السودانيون يستعيدون شغف القراءة مع كتب مخفضة في الهواء الطلق

يحمل المعرض مئات العناوين من كتب سودانية وغيرها (الشرق الأوسط)
يحمل المعرض مئات العناوين من كتب سودانية وغيرها (الشرق الأوسط)
TT

السودانيون يستعيدون شغف القراءة مع كتب مخفضة في الهواء الطلق

يحمل المعرض مئات العناوين من كتب سودانية وغيرها (الشرق الأوسط)
يحمل المعرض مئات العناوين من كتب سودانية وغيرها (الشرق الأوسط)

«ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان» عنوان عريض لمبادرة أعلنتها «دار المصورات للنشر في الخرطوم» لبازار الكتاب المخفض بسعر رمزي لايتجاوز قيمة وجبة «فول». لسان حال كثيرين ظلوا يلهجون بتلك العبارة وهم يتداولون فيما بينهم تقليب الكتب التي تتمدد على معرض أنيق أمام شارع هادئ ومزدحم بالزوار من مختلف الأعمار ما ينم عن محبة وعشق كبير للقراءة. و في زمن جل السودانيون رموا خلفهم اهتمامهم بالكتاب الورقي ونسوا كيفية الجلوس أمام منضدة على مقعد وثير لتقليب دفتي كتاب.. متجاهلين شغفهم بالقراءة والاطلاع الذي أبعدتهم عنه ظروف الحياة وضنك المعيشة سعيا وراء لقمة العيش، لتعود بهم مثل هذه المبادرات إلى أجواء ألفوها في الماضي خاصة مع تطور العملية الإبداعية والثقافية من فعل الكتابة نفسها إلى الطباعة وعملية القراءة لأي منتوج ثقافي، مخالفا المقولة الشهيرة «القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ»، فقد تغيرت كليا الخرطوم، صارت قبلة ثقافية علي المستوى العربي والأفريقي والعالمي لما بها من كتاب عرفت أسماؤهم مثل الطيب صالح عبقري الرواية العربية والشاعر والدبلوماسي الراحل صلاح أحمد إبراهيم والشاعر محمد عبد الباري، الروائي والطبيب أمير تاج السر، عبد العزيز بركة ساكن، بروفيسور النور الصديق، بروفيسور بشرى الفاضل، والسياسي الأديب أحمد حسن مطر.
ويأتي معرض الكتاب المخفض ليعيد للسودانيين كل هؤلاء المبدعين ويحمل مئات العناوين المختلفة من كتب سودانية وغيرها تتناول التراث، والأدب بأنواعه، والقصة القصيرة، الرواية، النقد، السياسة، التنمية البشرية والتصوف، بالإضافة إلى كتب أخرى للعرب وأفارقة وأخرى مترجمة من لغتين الإنجليزية والفرنسية.
ويقول «أسامة عوض الريح» مدير دار المصورات للطباعة والنشر «فكرتنا عن قيام هذا المعرض المخفض طرح سعر ثابت (500) جنيه سوداني للكتاب أقل من واحد دولار أميركي ونرسل رسالة للناس أنه مهما كان دخلك كفرد أو المال الذي تملكه بسيطاً يمكنك أن تحصل على مجموعة قيمة من الكتب».
وأشار عوض إلى أنه بعد الإعلان عن المبادرة عبر صفحتهم في الفيس بوك زاد عدد زاور المعرض خلال اليوم ونال استحسان الكثيرين، مضيفا أن العديد من المبادرات «الإحيائية» بالخرطوم والمدارس وصلتنا لاقتناء الكتب وإنشاء مكتبة مدرسية للأطفال والطلاب فخمسون ألف جينه سوداني «أقل من 100 دولار» تمكنك من شراء مائة كتاب بعنوانين مختلفة تؤسس لمكتبة جيدة.
يؤكد عوض دعمه لجميع المبادرات بشكل خاص بعديد من الكتب والعناوين مجانا، قائلا إن «هذا هو مشروعنا لكل سوداني يقرأ وتشجيعهم للعودة للاطلاع والمعرفة وهي مسؤوليتنا كناشرين وقد حققت الفكرة هدفها تماما حتى إن طلب الكتاب المخفض لم يقتصر على الزوار الموجودين داخل الخرطوم فقط بل تعداه إلى مناطق أخرى عبر الأصدقاء المرابطين بالمدينة لشراء كميات من الكتب لهم ولغيرهم من المعارف».
أما عبد الله أحمد عباس (طالب بكلية الهندسة) فيقول «أنا من المداومين على معرض كتاب دار المصورات ووجود معرض كتاب بسعر زهيد يعد إضافة حقيقية للدعم الثقافي خصوصا بعد الثورة وهي فترة انفتاح معلوماتي وثقافي تسهم في دعم التحول الديمقراطي».
وتصف خديجة محمد (موظفة) هذا المعرض بالغنيمة قائلة «على الرغم من ضيق الحال الذي نعيشه والقراءة أصبحت شيئا ثانويا وليس أساسيا فإن هذا المعرض شجعني للعودة ومغازلة الكتاب وحضرت اليوم لامتلاك أكبر حصيلة من الكتب». مشيرة إلى توفر كثير من الكتب على المواقع الإلكترونية إلا أنها تفضل امتلاك الكتاب الورقي لأنه لا متعة تضاهي تصفح الكتاب وحمله بين يديك.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
TT

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، «تشريفاً تعتز به»، ومسؤولية في الوقت نفسه، مؤكدة أن «السينما العربية حققت حضوراً جيداً في المهرجانات الدولية». وأشارت، في حوارها مع «الشرق الأوسط»، إلى أنها تنحاز للأفلام التي تُعبر عن أصالة الفكرة وروح المغامرة، منوهة بعملها على فيلمها الطويل الأول منذ 3 سنوات، لكنها لا تتعجّل تصويره؛ كون الأفلام الطويلة تتطلّب وقتاً، ولا سيما الأفلام الأولى التي تحمل تحديات على صُعُد القصة والإنتاج والممثلين، مُشيدة بالخطوات التي قطعتها السينما السعودية عبر أفلام حقّقت صدى محلياً ودولياً على غرار «نورة» و«مندوب الليل».

بدأت هند الفهاد عملها عام 2012، فأخرجت 4 أفلام قصيرة شاركت في مهرجانات عدة وهي: «بسطة» الذي فاز بجائزة في «مهرجان دبي» 2015، و«مقعد خلفي»، و«ثلاث عرائس وطائرة ورقية»، و«المرخ الأخير» الذي جاء ضمن فيلم «بلوغ»، وتضمّن 5 أفلام قصيرة لـ5 مخرجات سعوديات، وشارك قبل 3 أعوام في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وبين حضورها المهرجان في أحد أفلامها قبل سنوات، ومشاركتها بلجنة تحكيم العام الحالي، ترى هند الفهاد فرقاً كبيراً، موضحة: «أن أكون مشاركة في فيلم ويعتريني القلق والترقب شيء، وأن أكون أحد الأعضاء الذين يُسمّون هذه المشروعات شيء آخر، هذا تشريف ومسؤولية، إذ أشاهد الأفلام بمنظور البحث عن الاختلاف والتميز وأساليب جديدة لصناع أفلام في تناول موضوعاتهم، وأجدني أنحاز للأفلام التي تعبّر عن أصالة الفكرة وتقدم حكاية لا تشبه أي حكاية، وتنطوي على قدر من المغامرة الفنية، هذه من الأشياء المحفزة في التحكيم، وقد ترأستُ قبل ذلك لجنة تحكيم أفلام الطلبة في مهرجان أفلام السعودية».

لا تتعجل الفهاد فيلمها الطويل الأول (الشرق الأوسط)

وعن رؤيتها للسينما العربية بعد مشاهدتها أحدث إنتاجاتها في «مهرجان القاهرة»، تقول هند الفهاد: «لا شك في أنها قطعت خطوات واسعة في السنوات الأخيرة بحضورها في المهرجانات الكبرى؛ لأن لدينا حكايات تخصّنا، وهناك مخرجون ومخرجات أثبتوا حضورهم القوي عبر أفكار وأساليب متباينة، وأنا أقول دائماً إن الفكرة ليست في القصة، وإنما في كيف تروي هذه القصة ليتفاعل معها الجمهور في كل مكان».

وتكشف المخرجة السعودية عن استعدادها لتصوير فيلمها الروائي الطويل الأول الذي تعمل عليه منذ سنوات، قائلة: «كتبته المخرجة هناء العمير، ووصلنا أخيراً لنسخة السيناريو المناسبة، لكن الأفلام الطويلة، ولا سيما الأولى تحتاج إلى وقت للتحضير، خصوصاً إذا كان في المشروع تحديات على صُعُد القصة والممثلين والإنتاج».

وتتابع هند: «لم أحدّد بعدُ توقيت التصوير. وعلى الرغم من أنه مشروعي الأساسي، لكن هناك مشروعات أخرى أشتغل عليها، وفي تعدّدها أضمن استمرارية العمل لأكون حاضرة في المجال، فقد تكون هناك فكرة رائعة، لكن حين تُكتب نكتشف أنه من الصعب تنفيذها، لأسباب عدة».

وعن نوعية الفيلم تقول: «اجتماعيّ دراميّ، تدور أحداثه في غير الزمن الحالي. وانتهت مرحلة تطوير النص لفيلمي القصير، ووصل إلى النسخة المناسبة، وأنا، الآن، أختار أبطاله، وهو يروي حكاية تبدو في ظاهرها بسيطة، وتحمل أوجهاً عدّة، فأنا لا أُعدّ الأفلام القصيرة مرحلة وانتهت، بل أحب العمل عليها بشغف كبير في ظل ما أريده، والمعطيات من حولي وكيف أتقاطع مع هذه الأشياء».

وحاز مشروع فيلمها الطويل «شرشف» على منحة إنتاج من معمل البحر الأحمر، وترى هند الفهاد أن التّحدي الحقيقي ليس في التمويل؛ لأن النص الجيد والسيناريو المكتمل يجلبان التمويل، مُشيدة بتعدّد جهات الدعم في المملكة من منطلق الاهتمام الجاد بالسينما السعودية لتأسيس بنية قوية لصناعة السينما أوجدت صناديق تمويل متعددة.

وعلى الرغم من عمل هند الفهاد مستشارة في تطوير المحتوى والنصوص الدرامية، فإنها تواصل بجدية الانضمام إلى ورش السيناريو؛ بهدف اكتساب مزيد من الخبرات التي تُضيف لها بصفتها صانعة أفلام، وفق تأكيدها.

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

بدأت هند الفهاد مشوارها قبل القفزة التي حققتها صناعة السينما السعودية. وعن ذلك تقول: «كنا نحلم بخطوة صغيرة فجاءنا بحرٌ من الطموحات، لذا نعيش لحظة عظيمة لتمكين المرأة ورعاية المواهب المحلية بشكل عام، وقد كنّا نتطلع لهذا التّحول، وأذكر في بداياتي أنه كان وجود السينما أَشبه بالحلم، لا شك في أن نقلة كبيرة تحقّقت، لكن لا تزال التجربة في طور التشكيل وتتطلّب وقتاً، ونحن مهتمون بتطوير المواهب من خلال مشاركتها في مشروعات عربية وعالمية لاكتساب الخبرات، وقد حقّقت أعمالٌ مهمة نجاحاً دولياً لافتاً على غرار (نورة) و(مندوب الليل)».

وتُعبر هند الفهاد عن طموحاتها قائلة: «أتطلع لأحكي قصصنا للعالم، فالسينما هي الصوت الذي يخترق جميع الحواجز».