السيناريوهات المتوقعة للأزمة الليبية؟

يترقب الليبيون، بشيء من القلق، جولات ساستهم ما بين القاهرة وأنقرة، وسط تساؤلات عما يمكن أن يُقدَّم لإنقاذ البلاد من «جحيم الصراع على السلطة»، وسط مساع إقليمية ودولية للدفع نحو العودة إلى طاولة الحوار، والابتعاد عن الاحتكام إلى السلاح.
وتبرز سيناريوهات عدة، جُلها يتمحور حول ضرورة تعاطي القادة السياسيين في البلاد بإيجابية مع حالة الغضب الشعبي التي خلفتها معركة طرابلس الأخيرة. والتحرك نحو التوافق على «المسار الدستوري» لإنجاز الاستحقاق الانتخابي المرتقب، ومن ثم إخراج ليبيا من دوامة الانقسام والتنازع على الشرعية بين رئيسي حكومة «الوحدة» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، و«الاستقرار» فتحي باشاغا.
هنا يرى رئيس حزب «التجديد» الليبي سليمان البيوضي، أن الأمور في ليبيا يمكن أن تذهب إلى واحد من اتجاهين وفرصة: الاتجاه الأول يتمثل في الاتفاق بين مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» على المسار الدستوري، وفقاً لمحادثات القاهرة، وبالتالي إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعد نهائي. وهذا «قد يؤدي إلى تغيير السلطة التنفيذية، لأنه ليس منطقياً أن يكون الدبيبة مرشحاً للرئاسة، وهو على رأس السلطة المشرفة على سير الانتخابات».
وفي حال فشل هذه الخيار، وفقاً لحديث البيوضي إلى «الشرق الأوسط»، فإن الاتجاه الثاني هو أن الدبيبة «سيظل منفرداً بالسلطة وموارد الثروات، ولا يعترف بأحد في ليبيا، وتصبح السلطات الأخرى تابعة له، ما يعني أنه خلال أشهر سيعود الصدام المسلح إلى البلاد، وسيبلغ التفكك السياسي والاجتماعي أقصى حدوده».
ويتحدث البيوضي، عن أن باشاغا، أمامه ما يمكن تسميتها بـ«الفرصة الأخيرة»، ويوضح: «هذه تعتمد على وعيه بطبيعة المرحلة، وقدرته على إحداث تغييرات جوهرية في أسلوبه. وأعتقد أن عليه مراجعة قدرات فريقه السياسي».
وأمام لقاءات باشاغا، ونائب رئيس حكومة «الوحدة» رمضان أبو جناح، في تركيا، وأخرى مقررة في القاهرة الأسبوع المقبل، بين عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، يأمل ليبيون «في محادثات مثمرة وليس لقاءات عابرة لا تنتج سوى المزيد من الخلافات».
ويتوقع المحلل السياسي الليبي أحمد أبو عرقوب، أن تتمحور السيناريوهات المستقبلية حول «تعديل وزاري في حكومة باشاغا، يتم بمقتضاها توسيع دائرة المشاركة لتسهيل مهمة دخولها إلى طرابلس، وتسلم السلطة بشكل سلمي»، ورأى أن هذا السيناريو، هو «الأقرب للواقعية».
والسيناريو الثاني، وفقا لرؤية أبو عرقوب في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، هو أن «تأخذ البعثة الأممية زمام المبادرة وتعمل على إيجاد تسوية سياسية تفضي إلى تشكيل حكومة جديدة تحظى باعتراف ودعم دوليين، لكنني أستبعد هذا السيناريو لأن المبعوث الأممي الجديد لم يعين بعد، بسبب الخلافات بين أعضاء مجلس الأمن، وفشل البعثة الأممية في ضبط الحوار السياسي».
ولفت إلى أن السيناريو الثالث يتمثل في «أن يقوم البرلمان بالتوافق مع مجلس الدولة، بسحب الثقة من حكومة باشاغا، وفتح باب الترشح لمنصب رئاسة الوزراء، وتكليف شخصية أخرى، على أن تشكل حكومة تكون فيها مشاركة سياسية مُرضية لجميع الفاعلين»، مستدركاً: «هذا السيناريو يحتاج وقتا طويلا وعملا كبيرا، وبالتالي لن يكون عملياً بسبب إصرار أطراف سياسية مؤثرة على رحيل حكومة الوحدة (منتهية الولاية) في أسرع وقت ممكن».
وذهب أبو عرقوب إلى أن «حكومة الدبيبة فشلت في أداء مهامها التي جاءت من أجلها، وباق على رحيلها فقط الاتفاق على البديل. فمن يستطيع معالجة أزمة الانسداد السياسي من خلال استيعاب التناقضات؟».
ورأى أن «معظم الدول المتداخلة في الشأن الليبي، تسعى إلى تنصيب الحكومات بهدف ضمان استمرار نفوذها في ليبيا في ظل تقاطع المصالح وتقاطع المشاريع». وقال: «ما دام أن مصالح هذه الدول لم تنضج، فإنها لن تسمح لليبيين بالاستقلالية في اتخاذ القرار. والدليل على ذلك، أن الحكومة الليبية لم تحظ باعتراف من المجتمع الدولي برغم أن عملية اختيار رئيس الحكومة تمت وفقاً للاتفاق السياسي المعتمد من مجلس الأمن».
وانتهى أبو عرقوب إلى أن «المجتمع الدولي لم يعترف بحكومة الاستقرار، ليس دعماً لحكومة الوحدة، وإنما لفرض مسار آخر بإشراف الدول الفاعلة في الملف الليبي، وبتسيير البعثة الأممية».
وحول المستجدات التي فرضتها معركة العاصمة الأخيرة، تساءل البيوضي: «هل أحداث طرابلس أثرت في باشاغا؟... نعم، ولكنها بالقدر تقريباً أثرت في الدبيبة. فالسياسي لا يخسر، بل يمكن أن يتعثر في مشروع وينجح في آخر». ورأى «أن كل الطبقة السياسية في ليبيا ستكون أمام امتحان صعب. أما في واقعنا القائم فإن باشاغا، هو من يملك فرصة نجاح مشروعه من عدمه، كما يمكنه أن يغير هدفه الاستراتيجي من الدخول إلى طرابلس إلى مسألة أخرى».