أرادت بريتني سبيرز أن تكون انطلاقتها الجديدة على هيئة صاروخٍ ينثر وروداً أثناء رحلته إلى الفضاء. فالمغنية الأميركية التي كادت أن تنسى معنى الرشق بالورد خلال سنوات غيابها، قررت أن تعود على متن رحلة موسيقية جمعتها بالفنان البريطاني إلتون جون.
نبشَ المغنّي الأسطورة عملاً من أرشيفه، وقدّمه إلى سبيرز احتفاءً بعودتها. حوّل أغنية «تايني دانسر» Tiny Dancer الصادرة عام 1971 إلى مقطوعة موسيقية معاصرة، وضمّ صوته إلى صوت سبيرز ليقدّما معاً ديو «هولد مي كلوسر» Hold Me Closer.
مَن يستمع إلى الأغنية، قد لا يتعرّف إلى صوت بريتني فهو مختلفٌ عمّا اعتاده الجمهور. تعتمد طبقة جديدة لا تشبه الصوت الطفولي العالي النبرة، والذي يقال إن بعض شركات الإنتاج أرغمتها على الأداء به. لقد حرّرت بريتني صوتها، بعد أن تحرّرت نهائياً من وصاية والدها عليها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.
أغنية الانتصار على الانكسار
ليس وقوف بريتني سبيرز إلى جانب عمالقة الموسيقى بالأمر المستجدّ، فهي غنّت سابقاً مع مايكل جاكسون ومادونا وغيرهما من النجوم الكبار. غير أنّ للوقفة مع إلتون جون في هذا التوقيت نكهة خاصة.
هي أغنية بطَعم الانتصار والحرية، تكرّس عودة سبيرز إلى الاستوديو بعد غياب 6 سنوات. كان من المنطقي إذن أن تحتفي بها على منصات التواصل الاجتماعي، وتشكر جون على «كرَمه»، حسب تعبيرها.
من جهته، غرّد إلتون جون عبر «تويتر» قائلاً إنّ سروره كان عظيماً عندما وافقت بريتني على الانضمام إليه، واصفاً إياها بالأيقونة في عالم موسيقى البوب.
إلتون جون وبريتني سبيرز عام 2013 (غيتي)
مع أنه بلغ 75 عاماً أمضى 52 منها في قمّة النجاح، لا يتردّد إلتون جون مؤخراً في خوض تجارب فنية جريئة مع فنانين يصغرونه بأجيال. من ليدي غاغا، إلى إد شيران، مروراً بدوا ليبا، وصولاً إلى تشارلي بوث ونيكي ميناج، يفتح الرجل ذراعَيه للنجوم الجدُد. يُقرضهم مجدَ اسمه، فيردّون له الجميل بتقديمه إلى جيلٍ من المراهقين، ربما لم يتسنَّ لهم بعد التعرّف إلى موسيقاه.
لكنه لا يكتفي بمدّ يد التعاون الفني إلى زملائه؛ بل غالباً ما يمدّ لهم يد المساعدة الإنسانية. وهذا ما فعله مع المغنّي البريطاني روبي ويليامز عندما أرغمه على العلاج من الإدمان على الكحول. كما كانت له محاولات مشابهة مع إمينيم ومايكل جاكسون وجورج مايكل، وغيرهم من الفنانين.
لم يأتِ اندفاعُه الإنساني هذا من عدَم؛ بل من تجربته الخاصة مع الإدمان على الكحول، والتي خرج منها معافى منذ أكثر من 30 عاماً. فتح قلبه قبل أيام إلى صحيفة «الغارديان» البريطانية، فقال إن الانكسار جمعه ببريتني سبيرز: «لقد اختبرت شعور الانكسار وكان أمراً مخيفاً. والآن لدي ما يكفي من الخبرة كي أقدّم النصيحة والمساعدة للناس؛ لأنني لا أريد أن أرى أي فنان في مكانٍ مظلم».
لم يتأثر جون بتشكيك الناس في قدرات سبيرز الصوتيّة بعد غيابها الطويل. سلّمها أغنيته واسمه واثقاً بخبرتها وبلهفتها للعودة إلى الغناء. وفي مجموعة من المقابلات التي أجراها بعد صدور الأغنية، ذكّر بأنّ «بريتني اختبرت الجحيم، وهي بحاجة لبعض الحب من الناس بعد كل ما عانت». قال إنها «تعرّضت للخيانة مراتٍ عدة، وهي خائفة من مواجهة عيون الجماهير بعد كل هذا الغياب؛ لكننا أمسكنا بيدها وطمأنّاها بأن كل شيء سيكون على ما يرام».
«عامَلوني كأنني لا شيء»
لم تحرّر بريتني سبيرز صوتها غناءً فحسب؛ بل قرّرت أن تطلقَه عالياً لتروي حكايتها منذ إعلان وصاية والدها عليها عام 2008. فقبل أيام، نشرت تسجيلاً صوتياً مدّته حوالي 20 دقيقة، تخبر فيه تفاصيل المعاناة التي امتدّت 13 عاماً.
ما حصل مع بريتني يشبه الكابوس. صحيحٌ أن القصة بدأت بسبب خروجها عن طورها بعد طلاقها وحرمانها من رؤية ولدَيها عام 2007. حلقت رأسها يومها، واعتدت على سيارة مصوّر كان يلاحقها، ما اقتضى إدخالها تكراراً إلى المستشفى للخضوع لعلاج نفسي. لكنّ ما قاسته لاحقاً جاء ليوسّع جراحَ روحها، ويعمّق الشرخ بينها وبين أقرب الناس إليها، والدَيها وإخوتها.
لطالما كرّر والدها جايمس سبيرز أنّ وصايته عليها بدَت «ضرورية لحمايتها، فحياتها كانت عبارة عن فوضى جسدية وعاطفية وعقلية ومالية». منطقياً، لا أحد ينافس الوالدَين في حماية أولادهما، غير أنّ ما حصل مع بريتني خالفَ كل منطق. تحوّل المنزل العائلي الذي كان من المفترض أن يحتضنها، إلى سجن. أما هي فتحوّلت إلى دجاجة تبيض ذهباً لعائلتها، ولا تحصل منهم سوى على الفتات.
كثيرون هم الإعلاميون العالميون الذين حاولوا استضافة بريتني لتحكي قصتها في برامجهم؛ لكنها فضّلت أن يكون بَوحُها حميماً ومباشراً بينها وبين جمهورها. بصوتٍ تخنقه الغصّة حيناً والتنهيدات أحياناً، تخبر كيف تحوّلت وصاية والدها عليها وهي في سن الـ25 إلى عقابٍ واستغلالٍ وتحكّمٍ مطلق.
«عامَلوني وكأنني لا شيء. استسلمتُ للأمر، وادّعيتُ أنني بخير لأني كنت خائفة، وعرفت أن بإمكانهم إيذائي»، هكذا قالت بريتني، كاشفة أن مجموعة من رجال الأمن كانت ترافقها في كل تنقّلاتها. أما داخل المنزل، فهي كانت محرومة من إغلاق الباب على نفسها. حتى ملابسها كانت تغيّرها أمام عيون الموجودين حولها.
«عشتُ تحت قوانين أبي: الخروج مع الأصدقاء ممنوع، السهر ممنوع، المال ممنوع، الإجازات ممنوعة، والاتصالات الهاتفية مراقبة ومسجّلة». خلال سنوات الوصاية، أصدرت بريتني سبيرز 4 ألبومات وقامت بـ5 جولات عالمية، من ضمنها عرضها الشهير في لاس فيغاس. جنت عشرات الملايين؛ لكنها لم تكن تحصل سوى على القليل منها.
تتابع بوحَها كاشفة عن أنها وصلت إلى مرحلة ما عادت تكترث فيها لأدائها، فتحوّلت إلى رجل آليّ. تنفّذ ما هو مطلوب منها، وسط «مؤامرة أشخاصٍ يدّعون معاملتها كنجمة؛ لكنهم في الواقع يعتبرونها نكِرة».
بدأت ملامح التحرّر تلوح عام 2016 بالتزامن مع صدور ألبومها «غلوري» Glory. «عملتُ على ترميم ثقتي بنفسي، وصرت أرفع صوتي»، كما تقول.
لكنّ رحلة الخروج من جلباب عائلتها لم تصل إلى بر الأمان إلا بعد انطلاق حملة «حرروا بريتني» #FreeBritney التي أثّرت عميقاً في الفنانة؛ إذ كشفت عن أن «كل هؤلاء الناس كانوا في الشارع يحاربون من أجلي، بينما لم تحرّك والدتي وشقيقتي ساكناً. وكأنهما كانتا تستمتعان بالفوضى والسوء اللاحقين بي... وهذا أكثر ما أوجعني».