الحوثيون يستحدثون كياناً موازياً للمحاكم والقضاة في مناطق سيطرتهم

مع تصاعد المواجهة ودخول الإضراب أسبوعه الثاني

مسلحون حوثيون في صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون في صنعاء (إ.ب.أ)
TT
20

الحوثيون يستحدثون كياناً موازياً للمحاكم والقضاة في مناطق سيطرتهم

مسلحون حوثيون في صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون في صنعاء (إ.ب.أ)

دخل إضراب القضاة وأعضاء النيابة العامة ومعهم المحامون في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية أسبوعه الثاني، ومعه تصاعدت المواجهة بين العاملين في القضاء والمحامين مع قيادة الميليشيات التي ردت بالإعلان عن تشكيل كيان للفصل في النزاعات بديلاً عن المحاكم والقضاة في خطوة عدها القضاة تحولاً مفصلياً في المواجهة تجعلهم أمام خيار الانتصار للدستور والقانون أو حل السلطة القضائية بكاملها وتحويلها إلى محاكم تفتيش ميدانية أشبه بما تم في إيران عقب ثورة الخميني.
القضاة في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية والمسنودون بأعضاء النيابة ونقابة المحامين أكدوا استمرارهم في الإضراب المفتوح على خلفية مقتل قاض في المحكمة العليا، ورفضاً لإخضاعهم لسلطة ما تسمى «المنظومة العدلية» التي استحدثها محمد الحوثي ابن عم زعيم الميليشيات.
ورأى القضاة في تشكيل لجان قضائية من رجال الدين وزعماء القبائل ومسؤولي المحافظات والمخابرات للفصل في الخلافات عن طريق التحكيم القبلي، وبعيداً عن منظومة القوانين، تهديداً واضحاً للسلطة القضائية ومحاولة لاستنساخ تجربة المحاكم الثورية في إيران لتحقيق أهداف سياسية وتمكين الميليشيات مما يريدون بعد أن فشلوا في تحقيق ذلك عبر القضاء.
ثلاثة مصادر قضائية في صنعاء قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن الضغوط كافة التي مارسها الحوثي الذي شكّل لنفسه جهازاً لإدارة القضاء أسماه «المنظومة العدلية» لإفشال إضراب القضاة، ومنها إغراؤهم بصرف راتب شهري بشكل منتظم وحث آخرين على كسر الإضراب، عاد وأعلن عن لقاء موسع لرجال الدين وزعماء القبائل ومنتسبي السلطات المحلية لتشكيل لجان قضائية في المحافظات والمديريات بهدف الفصل في النزاعات عن طريق المصالحة.
ووفق هذه المصادر، فإن الخطوة أتت رداً على رفض القضاة الخضوع للجنة العدلية العليا التي شكّلها وما انبثق عنها من محاكم تفتيش لمحاكمة العاملين في السلطة القضائية، وكذا رداً على مطالبتهم بانتظام صرف رواتبهم كاملة، حيث يرى الحوثي أن إصرار القضاة على الإضراب الذي دخل أسبوعه الثاني تحدياً لسلطاته، وخروجاً على ثوابت توجهاته الطائفية، بعد أن فشل في تمرير كل رغباته عبر القضاء باستثناء ما تم من محاكمات للمعارضين السياسيين عبر المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب.
واستخفت المصادر القضائية بهذا الإعلان، وأكدت، أن القضاة وأعضاء النيابة مستمرون في موقفهم ومتمسكون بمطالبهم، ولن يتراجعوا عن ذلك، وقالت، إن على الحوثي المضي في تصرفاته وحل القضاء والمحاكم، وإحلال اللجان العدلية بدلاً عنهم أسوة بما كان قائماً في شمال اليمن أثناء نظام حكم الإمامة قبل الإطاحة به، حيث يعتبر الحوثيون أن هذه المناطق إقطاعية خاصة بهم يتصرفون بها وفق أهوائهم.
وبحسب ما قالته المصادر الثلاثة، فإن مساعي محمد الحوثي للسيطرة على ملف الأراضي في مختلف مناطق سيطرتهم والتي مضى عليها أكثر من عام فشلت رغم قيامه بتغيير نحو 500 شخص من محرري عقود البيع والشراء، وأنه بعد ذلك لجأ لتخويف وابتزاز القضاة عبر محاكم التفتيش التي شكّلها من عناصر المخابرات والموظفين الإداريين فيما تسمى «المنظومة العدلية» وتحت شعار «أنصف الناس من نفسك»، ولكنه قوبل برفض من العاملين في الجهاز القضائي وبلغت المواجهة ذروتها بعد أن سلّط الحوثي وسائل الإعلام التي يمولها لمهاجمة القضاة واتهامهم بالرشوة والفساد، وما تبعها من اختطاف وقتل قاضي المحكمة العليا محمد حمران.
ومع رفض النيابة الجزائية - والتي أصبحت جزءاً من جهاز المخابرات الحوثي - استجواب المتهمين بالتحريض على القضاة والتشفي بمقتل القاضي حمران، ومطالبة القضاة والمحامين بحل المنظومة الإدارية التي شكّلها الحوثي إلى جانب المطالب الأخرى، دخلت المواجهة بين الطرفين مرحلة مفصلية بحسب ما قاله القضاة الثلاثة، وليس فيها من خيار سوى الانتصار للدستور والقانون.


مقالات ذات صلة

اتهامات للحوثيين بارتكاب 13 ألف انتهاك حقوقي في البيضاء خلال عشر سنوات

العالم العربي جانب من المؤتمر الصحافي الذي عقد بمحافظة مأرب عن انتهاكات جماعة الحوثي في البيضاء (سبأ)

اتهامات للحوثيين بارتكاب 13 ألف انتهاك حقوقي في البيضاء خلال عشر سنوات

كشف تقرير حقوقي يمني عن توثيق نحو 13 ألف انتهاك لحقوق الإنسان في محافظة البيضاء (وسط اليمن) ارتكبتها ميليشيا الحوثي خلال السنوات العشر الأخيرة

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ خلال أحدث إحاطاته أمام مجلس الأمن (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة لـ«الشرق الأوسط»: غروندبرغ ملتزم بالوساطة... والتسوية اليمنية

في أعقاب فرض عقوبات على قيادات حوثية، أكد مكتب المبعوث الأممي التزامه بمواصلة جهوده في الوساطة، والدفع نحو تسوية سلمية وشاملة للنزاع في اليمن.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي الحوثيون يحكمون قبضتهم على مناطق شمال اليمن ويسخرون الموارد للتعبئة العسكرية (أ.ب)

عقوبات أميركية على قيادات حوثية

فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة أمس على سبعة من كبار القادة الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن.

علي ربيع (عدن)
المشرق العربي الأمم المتحدة تخطط للوصول إلى 12 مليون يمني بحاجة إلى المساعدة هذا العام (إ.ب.أ)

انعدام الأمن الغذائي يتفاقم في 7 محافظات يمنية

كشفت بيانات أممية عن تفاقم انعدام الأمن الغذائي في 7 من المحافظات اليمنية، أغلبها تحت سيطرة الجماعة الحوثية، وسط مخاوف من تبعات توقف المساعدات الأميركية.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي الشراكات غير العادلة في أعمال الإغاثة تسبب استدامة الأزمة الإنسانية في اليمن (أ.ف.ب)

انتقادات يمنية لأداء المنظمات الإغاثية الأجنبية واتهامات بهدر الأموال

تهيمن المنظمات الدولية على صنع القرار وأعمال الإغاثة، وتحرم الشركاء المحليين من الاستقلالية والتطور، بينما تمارس منظمات أجنبية غير حكومية الاحتيال في المساعدات.

وضاح الجليل (عدن)

مصر: أمن البحر الأحمر مرتبط بحل الأزمة اليمنية وتثبيت «اتفاق غزة»

مصر تعلن نجاحها في قطْر ناقلة نفط هاجمتها جماعة «الحوثي» اليمنية بالبحر الأحمر العام الماضي (هيئة قناة السويس)
مصر تعلن نجاحها في قطْر ناقلة نفط هاجمتها جماعة «الحوثي» اليمنية بالبحر الأحمر العام الماضي (هيئة قناة السويس)
TT
20

مصر: أمن البحر الأحمر مرتبط بحل الأزمة اليمنية وتثبيت «اتفاق غزة»

مصر تعلن نجاحها في قطْر ناقلة نفط هاجمتها جماعة «الحوثي» اليمنية بالبحر الأحمر العام الماضي (هيئة قناة السويس)
مصر تعلن نجاحها في قطْر ناقلة نفط هاجمتها جماعة «الحوثي» اليمنية بالبحر الأحمر العام الماضي (هيئة قناة السويس)

تزامناً مع إعلان هيئة قناة السويس المصرية نجاحها في قطر ناقلة نفط تعرضت لهجوم «حوثي» قبل نحو 7 أشهر، أكدت مصر، الاثنين، أن تحقيق أمن البحر الأحمر مرتبط بحل الأزمة اليمنية وتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وقال نائب وزير الخارجية والهجرة المصري السفير أبو بكر حفني، إن «أمن البحر الأحمر وثيق الصلة بالأزمات التي تشهدها المنطقة»، مُشيراً إلى «أهمية التوصل إلى حل عادل للأزمة اليمنية، والعمل على تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، بالإضافة إلى تسوية الأزمة السودانية».

جاء ذلك في افتتاح البرنامج التدريبي الذي ينظمه «مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام»، بدعم من الحكومة اليابانية، بعنوان «مكافحة التهديدات العابرة للحدود: نحو تعزيز الأمن البحري في منطقة البحر الأحمر».

ويشارك في البرنامج التدريبي عدد من الكوادر المدنية والأمنية المعنية بالدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، ومنها السعودية، واليمن، وجيبوتي، والسودان، والصومال، والأردن، ومصر، وفق الإفادة.

وأشار حفني، في كلمته خلال مراسم افتتاح البرنامج التدريبي، إلى «تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة على استقرار منطقة البحر الأحمر وتصاعد التوتر بها على نحو غير مسبوق». وقال إن «الحفاظ على أمن البحر الأحمر وحرية الملاحة فيه، مسؤولية جماعية تتطلب تعاوناً دولياً وإقليمياً مكثفاً»، وأضاف: «مصر تؤكد دوماً محورية إدماج الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن في أي مبادرات تُعنى بالمنطقة».

وشدد نائب وزير الخارجية المصري على «أهمية تفعيل مجلس الدول العربية والأفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، باعتباره إطاراً إقليمياً ضرورياً لتعزيز التعاون والتنسيق بين الدول المشاطئة».

تشكو مصر من تراجع إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر (هيئة قناة السويس)
تشكو مصر من تراجع إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر (هيئة قناة السويس)

ومنذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، غيرت شركات شحن عالمية مسارها، متجنبة المرور في البحر الأحمر، إثر استهداف جماعة «الحوثي» اليمنية، السفن المارة بالممر الملاحي، «رداً على الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة».

وسبق أن أشارت مصر مراراً إلى تأثر حركة الملاحة بقناة السويس بالتوترات الإقليمية. وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أخيراً، إن إيرادات قناة السويس تراجعت نحو من 40 إلى 50 في المائة، بسبب «الأزمات» على حدود البلاد المختلفة، بعد أن كانت تدرّ نحو 10 مليارات دولار سنوياً.

في سياق متصل، قال أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس المصرية، في إفادة رسمية، الاثنين، إن ناقلة النفط «سونيون» المسجلة في اليونان، والتي هاجمتها جماعة «الحوثي» اليمنية العام الماضي، جرى قطرها بنجاح عبر القناة بعد إنقاذها من البحر الأحمر.

ووفق البيان، «جرت عملية القطر بواسطة 4 قاطرات تابعة للهيئة في رحلتها عبر قناة السويس ضمن قافلة الجنوب، مقبلة من البحر الأحمر ومتجهةً إلى اليونان».

وأوضح رئيس الهيئة أن «تجهيزات عملية قطْر الناقلة استلزمت اتخاذ إجراءات معقدة على مدار عدة أشهر لتفريغ حمولة الناقلة البالغة 150 ألف طن من البترول الخام قبل السماح بعبورها القناة، وذلك لخطورة وضع الناقلة بعد تعرضها لهجوم بالبحر الأحمر في أغسطس (آب) الماضي، أسفر عن حريق هائل بغرفة القيادة، وغرفة الماكينات، وغرف الإعاشة، وتعطل أجهزة التحكم والسيطرة، بشكل يصعب معه إبحار الناقلة وتزداد معه مخاطر حدوث التلوث والانسكاب البترولي أو الانفجار».

ناقلة النفط «سونيون» المسجلة في اليونان (هيئة قناة السويس)
ناقلة النفط «سونيون» المسجلة في اليونان (هيئة قناة السويس)

وأضاف ربيع أن «عملية تفريغ الحمولة في منطقة غاطس السويس خضعت لإجراءات معقَّدة قامت بها شركتا الإنقاذ AMBERY وMEGA TUGS المعينتين من مُلَّاك الناقلة، حيث عملتا من خلال خطة عمل مشتركة، بالتعاون وتحت إشراف كامل من فريق الإنقاذ البحري التابع للهيئة، على تفريغ الحمولة بناقلة أخرى مماثلة، وفق معدلات تفريغ وحسابات دقيقة منعاً لحدوث أي تضرر أو انقسام في بدن الناقلة».

وأوضح أن «عملية القطْر استغرقت نحو 24 ساعة، بمشاركة 13 مرشداً في مناطق الغاطس والقناة، وجرت على عدة مراحل».

وأكد ربيع «جاهزية قناة السويس للتعامل مع حالات العبور الخاصة وغير التقليدية من خلال منظومة عمل متكاملة»، مشيراً إلى «ما تتيحه الهيئة من حزمة متنوعة من الخدمات البحرية والملاحية التي تلائم متطلبات العملاء المختلفة في الظروف الاعتيادية والطارئة».

وتعد قناة السويس أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في مصر، وتراجعت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار خلال العام المالي 2022 - 2023، إلى 7.2 مليار دولار خلال 2023 - 2024، بحسب التصريحات الرسمية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

بدوره، قال خبير الشؤون الأفريقية اللواء محمد عبد الواحد لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما يحدث في البحر الأحمر يجب النظر إليه من منظور جيوسياسي، لا سيما أن ما يحدث فيه يؤثر في دول عدة حول العالم، كونه أحد ممرات الملاحة العالمية التي كانت ولا تزال محل تنافس عالمي»، وأشار إلى «أهمية تعاون الدول المشاطئة لحماية أمن البحر الأحمر واستقراره». وأضاف: «إنهاء الصراعات في المنطقة أحد أهم شروط استعادة استقرار البحر الأحمر».

ووفق تقرير للبنك الدولي الشهر الماضي، «أدى تعطيل النقل البحري في البحر الأحمر إلى زيادة كبيرة في تكاليف الشحن العالمية بنسبة 141 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، مقارنةً بما قبل الأزمة».

كما شهدت قناة السويس ومضيق باب المندب انخفاضاً حاداً في حركة السفن، حيث تراجعت بنسبة تصل إلى 75 في المائة بحلول أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2024، مقارنةً بانخفاض 50 في المائة تم توثيقه في مايو (أيار) 2024، وفق التقرير.