الانقسام السياسي يدفع الليبيين لاستحضار مسيرة عمر المختار

على وقع انقسام سياسي حاد يسود البلاد، استغل الليبيون ذكرى «استشهاد شيخ المجاهدين» عمر المختار، واستحضروا مسيرته الطويلة في مقاومة الاحتلال الإيطالي، و«قدرته حينذاك، على توحيد البلاد في مواجهة المخاطر والصعاب».
وأحيت ليبيا، اليوم، الذكرى الحادية والتسعين «لاستشهاد» المختار، في أجواء يسيطر عليها الجمود السياسي، إذ بدا أن كل فصيل يُسقط جانباً من مسيرة المناضل الراحل على واقع البلد المأزوم، بضرورة «التخلي عن المصالح الشخصية والحسابات الجهوية والعمل على الصالح العام».
واستهل محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، التذكير بالمختار، وقال إنه «سيبقى رمزاً للنضال الوطني ووحدته»، لافتاً إلى أنه «عاش مدافعاً عن الأرض والعرض أمام جحافل الاستعمار البغيض».
وأضاف المنفي، في بيان اليوم، «كان المختار معلماً للأجيال، يعلمهم ويحفظهم القرآن الكريم، وكان مدرسة مستقلة بذاتها، وعلينا أن نستلهم منها الدروس والعبر في الحفاظ على سيادة الوطن، والمضي نحو التصالح والسلام لبناء الوطن».
وانتهى المنفي قائلاً: «ستبقى ذكرى هذا الرمز الوطني خالدة في قلوبنا ما حيينا».
والمختار، الذي يعد أيقونة الفخر والعزة لكل الليبيين، حارب الإيطاليين لأكثر من عشرين عاماً في عديد المعارك شهدتها مناطق صحراوية بالقرب من مدينة بنغازي، والجفرة، وفي منطقة الواحات بالقرب من مدينة أوجلة والجبل الأخضر شرق ليبيا، وجرى إعدامه في السادس عشر من سبتمبر (أيلول) عام 1931، في محاكمة بدت صورية لجميع الليبيين.
ووحدت ذكرى «استشهاد» المختار، كلاً من رئيسي حكومتي «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة، و«الاستقرار» فتحي باشاغا، في مناسبة بدت نادرة، رغم تعاطي كل منهما معها بطريقة تتفق مع رؤيته السياسية.
https://twitter.com/Dabaibahamid/status/1570721705479524355
وتعهد الدبيبة، الذي قال «نترحم على أرواح شهدائنا الأبرار الذين قضوا في معارك الحرية والكفاح، وارتوت بدمائهم الزكية أرض ليبيا الطاهرة، بتحمل المسؤولية والمضي قدماً نحو الاستقرار والبناء، الذي لا سبيل له سوى الانتخابات».
ورأى باشاغا، أنّ في مناسبة «عيد الشهيد»، «يجب تذكر كل تضحيات الشهداء والجرحى والمناضلين في سبيل استقلال ليبيا ووحدتها وسيادتها والدفاع عنها».
https://twitter.com/fathi_bashagha/status/1570735556849709056
وغمز باشاغا من قناة خصمه الدبيبة، وقال في تغريدة عبر حسابه على «تويتر» اليوم، «يجب أن تكون تضحيات الشهداء نبراساً نهتدي به لتحقيق المصالحة والاستقرار والازدهار، وللوصول إلى وطن يجمعنا جميعاً لا غالب فيه ولا مغلوب، بمشاركة الكل من أبناء ليبيا، لا باستئثار فئة عن بقية الليبيين بالحكم واستغلال الموارد والخيرات».
وحدد قانون صدر عن «المجلس الوطني الانتقالي» السابق في الثامن من يناير (كانون الثاني) 2012 «يوم الشهيد»، باعتباره عطلة رسمية ضمن العطلات الوطنية والدينية.
واستبقت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا، جميع مسؤولي السلطة التنفيذية، واحتفل بذكرى «يوم الشهيد» مساء أمس، مع رابطة «مستقلي ليبيا» بمقر المفوضية.
حضر الاحتفالية، سفراء دول من بينهم السودان والنيجر، عثمان البشير، واسياد كاتو، بالإضافة إلى لفيف من الضيوف والمهتمين وممثلي الجهات والمنظمات المحلية والدولية.
وقال الكاتب الليبي عبد الرزاق الداهش، إن المختار «ما زال وشماً عظيماً في ذاكرة العالم»، متسائلاً عن مصير من أعدموه؟ مجيباً: «سقطوا جميعاً، وانتهوا في مستودع النسيان».
وذهب الداهش، في إدراج له، أنه «كان يمكن للمختار أن يقبض ثمن جهاده، ويشتري حياته، لكن الدم كان أرخص كثيراً من الوطن بالنسبة إليه»، لافتاً إلى أنه «لم يقدم فاتورة واحدة مقابل نضاله الاستثنائي، وظل معتزاً بوطنه حتى الموت، لذا سيبقى الوطن معتزاً به إلى درجة الحياة».
وتعاني ليبيا من انقسام سياسي وصراع حول السلطة بين الدبيبة وباشاغا، أوقع العديد من القتلى والمصابين، في ظل محاولات إقليمية ودولية للتهدئة بين الجانبين، والدفع في مسار إجراء الانتخابات العامة بالبلاد.
واستنكر سليمان البيوضي، رئيس حزب «التجديد» الليبي، أن «تكون كل التضحيات حبراً على صفحات التاريخ»، وفقاً لما قال إن «العملاء يسعون إليه».
وأضاف البيوضي، في تصريح صحافي، اليوم، أن «يوم الشهيد هو ذكرى للمستقبل وتأكيد على الوفاء للخالدين، وإن تعثرت ليبيا بفعل (المتآمرين والمتخاذلين)، فستبقى بروحها وعبقها».
ومضى البيوضي يقول: «سيرحل الجميع وسنفخر بتاريخ أمتنا ونبني مستقبلاً واعداً بعد أن يغادر المحتلون أرضنا»، «فعمر الخونة والخانعين قصير وزمنهم أقصر مهما طال مداه؛ وسيعود لبلدنا تاريخها وسيادتها وأمنها».
وعلى الرغم من التوافق الذي تحدثه ذكرى «استشهاد» المختار كل عام بين الليبيين، إلا أن ذلك لم يمنع من وجود خلافات مناطقية حول الفيلم السينمائي «أسد الصحراء»، الذي جسد تاريخه النضالي ضد الاستعمار، وأخرجه الراحل مصطفى العقاد.
كانت السلطات المحلية في مدينة غريان (غرب ليبيا)، شرعت في تحريك دعوى قضائية قبل نحو عامين ضد جميع من شارك في إنتاج الفيلم، رغم مرور أكثر من 40 عاماً على عرضه.
وسبق للمجلس البلدي لمدينة غريان القول، إنه بدأ إجراءات تحريك دعوى قضائية ضد جميع منتجي فيلم عمر المختار، بسبب ما سماه «الإساءة المباشرة لمدينة غريان، وأهلها، وتشويه إحدى الشخصيات السياسية الليبية المعروفة الذي يحمل لقب المدينة، وهو الشارف باشا حمد الغرياني».
ومع احتفاء الليبيين بهذه الذكرى، يسود خطاب عام في البلاد بضرورة التحلي بروح المختار، في «الانتصار على المصاعب، والتغلب على الأزمات»، مشيرين إلى أن «هذه المسيرة النضالية هي التي منحت الحرية لبلادهم».