على الرغم من التطمينات التي لا حصر لها من جانب العلماء بأن الأغذية التي تحتوي على مقادير من المواد المعدلة وراثيا آمنة للتناول، فمن المرجح أن يرى المستهلكون المزيد والمزيد من المنتجات، وقد تم تصنيفها على أنها «خالية من العناصر الغذائية المعدلة وراثيا» (GMO – free).
وكما حدث مع المنتجات المنزوعة الغلوتين، فإن شركات المواد الغذائية تسارع كذلك إلى الاستفادة مما تعتقد أن المستهلكين يرغبون به، بصرف النظر عما إذا كان له تبرير علمي.
وفي استجابة من وزارة الزراعة الأميركية إلى مخاوف المستهلكين بشأن العناصر الغذائية المعدلة وراثيا في الأطعمة، وكذلك تحركات الشركات المفردة والولايات بشأن تصنيف المنتجات الخالية من العناصر الغذائية المعدلة وراثيا، أعلنت الوزارة الشهر الماضي عن برنامج للمصادقة الطوعية يجب أن تدفع الشركات من أجل الحصول عليه لكي يتم تصنيف منتجاتها على أنها خالية من العناصر الغذائية المعدلة وراثيا.
وسرعان ما شرعت شركة «أبوت»، المصنعة لمنتجات «سيميلاك أدفانس» في بيع نوع خال من العناصر الغذائية المعدلة وراثيا من تركيبة حليب الأطفال التجارية الرائدة (لدى الشركة كذلك منتج كذلك يباع تحت اسم «سيميلاك أورغانيك»)، لتمنح المستهلكين «راحة البال». وفي أبريل (نيسان)، أعلنت سلسلة مطاعم «شبتول ميكسيكان غريل» أنها ستبدأ في تجهيز أطعمة خالية من العناصر الغذائية المعدلة وراثيا، على رغم أن مطاعمها لن تخلو من مثل تلك المكونات.
وفي العام الماضي، مررت ولاية فيرمونت قانونا ملزما بتصنيف الأغذية التي تحتوي على عناصر غذائية معدلة وراثيا. (لدى ولايتي كونيتيكت ومين قوانين ستدخل حيز النفاذ فقط عندما تقوم الولايات المحيطة بتمرير هذه القوانين بالمثل). كما أعلنت مطاعم «هول فودز ماركت»، والتي لديها 410 متجرا في 42 ولاية أميركية، وفي كندا وبريطانيا، أنها ستشترط أن يتم تصنيف كل الأطعمة التي تبيعها والتي تحتوي على عناصر غذائية وراثيا، بحلول 2018.
وقد بات تصنيف العناصر الغذائية المعدلة وراثيا مطلوبا بالفعل في 46 بلدا، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، وروسيا واليابان والصين وأستراليا والبرازيل، فضلا عن عدد من البلدان في أفريقيا التي؛ على رغم الندرة الشديدة في الغذاء فيها، تم رفض الصادرات الأميركية لأن المحاصيل كانت تحتوي على مواد معدلة وراثيا.
ومع هذا، فإن مراجعة مميزات وعيوب العناصر الغذائية المعدلة وراثيا، توحي بقوة أن المسألة تعكس سوء فهم من الجمهور للأسس العلمية التي تقف وراءها، إلى جانب التمرد على هيمنة إمبراطوريات الأغذية والزراعة. وأخشى ما أخشاه أن الحركة المناهضة للعناصر الغذائية المعدلة وراثيا تخاطر بالقضاء على الجانب الإيجابي كذلك.
* تعديلات جينية
إن المطلوب هو نظرة هادئة على ما تعنيه العناصر الغذائية المعدلة وراثيا، وفوائدها الفعلية والكامنة، وليس مجرد الخوف من الاحتمالات الضارة.
ولنبدأ مع الحقائق. لقد عمل البشر على تعديل الغذاء وراثيا وتغذية النباتات والحيوانات منذ آلاف السنين، وحتى وقت قريب فقط عبر تهجين النوع القائم بنوع مقارب له يحتوي صفات مرغوبة. قد يستغرق العمل بهذه الطريقة سنوات، بل عقودا، لتحقيق منتج تجاري ناجح، لأن الصفات غير المرغوبة قد توجد في المنتج الهجين. وبينما يمكن أن يكون أمرا جيدا الحصول على طماطم تتحمل السفر، فإن الفاكهة كذلك تحتاج لأن تنضج مبكرا وتحتفظ بالمذاق الجيد.
وتجعل الهندسة الوراثية من الممكن تحقيق نتيجة مرغوبة في خلال جيل واحد. وهي تقدم فقط جينا واحدا معروفا أو مجموعة صغيرة من الجينات التي تتحكم بإنتاج البروتينات المطلوبة في أحد النباتات، فتنقل الصفات مثل تحمل الصقيع والجفاف أو الملوحة، أو مقاومة الأمراض أو الأعشاب الضارة. كما ويمكن استخدام هذا الأسلوب لتقوية نمو النبات أو محتوى مادة مغذية أساسية، أو في حالة الحيوانات، تقليل التغذية التي تحتاجها.
ومن ثم، فالأرز الذهبي، الذي تم تعزيزه جينيا ليكون غنيا بسلائف فيتامين إيه A، يمكن يكون مضادا للعمى. وهناك جين آخر تم إدخاله على الأرز يعزز محتوى الحديد لمكافحة الأنيميا. كما يسرع جين مستخرج من أسماك عبوس المحيط من نمو أسماك السلمون المستزرع، حيث يقلل اعتمادها على طعام سمك الأنهار. ويتمكن جين بكتيري تم إدخاله في الحمض النووي لنبات القمح أن يمنحه قدرة أكبر على تحمل الجفاف.
إن مبعث القلق الذي يتم التعبير عنه في كثير من الأحيان، والقائل إن إدخال الجينات من أنواع مختلفة هو أمر غير طبيعي وينطوي على خطورة ممكنة، إنما يتجاهل حقيقة أننا نتشارك آلاف الجينات مع الأنواع الأخرى.. (نحن نشترك مع الكلاب في 84 في المائة من جيناتنا!).
* سلامة المنتجات
وأما بالنسبة إلى السلامة، فكل العناصر الغذائية المعدلة وراثيا لا بد أن تخضع للتقييم وأن تتم المصادقة عليها من قبل إدارة الغذاء والدواء ووكالة حماية البيئة قبل بيعها. ولا بد أن يختبر المطورون المنتجات في ما يتعلق بالسمية والحساسية وضمان أن تكون على الأقل مغذية شأنها شأن نظيراتها التي لا تحتوي كائنات معدلة وراثيا. نعم، يعتمد هذا على أمانة المطور، ولكن لاحظ: لا يشترط إجراء مثل هذا الاختبار لمنتجات الأطعمة المنتجة بشكل تقليدي، وأي عدد منها يمكن أن يتسبب بتفاعلات تهدد الحياة لدى بعض الأشخاص. وكثير من الأطعمة الخالية من العناصر الغذائية المعدلة وراثيا، بما في ذلك البروكلي والفطر، تحتوي على مواد سامة طبيعية، رغم أن الأطعمة لا تكون ضارة إذا تم استهلاكها بكميات طبيعية. كما أن منتجات الكيوي، والتي تحتوي على مئات البروتينات، وكثير منها يمكن أن يتسبب بحساسية، لم يحدث وأن خضعت أبدا للاختبار بشأن تسببها في الحساسية قبل تسويقها.
ومن بين المخاوف المشروعة بشأن السلامة هو احتمال أن تتسبب المنتجات المعدلة وراثيا في حدوث تأثيرات ضارة مؤجلة لدى المستهلكين، والبيئة أو «توازن» الطبيعة. وكما هو الحال بالنسبة إلى الجنيات الطبيعية لكائن ما، يمكن أن تؤدي الجينات المدخلة إلى تشويه أو تعطيل وظائف الجينات المجاورة. ومن ثم، فإن استمرار المراقبة لآثارها هو أمر ضروري، وشأن السيارات المعيبة، يمكن أن يتم سحب المنتجات المصابة بخلل وظيفي.
* خدمة «نيويورك تايمز»