«حركة الشباب» تهدد قبائل متحالفة مع الجيش الصومالي

مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية والطوارئ يتحدث في مؤتمر صحافي في العاصمة مقديشو أمس حيث تقول الأمم المتحدة: «المجاعة على الأبواب» في الصومال (أ.ب)
مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية والطوارئ يتحدث في مؤتمر صحافي في العاصمة مقديشو أمس حيث تقول الأمم المتحدة: «المجاعة على الأبواب» في الصومال (أ.ب)
TT

«حركة الشباب» تهدد قبائل متحالفة مع الجيش الصومالي

مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية والطوارئ يتحدث في مؤتمر صحافي في العاصمة مقديشو أمس حيث تقول الأمم المتحدة: «المجاعة على الأبواب» في الصومال (أ.ب)
مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية والطوارئ يتحدث في مؤتمر صحافي في العاصمة مقديشو أمس حيث تقول الأمم المتحدة: «المجاعة على الأبواب» في الصومال (أ.ب)

توعدت «حركة الشباب» الصومالية المتطرفة بمهاجمة القبائل المتحالفة مع الجيش الصومالي، وهددت بشن حرب عليها بسبب تلقيها سلاحاً من الحكومة. واتهمت الحركة المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، الحكومة الصومالية بتعبئة العشائر التي كانت متحالفة في السابق معها. واعتبر عبد العزيز أبو مصعب المتحدث باسم الحركة أنها ليست في حالة حرب مع هذه العشائر الصومالية، ولكنها كانت على علم بأن الحكومة الفيدرالية كانت تقوم بتسليحها، لافتاً إلى أن شيوخ العشائر والحكومة ينسقون التعاون. وقال إن عدوهم يحاول دائماً اتباع أسلوب يهدد تطبيق الشريعة في بعض أنحاء البلاد، والتي تشمل التنظيم والتسليح العشائري، والميليشيات تستخدمه لمحاربة الشريعة، ووصفها بأنها تقنية قديمة جربها العدو مئات المرات لكنها فشلت في كل منها».
وتابع قائلاً: «نقول لجميع القبائل الصومالية، إننا لا نهاجم عائلة معينة أو منطقة معينة، فقط كل عائلة وكل جماعة وكل أسرة تقرر الانضمام لصفوف العدو وتحمل السلاح».
وفي تهديد مباشر، أضاف: «نعرف العائلات التي قدم العدو تلك الخطة لها، نعرف من رفضها، نعلم أنهم تبنوا المشروع ضد الشريعة، نعرف أين يتم تنظيم تلك الخطط، نعرف السياسيين المرتدين الذين ينظمونها، نعلم الكبار المتورطين، نعرف من ينفقون المال. نقول ابتعدوا وتوبوا، لا تكونوا وقود الكفار لتأجيج الصراع في هذا البلد».
وبينما قالت وسائل إعلام حكومية إن قوات الجيش قتلت خلال ما وصفته بعملية نوعية، عدداً غير معلوم من عناصر الحركة ودمرت تمركزاتهم في منطقة بصرة التابعة لمحافظة شبيلي الوسطى، قال الجيش الصومالي إنه استولى على عدة قرى في منطقة بولوبورت وصادر قوارب استخدمها الإرهابيون لعبور النهر ولوجيستيات النقل».
وقتلت «حركة الشباب» أكثر من 20 شخصاً في منطقة حيران في وسط الصومال يوم السبت الماضي خلال هجوم على قافلة مساعدات، ادعت أنه استهدف ميليشيا محلية تقاتل إلى جانب القوات الحكومية.
وتقاتل الحركة الحكومة المركزية الصومالية منذ أكثر من عقد، وتسعى لإقامة نظام حكمها الخاص على أساس تفسير متشدد للشريعة، وكثيراً ما تشن ضربات وهجمات بالأسلحة النارية وغيرها على أهداف عسكرية ومدنية.
وتشن «حركة الشباب» منذ 2007 تمرداً ضد الحكومة الفيدرالية المدعومة من المجتمع الدولي، علماً بأنها طُردت من المدن الرئيسية في البلاد، بما فيها العاصمة مقديشو في 2011، لكنها لا تزال تنشط في مناطق ريفية شاسعة وتشكل تهديداً كبيراً للسلطات.
بدورها، حذرت الأمم المتحدة أمس من حدوث مجاعة وشيكة في مناطق بالصومال خلال الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) إلى ديسمبر (كانون الأول) المقبل، مع تفاقم الجفاف وارتفاع أسعار الغذاء العالمية إلى مستويات قياسية.
وقال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن جريفيث في مؤتمر صحافي في العاصمة مقديشو: «المجاعة على الأبواب»، وأوضح أن لديه مؤشرات ملموسة على أن هناك مجاعة سوف تحدث بحلول الخريف في مناطق من جنوب وسط الصومال.
وأعرب غريفيث الذي وصل الخميس إلى الصومال عن «صدمته الكبيرة حيال مدى الألم والمعاناة الذي يلحق بالكثير من الصوماليين» مؤكداً أنه رأى «أطفالاً يعانون من سوء التغذية إلى حد أنهم بالكاد يستطيعون الكلام» خلال زيارة قام بها إلى بيدوة «بؤرة» الكارثة الوشيكة.
وتشهد منطقة القرن الأفريقي أسوأ موجة جفاف منذ 40 عاماً، ويقول الخبراء إن المنطقة في طريقها إلى تسجيل شح في الأمطار للموسم الخامس على التوالي، حيث يطول الجفاف غير المسبوق 7.8 مليون شخص في الصومال يشكلون نصف السكان تقريباً، بينهم 213 ألفاً معرضون لخطر المجاعة، وفق أرقام الأمم المتحدة.
إلى ذلك، عين موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وزير الخارجية القمري السابق محمد الأمين صيف، ممثلاً خاصاً له في الصومال ورئيساً لبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية هناك، اعتباراً من الأول من الشهر الجاري».
ويفترض بحسب بيان لفكي أن يحافظ الأمين على تفاعل وثيق ومستمر مع الحكومة الصومالية وأصحاب المصلحة الصوماليين الآخرين في دعم تنفيذ خطة الانتقال الصومالية وعمليات بناء الدولة الأوسع في الصومال، ودعا جميع الجهات الفاعلة الوطنية والقارية والدولية ذات الصلة إلى التعاون الوثيق مع السفير صيف في تعزيز السلام والاستقرار في الصومال».
ويأتي تعيين الأمين مبعوثاً جديداً للاتحاد الأفريقي إلى الصومال خلفاً للمبعوث السابق سعادة فرانسيسكو ماديرا من موزمبيق، الذي كانت الحكومة الصومالية قد اعتبرته بعد فترة ولايته التي تزيد على 6 سنوات، في أبريل (نيسان) الماضي، «شخصاً غير مرغوب فيه»، وأمهلته 48 ساعة لمغادرة البلاد، «لانخراطه في أعمال لا تتعلق بمسؤوليته». وشغل الأمين في السابق منصب وزير الخارجية بجزر القمر وسفيرها في مصر، ومثل بلاده لدى الأمم المتحدة والجامعة العربية، علماً بأنه يترأس حالياً مكتب بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي».


مقالات ذات صلة

قوات الأمن الباكستانية تعلن «تحييد» 12 مسلحاً في إقليمَي خيبر وبلوشستان

آسيا شرطي يحرس كاتدرائية القديس يوحنا المركزية في بيشاور خلال قداس عيد الميلاد (د.ب.أ)

قوات الأمن الباكستانية تعلن «تحييد» 12 مسلحاً في إقليمَي خيبر وبلوشستان

أعلنت قوات الأمن الباكستانية «تحييد» 12 مسلحاً في عمليتين نفذتهما في إقليمَي خيبر بختونخوا وبلوشستان المحاذيين لأفغانستان.

«الشرق الأوسط» (راولبندي - إسلام آباد (باكستان))
آسيا يقف فنان الشارع جارود جريش لالتقاط صورة بجانب لوحته التي تصور أحمد الأحمد وهو صاحب متجر سوري أسترالي يبلغ من العمر 43 عاماً والذي نزع سلاح أحد مهاجمي حادثة إطلاق النار في شاطئ بونداي بسيدني في ملبورن أستراليا (أ.ب)

«بطل هجوم بونداي»: هدفي كان انتزاع السلاح من المهاجم ومنعه من قتل الأبرياء

قال رجل وصف بـ«البطل» بسبب تعامله مع أحد المسلَّحين اللذين نفذا هجوم شاطئ بونداي في أستراليا، إنه تصرف لمنع سقوط المزيد من القتلى.

«الشرق الأوسط» (ملبورن - سيدني (أستراليا) - لندن)
العالم أستراليون يقفون أمام مدخل شاطئ بونداي الذي شهد هجوماً أودى بحياة 15 شخصاً (رويترز) play-circle

عائلات ضحايا «هجوم بونداي» تطالب بتحقيق فيدرالي في «تصاعد معاداة السامية»

دعت عائلات ضحايا هجوم شاطئ بونداي في أستراليا رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي إلى تشكيل لجنة ملكية فيدرالية للتحقيق في «التصاعد السريع لمعاداة السامية» في البلاد.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
أفريقيا جانب من اجتماع الحكومة الانتقالية في النيجر الجمعة الماضي (إعلام محلي)

النيجر: المجلس العسكري يعلن «التعبئة العامة» لمواجهة الإرهاب

أقرت الحكومة الانتقالية بالنيجر ما سمته «التعبئة العامة» من أجل مواجهة الجماعات الإرهابية، وخاصة تلك المرتبطة بتنظيمَي «القاعدة» و«داعش»، التي تشن هجمات دامية.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
آسيا يقف أحد أفراد أمن «طالبان» على ظهر مركبة بينما يصل لاجئون أفغان إلى نقطة الصفر عند معبر إسلام قلعة الحدودي بين أفغانستان وإيران يوم 28 يونيو الماضي بعد ترحيلهم من إيران (أ.ف.ب)

تحقيق يكشف: أفغان يواجهون القتل والتعذيب بعد إعادتهم من إيران

كشف تحقيق صحافي عن تعرّض أفغان لعمليات قتل خارج نطاق القضاء وتعذيب واحتجاز تعسفي، عقب إعادتهم قسراً من إيران إلى بلادهم، موثقاً ما لا يقل عن 6 حالات.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد - كابل)

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
TT

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)

قال فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، اليوم الاثنين، إنه كان من المقرر أن يقوم قائد «قسد» مظلوم عبدي والوفد المفاوض لشمال وشرق سوريا، بزيارة لدمشق، اليوم، إلا أن الزيارة تأجلت «لأسباب تقنية».

وأضاف، عبر حسابه على منصة «إكس»، أنه سيجري تحديد موعد جديد لزيارة قائد «قسد» مظلوم عبدي لدمشق، في وقت لاحق يجري الاتفاق عليه بالتوافق بين الأطراف المعنية.

وأكد أن تأجيل زيارة عبدي لدمشق في إطار ترتيبات لوجستية وفنية، ولم يطرأ أي تغيير على مسار التواصل أو الأهداف المطروحة.

كان التلفزيون السوري قد أفاد، الجمعة، بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على حاجز أمني في مدينة حلب، في حين ذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الجيش أسقط مُسيّرات أطلقتها «قسد» باتجاه مواقع تابعة له في سد تشرين، بريف حلب الشرقي.

وأوضح التلفزيون أن عناصر «قسد» المتمركزين في حي الأشرفية بحلب يطلقون النار على عناصر الأمن الداخلي الموجودين عند حاجز دوار شيحان.

لكن «قسد»، من جهتها، أكدت أن فصائل تابعة لحكومة دمشق أطلقت قذيفتين صاروخيتين على قواتها، ما أجبرها على الرد.

وفي وقت لاحق، قالت «قسد» إن الفصائل التابعة للحكومة السورية شنّت «هجوماً عنيفاً باستخدام الرشاشات الثقيلة والمدفعية» على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، ووصفت الهجوم بأنه «اعتداء سافر يهدد أمن المدنيين ويُنذر بتداعيات خطيرة».


الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.