الضرائب والرواتب وتردي الخدمات تحول احتجاجات السودان إلى إضرابات

TT

الضرائب والرواتب وتردي الخدمات تحول احتجاجات السودان إلى إضرابات

تطورت الاحتجاجات في السودان إلى أشكال جديدة تضمنت الإضرابات عن العمل والتوقف عنه لعدد من قطاعات المهنيين والعمال، وأغلقت المتاجر أبوابها احتجاجاً على الضرائب الباهظة وتردي الخدمات في عدد من المدن، فيما يتواصل إضراب «أطباء الامتياز» والمعلمين والعاملين في هيئة الكهرباء، في وقت دعت فيه تنظيمات شبابية لتطوير هذه الاعتصامات لـ«عصيان مدني» شامل يحتمل أن يشل البلاد بشكل كامل.
وذكر شهود في مدينة سنار – جنوب شرقي - لـ«الشرق الأوسط» أن متاجر المدينة أغلقت أبوابها بشكل كامل، احتجاجاً على الضرائب الباهظة التي فرضتها السلطات المحلية على تجار المدينة، فيما أغلقت المتاجر أبوابها في مدينة «تمبول» بوسط البلاد، بشكل كامل احتجاجاً على انقطاع خدمة الكهرباء المياه وتردي البيئة، ونظم سكان المدينة تظاهرات احتجاجية، فيما تناقلت تقارير صحافية عن إضراب في مدينة «القضارف».
وقال التاجر حسن عمر من مدينة سنار، إن السلطات المحلية فرضت ضرائب باهظة على المحال التجارية، ما اضطر تجار المدينة لإغلاق متاجرهم احتجاجاً، وأضاف: «السوق كلها مغلقة» عدا محلات الجزارة والخضرة، لأن السلطات رفعت الضرائب بصورة كبيرة»، وتابع: «من كانت ضرائبه في العام السابق 80 ألف جنيه، تم رفعها إلى 6 ملايين جنيه، وهو مبلغ كبير، ولا يستطيع تجار المدينة دفعه».
وأوضح عمر أن الإضراب سيستمر لمدة يوم واحد، في حال استجابة سلطات الضرائب لمطالب التجار، أما إذا تمسكت بفئات الضرائب الجديدة التي فرضتها دون مقدمات على الناس، فإن إضراب التجار سيستمر لنحو أسبوع، وقال إن لجنة مكونة من تجار المدينة أخطرت السلطات بالخطوة دون جدوى، ويتوقعون وصول المدير العام للضرائب للمدينة لحل المشكلة، وتابع: «إذا توصلنا لحلول فسنرفع الإضراب وبالعكس سنستمر في الإضراب لأسبوع، وبعدها سنقرر».
من جهته، قال التاجر بدر الدين الحسن، متحدثاً من مدينة «تمبول» بولاية الجزيرة وسط البلاد، إن المتاجر أغلقت أبوابها احتجاجاً على قطع خدمة الكهرباء والمياه لمدة ثلاثة أيام متتالية، مع عدم وجود أي خدمات صحية أو بيئية، وسير سكان المدينة تظاهرة احتجاجية وصلت الوحدة الإدارية، أحرقوا خلالها إطارات السيارات.
وفي العاصمة الخرطوم، دخل إضراب «أطباء الامتياز» حيز التنفيذ ابتداءً من أمس الأحد احتجاجاً على ضعف المرتبات وعدم صرفها لمدة ثمانية أشهر متتالية، فضلاً عن تدني بيئة العمل الطبي بشكل عام، بعد أن رفضت السلطات الصحية الاستجابة لمطالبهم، وينتظر أن يشل الإضراب العمل بالمستشفيات التي تعتمد بشكل كبير على أطباء الامتياز، فيما أعلن المكتب الموحد للأطباء في مؤتمر صحافي أمس دعمه الكامل لأطباء الامتياز الذين يؤدون عملاً كبيراً في المستشفيات.
ولعب الأطباء أدواراً لافتة في الحراك السياسي المعارض، الذي أسهم في إسقاط الحكومات العسكرية في تاريخ البلاد، ففي انتفاضة أبريل (نيسان) 1985 ضد حكم الرئيس جعفر النميري، لعبت نقابة الأطباء دوراً رئيساً في الثورة بإضراب الأطباء الشهير، ما مكن نقيب الأطباء وقتها الجزولي دفع الله من تولي منصب رئيس الوزراء.
وأثناء ذلك أعلن مكتب الأطباء الموحد في مؤتمر صحافي أمس، عن شروع الأطباء في استعادة نقابة الأطباء الموقوفة منذ أكثر من ثلاثين سنة، وأن اللجنة التمهيدية للنقابة تعمل على إكمال تسجيل الأطباء تمهيداً لعقد الجمعية العمومية التأسيسية لنقابة الأطباء في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وقال بروفسور النجيب نجم الدين، سكرتير نقابة الأطباء التي تم حلها بعد انقلاب الإنقاذ 1989 للصحافيين، إن الأطباء بمختلف توجهاتهم توافقوا على تكوين النقابة، اعتماداً على آخر قانون أساسي للنقابة «قانون 1987» وإن الجمعية العمومية ستعمل على إجازته هو واللوائح النقابية، فيما انتقدت الطبيبة إحسان فقيري إنهم بذلوا جهوداً مكثفة طوال السنوات الماضية لإعادة تسجيل الأطباء، وأضافت: «نحن نختلف سياسياً، لكننا نتفق على المهنة، نسعى لتكوين نقابة منتخبة».
من جهة أخرى، واصل العاملين في قطاع الكهرباء إضرابهم منذ الأسبوع الماضي، والذي أعقب وقفة احتجاجية أمام وزارة الطاقة والنفط، ورغم إعلان الوزارة استعدادها للنظر في مقترحاتهم بشأن الرواتب، فإن العمال والمهندسين واصلوا الإضراب متهمين السلطات بأنها تقدم لهم «وعوداً سرابية» وتماطل في تنفيذ مطالبهم.
ويهدد إضراب عمال الكهرباء خدمة الكهرباء المتعثرة في البلاد، بإحداث إظلام شامل، ما لم تسارع الوزارة لمعالجة مشاكلهم، وبسبب الإضراب شكا مواطنون من أن الكهرباء قطعت من منازلهم لأعطال في الشبكة، ولم تستجب هيئة الكهرباء لشكاواهم بسبب إضراب العمال والمهندسين والفنيين العاملين في الهيئة.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

باريس تمنح «حمايتها» للكاتب صنصال المعتقل في الجزائر

الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
TT

باريس تمنح «حمايتها» للكاتب صنصال المعتقل في الجزائر

الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)

بينما أعلنت الحكومة الفرنسية، رسمياً، أنها ستقدم «حمايتها» للكاتب الشهير بوعلام صنصال الذي يحتجزه الأمن الجزائري منذ الـ16 من الشهر الحالي، سيبحث البرلمان الأوروبي غداً لائحة فرنسية المنشأ، تتعلق بإطلاق سراحه.

وصرّح وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، الثلاثاء، لدى نزوله ضيفاً على إذاعة «فرانس إنفو»، بأن الرئيس إيمانويل ماكرون «مهتم بالأمر، إنه كاتب عظيم، وهو أيضاً فرنسي. لقد تم منحه الجنسية الفرنسية، ومن واجب فرنسا حمايته بالطبع. أنا أثق برئيس الجمهورية في بذل كل الجهود الممكنة من أجل إطلاق سراحه». في إشارة، ضمناً، إلى أن ماكرون قد يتدخل لدى السلطات الجزائرية لطلب إطلاق سراح الروائي السبعيني، الذي يحمل الجنسيتين.

قضية صلصال زادت حدة التباعد بين الرئيسين الجزائري والفرنسي (الرئاسة الجزائرية)

ورفض الوزير روتايو الإدلاء بمزيد من التفاصيل حول هذه القضية، التي تثير جدلاً حاداً حالياً في البلدين، موضحاً أن «الفاعلية تقتضي التحفظ». وعندما سئل إن كان «هذا التحفظ» هو سبب «صمت» الحكومة الفرنسية على توقيفه في الأيام الأخيرة، أجاب موضحاً: «بالطبع، بما في ذلك صمتي أنا. ما هو مهم ليس الصياح، بل تحقيق النتائج». مؤكداً أنه يعرف الكاتب شخصياً، وأنه عزيز عليه، «وقد تبادلت الحديث معه قبل بضعة أيام من اعتقاله».

واعتقل الأمن الجزائري صاحب الرواية الشهيرة «قرية الألماني»، في محيط مطار الجزائر العاصمة، بينما كان عائداً من باريس. ولم يعرف خبر توقيفه إلا بعد مرور أسبوع تقريباً، حينما أثار سياسيون وأدباء في فرنسا القضية.

وزير الداخلية الفرنسية برونو روتايو (رويترز)

ووفق محامين جزائريين اهتموا بـ«أزمة الكاتب صنصال»، فإن تصريحات مصورة عُدَّت «خطيرة ومستفزة»، أدلى بها لمنصة «فرونتيير» (حدود) الفرنسية ذات التوجه اليميني، قبل أيام قليلة من اعتقاله، هي ما جلبت له المشاكل. وفي نظر صنصال، قد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، وأشار إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، التي تقع في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

بل أكثر من هذا، قال الكاتب إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». وفي تقديره «لم تمارس فرنسا استعماراً استيطانياً في المغرب لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، وفُهم من كلامه أنه يقصد الجزائر، الأمر الذي أثار سخطاً كبيراً محلياً، خصوصاً في ظل الحساسية الحادة التي تمر بها العلاقات بين الجزائر وفرنسا، زيادة على التوتر الكبير مع الرباط على خلفية نزاع الصحراء.

البرلمانية الأوروبية سارة خنافو (متداولة)

وفي حين لم يصدر أي رد فعل رسمي من السلطات، هاجمت «وكالة الأنباء الجزائرية» بحدة الكاتب، وقالت عن اعتقاله إنه «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور، رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه ضد المهاجرين في فرنسا عموماً، والجزائريين خصوصاً.

يشار إلى أنه لم يُعلن رسمياً عن إحالة صنصال إلى النيابة، بينما يمنح القانون الجهاز الأمني صلاحية تجديد وضعه في الحجز تحت النظر 4 مرات لتصل المدة إلى 12 يوماً. كما يُشار إلى أن المهاجرين السريين في فرنسا باتوا هدفاً لروتايو منذ توليه وزارة الداخلية ضمن الحكومة الجديدة في سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويرجّح متتبعون لهذه القضية أن تشهد مزيداً من التعقيد والتوتر، بعد أن وصلت إلى البرلمان الأوروبي؛ حيث سيصوت، مساء الأربعاء، على لائحة تقدمت بها النائبة الفرنسية عن حزب زمور، سارة كنافو. علماً بأن لهذه السياسية «سوابق» مع الجزائر؛ إذ شنت مطلع الشهر الماضي حملة كبيرة لإلغاء مساعدات فرنسية للجزائر، قُدرت بـ800 مليون يورو حسبها، وهو ما نفته الحكومة الجزائرية بشدة، وأودعت ضدها شكوى في القضاء الفرنسي الذي رفض تسلمها.