سعيّد يدعو إلى الصلح مع رجال أعمال متورطين في قضايا فساد ونهب أموال

المحاكم الفرنسية تفتح تحقيقاً ضد رئيس حكومة ووزير عدل تونسيين سابقين

الرئيس قيس سعيد خلال الاستفتاء على الدستور في يوليو الماضي (د.ب.أ)
الرئيس قيس سعيد خلال الاستفتاء على الدستور في يوليو الماضي (د.ب.أ)
TT
20

سعيّد يدعو إلى الصلح مع رجال أعمال متورطين في قضايا فساد ونهب أموال

الرئيس قيس سعيد خلال الاستفتاء على الدستور في يوليو الماضي (د.ب.أ)
الرئيس قيس سعيد خلال الاستفتاء على الدستور في يوليو الماضي (د.ب.أ)

دعا الرئيس التونسي قيس سعيد، الثلاثاء، إلى بدء العمل بقانون الصلح الجزائي الذي اقترح من خلاله مصالحة جزائية مع عشرات من المتورطين في جرائم اقتصادية ومالية. ويشمل هذا القانون نحو 460 متورطاً في قضايا فساد ونهب أموال عامة قبل سنة 2010.
ودعا سعيد لدى استقباله نجلاء بودن رئيسة الحكومة التونسية، إلى التركيز «على قضايا الفساد المستشري في عدد من القطاعات». واقترح في أكثر من مناسبة على «المتورطين في مثل هذه القضايا، إجراء صلح جزائي وإرجاع هذه الأموال عبر إنشاء مشروعات في المناطق التونسية الأكثر فقراً»، وهو اقتراح لم يجد طريقه نحو التنفيذ، على الرغم من نفي سعيد وجود أي نية «لمصادرة ثروات وأملاك رجال الأعمال المتهمين بالفساد».
يذكر أن هذا المقترح يعود إلى أكثر من 8 سنوات ماضية، وبالتحديد إلى سنة 2012. وقد تقدم به سعيد إلى القيادات السياسية آنذاك، وهو يتمثل في «إبرام صلح جزائي مع من تورطوا في قضايا فساد مالي؛ خصوصاً أن الصلح الجزائي موجود في أكثر من نص قانوني تونسي، ويكون ذلك في إطار قضائي، ثم يتم ترتيب المعنيين ترتيباً تنازلياً بحسب المبالغ المحكوم بها عليهم».
ويتم ترتيب المناطق ترتيباً تنازلياً من الأكثر فقراً إلى الأقل فقراً. ويتعهد كل متهم بإنجاز المشروعات التي يطالب بها الأهالي في كل منطقة (طرق، ومؤسسات استشفائية، ومؤسسات تربوية...) وذلك تحت إشراف لجنة جهوية تتولى المراقبة والتنسيق. ولا يتم إبرام الصلح النهائي إلا بعد أن يقدم المعني بالأمر ما يفيد إنجازه للمشروعات في حدود المبالغ المحكوم بها عليه.
وكان مقترح الصلح الجزائي من بين الوعود الانتخابية القديمة للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، والهدف منه إيجاد تسوية مع رجال الأعمال المتورطين في قضايا فساد، وتجنب هروب هؤلاء بالأموال المنهوبة، واسترجاعها لفائدة الدولة. وقد أعاد الرئيس سعيد خلال السنة الماضية هذا المقترح إلى واجهة الاهتمامات السياسية، بعد أن خصّه بقانون لخّص فيه مختلف مراحل الصلح الجزائي وشروطه.
وفي هذا الشأن، قال وزير المالية التونسي السابق حسين الديماسي: «إن مصطلح الصلح الجزائي يعني مطالبة رجال الأعمال والأشخاص الذين وردت أسماؤهم في قائمة لجنة تقصي الحقائق ومقاومة الفساد الصادرة سنة 2011، باستثمار الأموال التي استولوا عليها من المال العام، في الجهات الأقل فقراً، وذلك عن طريق بناء مستشفيات ومدارس وجامعات، والمساهمة في التنمية، وتوفير فرص العمل في المناطق الفقيرة».
وأضاف الديماسي أن «عملية استرجاع الأموال صعبة ومعقدة، ومن غير الممكن تنفيذها على أرض الواقع؛ لأن تقرير لجنة تقصي الحقائق قد اعتمد على مجموعة من الاتهامات والشكوك، وليس على حكم قضائي يثبت استيلاءهم على المال العام».
في غضون ذلك، كشف حاتم الشلي، محامي صابر العجيلي، المدير التونسي السباق لوحدة «البحث في جرائم الإرهاب»، أنه توجه إلى القضاء الفرنسي «من أجل محاسبة من أجرم في حق موكله»، مؤكداً أن النيابة العامة الفرنسية أذنت بفتح تحقيق ضد رئيس الحكومة التونسية الأسبق يوسف الشاهد، ووزير العدل الأسبق غازي الجريبي (والاثنان يحملان الجنسية الفرنسية إلى جانب الجنسية الأصلية) في قضية احتجاز قسري وتعذيب ضد صابر العجيلي، خلال وجوده في السجن لمدة قاربت السنتين.
وواجه العجيلي سنة 2017، تهمتين وجههما إليه القضاء العسكري، وهما: «التآمر على أمن الدولة الخارجي، ووضع النفس على ذمّة جيش أجنبي». وقد أثارت عملية إيقافه جدلاً وأسئلة كثيرة، ليتم بعد قرابة السنتين حفظ القضية وإطلاق سراحه.
على صعيد آخر، كشف مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) خلال الفترة ما بين 2012 و2014، عن مساندته للانتخابات البرلمانية المقررة في 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل؛ معتبراً أنها «تمثل فرصة سانحة لتفادي مخاطر الانقسام وتصحيح مسار الثورة، ووضع قطار الديمقراطيّة على السكة السليمة».
وأضاف بن جعفر: «إن الواجب الوطني يفرض ألا نهدر هذه الفرصة»، مقدراً «أن الحل يكمن في التواضع أولاً، وفي استخلاص العبرة ثانياً من تجربة العشريّة الماضية، والمضي بحزم وعزم في بناء البديل الديمقراطي المقنع والقادر على استرجاع ثقة الشعب».
وفسر بن جعفر ضعف نسبة المشاركة في الاستفتاء الذي أجري يوم 25 يوليو (تموز) الماضي «بما تعاني منه البلاد منذ سنوات، من ترذيل للحياة السياسيّة والحزبية، ما أدى إلى نفور التونسيين من الشأن العام، واستبطانهم لصورة سلبيّة عن العمل السياسي تضع الجميع في السلة نفسها، حتى أصبح الفرز بين الصادق والكاذب صعب المنال».


مقالات ذات صلة

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

شمال افريقيا تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على  أمن الدولة»

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

وجه القطب القضائي لمكافحة الإرهاب طلبا رسميا إلى رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس لبدء تحقيق ضدّ المحامين بشرى بلحاج حميدة، والعيّاشي الهمّامي، وأحمد نجيب الشابي، ونور الدين البحيري، الموقوف على ذمة قضايا أخرى، وذلك في إطار التحقيقات الجارية في ملف «التآمر على أمن الدولة». وخلفت هذه الدعوة ردود فعل متباينة حول الهدف منها، خاصة أن معظم التحقيقات التي انطلقت منذ فبراير (شباط) الماضي، لم تفض إلى اتهامات جدية. وفي هذا الشأن، قال أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، وأحد أهم رموز النضال السياسي ضد نظام بن علي، خلال مؤتمر صحافي عقدته اليوم الجبهة، المدعومة من قبل حركة النهضة، إنّه لن

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

أعلنت نقابة الصحافيين التونسيين أمس رصد مزيد من الانتهاكات ضد حرية التعبير، مع تعزيز الرئيس قيس سعيد لسلطاته في الحكم، وذلك ردا على نفي الرئيس أول من أمس مصادرة كتب، وتأكيده أن «الحريات لن تهدد أبدا»، معتبرا أن الادعاءات مجرد «عمليات لتشويه تونس». وكان سحب كتاب «فرانكشتاين تونس» للروائي كمال الرياحي من معرض تونس الدولي للكتاب قد أثار جدلا واسعا في تونس، وسط مخاوف من التضييق على حرية الإبداع. لكن الرئيس سعيد فند ذلك خلال زيارة إلى مكتبة الكتاب بشارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة قائلا: «يقولون إن الكتاب تم منعه، لكنه يباع في مكتبة الكتاب في تونس...

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

بعد مصادقة البرلمان التونسي المنبثق عن انتخابات 2022، وما رافقها من جدل وقضايا خلافية، أبرزها اتهام أعضاء البرلمان بصياغة فصول قانونية تعزز مصالحهم الشخصية، وسعي البرلمانيين لامتلاك الحصانة البرلمانية لما تؤمِّنه لهم من صلاحيات، إضافة إلى الاستحواذ على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية)، وإسقاط صلاحية مراقبة العمل الحكومي، يسعى 154 نائباً لتشكيل كتل برلمانية بهدف خلق توازنات سياسية جديدة داخل البرلمان الذي يرأسه إبراهيم بودربالة، خلفاً للبرلمان المنحل الذي كان يرأسه راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة». ومن المنتظر حسب النظام الداخلي لعمل البرلمان الجديد، تشكيل كتل برلمانية قبل

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار أمس، الاثنين، أنه لا مجال لإرساء ديكتاتورية في تونس في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن التونسيين «لن ينتظروا أي شخص أو شريك للدفاع عن حرياتهم»، وفق ما جاء في تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي». وأشار التقرير إلى أن عمار أبلغ «وكالة تونس أفريقيا للأنباء» الرسمية قائلاً: «إذا اعتبروا أنهم مهددون، فسوف يخرجون إلى الشوارع بإرادتهم الحرة للدفاع عن تلك الحريات». وتتهم المعارضة الرئيس التونسي قيس سعيد بوضع مشروع للحكم الفردي، وهدم مسار الانتقال الديمقراطي بعد أن أقر إجراءات استثنائية في 25 يوليو (تموز) 2021 من بينها حل البرلمان.

المنجي السعيداني (تونس)

مصر تعدد «إنجازاتها» في «حقوق الإنسان» قبل مراجعة دورية بجنيف

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT
20

مصر تعدد «إنجازاتها» في «حقوق الإنسان» قبل مراجعة دورية بجنيف

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

عدّدت مصر «إنجازاتها» في ملف حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة، قبل مناقشة «تقرير المراجعة الشاملة» أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان بجنيف، في يناير (كانون الثاني) المقبل، وأكدت القاهرة «هدم السجون (غير الآدمية) وإقامة مراكز إصلاح حديثة».

وتقدمت الحكومة المصرية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بتقريرها الرابع أمام «آلية المراجعة الدورية الشاملة» التابعة لمجلس حقوق الإنسان الدولي، تمهيداً لمناقشته الشهر المقبل، وهو تقرير دوري تقدمه مصر كل 4 سنوات... وسبق أن قدّمت القاهرة 3 تقارير لمراجعة أوضاع حقوق الإنسان في أعوام 2010، و2014، و2019.

وقال عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» بمصر، رئيس «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» (مؤسسة حقوقية)، عصام شيحة، إن «الحكومة المصرية حققت (قفزات) في ملف حقوق الإنسان»، وأشار في تصريحات تلفزيونية، مساء الخميس، إلى أن «السنوات الأخيرة، شهدت قنوات اتصال بين المنظمات الحقوقية والمؤسسات الحكومية بمصر»، منوهاً إلى أن «مصر هدمت كثيراً من السجون القديمة التي كانت (غير آدمية) وأقامت مراكز إصلاح حديثة».

وأوضح شيحة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، الجمعة، أن «الحكومة المصرية تبنت فلسفة عقابية جديدة داخل السجون عن طريق الحد من العقوبات السالبة للحريات، وأنها هدمت نحو 15 سجناً، وقامت ببناء 5 مراكز إصلاح وتأهيل وفق أحدث المعايير الدولية، وتقدم برامج لتأهيل ودمج النزلاء».

عادّاً أن تقديم مصر لتقرير المراجعة الدورية أمام «الدولي لحقوق الإنسان» بجنيف، «يعكس إرادة سياسية للتواصل مع المنظمات الدولية المعنية بملف حقوق الإنسان».

وشرعت وزارة الداخلية المصرية أخيراً في إنشاء «مراكز للإصلاح والتأهيل» في مختلف المحافظات، لتكون بديلة للسجون القديمة، ونقلت نزلاء إلى مراكز جديدة في «وادي النطرون، وبدر، و15 مايو»، وتضم المراكز مناطق للتدريب المهني والفني والتأهيل والإنتاج، حسب «الداخلية المصرية».

ورغم الاهتمام الحكومي بملف حقوق الإنسان في البلاد، وفق مراقبين؛ فإن عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» يرى أن «هناك ملفات تحتاج إلى تحرك مثل ملف الحبس الاحتياطي في التهم المتعلقة بالحريات».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستعرض التقرير الثالث لـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» في مصر (الرئاسة المصرية)

وفي وقت سابق، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، استجابته لتوصيات مناقشات «الحوار الوطني» (الذي ضم شخصيات عامة وحزبية وأكاديميين وسياسيين) بشأن قضية الحبس الاحتياطي، داعياً في إفادة للرئاسة المصرية، أغسطس (آب) الماضي، إلى «أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس، وتطبيق بدائل مختلفة للحبس الاحتياطي».

ويرى وكيل «لجنة حقوق الإنسان» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، النائب أيمن أبو العلا، أن «الحكومة المصرية حققت تقدماً في تنفيذ محاور (الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان) التي أطلقتها عام 2021»، ودلل على ذلك بـ«إلغاء قانون الطوارئ، وتشكيل لجان للعفو الرئاسي، والسعي إلى تطبيق إصلاح تشريعي مثل تقديم قانون جديد لـ(الإجراءات الجنائية) لتقنين الحبس الاحتياطي».

وكان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، قد عرض على الرئيس المصري، الأربعاء الماضي، التقرير الثالث لـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»، متضمناً «المبادرات والبرامج التي جرى إعدادها للارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي».

وحسب إفادة للرئاسة المصرية، وجه الرئيس المصري بـ«استمرار جهود نشر الوعي بحقوق الإنسان في مؤسسات الدولة كافة، ورفع مستوى الوعي العام بالحقوق والواجبات»، وشدد على «تطوير البنية التشريعية والمؤسسية لإنجاح هذا التوجه».

عودة إلى وكيل «لجنة حقوق الإنسان» بـ«النواب» الذي قال إن ملف حقوق الإنسان يتم استغلاله من بعض المنظمات الدولية سياسياً أكثر منه إنسانياً، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك ازدواجية في معايير بعض المنظمات التي تغض الطرف أمام انتهاكات حقوق الإنسان في غزة ولبنان، وتتشدد في معاييرها مع دول أخرى».