخطاء

إنفوجراف يوضّح أوجه القصور في الاستجابة العالمية لـ«كوفيد - 19» (ذا لانسيت)
إنفوجراف يوضّح أوجه القصور في الاستجابة العالمية لـ«كوفيد - 19» (ذا لانسيت)
TT

الاستجابة العالمية لـ«كوفيد - 19»... «إخفاق في كل الاتجاهات»

إنفوجراف يوضّح أوجه القصور في الاستجابة العالمية لـ«كوفيد - 19» (ذا لانسيت)
إنفوجراف يوضّح أوجه القصور في الاستجابة العالمية لـ«كوفيد - 19» (ذا لانسيت)

كشف تقرير دولي، أعدته لجنة من الخبراء، ونشرته الخميس دورية «لانسيت» الطبية الشهيرة، أن الإخفاقات العالمية واسعة النطاق على مستويات متعددة في الاستجابة لـ«كوفيد - 19»، أدت إلى ملايين الوفيات، كان يمكن تجنبها، وتسببت في تعطيل التقدم المحرز نحو أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDGs) في العديد من البلدان.
وخلص الخبراء لهذه النتيجة، بعد جمع الأدلة خلال العامين الأولين من الوباء مع التحليلات الوبائية والمالية الجديدة لتوضيح التوصيات التي ستساعد في التعجيل بإنهاء حالة الطوارئ الوبائية المستمرة وتقليل تأثير التهديدات الصحية في المستقبل، وتحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل.
ويحذر التقرير من أن تحقيق هذه الأهداف يتوقف على تعزيز تعددية الأطراف التي يجب أن تتمحور حول منظمة الصحة العالمية التي تم إصلاحها ودعمها، فضلاً عن دعم الاستثمارات والتخطيط الدقيق للتأهب للأوبئة الوطنية وتعزيز النظام الصحي، مع إيلاء اهتمام خاص للسكان الذين يعانون من الضعف، وتشمل الاستثمارات الحاسمة أيضاً تحسين التكنولوجيا ونقل المعرفة الخاصة بالمنتجات الصحية وتحسين التمويل الصحي الدولي للبلدان والمناطق المحدودة الموارد.
ويعد التقرير، نتاج عامين من العمل لـ28 من الخبراء الرائدين بمجالات السياسة العامة، والحوكمة الدولية، وعلم الأوبئة، وعلم اللقاحات، والاقتصاد، والتمويل الدولي، والاستدامة، والصحة العقلية، بالإضافة إلى المشاورات مع أكثر من 100 مساهم آخر.
يقول جيفري ساكس، رئيس اللجنة التي أعدت التقرير، وهو أستاذ بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، ورئيس شبكة حلول التنمية المستدامة في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لدوري «لانسيت»: «الخسائر البشرية المذهلة في العامين الأولين من الجائحة، هي مأساة عميقة وفشل مجتمعي هائل على مستويات متعددة، ويجب أن نواجه حقائق صعبة، وهي أن العديد من الحكومات فشلت في الالتزام بالمعايير الأساسية للعقلانية المؤسسية والشفافية، واحتج الكثير من الناس على احتياطات الصحة العامة الأساسية، والتي غالباً ما تتأثر بالمعلومات المضللة، وفشل العديد من الدول في تعزيز التعاون العالمي للسيطرة الوباء».
وتابع: «حان الوقت الآن لاتخاذ إجراءات جماعية تعزز الصحة العامة والتنمية المستدامة لوضع حد للوباء، ومعالجة التفاوتات الصحية العالمية، وحماية العالم من الأوبئة المستقبلية، وتحديد أصول هذا الوباء، وبناء القدرة على الصمود من أجل المجتمعات في جميع أنحاء العالم، ولدينا القدرات العلمية والموارد الاقتصادية للقيام بذلك، لكن الانتعاش المرن والمستدام يعتمد على تعزيز التعاون متعدد الأطراف، والتمويل، والسلامة البيولوجية، والتضامن الدولي مع البلدان والشعوب الأكثر ضعفاً».
وبينما أظهرت استجابة «كوفيد - 19» بعض جوانب التعاون الدولي في أفضل حالاتها، مثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير لقاحات متعددة في وقت قياسي، والإجراءات التي تتخذها البلدان ذات الدخل المرتفع لتقديم الدعم المالي للأسر والشركات، والتمويل الطارئ من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
لكن أحداث العامين الماضيين، كشفت أيضاً عن إخفاقات متعددة للتعاون العالمي، حيث تزامن تأخير منظمة الصحة العالمية في إعلان «حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دولياً»، مع التأخر في الاعتراف بانتقال فيروس كورونا جواً، مع فشل الحكومات الوطنية في التعاون والتنسيق بشأن بروتوكولات السفر واستراتيجيات الاختبار وسلاسل إمداد اللقاحات وإبلاغ البيانات وغيرها من السياسات الدولية الحيوية لقمع الوباء، والافتقار إلى التعاون بين الحكومات لتمويل وتوزيع السلع الصحية الأساسية، بما في ذلك اللقاحات، ومعدات الحماية الشخصية، والموارد لتطوير اللقاحات وإنتاجها في البلدان منخفضة الدخل، وكل ذلك جاء بتكاليف باهظة.
وتبين أن تصنيفات ما قبل «كوفيد - 19» لاستعداد البلدان للأوبئة، مثل مؤشر الأمن الصحي العالمي لعام 2019، الذي يصنف الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية من بين الأقوى فيما يتعلق بقدرات الاستجابة الوبائية، ليس دقيقاً، مقارنة بالنتائج الفعلية للوباء.
ووجدت لجنة الخبراء في تقريرها، أن منطقة غرب المحيط الهادئ، بما في ذلك شرق آسيا وأوقيانوسيا، مدعومة بالخبرة السابقة مع وباء السارس عام 2002، تبنت استراتيجيات مواجهة ناجحة نسبياً ما أدى إلى وفاة تراكمية لكل مليون نحو 300، وهو أقل بكثير مما هو عليه في أجزاء أخرى من العالم.
وأدت أنظمة الصحة العامة المفككة ورداءة السياسة العامة لاستجابة (كوفيد - 19) في أوروبا والأميركتين إلى وفيات تراكمية نحو 4000 حالة وفاة لكل مليون، وهو أعلى معدل في جميع مناطق منظمة الصحة العالمية.
وتشير عضوة اللجنة ماريا فرناندا إسبينوزا، الرئيسة السابقة للجمعية العامة للأمم المتحدة ووزيرة الخارجية والدفاع السابقة بالإكوادور، إلى سلبية أخرى تتعلق بعدم المساواة العالمية في توزيع اللقاحات.
تقول: «منذ أكثر من عام ونصف مع إعطاء لقاح (كوفيد - 19) الأول، لم تتحقق المساواة العالمية في اللقاحات، ففي البلدان المرتفعة الدخل، تم تطعيم ثلاثة من كل أربعة أشخاص بشكل كامل، لكن في البلدان منخفضة الدخل، هناك واحد فقط من بين كل سبعة، وتظل جميع البلدان معرضة بشكل متزايد لتفشي (كوفيد - 19) من جديد والأوبئة المستقبلية إذا لم نشارك براءات اختراع اللقاحات والتكنولوجيا مع مصنعي اللقاحات في البلدان الأقل ثراءً، وقمنا بتعزيز المبادرات متعددة الأطراف التي تهدف إلى تعزيز المساواة العالمية في اللقاحات».
وينتقد التقرير أيضاً الاستجابات الوطنية لـ«كوفيد - 19»، والتي غالباً ما تتميز بنصائح غير متسقة في مجال الصحة العامة وضعف تنفيذ تدابير الصحة العامة والاجتماعية، مثل ارتداء أقنعة الوجه والتطعيم.
ولم تتصدَّ العديد من السياسات العامة بشكل صحيح للآثار غير العادلة للغاية للوباء على المجتمعات الضعيفة، بمن في ذلك النساء والأطفال والعمال في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وتفاقمت أوجه عدم المساواة هذه بسبب حملات التضليل الواسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتدني الثقة الاجتماعية، والفشل في الاعتماد على العلوم السلوكية والاجتماعية لتشجيع تغيير السلوك ومواجهة المعارضة العامة الكبيرة لتدابير الصحة العامة الروتينية التي شوهدت في العديد من البلدان.
تقول المفوضة غابرييلا كويفاس بارون الرئيس الفخري للاتحاد البرلماني الدولي وعضو مجلس الشيوخ السابق في الكونغرس المكسيكي: «يجب أن تشمل الخطط الوطنية للتأهب للأوبئة حماية الفئات الضعيفة، بمن في ذلك النساء وكبار السن والأطفال والمجتمعات المحرومة واللاجئون والشعوب الأصلية والمعوقون والأشخاص المصابون بأمراض مرضية، كما أن فقدان فرص العمل وإغلاق المدارس بسبب الوباء دمرت التقدم المحرز في المساواة بين الجنسين والتعليم والتغذية ومن الأهمية بمكان منع حدوث ذلك مرة أخرى، ونطلب من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات الدولية بناء أنظمة الحماية الاجتماعية وضمان التغطية الصحية الشاملة».
وللسيطرة على الوباء، تقترح اللجنة أن تتبنى جميع البلدان استراتيجية، تجمع بين التطعيم على نطاق واسع واحتياطات الصحة العامة والتدابير المالية المناسبة. يقول عضو اللجنة البروفسور سالم عبد الكريم من كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة: «ستؤدي الاستراتيجية العالمية للقاح، بالإضافة إلى التغطية العالية للقاح، واتخاذ مجموعة من تدابير الصحة العامة الفعالة، إلى إبطاء ظهور متغيرات جديدة وتقليل مخاطر حدوث موجات جديدة من العدوى مع السماح للجميع (بمن في ذلك أولئك المعرضون للخطر سريرياً) بممارسة حياتهم بشكل أكبر بحرية، وكلما أسرع العالم في تحصين الجميع، وتقديم الدعم الاجتماعي والاقتصادي، كانت احتمالات الخروج من حالة الطوارئ الوبائية وتحقيق الانتعاش الاقتصادي ممكنة».
وللاستعداد للتهديدات الصحية الوبائية في المستقبل، توصي اللجنة بتعزيز النظم الصحية الوطنية واعتماد خطط التأهب للأوبئة الوطنية، مع إجراءات لتحسين المراقبة المنسقة والرصد للمتغيرات الجديدة، وحماية المجموعات التي تعاني من الضعف، وخلق بيئة مدرسية وأماكن عمل أكثر أماناً من خلال الاستثمار في التهوية والترشيح، وتعزيز التعددية لبناء مستقبل أكثر مرونة، وفتح نهج جديد لتمويل الصحة العالمية.
ولتحسين قدرة العالم على الاستجابة للأوبئة، تدعو اللجنة إلى تحديث اللوائح الصحية الدولية، وتعزيز منظمة الصحة العالمية من خلال زيادة كبيرة في التمويل ومشاركة أكبر من رؤساء الدول الذين يمثلون كل منطقة لدعم صنع القرار والإجراءات بشكل أفضل، لا سيما بشأن الأمور العاجلة والمثيرة للجدل.


مقالات ذات صلة

بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

يوميات الشرق بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

تقدمت كريستين باومغارتنر، الزوجة الثانية للممثل الأميركي كيفين كوستنر، بطلب للطلاق، بعد زواجٍ دامَ 18 عاماً وأثمر عن ثلاثة أطفال. وذكرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية أن الانفصال جاء بسبب «خلافات لا يمكن حلُّها»، حيث تسعى باومغارتنر للحضانة المشتركة على أطفالهما كايدين (15 عاماً)، وهايس (14 عاماً)، وغريس (12 عاماً). وكانت العلاقة بين كوستنر (68 عاماً)، وباومغارتنر (49 عاماً)، قد بدأت عام 2000، وتزوجا عام 2004.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق متحف «المركبات» بمصر يحيي ذكرى الملك فؤاد الأول

متحف «المركبات» بمصر يحيي ذكرى الملك فؤاد الأول

افتتح متحف المركبات الملكية بمصر معرضاً أثرياً مؤقتاً، اليوم (الأحد)، بعنوان «صاحب اللقبين فؤاد الأول»، وذلك لإحياء الذكرى 87 لوفاة الملك فؤاد الأول التي توافق 28 أبريل (نيسان). يضم المعرض نحو 30 قطعة أثرية، منها 3 وثائق أرشيفية، ونحو 20 صورة فوتوغرافية للملك، فضلاً عن فيلم وثائقي يتضمن لقطات «مهمة» من حياته. ويشير عنوان المعرض إلى حمل فؤاد الأول للقبين، هما «سلطان» و«ملك»؛ ففي عهده تحولت مصر من سلطنة إلى مملكة. ويقول أمين الكحكي، مدير عام متحف المركبات الملكية، لـ«الشرق الأوسط»، إن المعرض «يسلط الضوء على صفحات مهمة من التاريخ المصري، من خلال تناول مراحل مختلفة من حياة الملك فؤاد».

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق وضع تسلسل كامل لجينوم «اللبلاب» المقاوم لتغير المناخ

وضع تسلسل كامل لجينوم «اللبلاب» المقاوم لتغير المناخ

قام فريق بحثي، بقيادة باحثين من المعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية بكينيا، بوضع تسلسل كامل لجينوم حبة «فول اللبلاب» أو ما يعرف بـ«الفول المصري» أو «الفول الحيراتي»، المقاوم لتغيرات المناخ، بما يمكن أن يعزز الأمن الغذائي في المناطق المعرضة للجفاف، حسب العدد الأخير من دورية «نيتشر كومينيكيشن». ويمهد تسلسل «حبوب اللبلاب»، الطريق لزراعة المحاصيل على نطاق أوسع، ما «يجلب فوائد غذائية واقتصادية، فضلاً على التنوع الذي تشتد الحاجة إليه في نظام الغذاء العالمي».

حازم بدر (القاهرة)
يوميات الشرق «الوثائقية» المصرية تستعد لإنتاج فيلم عن «كليوباترا»

«الوثائقية» المصرية تستعد لإنتاج فيلم عن «كليوباترا»

في رد فعل على فيلم «الملكة كليوباترا»، الذي أنتجته منصة «نتفليكس» وأثار جدلاً كبيراً في مصر، أعلنت القناة «الوثائقية»، التابعة لـ«الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بمصر»، اليوم (الأحد)، «بدء التحضير لإنتاج فيلم وثائقي عن كليوباترا السابعة، آخر ملوك الأسرة البطلمية التي حكمت مصر في أعقاب وفاة الإسكندر الأكبر». وأفاد بيان صادر عن القناة بوجود «جلسات عمل منعقدة حالياً مع عدد من المتخصصين في التاريخ والآثار والأنثروبولوجيا، من أجل إخضاع البحوث المتعلقة بموضوع الفيلم وصورته، لأقصى درجات البحث والتدقيق». واعتبر متابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي هذه الخطوة بمثابة «الرد الصحيح على محاولات تزييف التار

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق مؤلفا «تحت الوصاية» لـ«الشرق الأوسط»: الواقع أصعب مما طرحناه في المسلسل

مؤلفا «تحت الوصاية» لـ«الشرق الأوسط»: الواقع أصعب مما طرحناه في المسلسل

أكد خالد وشيرين دياب مؤلفا مسلسل «تحت الوصاية»، أن واقع معاناة الأرامل مع «المجلس الحسبي» في مصر: «أصعب» مما جاء بالمسلسل، وأن بطلة العمل الفنانة منى زكي كانت معهما منذ بداية الفكرة، و«قدمت أداء عبقرياً زاد من تأثير العمل». وأثار المسلسل الذي تعرض لأزمة «قانون الوصاية» في مصر، جدلاً واسعاً وصل إلى ساحة البرلمان، وسط مطالبات بتغيير بعض مواد القانون. وأعلنت شركة «ميديا هب» المنتجة للعمل، عبر حسابها على «إنستغرام»، أن «العمل تخطى 61.6 مليون مشاهدة عبر قناة (DMC) خلال شهر رمضان، كما حاز إشادات عديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي». وكانت شيرين دياب صاحبة الفكرة، وتحمس لها شقيقها الكاتب والمخرج خالد د

انتصار دردير (القاهرة)

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.