ميلشيات فجر ليبيا تهدد تونس بسبب برنامج تلفزيوني ساخر

مجلس النواب يعفي فريقه الاستشاري لحوار الأمم المتحدة

أسر الدبلوماسيين التونسيين المختطفين في ليبيا لدى عودتهم إلى مطار العاصمة تونس أمس (رويترز)
أسر الدبلوماسيين التونسيين المختطفين في ليبيا لدى عودتهم إلى مطار العاصمة تونس أمس (رويترز)
TT

ميلشيات فجر ليبيا تهدد تونس بسبب برنامج تلفزيوني ساخر

أسر الدبلوماسيين التونسيين المختطفين في ليبيا لدى عودتهم إلى مطار العاصمة تونس أمس (رويترز)
أسر الدبلوماسيين التونسيين المختطفين في ليبيا لدى عودتهم إلى مطار العاصمة تونس أمس (رويترز)

رغم إعلان تونس أنها قررت رسميا غلق قنصليتها في العاصمة الليبية طرابلس، إثر انتهاء أزمة خطف موظفيها هناك، عادت ميلشيات «فجر ليبيا» أمس لتتوعد تونس بسبب برنامج تلفزيوني تونسي يسخر من الليبيين.
وقالت غرفة عمليات فجر ليبيا عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، في رسالة تهديد واضحة إلى الإعلام التونسي والسلطات التونسية «إن استمر الأمر على ما هو عليه من إهانات متعمدة لليبيا وأبطالها، فلا تثريب علينا إن عاملنا رعاياكم بالمثل». وأضافت: «أن يصل الأمر إلى التطاول على ثوار ‫مصراتة، فهذا لن يمر مرور الكرام، والبادئ اظلم». وكانت الغرفة تشير بهذا التهديد إلى حلقة تم بثها مساء أول من أمس في برنامج الكاميرا الخفية، أحد البرامج التلفزيونية الساخرة في تونس، حيث يظهر صحافي ليبي ينتمي إلى مدينة مصراتة، وهو يتبرأ من مهنته بعد ظهور خاطف ملثم لطائرة في تونس.
وكان وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش أعلن أن الحكومة التونسية قررت إغلاق قنصليتها بالعاصمة الليبية، وإعادة كل الطاقم إلى تونس بعد أن اقتحم مسلحون القنصلية قبل أسبوع وخطفوا عشرة موظفين.
وقال البكوش للصحافيين في مطار العوينة العسكري عقب استقبال طاقم القنصلية الذين أطلق سراحهم «بعد عملية الاختطاف قررنا غلق القنصلية في طرابلس وإعادة كل الطاقم المتكون من 23 فردا».
وأضاف: «قررنا إغلاق القنصلية في طرابلس لأنهم غير قادرين على توفير الحماية لطاقمنا وما دامت الجماعات المسلحة لا يردعها قانون هناك».
ودعا التونسيين المقيمين في ليبيا إلى العودة على وجه السرعة إلى تونس، مضيفا: «ندعو إلى عدم السفر إلى هناك وندعو كل التونسيين في ليبيا إلى العودة بسرعة لأنه لا يمكن أن نقبل أي مساومات».
وأفرج عن جميع الدبلوماسيين العشرة وعادوا إلى تونس بعد أن وافقت محكمة تونسية على ترحيل وليد القليب وهو ليبي محتجز في تونس بتهم تتصل بالإرهاب والخطف. ووصل إلى مطار العوينة على متن طائرة عسكرية عدد من طاقم القنصلية بينما اختار عدد آخر العودة إلى أهله مباشرة من معبر رأس الجدير عند وصولهم.
وقال جمال السايبي وهو من بين أعضاء الطاقم الذين اختطفوا في ليبيا لوكالة رويترز «لقد خطفتنا جماعة مسلحة يقودها شقيق وليد القليب المعتقل في تونس ولقينا معاملة سيئة في الأول لكن عندما تأكدوا أن القليب سيطلق سراحه تغيرت المعاملة».
وتونس واحدة من الدول القليلة التي كان لها وجود دبلوماسي في طرابلس منذ سيطرت ميليشيات «فجر ليبيا» على العاصمة مما اضطر الحكومة المعترف بها دوليا إلى الانتقال لشرق البلاد حيث تمارس عملها حاليا.
وكان مسلحون قد خطفوا دبلوماسيين ورعايا مصريين وأردنيين وتونسيين فيما سبق. وغادر معظم الدبلوماسيين البلاد بعد أن سيطر فجر ليبيا على طرابلس.
وكان مسلحون ليبيون قد اقتحموا في 12 يونيو (حزيران) الجاري القنصلية التونسية في طرابلس، واحتجزوا 10 من أفراد طاقمها، وذلك للمطالبة بإطلاق سراح وليد القليب الذي سبق أن اعتقلته السلطات التونسية للاشتباه في ضلوعه في أعمال إرهابية. وإثر اعتقاله في 17 مايو (أيار) الماضي بمطار تونس قرطاج، أصدر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس بطاقة إيداع بالسجن ضد القليب بتهمة «الانضمام إلى تنظيم إرهابي».
إلى ذلك، أكدت وكالة الأنباء الرسمية الليبية أن رئاسة مجلس النواب الليبي أعفت الفريق الاستشاري المساند للجنة جلسات الحوار الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا.
وأوضحت أن القرار الرسمي بإعفاء هذا الفريق لم يتضمن أي أسباب، لكنها أشارت في المقابل إلى الهجوم اللاذع الذي شنه عضو مجلس النواب وعضو لجنة الحوار الدكتور أبو بكر بعيرة في كلمته مؤخرا أمام المجلس بمقره المؤقت في مدينة طبرق بأقصى الشرق الليبي، حيث اعتبر أنه لا توجد أي فائدة من الفريق سـوى زيادة الإرباك والتشويش.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.