الجريمة العابرة للحدود مزدهرة وتزعزع الاستقرار

تقرير أممي: 80% من سكان العالم يعانون منها

TT

الجريمة العابرة للحدود مزدهرة وتزعزع الاستقرار

يفيد التقرير الأخير الصادر عن «المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية»، التابعة لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة، بأن 80 في المائة من سكان العالم يعيشون في بلدان تسجّل مستويات مرتفعة جداً من الإجرام الذي يقوّض دعائم المجتمعات ويزيد من تعرّضها لزعزعة الاستقرار.
وتأتي جمهورية الكونغو في صدارة البلدان من حيث عدد المنظمات الإجرامية الناشطة فيها، ضمن 193 دولة يشملها هذا التقرير السنوي، وتليها الكونغو الديمقراطية وميانمار والمكسيك، ثم نيجيريا وإيران وأفغانستان والعراق في المراتب التالية.
ويستند التقرير في وضع هذه اللائحة إلى ثلاثة معايير أساسية: دائرة الأنشطة الإجرامية وحجم المنظمات وتأثيرها، وبنية هذه المنظمات ونفوذها، وفاعلية التدابير التي تعتمدها البلدان لمواجهتها وقدرتها على مكافحتها وتفكيكها وملاحقة الضالعين فيها.
كما يشير التقرير إلى أنه على الرغم من تركيز المنظمات الإجرامية على أضعف فئات المجتمع، فإن تأثير أنشطتها يشمل في نهاية المطاف كل الفئات والقطاعات المنتجة والمؤسسات الرسمية. ويلاحظ أن بلدان أميركا اللاتينية تتصدر الترتيب العالمي من حيث المنظمات الناشطة في مجال تصنيع المخدرات والاتجار بها، وأن استغلال الأشخاص يشكل النشاط الإجرامي الأوسع انتشاراً في العالم، إلى جانب الاستخراج غير الشرعي للمعادن، وتجارة الأسلحة، والجرائم البيئية للمتاجرة بالأجناس النباتية والحيوانية المحظورة، والسطو على موارد الطاقة غير المتجددة.
ويشدّد مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة على أهمية مكافحة الفساد باعتباره أحد الأسباب الرئيسية التي تساعد على انتشار الجريمة المنظمة، ويشير إلى أن النشاط الإجرامي لم يتراجع حتى خلال جائحة «كوفيد - 19» وفترات الإغلاق والعزل التي فرضتها الدول لمكافحتها، بعكس الأنشطة الاقتصادية الشرعية التي تجمّدت أو انحسرت بنسبة عالية في جميع البلدان، كما أن ارتفاع مستويات الفقر بسبب الجائحة ساعد على انتشار الجريمة المنظمة في مناطق كثيرة من العالم.
ومن الأسباب الأخرى التي تساعد على «ازدهار» الأنشطة الإجرامية، يذكر التقرير عجز الأنظمة الجنائية عن ملاحقة المتهمين بهذه الأنشطة وإنزال العقوبات بهم، وفقاً للقوانين والاتفاقات الدولية التي غالباً ما تبقى نصوصها حبراً على ورق بسبب الفساد المتفشي في المؤسسات العامة والأجهزة الأمنية المكلفة بمكافحة الجريمة.
ويشير التقرير إلى أنه من الصعب جداً تقدير الأرباح التي تجنيها المنظمات الإجرامية من أنشطتها المتنوعة، لكن بعض التقديرات ترجّح أن مداخيل هذه المنظمات في البلدان العشر الأولى التي تتصدر القائمة قد تعادل ما يزيد على 5 في المائة من إجمالي الناتج القومي لهذه البلدان.
يُذكر أن تقريراً سابقاً وضعه مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة أشار إلى أن مدخول منظمات المافيا التي تنشط في إيطاليا يوازي 10 في المائة تقريباً من إجمالي الناتج القومي الإيطالي، وأن عدد الذين يعملون لصالح هذه المنظمات يفوق عدد العاملين في مؤسسة «فيات»، وهي كبرى الشركات الصناعية الإيطالية.
وتشير التقديرات الأخيرة الواردة في عدد من التقارير التي وضعتها الأمم المتحدة ومؤسسات أكاديمية إلى أن واردات الجريمة المنظمة عبر الوطنية تعادل 1.8 في المائة من إجمالي الناتج العالمي.
تجدر الإشارة إلى أن هذه المبادرة العالمية التي تتخذ من جنيف مقراً لها، تجمع ما يزيد على 500 خبير ومتخصص في العلوم الجنائية ومكافحة الإجرام، وتنشط لابتكار طرائق واستراتيجيات جديدة لمكافحة الجريمة العالمية المنظمة. وكانت المبادرة تأسست عام 2011 بعد أن بيّنت الدراسات والتقارير التي وضعها فريق من الاستشاريين المستقلين أن فاعلية المعاهدات والاتفاقيات المتعددة الأطراف لمكافحة الجريمة المنظمة ضعيفة جداً، بسبب افتقارها للأحكام والبنود الملزمة بشأن التعاون بين الدول، ولأنها نادراً ما تُدمج ضمن الخطط والاستراتيجيات الوطنية.
وكان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار مؤخراً إلى أن المنظمات الإجرامية عبر الوطنية تشكّل عائقاً أساسياً يحول دون التنمية الاجتماعية والاقتصادية في معظم البلدان النامية، ويهدّد الاستقرار الأمني فيها. وقد وضعت المبادرة العالمية في استراتيجيتها الجديدة مجموعة من الأهداف لتحقيقها في السنوات الثلاث المقبلة، هي: التوعية المستندة إلى القرائن والأدلة حول خطورة الجريمة المنظمة، وتطوير استجابات سياسية وقانونية مبتكرة لمكافحتها، ومساعدة البلدان النامية على تعزيز قدراتها وفاعلية استجاباتها، وتشجيع إقامة الشراكات للاستجابات المشتركة.
ومن المقرر أن تعقد الأمم المتحدة قمة عالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العام المقبل، بالتزامن مع الذكرى السنوية العشرين للتصديق على اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية التي تم التوقيع عليها في مدينة باليرمو، عاصمة جزيرة صقلية الإيطالية.


مقالات ذات صلة

العالم يخسر المعركة ضد الجريمة المنظمة

العالم تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)

العالم يخسر المعركة ضد الجريمة المنظمة

العصابات الدولية تعيد تشكيل خريطة الجريمة باستخدام التكنولوجيا والمخدرات، في وقت تبدو فيه الحكومات متأخرة عن مواكبة هذا التطور.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة أصدرتها شرطة تشيستر للدرج التي خبأت به الأم طفلتها

حبس أم خبأت طفلتها في درج لمدة ثلاث سنوات

حكم على سيدة بريطانية خبأت ابنتها الرضيعة في درج أسفل سريرها حتى بلغت الثالثة من عمرها تقريباً بالسجن لمدة سبع سنوات ونصف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الخليج عَلم الإمارات (رويترز)

الإمارات تعلن هوية الجناة في حادثة مقتل مقيم بجنسية مولدوفية

أعلنت وزارة الداخلية الإماراتية أن السلطات الأمنية المختصة بدأت إجراء التحقيقات الأولية مع ثلاثة جناة أُلقي القبض عليهم لاتهامهم بارتكاب جريمة قتل.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
أوروبا منظر عام لجزيرة صقلية (وسائل إعلام إيطالية)

«المافيا» تهدد على طريقة فيلم «العراب»... رأس حصان وبقرة ممزقة يرعبان صقلية

هزَّ العثور على رأس حصان مقطوع، وبقرة حامل ممزقة وعجلها الميت بداخلها ملطخين بالدماء، جزيرة صقلية، إذ تعاملت السلطات مع الحادث باعتباره تهديداً من قبل المافيا.

«الشرق الأوسط» (روما)
يوميات الشرق الشرطة ألقت القبض على سارات رانجسيوثابورن في بانكوك عام 2023 (إ.ب.أ)

مدينة لهم بالمال... الإعدام لتايلاندية متهمة بقتل 14 من أصدقائها بـ«السيانيد»

حُكم على امرأة في تايلاند بالإعدام، بعدما اتُّهمت بقتل 14 من أصدقائها بمادة السيانيد.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)

هوكستين: القوات الإسرائيلية ستنسحب قبل انتشار الجيش اللبناني في الجنوب

المبعوث الأميركي آموس هوكستين متحدثاً إلى الصحافة خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
المبعوث الأميركي آموس هوكستين متحدثاً إلى الصحافة خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
TT

هوكستين: القوات الإسرائيلية ستنسحب قبل انتشار الجيش اللبناني في الجنوب

المبعوث الأميركي آموس هوكستين متحدثاً إلى الصحافة خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
المبعوث الأميركي آموس هوكستين متحدثاً إلى الصحافة خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

أكد المبعوث الأميركي، آموس هوكستين، الأربعاء، أن القوات الإسرائيلية ستنسحب من المناطق الجنوبية قبل انتشار الجيش اللبناني، وذلك غداة إعلان التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله».

وأضاف هوكستين في تصريحات تلفزيونية لوسائل إعلام لبنانية: «(حزب الله) انتهك القرار 1701 لأكثر من عقدين وإذا انتهك القرارات مجدداً سنضع الآليات اللازمة لذلك».

وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس، وقفاً لإطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» دخل حيّز التنفيذ في الرابعة صباحاً بالتوقيت المحلّي.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الاتفاق سيسمح لبلاده التي ستحتفظ «بحرية التحرّك» في لبنان، وفق قوله، بـ«التركيز على التهديد الإيراني»، وبـ«عزل» حركة «حماس» في قطاع غزة.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن اتفاق وقف النار في لبنان يجب أن «يفتح الطريق أمام وقف للنار طال انتظاره» في غزة.

وأعلن الجيش اللبناني، اليوم، أنه بدأ نقل وحدات عسكرية إلى قطاع جنوب الليطاني، ليباشر تعزيز انتشاره في القطاع، بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، وذلك بعد اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، الذي بدأ سريانه منذ ساعات.

وقال الجيش في بيان إن ذلك يأتي «استناداً إلى التزام الحكومة اللبنانية بتنفيذ القرار (1701) الصادر عن مجلس الأمن بمندرجاته كافة، والالتزامات ذات الصلة، لا سيما ما يتعلق بتعزيز انتشار الجيش والقوى الأمنية كافة في منطقة جنوب الليطاني».

وأضاف أن الوحدات العسكرية المعنية «تجري عملية انتقال من عدة مناطق إلى قطاع جنوب الليطاني؛ حيث ستتمركز في المواقع المحددة لها».

وكان رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي قد أعلن في وقت سابق أن لبنان سيعزز انتشار الجيش في الجنوب في إطار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

وقال ميقاتي بعد جلسة حكومية إن مجلس الوزراء أكّد الالتزام بقراره «رقم واحد، تاريخ 11/10/2014، في شقه المتعلق بالتزام الحكومة اللبنانية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701... بمندرجاته كافة لا سيما فيما يتعلق بتعزيز انتشار الجيش والقوى الأمنية كافة في منطقة جنوب الليطاني».

وطالب في الوقت نفسه «بالتزام العدو الإسرائيلي بقرار وقف إطلاق النار والانسحاب من كل المناطق والمواقع التي احتلها، تنفيذا للقرار 1701 كاملا».

وأرسى القرار 1701 وقفا للأعمال الحربية بين إسرائيل و«حزب الله» بعد حرب مدمّرة خاضاها في صيف 2006.

وينصّ القرار كذلك على انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان، وتعزيز انتشار قوة الامم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) وحصر الوجود العسكري في المنطقة الحدودية بالجيش اللبناني والقوة الدولية.وأعرب ميقاتي في الوقت نفسه عن أمله بأن تكون الهدنة «صفحة جديدة في لبنان... تؤدي إلى انتخاب رئيس جمهورية» بعد عامين من شغور المنصب في ظلّ الخلافات السياسية الحادة بين «حزب الله» حليف إيران، وخصومه السياسيين.

من جهته، دعا رئيس البرلمان اللبناني وزعيم حركة أمل نبيه بري النازحين جراء الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، للعودة إلى مناطقهم مع بدء سريان وقف إطلاق النار. وقال في كلمة متلفزة «أدعوكم للعودة إلى مسقط رؤوسكم الشامخة... عودوا إلى أرضكم التي لا يمكن أن تزداد شموخاً ومنعة إلا بحضوركم وعودتكم إليها».ودعا كذلك إلى «الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية» بعد عامين من شغور المنصب.

ومن المنتظر أن تتولى الولايات المتحدة وفرنسا فضلاً عن قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وقال هوكستين إن بلاده ستدعم الجيش اللبناني الذي سينتشر في المنطقة. وأكد: «سندعم الجيش اللبناني بشكل أوسع، والولايات المتحدة هي الداعم الأكبر له، وسنعمل مع المجتمع الدولي جنبا إلى جنب».