الانحدار القياسي لليرة اللبنانية يسابق نقاش الموازنة في البرلمان

TT

الانحدار القياسي لليرة اللبنانية يسابق نقاش الموازنة في البرلمان

ارتفعت مخاطر الاضطراب النقدي والمالي بشكل مثير تزامنا مع انطلاق الجلسات المتتالية للهيئة العامة لمجلس النواب، والمحدد موضوعها بمناقشة مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2022، فيما تستعر الفوضى العارمة في أسواق الاستهلاك التي تشهد ارتفاعات متفلتة في أسعار السلع والمنتجات بنسب حادة يوميا، وتقابلها تقلصات موازية في المداخيل والسحوبات من المدخرات.
ومع تكرار انحدار سعر صرف العملة إلى مستوى قياسي عند عتبة 38 ألف ليرة للدولار الواحد، بدا واضحا، وفق مسؤول مالي كبير، أن إقرار الموازنة وبأي صيغة رقمية لن يحقق عمليا أي تحول نوعي في الواقع المالي المزري للدولة والذي يتجه بوتيرة سريعة ومتصاعدة إلى ذروة التأزم. ذلك أن العجز الحقيقي في بيانات الموازنة سيتعدى المعادلات الرقمية التي قدمتها وزارة المال والقائمة على تضخيم حسابي بحت وغير قابل للتحقق لموارد الخزينة عبر الخيارات المفترضة لمضاعفة السعر المرجعي لليرة في احتساب الضرائب والرسوم ودولار الاستيراد.
وحال الإرباك الحاصل لدى الحكومة في تحديد سعر صرف الدولار الجمركي، وفي تحديد سعر صرف يقتصر تطبيقه على احتساب بعض الإيرادات والنفقات، دون التمكن من البت نهائياً بمشروع الموازنة من قبل لجنة المال والموازنة النيابية. وبالتالي إلى قرارها بترك الأمر للهيئة العامة «للاختيار ما بين السيئ والأسوأ»، فإما تبت به وإما تعيده إلى الحكومة، باعتبار أن الهيئة هي صاحبة القرار في هذا الشأن.
وتعول الحكومة على إقرار قانون الموازنة ضمن سعيها لاستكمال الاستجابة إلى حزمة الشروط التي التزمتها في الاتفاق الأولي على مستوى الموظفين مع بعثة صندوق النقد الدولي، تمهيدا للانتقال إلى الاتفاق المنجز الذي يتيح الحصول على برنامج تمويلي بقيمة 3 مليارات دولار على مدى 46 شهرا، والأهم فتح الأبواب التمويلية الموصدة من قبل المانحين الدوليين سندا إلى خطة شاملة لإصلاحات بنيوية مالية وإدارية تشمل خصوصاً تصويب الانحرافات الحادة في المالية العامة وإعادة هيكلة الدين العام والبنك المركزي والجهاز المصرفي، على أن تحظى بموافقة إدارة الصندوق وإشراف بعثته الدائمة في بيروت على تنفيذها ضمن مراحل ومهل محددة. ويمثل قرار توحيد سعر صرف الليرة، عقدة مستعصية أمام الحكومة التي تعهدت في خطة التعافي المعدلة والتي اطلعت «الشرق الأوسط» على مضمونها الكامل، بالسعي إلى توحيد أسعار الصرف في أقرب وقت ممكن بدعم من صندوق النقد والمجتمع الدولي. ومع الإقرار المسبق بأنه «لا يمكن السماح باستمرار وجود عدة أسعار صرف لأن ذلك يؤدي إلى تشوهات كبيرة في الاقتصاد وعمليات مضاربة وحالات من عدم اليقين في الأسواق ما يعوق النشاط الاقتصادي».
ومن دون التقدم باقتراحات واضحة بشأن سعر الصرف المستهدف، تشير الورقة الحكومية إلى أن تحديد «سعر صرف مرن يعكس سعر السوق بشكل حر ودقيق من خلال تحويل منصة صيرفة إلى المنصة الأساسية والوحيدة لتلقي العرض والطلب وتحديد سعر الصرف بناء على متطلبات السوق، سيساعد في امتصاص الصدمات والسماح للسياسة النقدية بصب اهتمامها على هدفها الرئيسي المتمثل في استقرار الأسعار. وذلك باعتبار «أن استقرار الأسعار ولجم التضخم في ظل انخفاض عجز الموازنة وسياسة نقدية متشددة، هي من الأمور الجوهرية للحفاظ على القدرة التنافسية من خلال سعر الصرف الفعلي، على أن يكون تدخل البنك المركزي في سوق القطع محدودا، بهدف تجنب تقلبات كبيرة في سعر الصرف لا تبررها عوامل اقتصادية بحتة».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

طفل في جنوب لبنان ينجو بعد 14 ساعة تحت الأنقاض

دمار في موقع غارات جوية إسرائيلية استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
دمار في موقع غارات جوية إسرائيلية استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
TT

طفل في جنوب لبنان ينجو بعد 14 ساعة تحت الأنقاض

دمار في موقع غارات جوية إسرائيلية استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
دمار في موقع غارات جوية إسرائيلية استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

بعد 14 ساعة قضاها تحت ركام مبنى استهدفته غارة إسرائيلية في جنوب لبنان، نجا الطفل علي خليفة من الموت بأعجوبة. لكنه خسر، كما يروي أحد أقربائه، والديه وشقيقته وجدتيه. واضطر الأطباء لبتر يده.

على سرير في قسم العناية المشدّدة للأطفال في أحد مستشفيات مدينة صيدا الساحلية قبل نقله إلى مستشفى أكثر تجهيزاً في بيروت، كان الطفل ذو السنتين تحت تأثير منوّم: رأسه ملفوف بضمادة بيضاء، وجفناه منتفخان، ووجهه المتورم تكسوه الجروح، في حين يخرج أنبوب التنفس الاصطناعي من فمه. وتبدو من تحت غطاء أبيض طبي يده المبتورة فوق المعصم.

بتأثّر شديد، قال حسين خليفة (45 عاماً)، خال والد الطفل، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «علي هو الناجي الوحيد من عائلته. قُتل والده محمّد، وأمه منى، وشقيقته الصغيرة نور، وجدتاه. كان يتنفّس بصعوبة عندما أُخرج بعد 14 ساعة تحت الأنقاض».

الطفل اللبناني علي خليفة يرقد في المستشفى (أ.ف.ب)

واستهدفت غارة إسرائيلية ليل 29 أكتوبر (تشرين الأول) مبنى من طبقات عدة في بلدة الصرفند الواقعة على بعد قرابة 15 كيلومتراً جنوب صيدا؛ ما أسفر وفق حصيلة أوردتها وزارة الصحة في الليلة ذاتها عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة 21 آخرين بجروح. لكن حصيلة القتلى ارتفعت في اليوم اللاحق، وفق سكان البلدة، إلى 15 قتيلاً غالبيتهم أقرباء.

«ما زال نائماً»

في اليوم التالي للغارة، أحضرت فرق الإنقاذ معدات ورافعات ثقيلة لرفع الأنقاض. وشاهد مراسل «وكالة الصحافة الفرنسية» في الموقع طبقات متكدسة من الركام، بعدما أسفرت الغارة عن تفتت المبنى بأكمله فوق رؤوس قاطنيه وتضرر أبنية وسيارات مجاورة.

وروى حسين: «كاد عمال الإنقاذ يفقدون الأمل في العثور على أحياء تحت الركام (...) حتى اللحظة التي أصابت الجميع بصدمة، حين ظهر علي بين الحجارة في رفش الجرافة، بعدما كان الجميع ظنوا أنه فارق الحياة».

بعد نقله إلى المستشفى، قرّر الأطباء المشرفون على علاج علي «بتر يده اليمنى من المعصم»، وفق ما قال حسين.

ونُقل علي في وقت لاحق إلى مستشفى في بيروت لاستكمال علاجه وحاجته إلى البقاء في العناية المشددة.

وقال حسين: «حين أصابت الغارة علي، كان نائماً على كنبة في منزله، وما زال حتى اليوم نائماً... ننتظر التئام جراحه وأن يصحو»، مضيفاً بتأثر شديد: «متى يصحو؟!».

عام من التصعيد

الطفل علي هو في عداد آلاف الجرحى الذين أصيبوا جراء غارات كثيفة تشنها إسرائيل منذ 23 سبتمبر (أيلول)، وتستهدف بشكل خاص معاقل «حزب الله» في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها، حيث أوقعت أكثر من 2600 قتيل، وفق وزارة الصحة.

وخلال أكثر من عام من التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل، أحصت وزارة الصحة مقتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين.

وقلبت الغارة الدامية على المبنى في الصرفند حياة الشقيقتين زينب (32 عاماً) وفاطمة (30 عاماً) خليفة رأساً على عقب خلال لحظات مرت ثقيلة عليهما في حين كانتا تتسامران في الغرفة ذاتها.

زينب خليفة ترقد في المستشفى (أ.ف.ب)

إثر الغارة، تم نقل الشقيقتين إلى مستشفى في الصرفند، لتبدآ رحلة علاج طويلة من كسور وشظايا وحروق وفقدان أحبة ترك ندوباً قاسية.

ونقل حسين خليفة، وهو خال الشقيقتين، عن زينب قولها إنها «لم تسمع أصوات الصواريخ التي انهالت على منزل عائلتها، بل شعرت بظلمة تعمّ المكان وصراخاً يصمّ الآذان».

وأوضح أنها بقيت ساعتين تحت أنقاض المبنى قبل نقلها إلى المستشفى حيث تبلغت لاحقاً بمقتل والديها وزوجها وأطفالها الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وسبع سنوات.

«أكبر من إصابة جسدية»

واستدعت إصابتها نقلها قبل أيام إلى أحد مستشفيات بيروت لحاجتها إلى تلقي علاج متخصص بالعيون، في حين تتابع شقيقتها فاطمة علاجها في مستشفى البلدة.

وشرح طبيب العناية الفائقة والتخدير علي علاء الدين من المستشفى في الصرفند، أن «الإصابات توزعت في أنحاء جسديهما: كسور في القدمين وتضرّر في الرئتين».

فاطمة خليفة ترقد في المستشفى (أ.ف.ب)

وبينما خضعت فاطمة في المستشفى لـ«عمليات ترميم الجمجمة والصدر، ومعالجة الرئتين»، فقدت شقيقتها زينب «إحدى عينيها وتحتاج العين الأخرى إلى علاج جراء إصابة بالغة»، وفق الطبيب.

وتكسو الجروح وجه زينب وتحيط بعينها اليمنى، في حين تغطي ضمادة بيضاء عينها اليسرى. أما شقيقتها فاطمة، فرأسها ملفوف بضمادات والحروق تعلو وجهها.

وتابع الطبيب: «حالة زينب وفاطمة ليست من أصعب الحالات التي نواجهها خلال الحرب، لكنها الأقسى من الناحيتين النفسية والإنسانية». وقال: «الأضرار النفسية التي لحقت بزينب أكبر بكثير من إصابتها» الجسدية.

ورغم أنها لا تتمكن اليوم إلا من رؤية نور خافت، قال الطبيب: «يبقى أملنا كبيراً في أن تستعيد الرؤية».

عاجل «إف.بي.آي» يحبط خطة إيرانية لاستئجار قاتل لاغتيال ترمب (أسوشييتد برس)