رحلة شيقة في عالم الإعلام المرئي اللبناني على مدى 30 عامًا

تتضمن سردًا موثقًا لـ100 لحظة صنعت التلفزيون

الإعلامي زافين قيوميجيان خلال حفل توقيعه كتابه «أسعد الله مساءكم» وإلى جانبه إحدى نجمات الكتاب المذيعة دوللي غانم
الإعلامي زافين قيوميجيان خلال حفل توقيعه كتابه «أسعد الله مساءكم» وإلى جانبه إحدى نجمات الكتاب المذيعة دوللي غانم
TT

رحلة شيقة في عالم الإعلام المرئي اللبناني على مدى 30 عامًا

الإعلامي زافين قيوميجيان خلال حفل توقيعه كتابه «أسعد الله مساءكم» وإلى جانبه إحدى نجمات الكتاب المذيعة دوللي غانم
الإعلامي زافين قيوميجيان خلال حفل توقيعه كتابه «أسعد الله مساءكم» وإلى جانبه إحدى نجمات الكتاب المذيعة دوللي غانم

كلّ ما ترغب في أن تتذكّره عن الزمن الجميل لصناعة التلفزيون في لبنان، جمعه الإعلامي زافين قيوميجيان في كتابه «أسعد الله مساءكم» الذي وقّعه في مكتبة أنطوان في مجمّع «سوق بيروت».
فكما نجيب حنكش وعزّ الدين الصبح وليلى رستم وحسن المليجي، الذين شكّلوا رموزا لا تنسى من تلفزيون لبنان في الماضي، كذلك في استطاعتك وأنت تتصفّح هذا الكتاب أن تستعيد ذكرياتك لإطلالات إعلاميين آخرين مثل سونيا بيروتي وغابي لطيف وريموند انجلوبولو ومها سلمى والراحلين رياض شرارة ولبيب بطرس. وفي الكتاب استعادة لبرامج تلفزيونية ما زالت تطنّ في ذاكرتنا كـ«أبو ملحم» و«أبو سليم» و«استوديو الفن»، التي ساهمت في صناعة الحقبة الذهبية للمرئي في لبنان بدءا من عام 1959 حتى عام 1989.
هذه الرحلة الشيقة والممتعة في عالم الإعلام المرئي، ورغم أن تلفزيون لبنان الرسمي استأثر بالقسم الأكبر منها كونه كان بمثابة الشاشة الصغيرة الوحيدة في تلك الحقبة، لوّنها زافين قيوميجيان ببدايات أوائل الثمانينات حين بدأت تطلّ على المشاهد اللبناني شاشات فضّية أخرى افتتحتها محطة «إل بي سي» يومها.
وبما أن هذا المشوار طويل ويتضمن تفاصيل صغيرة كثيرة، فقد حاول الإعلامي اللبناني الأرمني الأصل أن يوثّقها في جزء أول، على أن يكملها في المستقبل القريب بجزء ثان يلقي فيه الضوء على الشاشات التلفزيونية الأخرى التي لعبت دورها الريادي أيضا في مجال الإعلام المرئي.
«خلال تصويري أول نشرة أخبار أقدمها على شاشة تلفزيون لبنان، طلب مني المخرج صبري الشريف أن أتخيل أهم الأحداث التي ساهم تلفزيون لبنان في تغطيتها. وسألني أن أنظر إلى الكاميرا وأقول مع ابتسامة عريضة (أسعد الله مساءكم)... لم أكن أدري أنني سأكون رسميا آخر من ينطق بهذه العبارة على الشاشة اللبنانية بعد دخولها زمن (مساء الخير)». بهذه الكلمات روى زافين قيوميجيان قصّته مع عنوان الكتاب الذي استغرق إعداده خمس سنوات من البحث والتدقيق في أرشيف مؤسسات عدة كـ«دار الصياد» و«تلفزيون لبنان». وبعدها استطاع أن يوثّق لحظات تاريخية من الإعلام المرئي بالصور والمعلومات تبدأ حكاياتها من حقبة الأبيض والأسود.
319 صفحة كتبها زافين بشغف الإعلامي المتعطّش لأيام التلفزيون الذهبية، فهو يعدّ واحدا من وجوه تلفزيون لبنان عندما كان أحد مراسلي ومقدمي نشرات الأخبار فيه من عام 1992 حتى 1999. فذكر وبالتفاصيل أهم وأبرز تلك المحطات. كما أنه لم ينس أن يذكّرنا برموز فنية وأخرى إعلامية ما زالت أسماؤها تحفر في ذاكرتنا حتى اليوم رغم مرور أكثر من 40 عاما على رحيلها أو اعتزالها مهنتها بسبب تقدّمها في العمر أو تركها أرض الوطن إلى غير رجعة بداعي الهجرة.
ويستهلّ الكاتب مجلّده بصورة للراحلة صباح التقطت لها خلال مقابلة تلفزيونية أجرتها في تلفزيون لبنان، وليلحقها فيما بعد بصور أخرى للممثل الراحل ايلي صنيفر (أحد أعمدة الدراما في لبنان)، ولمؤسس «دار الصياد» الراحل سعيد فريحة وإضافة إلى أخرى تظهر نجبيب حنكش (أول من قدّم برامج حوارية فنية على الشاشة الصغيرة)، والفنان راغب علامة الذي يقف إلى جانب الموسيقي والمؤلف المسرحي روميو لحود عندما اطلّ لأول مرة على اللبنانيين كهاو للغناء في برنامج استوديو الفن في عام 1980. جميع تلك الصور الفوتوغرافية التي أخذت بالأبيض والأسود كانت بمثابة مقدّمة مقصودة من الكاتب لقرائه ليحدث لديهم خضّة إيجابية في ذاكرتهم لتفتح باب شهيتهم على قراءة باقي محتويات الكتاب بنهم.
فمن الصفحة الأولى للكتاب لعب زافين على أوتار نوستالجيا الزمن الجميل لدى اللبناني، فعرف كيف يشدّه إلى ماض ما زالت جذوره متشبثّة في ذاكرته، ومعالمها تنبض في قلبه. فهي استحدثت شرارة الحنين لأيام العز، التي لا يمكن أن يستعيد لحظاتها القارئ دون أن ترتسم ابتسامة عفوية على ثغره وهو يقول: «رزق الله على تلك الأيام».
عام 1959 وصل التلفزيون إلى لبنان، ومن هناك بدأت قصّة المشاهد اللبناني مع الشاشة الصغيرة وبقي مشدودا إليها حتى اليوم. وكان من البديهي أن يستهلّ صاحب برامج «بلا طول سيرة» و«سيرة وانفتحت» و«عالأكيد»، كتابه بأول وجه تلفزيوني أطلّ على اللبنانيين في السادسة من مساء 29 مايو (أيار) من عام 1959 متمثّلا بنجوى قزعون. في تلك الليلة رحّبت أول مذيعة تلفزيونية في لبنان بالمشاهدين داعية إياهم ومباشرة على الهواء لمتابعة برامج أول سهرة تلفزيونية من المدينة الرياضية حيث كان يقام معرض صناعي تجاري كبير.
افتتح الإرسال بعدما جرى نقل وقائع تدشين رئيس الحكومة يومها رشيد كرامي للمعرض، تلاه عرض فيلم وثائقي فرنسي فبرنامج غنائي فني أحيته آنذاك كلّ من المغنية نزهة يونس والراقصة كهرمان. أعد هذه الفقرة نائب مدير البرامج في تلك الآونة جان كلود بولس وأخرجها البريطاني مايكل مايلز.
وينقلنا الكتاب بعدها إلى حملة الإعلانات التجارية التي شهدها لبنان حينها، تروّج لأجهزة تلفزيونية من ماركات مختلفة مثل «فيليبس» و«نيفيكو» وغيرها لحثّ اللبنانيين على شرائها. فصحيح أنه أصبح للبنانيين محطة تلفزيونية (تلفزيون لبنان والمشرق)، ومركزها تلّة الخيّاط ولكن كان يلزمهم جهاز تلفزيوني لمتابعتها فاقتضى التنويه.
نهى الخطيب سعادة وهند أبي اللمع ولمياء فغالي وفريال كريم وأبو سليم الطبل وفهمان وشوشو وايلي ضاهر ومحمد شامل وكثيرون غيرهم، من فنانين يمرّ الكتاب على ذكر أدوارهم في تحريك عجلة برامج أول شاشة تلفزيونية أسست في لبنان.
وتستوقفك صفحة 114 من الكتاب لتأخذك إلى وجوه معروفة شكّلت رموزا إعلامية في الستينات ما زالت عالبال. فكما ناهدة فضل الدجاني كذلك شارلوت وازن الخوري و«ماما عفاف» و«الصديقة جنان» وسعد سامي رمضان وفريد جبر وعادل مالك وكميل منسى، الذين شغلوا الدنيا في تلك الحقبة من خلال ربطهم الفقرات التلفزيونية من ناحية وتقديم نشرات الأخبار وبرامج منوعّة من ناحية ثانية.
«أسعد الله مساءكم» يزوّدك أيضا بمعلومات عامة لم يسبق لكثيرين أن عرفوها عن كواليس أحداث جرت في تلفزيون لبنان. ففي برنامج «سجلّ مفتوح» لعادل مالك، أشكال حدث حول حلقة كانت ستستضيف وزير الاقتصاد اللبناني يومها سليمان فرنجية. فظهوره على الشاشة شكّل مخاوف للمكتب الثاني التابع للحكم الشهابي (الرئيس فؤاد شهاب)، حينها حيث تمّ الضغط على تلفزيون لبنان من خلال إصدار مذكرة من رئيس الوزراء رشيد كرامي بحصر إطلالات الوزراء الإعلامية في شؤون وزاراتهم. فتم إلغاء الحلقة التي كان من المتوقع أن تكون استثنائية كون الوزير فرنجية لم يكن مؤيدا للخط الشهابي الحاكم.
ومن السياسة معلومة أخرى يزوّدك بها الكتاب تتعلّق بزواج نجيب حنكش (نجم برامج المنوعات)، الذي أعلن في الأول من نيسان من عام 1971 من زميلته المراسلة الإخبارية بارعة مكناس (والدة أمل علم الدين). هذا الحدث شكّل مفاجأة غير متوقعة للبنانيين يومها. فأن يتزوّج أشهر عازب في لبنان فتاة أصغر منه بـ40 عاما لا يمكن أن يمر مرور الكرام عليهم.
ومع الوصول إلى الصفحات الأخيرة لـ«أسعد الله مساءكم»، تتنوع المعلومات التي تردك منه على التوالي. فهو يروي تارة قصة نجاح 40 لحظة في أربعين مسلسلا. فيعيد شريط ذكرياتك إلى «الغروب» (مع محمود سعيد وهند أبي اللمع) و«حتى نلتقي» (مع نهى الخطيب سعادة وجهاد الأطرش) و«المفتّش» (مع وحيد جلال ونخبة من الوجوه التلفزيونية) و«الأبله» المنقول عن قصة لدوستويفسكي، و«صحّ النوم» (مع دريد لحام ونهاد قلعي) و«مذكرات ممرضة» (السي فرنيني وجورج شلهوب).
كما يروي لغز سقوط المشترك جاك كوندكجيان في برنامج «المتفوقون»، مرورا بقصة خطف مدير تلفزيون لبنان يومها شارل رزق ووصولا إلى استشهاد رئيس الجمهورية اللبنانية بشير الجميل وانتخاب شقيقه أمين بديلا عنه. ومن ثم ينتقل زافين إلى مرحلة تلفزيونية أخرى في منتصف الثمانينات مع ظهور محطة «إل بي سي» التابعة للقوات اللبنانية وبداية ولادة نجوم إعلام جدد مثل دوللي غانم وجيزيل حبيب وليليان اندراوس وغيرهم. ويختم الكاتب مع مطلع التسعينات وبزوغ اتفاق الطائف لينهي في الصفحة الأخيرة قائلا: «يبقى قانون المرئي والمسموع الذي رأى النور في 1994 الأول من نوعه في لبنان، ومعه بلغت صناعة التلفزيون مرحلة جديدة.. هي لحظات أخرى شهدت حقبة ذهبية جديدة سيكون لنا معها قريبا وقفة مطوّلة في الجزء الثاني من هذا الكتاب».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».