جنازة الملكة إليزابيث «ستوحد» العالم... ومشيعون يصطفون لأميال لوداعها

بريطانيون في بداية طابور على بعد أكثر من أربعة أميال بانتظار دورهم لإلقاء نظرة على نعش الملكة (أ.ب)
بريطانيون في بداية طابور على بعد أكثر من أربعة أميال بانتظار دورهم لإلقاء نظرة على نعش الملكة (أ.ب)
TT

جنازة الملكة إليزابيث «ستوحد» العالم... ومشيعون يصطفون لأميال لوداعها

بريطانيون في بداية طابور على بعد أكثر من أربعة أميال بانتظار دورهم لإلقاء نظرة على نعش الملكة (أ.ب)
بريطانيون في بداية طابور على بعد أكثر من أربعة أميال بانتظار دورهم لإلقاء نظرة على نعش الملكة (أ.ب)

رأى مسؤول كبير بالقصر الملكي البريطاني، يتولى مهمة ترتيب المراسم المهيبة لجنازة الملكة إليزابيث، أن المناسبة الرسمية ستوحّد الناس في جميع أنحاء العالم، في الوقت الذي اصطف فيه المشيعون من شتى الطبقات وعلى اختلاف المشارب في طابور طويل لساعات انتظاراً للمرور أمام نعش الملكة.
وسيتجمع زعماء العالم يوم الاثنين المقبل لحضور جنازة الملكة إليزابيث التي اعتلت العرش على مدى 70 عاماً، بمكانة ووضع لا نظير له في العالم تقريباً.
والنعش الذي يرقد فيه جثمان الملكة إليزابيث موجود حالياً في قاعة وستمنستر القديمة بلندن، حيث ينتظر عشرات الآلاف بصبر لإلقاء نظرة الوداع على من اعتلت عرش بلادهم لأطول فترة على الإطلاق.
وقال الإيرل مارشال إدوارد فيتزالان - هوارد دوق نورفولك أكبر نبلاء إنجلترا المسؤول عن مراسم الجنازة «تقام هذه المراسم في وقت تتدفق فيه (مشاعر) الحزن والتعاطف والامتنان على شعب المملكة المتحدة والكومنولث وفي ربوع العالم... شغلت الملكة مكانة فريدة ستبقى للأبد في حياتنا جميعاً. هدفنا وقناعتنا أن الجنازة الرسمية والمراسم التي ستقام على مدى الأيام القليلة المقبلة ستوحد الناس في العالم أجمع».
وبينما كان يدلي بتلك التصريحات، وصل طول الصف الضخم انتظاراً لتقديم الاحترام ووداع الملكة عبر المرور بجوار نعشها إلى مسافة تفوق ستة كيلومترات ونصف الكيلو على طول الضفة الجنوبية لنهر التيمز مروراً بمعالم شهيرة في المدينة مثل جسر البرج وعبر جسر لامبث مع اقترابه من قاعة وستمنستر.
ويتوقع المسؤولون توافد ما يصل إلى 750 ألفاً من المعزين لإلقاء نظرة الوداع على نعش الملكة في قاعة وستمنستر حتى صباح يوم الاثنين.
وعاد الملك تشارلز إلى منزله في هايغروف بمقاطعة غلوسترشير في جنوب إنجلترا بعد أن قضى الأيام الماضية في مراسم مرتبة ومتتابعة في إطار تأبين والدته الملكة التي توفيت عن 96 عاماً يوم الخميس الماضي. ومن المقرر أن يقوم الملك تشارلز وإخوته، الأميرة آن والأميران آندرو وإدوارد، بوقفة للصلاة في صمت عند نعش والدتهم مساء اليوم (الجمعة).
وكان من بين المعزين رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي وزوجها فيليب، ونكّسا رأسيهما أمام النعش لدى مرورهما مع باقي الناس.
- جنازة
للمرة الأولى، قدم مسؤولون من القصر تفاصيل عن الجنازة التي ستكون على الأرجح واحدة من أضخم المراسم التي تشهدها العاصمة البريطانية على الإطلاق بمشاركة الآلاف من أفراد الجيش.
ومن المقرر أن تبدأ الجنازة يوم الاثنين في الساعة 11 صباحاً بالتوقيت المحلي في كنيسة وستمنستر، التي شهدت تتويج الملكة الراحلة عام 1953، على أن تستمر لمدة ساعة تقريباً. وفي ختامها سيعلو صوت الأبواق في لحن عسكري معروف إيذاناً بانتهاء المراسم، ويلي ذلك دقيقتان من الصمت حداداً في عموم البلاد.
سينقل الجثمان بعدها على عربة مدفع في موكب ضخم يسير خلفه الملك تشارلز وكبار أفراد العائلة الملكية من الكنيسة وصولاً إلى قوس ولينغتون عند طرف متنزه هايد بارك الشهير. ستطلق المدافع طلقات التحية وتدق ساعة بيغ بن كل دقيقة.
بعدها ينقل الموكب الرسمي النعش إلى قلعة وندسور، حيث تقام المزيد من المراسم قبل قداس في كنيسة سانت جورج الملحقة بالقلعة.
وفي مراسم خاصة تقام لاحقاً، ستدفن الملكة إليزابيث الثانية بجوار زوجها الأمير فيليب، الذي توفي العام الماضي بعد أن ظلا زوجين لمدة 73 عاماً، في كنيسة الملك جورج السادس التذكارية وهي أيضاً مرقد والدَي الملكة وشقيقتها الأميرة مارغريت.
وقد نُقل جثمان الملكة إليزابيث إلى لندن يوم الثلاثاء من إدنبرة. والنعش موجود حالياً في وسط قاعة وستمنستر على منصة أرجوانية فوق منصة حمراء. وهو مغطى بالعلم الملكي ويعلوه التاج الإمبراطوري موضوعاً على وسادة، إلى جانب إكليل من الزهور. ووقف جنود وحراس في معاطف حمراء، الذين يقفون عادة في حراسة برج لندن، برؤوس محنية.
وقال قصر باكنغهام، إنه لن يكشف عن قائمة تضم أسماء كل الحضور في الجنازة، لكن من المتوقع أن يحضر أفراد من العائلات الملكية ورؤساء وزعماء آخرون من أنحاء العالم الجنازة، لكن هناك شخصيات وزعماء من دول بعينها لم تتم دعوتهم مثل زعماء روسيا وأفغانستان وسوريا.
والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو أحدث زعيم عالمي يعلن أنه سيحضر الجنازة.
وقال البيت الأبيض، إن الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي أعلن أنه سيحضر الجنازة، تحدث إلى الملك تشارلز أول من أمس (الأربعاء) و«عبر عن الإعجاب الشديد الذي يكنّه الشعب الأميركي للملكة».
وسيقيم الملك تشارلز مراسم رسمية الأحد المقبل لاستقبال الحضور.


مقالات ذات صلة

ميغان ماركل «الطباخة»... في مسلسل

يوميات الشرق ابتسامةٌ للحياة (أ.ف.ب)

ميغان ماركل «الطباخة»... في مسلسل

أعلنت ميغان ماركل عن بدء عرض مسلسلها المُتمحور حول شغفها بالطهو، وذلك في 15 يناير (كانون الثاني) الحالي عبر منصة «نتفليكس».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لقطة من فيديو تُظهر الأمير هاري يمارس رياضة ركوب الأمواج (إنستغرام)

الأمير هاري يصطحب نجله آرتشي في رحلة ركوب أمواج بكاليفورنيا

نُشرت لقطات للدوق البالغ من العمر 40 عاماً وهو يرتدي بدلة سباحة سوداء برفقة الطفل البالغ من العمر 5 سنوات في مدرسة ركوب الأمواج في كاليفورنيا.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا (الولايات المتحدة))
أوروبا ملك بريطانيا تشارلز الثالث والملكة كاميلا خلال وصولهما قداس عيد الميلاد في كنيسة مريم المجدلية في نورفولك بإنجلترا (أ.ب)

في رسالة عيد الميلاد... الملك تشارلز يشكر الفريق الطبي على رعايتهم له ولكيت (فيديو)

وجّه الملك تشارلز الشكر إلى الأطباء الذين تولوا رعايته ورعاية زوجة ابنه كيت أثناء تلقيهما العلاج من السرطان هذا العام، وذلك في رسالة بمناسبة عيد الميلاد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الملك تشارلز في زيارة لمصنع الشوكولاته (غيتي)

الملك تشارلز يسحب الضمان الملكي من شركة «كادبوري» بعد 170 عاماً

ألغى الملك البريطاني تشارلز الثالث الضمان الملكي المرموق لشركة كادبوري بعد 170 عاماً، على الرغم من أنها كانت الشوكولاته المفضلة لوالدته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الملك البريطاني تشارلز (أ.ف.ب)

علاج الملك تشارلز من السرطان... هل ينتهي هذا العام؟

كشفت شبكة «سكاي نيوز»، اليوم (الجمعة)، عن أن علاج الملك البريطاني تشارلز من السرطان سيستمر حتى العام الجديد.

«الشرق الأوسط» (لندن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟