علماء يدرسون مصير «المواد الكيميائية إلى الأبد»

راجعوا عقدا من الدراسات حول هذه الملوثات سيئة السمعة

علماء يدرسون مصير «المواد الكيميائية إلى الأبد»
TT

علماء يدرسون مصير «المواد الكيميائية إلى الأبد»

علماء يدرسون مصير «المواد الكيميائية إلى الأبد»

قام علماء بمراجعة أكثر من عقد من الدراسات حول مصير الملوثات سيئة السمعة؛ التي يطلق عليها اسم «المواد الكيميائية إلى الأبد» لطريقة استمرارها في المجاري المائية والتربة والجليد البحري، مكتشفين الأماكن التي تكمن فيها البؤر البيئية الملوثة.
المراجعة، التي قادها عالم الهيدرولوجيا زويان لايو من جامعة نانجينغ لعلوم وتكنولوجيا المعلومات، ركزت بشكل خاص على قشرة الأرض (التربة التي تتكون منها والمياه التي تتسرب من خلالها).
وتم القيام بالكثير من العمل لاكتشاف «المواد الكيميائية إلى الأبد» في مصادر المياه الملوثة وتوضيح الآثار على صحة الإنسان، والتي تنشأ حتى عند مستويات التعرض المنخفضة للغاية، ما دفع السلطات الصحية والبيئية إلى مراجعة إرشادات السلامة الخاصة بها، وذلك وفق ما نشر موقع «ساينس إليرت» العلمي المتخصص، نقلا عن مجلة Reviews of Geophysics.
وتم استخدام «PFASs «per- and polyfluoroalkyls المواد الكيميائية الصناعية عالية الفعالية كعوامل غير لاصقة ومقاومة للماء منذ الخمسينيات من القرن الماضي. ومنذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تم اكتشاف هذه المركبات على نطاق واسع في المياه الجوفية العالمية. لكن فهم أين وكم تتراكم مواد PFAS تحت سطح الأرض يمثل تحديًا مستمرًا؛ خاصةً عندما يتم تصنيع PFAS الجديدة لتحل محل مركبات الجيل الأول التي تم التخلص منها تدريجياً.
وقد يكون من الصعب أخذ عينات من المياه الجوفية وطبقات التربة تحت السطحية، كما قد يكون من الصعب علاجها أكثر من الأنهار والممرات المائية، ولكن يجب ألا تكون المشكلة بعيدة عن الأنظار بأي حال من الأحوال. فما يذهب تحت الأرض يعود حولها.
وفي هذا الاطار، أظهرت الدراسات كيف تسربت مواد PFAS من مدافن النفايات والمصانع الكيميائية والمواقع العسكرية، وفي أنظمة المياه الجوفية، التي توفر مياه الشرب لملايين الأشخاص الذين يستفيدون من طبقات المياه الجوفية والآبار.
فعندما تتسرب مياه الأمطار إلى التربة والشقوق بين الصخور، يتكثف الماء ويحمل معه جميع أنواع المعادن والمغذيات والملوثات. وان النقطة التي يتجمع فيها الماء في رواسب وصخور مشبعة بشكل دائم تسمى منسوب المياه؛ وتحتها المياه الجوفية التي تجري ببطء شديد عبر الطبقات الترابية العميقة.
جدير بالذكر، يمكن أن يتعرض الناس لمواد PFAS بطرق أخرى؛ في المحاصيل الغذائية ورغوة مكافحة الحرائق ومستحضرات التجميل. لكن إمدادات المياه هي واحدة من أكثر الطرق انتشارًا.
وقد نشرت دراسات الدمج على مدى 12 عامًا (2010-2022) حول مصير ونقل PFAS في البيئات الجوفية من السويد إلى أستراليا، فيما حدد لايو وزملاؤه جزء التربة فوق منسوب المياه باعتباره نقطة ساخنة لتراكم PFAS.
وقد نظر عملهم كيفية تفاعل الخواص الكيميائية لمواد PFAS (التي تختلف في الطول والوزن الجزيئي والقطبية) والعوامل الجيولوجية مثل التربة وكيمياء المياه للتأثير على نقل هذه الملوثات والاحتفاظ بها في طبقات تحت السطحية المختلفة. إنه يعتمد على التحليلات السابقة من خلال دمج تلك المواد الكيميائية الأحدث من PFAS التي لم تتمكن الدراسات القديمة من أخذها في الاعتبار.
ومن بين PFAS التي تمت دراستها، تم الاحتفاظ بالسلاسل الكربونية الطويلة في التربة، في حين أن جزيئات PFAS الأقصر والأكثر حركة كانت قادرة على التسلل بسرعة إلى المياه الجوفية. كان من المرجح أيضًا أن تتحرك PFAS المشحونة سالبة عبر التربة وتلوث المياه الجوفية.
وكتب ليو وزملاؤه أن فهم مصير هذه المواد الكيميائية الصناعية ونقلها في البيئات الجوفية «أمر محوري لتقييم المخاطر المرتبطة بـ PFAS وكذلك تطوير استراتيجيات علاجية فعالة لتنظيف المواقع الملوثة».
ومن المثير للقلق، أن المراجعة وجدت فقط عددًا قليلاً من المواد الكيميائية PFAS التي تمت دراستها، على الرغم من أن ما يزيد على 12000 مادة PFAS قد تم تحديدها من قبل وكالة حماية البيئة الأميركية (EPA).
وهناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لربط النقاط بين الأماكن التي تدخل فيها المواد الكيميائية إلى الأبد وتتدفق من خلالها وتتراكم في البيئة.
فقد لاحظ ليو وزملاؤه أن مصير المواد الكيميائية التي تنتقل عن طريق التربة عند تعرضها لعمليات حرارية مثل حرائق الغابات «لم يحظ حتى الآن باهتمام كبير أو تم تجاهله تمامًا».
إن معالجة المواقع الملوثة مكلفة ولكنها ضرورية. فالمخاطر كبيرة وتتزايد؛ حيث يدفع مصنعو المواد الكيميائية هذا الخطر الى التزايد مع كل مادة جديدة من PFAS يصنعونها.
وفي تبيين لهذا الأمر، قالت عالمة السموم البيئية بيثاني كارني ألمروث من جامعة غوتنبرغ في وقت سابق من هذا العام «ان معدل ظهور هذه الملوثات في البيئة يتجاوز بكثير قدرة الحكومات على تقييم المخاطر العالمية والإقليمية، ناهيك من التحكم في أي مشاكل محتملة. لقد انتهكت بالفعل الحد الكوكبي الآمن للمواد الكيميائية الصناعية. لكن من الأمور المشجعة أن العلماء أحرزوا تقدمًا ليس فقط في تطوير طرق لتصفية مواد PFAS من مصادر المياه، ولكن أيضًا في اكتشاف طريقة بسيطة لتحللها إلى عدد قليل من المنتجات الثانوية غير الضارة. غير ان المخاوف الصحية والأضرار البيئية ستظل باقية بلا شك حتى نحدد ونتتبع ونزيل ونتخلص من كل أوقية أخيرة من هذه الملوثات الثابتة».


مقالات ذات صلة

علماء يستخرجون نواة جليدية عمرها أكثر من مليون سنة

علوم أشخاص يعملون في كهف تخزين في موقع يُدعى «ليتل دوم سي» في القارة القطبية الجنوبية (أ.ب)

علماء يستخرجون نواة جليدية عمرها أكثر من مليون سنة

أعلن فريق دولي من العلماء أنهم نجحوا في حفر واحدة من أعمق الحفر الجليدية حتى الآن، بعمق ميلين (2.8 كيلومتر) للوصول لطبقة جليدية في القارة القطبية.

«الشرق الأوسط» (روما)
ظواهر جوية حادة أثّرت على مناطق السعودية خلال عام 2024 (الأرصاد)

15 ظاهرة تجسّد واقع التغيرات المناخية في السعودية

كشف المركز السعودي للأرصاد عن 15 ظاهرة جوية حادة أثّرت على مناطق المملكة خلال عام 2024 وتجسّد بوضوح تأثير التغيرات المناخية التي تشهدها البلاد.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق الفيضانات المدمرة في البرازيل تسببت في مقتل أكثر من 80 شخصاً خلال مايو 2024 (رويترز)

تهجير 40 مليون شخص بسبب كوارث مناخية في 2024

أفادت دراسة دولية بأن عام 2024 شهد درجات حرارة قياسية تسببت في تغييرات جذرية بدورة المياه العالمية، مما أدى إلى فيضانات مدمرة وجفاف شديد في العديد من المناطق.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال فعالية في فينيكس بولاية أريزونا الأميركية... 22 ديسمبر 2024 (رويترز)

لماذا يطالب ترمب بجزيرة غرينلاند وقناة بنما؟

يسعى ترمب من خلال مطالبته بالسيطرة على جزيرة غرينلاند وقناة بنما، لتحقيق مصالح اقتصادية وأمنية كبيرة للولايات المتحدة، لا سيما على حساب الصين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم 5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

دعاوى مشروعة للدول الفقيرة وأخرى ارتدادية من الشركات والسياسيين

جيسيكا هولينغر (واشنطن)

الذكاء الاصطناعي يعزز فرص الحمل

الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين نتائج التلقيح الصناعي (جامعة إمبريال كوليدج لندن)
الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين نتائج التلقيح الصناعي (جامعة إمبريال كوليدج لندن)
TT

الذكاء الاصطناعي يعزز فرص الحمل

الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين نتائج التلقيح الصناعي (جامعة إمبريال كوليدج لندن)
الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين نتائج التلقيح الصناعي (جامعة إمبريال كوليدج لندن)

توصلت دراسة من جامعة إمبريال كوليدج لندن في بريطانيا إلى أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز فرص الحمل لدى السيدات الخاضعات للتلقيح الصناعي.

وأوضح الباحثون أن هذه النتائج تسلط الضوء على إمكانات الذكاء الاصطناعي في تحسين نتائج العلاج وتقديم رعاية أكثر دقة للمريضات، ونُشرت النتائج، الأربعاء، في دورية (Nature Communications).

ويذكر أن التلقيح الصناعي إجراء طبي يساعد الأزواج الذين يعانون من مشاكل في الإنجاب على تحقيق الحمل. وفي هذا الإجراء، يتم استخراج البويضات من المبايض لدى السيدات بعد تحفيزها بواسطة أدوية هرمونية، ثم يتم تخصيبها بالحيوانات المنوية للرجال في المختبر. وبعد التخصيب، يتم مراقبة نمو الأجنة في المختبر، ثم يتم اختيار أفضل الأجنة لنقلها إلى رحم المرأة في أمل حدوث الحمل.

وتمر العملية بخطوات أولها تحفيز المبايض باستخدام أدوية هرمونية لزيادة إنتاج البويضات، ثم مراقبة نمو الحويصلات التي تحتوي على البويضات عبر جهاز الموجات فوق الصوتية. وعند نضوج البويضات، تُجمع بواسطة إبرة دقيقة وتُخصّب في المختبر. وبعد بضعة أيام، تنُقل الأجنة المتطورة إلى الرحم لتحقيق الحمل.

ويُعد توقيت إعطاء حقنة الهرمون أمراً حاسماً في نجاح العملية، حيث يستخدم الأطباء فحوصات الموجات فوق الصوتية لقياس حجم الحويصلات، لكن تحديد التوقيت المناسب يعد تحدياً.

وفي هذه الدراسة، استخدم الباحثون تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات أكثر من 19 ألف سيدة خضعن للعلاج. ووجدوا أن إعطاء حقنة الهرمون عندما يتراوح حجم الحويصلات بين 13 و18 ملم كان مرتبطاً بزيادة عدد البويضات الناضجة المسترجعة، مما أدى إلى تحسن ملحوظ في معدلات الحمل.

وبينما يعتمد الأطباء حالياً على قياس الحويصلات الأكبر فقط (أكثر من 17-18 ملم) لتحديد توقيت الحقن، أظهرت الدراسة أن الحويصلات المتوسطة الحجم قد تكون أكثر ارتباطاً بتحقيق نتائج إيجابية في العلاج.

كما أظهرت النتائج أن تحفيز المبايض لفترات طويلة قد يؤدي لارتفاع مستويات هرمون البروجستيرون، مما يؤثر سلباً على نمو بطانة الرحم ويقلل من فرص نجاح الحمل.

وأشار الفريق إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتيح للأطباء اتخاذ قرارات أكثر دقة في توقيت هذا الإجراء، مع الأخذ في الاعتبار أحجام الحويصلات المختلفة، وهو ما يتجاوز الطرق التقليدية التي تعتمد فقط على قياس الحويصلات الكبرى.

وأعرب الباحثون عن أهمية هذه النتائج في تحسين فعالية التلقيح الصناعي وزيادة نسب النجاح، مشيرين إلى أن هذه التقنية تقدم أداة قوية لدعم الأطباء في تخصيص العلاج وفقاً لاحتياجات كل مريضة بشكل فردي.

كما يخطط الفريق لتطوير أداة ذكاء اصطناعي يمكنها التفاعل مع الأطباء لتقديم توصيات دقيقة خلال مراحل العلاج؛ ما سيمكنهم من تحسين فرص نجاح العلاج وتحقيق نتائج أفضل.