هبوط احتياطيات «المركزي» اللبناني من العملات الصعبة يدفع الليرة إلى انهيار جديد

تراجعت إلى ما دون 10 مليارات دولار وأسعار السلع في المحلات ترتفع «كل دقيقتين»

TT

هبوط احتياطيات «المركزي» اللبناني من العملات الصعبة يدفع الليرة إلى انهيار جديد

شهدت الأسواق الموازية للمبادلات النقدية اضطراباً مفاجئاً أمس، ساهم بتأجيج الفوضى المتفلتة التي تسود أسواق الاستهلاك أساساً، وذلك وسط تحسب تلقائي من التجار لتسجيل انحدار إضافي في سعر صرف الليرة تمت إضافته فوراً وبنسب عشوائية على أسعار السلع، بعدما اقتربت عمليات التسعير في سوق القطع سريعاً من عتبة 36 ألف ليرة للدولار الواحد، قبل أن تعود للانكفاء نسبياً قريباً من مستوى 35 ألف ليرة.
وبدا أن هبوط مستوى احتياطات العملات الصعبة لدى البنك المركزي دون عتبة 10 مليارات دولار، شكّل حافزاً إضافياً للمضاربات النقدية التي تلتقط تلقائياً أي إشارات مستجدة، وفي ظل تقلص قدرات البنك المركزي وتحول جزء مهم (نحو 60 في المائة) من حجم الطلب اليومي لمستوردي المحروقات إلى الأسواق الموازية خارج منصة «صيرفة»، حسبما قالت مصادر ناشطة في أسواق الصرافة لـ«الشرق الأوسط»، فضلاً عن التداعيات السوقية الناجمة عن ارتفاع منسوب توتر الأجواء السياسية الداخلية وبما يشمل الاستحقاقات الدستورية الداهمة المتعلقة بالدخول في مهلة الشهرين لانتخاب رئيس جديد للجمهورية والتعقيدات المتصلة بتأليف حكومة جديدة.
وبالفعل، بيّنت الإحصاءات المنجزة لدى البنك المركزي تدني الاحتياطي النقدي إلى نحو 9.71 مليارات دولار، بعدما سجل انخفاضاً بنحو 597 مليار ليرة، أي ما يوازي نحو 396 مليون دولار خلال النصف الثاني من شهر أغسطس (آب) الماضي، ليصل إجمالي الاحتياطي إلى نحو 14.74 مليار دولار شاملاً سندات «يوروبوندز» بقيمة 5.03 مليار دولار، علماً بأن القيمة المقابلة للسندات في الأسواق الدولية تبلغ نحو 7 سنتات فقط لكل دولار.
وبمعزل عن تعقيدات الأرقام، فإن الأثر النفسي لهذا الهبوط الذي يصنّفه الكثير من الخبراء بمثابة «الخط الأحمر»، وقيمته المرتفعة خلال نصف شهر فقط، أسهم في زعزعة الاستقرار الهش لأسواق الاستهلاك التي كانت تعتمد مسبقاً مستوى 35 ألف ليرة للدولار في عمليات التسعير، لتنتقل إلى قاعدة سعرية جديدة أقرب إلى 40 ألف ليرة.
وثمة خشية صريحة في الأوساط الاقتصادية كما الشعبية، من سرعة تموضع لبنان على خط السيناريو الأسوأ الذي حذّر منه معهد التمويل الدولي أخيراً، والقائم على افتراضات تتمحور حول عدم قيام الحكومة بتطبيق الإصلاحات الضروريّة المطلوبة، ما سيُلغي الاتفاق مع صندوق النقد، وسيتسبب باستنزاف احتياطيات مصرف لبنان، وبأنّ نسبة الدين العام ستفوق مستوى 200 في المائة من الناتج المحلّي الإجمالي في ظلّ غياب لأي إعادة هيكلة للدين أو اقتطاعات على اليوروبوندز. وبذلك، سترتفع مخاطر تفكك البلاد وسيتم اعتبار لبنان دولة فاشلة (Failed State)، مع توقّعات انكماش إضافي للناتج المحلّي الإجمالي وتدهور أكبر في سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي إلى 40 ألف ليرة مع نهاية العام 2022 وإلى 110 آلاف ليرة مع نهاية العام 2026.
وتختصر واقعة بسيطة، إنما حقيقية، حصلت مع ربة منزل لبنانية، عمق المعاناة اللاحقة بالمستهلكين جراء تقلبات الأسعار التي أصبحت تتوالى على مدار الدقائق لا الساعات والأيام. فقد روت لـ«الشرق الأوسط» أنها قصدت محلاً لبيع الخضار لشراء الفاصولياء الخضراء لزوم إعداد وجبة الغداء. وسألت تلقائياً عن السعر، فأفادها البائع بأنه 40 ألف ليرة للكيلوغرام. لتتفاجأ عند الدفع بعد دقيقتين بارتفاعه إلى 45 ألف ليرة، بذريعة ارتفاع الدولار الذي يتابعه، كما غالبية المقيمين، عبر التطبيقات الهاتفية والتي يتم استخدامها كمرجعية سعرية.
ومع تحييد العامل النفسي رغم تأثيره الواضح على حركة الأسواق وتصرفات المستهلكين، فإن عمليات التسعير المرتفعة وبنسب تحوطيّة مسبقة، تتعدى نطاق المواد والسلع المستوردة بالعملات الصعبة، لتشمل مجمل الإنتاج المحلي بذريعتي ارتفاع الدولار وكلفة النقل، ومعهما كلفة الكهرباء من المولدات الخاصة. ولا تقتصر القائمة على اللحوم والدجاج والبيض والألبان والأجبان والخضار والحبوب وسواها من مواد، بل تصيب بدرجات مماثلة كامل منظومة المونة في الأرياف والقرى والتزود بالحطب كبديل للمازوت والغاز استعداداً لبرد الشتاء.
وبينما لجأ أغلب أصحاب محطات المحروقات إلى الإقفال ترقباً لصدور جداول جديدة لأسعار المشتقات النفطية، علماً بأن الأسواق تعاني أصلاً من عمولات إضافية وشح شديد في مادة الديزل أويل (المازوت)، أعلن تجمّع أصحاب محطات المحروقات في بيان، أنه «بعد ارتفاع سعر صرف دولار السوق السوداء وأصبح الفرق يشكل أكثر من 70 في المائة من الجعالة التي لا تصل كلها أصلاً ولا تكفي لسد حاجات المحطات، وبعدما كنا نبّهنا سابقاً إلى أن الإقفال سيكون قسرياً، بدأنا نرى غالبية المحطات تغلق أبوابها لوقف النزف الذي بدأ منذ بداية الأزمة في ظل عدم اكتراث من المعنيين».
كما غرّد عضو النقابة جورج البراكس عبر «تويتر»: «مجزرة تحصل بحق أصحاب المحطات. نشتري الدولار بسعر 35.2 ألف ليرة لتسديد ثمن البنزين ونبيعه بسعر 33.8 ألف ليرة وفقاً لجدول الأسعار. أي بخسارة 21 ألف ليرة في كل صفيحة بنزين».
كذلك، أعلنت نقابة العاملين والموزعين في قطاع الغاز ومستلزماته في بيان أنه «إثر التقلبات الحادّة والمستمرة التي يشهدها سعر صرف الدولار الأميركي بالليرة اللبنانية، تواصل النقيب فريد زينون مع مكتب وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض طالباً منه إصدار جدول أسعار جديد للغاز المنزلي، يمكّن موزعي الغاز والمحطات العاملة على جميع الأراضي من متابعة تسليم المادّة في السوق، على أن يأخذ هذا الجدول بالاعتبار التغيرات في سعر الصرف كما حماية مصالح الموزّعين والمواطنين على حدّ سواء».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

وزير الدفاع الألماني: بعد الإطاحة بالأسد أعطوا فرصة للحكام الجدد في سوريا

لقطة جوية تظهر رجلاً سورياً يلوح بعلم الاستقلال السوري في ساحة الأمويين بوسط دمشق (أ.ف.ب)
لقطة جوية تظهر رجلاً سورياً يلوح بعلم الاستقلال السوري في ساحة الأمويين بوسط دمشق (أ.ف.ب)
TT

وزير الدفاع الألماني: بعد الإطاحة بالأسد أعطوا فرصة للحكام الجدد في سوريا

لقطة جوية تظهر رجلاً سورياً يلوح بعلم الاستقلال السوري في ساحة الأمويين بوسط دمشق (أ.ف.ب)
لقطة جوية تظهر رجلاً سورياً يلوح بعلم الاستقلال السوري في ساحة الأمويين بوسط دمشق (أ.ف.ب)

عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، دعا وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، إلى زيادة التعاون؛ لتحقيق استقرار الأوضاع في الشرق الأوسط. وعلى هامش محادثات حكومية في العراق، وعد الوزير بمشارَكةٍ ألمانيةٍ أكبر في العراق حال كانت هناك رغبةٌ في ذلك. وفيما يتعلق بالوضع في سوريا، قال إن التعاون مع الحكام الجدد قد يكون ممكناً في ظل ظروف معينة.

وأضاف بيستوريوس: «في الأشهر المقبلة سيدور الأمر بالطبع حول تصميم أشكال جديدة للتعاون الأمني في المنطقة؛ من أجل توضيح أننا نتحمَّل مسؤوليةً هنا، ونريد الاستمرار في تَحمُّل المسؤولية في المستقبل أيضاً بالنظر إلى سوريا»، موضحاً أن هذا يوسع «بشكل واضح مجدداً نطاق المهام».

والتقى بيستوريوس رئيسَ الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ووزيرَ الدفاع العراقي ثابت العباسي في بغداد. وقال بيستوريوس إن كليهما أكد تقارير حول التهديد المستمر من تنظيم «داعش». ثم توجَّه بيستوريوس جواً؛ لإجراء محادثات في المنطقة الكردية بشمال العراق. ويعتزم الوزير التوجُّه إلى تركيا في يناير (كانون الثاني) المقبل؛ لإجراء محادثات، حيث تعتزم أنقرة إبقاء نفوذ الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا عند أدنى مستوى ممكن، وفقاً لما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية».

وفي بغداد زار بيستوريوس معسكر «يونيون 3» العسكري الذي يتمتع بحماية مشددة، حيث يقيم نحو 50 جندياً ألمانياً، يعمل معظمهم مستشارين عسكريين في مؤسسات. ولم يشهد المعسكر والمنطقة المحيطة به أي هجمات منذ أشهر، على الرغم من وجود تقارير عن تحليق طائرات مسيَّرة، ومحاولات تجسس.

وخلال توقفه في الأردن، تطرَّق بيستوريوس أيضاً إلى الهجمات الإسرائيلية المكثفة على منشآت عسكرية سورية ومستودعات أسلحة، وقال إنه نظراً للوضع غير المستقر في سوريا، فلا بد من «النظر إلى هذا الأمر في سياق أوسع»، وفهمه بوصفه إجراءً للأمن الإقليمي وخارجه.

وقال بيستوريوس: «فكرة أن أسلحة الغاز السام المُنتَجة من مصانع سورية، على سبيل المثال، يمكن أن ينتهي بها المطاف في الأيدي الخطأ وأن تلعب دوراً في هجمات ذات دوافع متشددة في أي مكان في العالم يصعب احتمالها».

وعقب الإطاحة بالأسد وانهيار جهاز سلطته، يعتقد بيستوريوس بأن ألمانيا بحاجة إلى الانخراط بشكل أكبر في المنطقة. وقال في مقابلة مع محطة «إيه آر دي» الألمانية التلفزيونية في بغداد: «يجب ألَّا ننسحب تحت أي ظرف من الظروف. بسبب سقوط الأسد في سوريا، لم يعد من الواضح في أي اتجاه ستتطور المنطقة، وفي أي اتجاه ستتطور سوريا».

وذكر الوزير أن «أوروبا وألمانيا لا تستطيعان ولا ينبغي لهما القبول بأن تكونا مجرد متفرجتَين هنا»، مشيراً في ذلك إلى أهمية المنطقة، موضحاً أن هذا قد يعني بالنسبة لألمانيا أيضاً التعاون مع الحكام الجدد في «سوريا الجديدة»، وذلك «إذا استغلوا الفرصة المتاحة لهم الآن واستطاعوا بسرعة ضمان بعض الهدوء الذي يمكننا البناء عليه بعد ذلك».

ويشارك الجيش الألماني في العراق، ومن الأردن بنحو 300 جندي، في مهام دولية لتحقيق الاستقرار في إطار التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة (عملية العزم الصلب) لمحاربة تنظيم «داعش»، ومهمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العراق.

وقد حثَّ العراق أخيراً على أن تحلَّ أشكالٌ أخرى من التعاون الثنائي محلَّ عملية «العزم الصلب». كما أعربت الولايات المتحدة أخيراً عن رغبتها في إعادة تنظيم وجودها العسكري في العراق تدريجياً، بعيداً عن التحالف العسكري الدولي في البلاد، ونحو شراكة أمنية ثنائية.