وكالات دولية تحمّل النظام السياسي في لبنان مسؤولية الأزمة الاقتصادية

الانقسام يعرقل تطبيق الإصلاحات وتلبية شروط «صندوق النقد»

القيود المشددة التي فرضتها المصارف اللبنانية على السحوبات هي أبرز مظاهر الأزمة الاقتصادية. هنا مودعون يتظاهرون أمام مبنى مجلس النواب (إ.ب.أ)
القيود المشددة التي فرضتها المصارف اللبنانية على السحوبات هي أبرز مظاهر الأزمة الاقتصادية. هنا مودعون يتظاهرون أمام مبنى مجلس النواب (إ.ب.أ)
TT

وكالات دولية تحمّل النظام السياسي في لبنان مسؤولية الأزمة الاقتصادية

القيود المشددة التي فرضتها المصارف اللبنانية على السحوبات هي أبرز مظاهر الأزمة الاقتصادية. هنا مودعون يتظاهرون أمام مبنى مجلس النواب (إ.ب.أ)
القيود المشددة التي فرضتها المصارف اللبنانية على السحوبات هي أبرز مظاهر الأزمة الاقتصادية. هنا مودعون يتظاهرون أمام مبنى مجلس النواب (إ.ب.أ)

بقي «التصنيف الائتماني الطويل الأمد بالعملات الأجنبية» للدولة اللبنانيّة، عند مستواه الأدنى المستمر منذ ثلاث سنوات، حيث يستقر مستوى لبنان عند حالة «التخلّف عن الدفع المقيدة»، وهي مرحلة تسبق التخلف التام عند الدفع، وذلك حسب تصنيف أبرز وكالتين دوليتين لتقييم الجدارة الائتمانية في العالم.
والتقييم ليس جديداً، حيث انزلق إليه لبنان في العام 2020 مع تخلف حكومة الرئيس السابق حسان دياب عن دفع الديون السيادية المستحقة بالعملة الأجنبية (يوروبوندز) في ربيع العام 2020 التي تتعدى (بين أصول وفوائد) مستوى 37 مليار دولار. ولا يبدو أن هناك أفقاً لتغيير هذا التقييم إلى مستويات أعلى قبل أن يقوم لبنان بإعادة هيكلة الديون والتفاوض مع الدائنين، وهي مهمات محاصرة بخلافات سياسية داخلية أدت إلى تأخير الاتفاق النهائي مع صندوق النقد، وحالت دون تنفيذ شروطه الإصلاحية.
ويؤكد الخبير المصرفي ومدير عام «فرست ناشونال بنك» نجيب سمعان، أن لبنان «لم يفقد فرصة إدارة التعامل بكفاءة مع الأزمات المتفاقمة على مدار ثلاث سنوات متتالية، ولا سيما في البعدين النقدي والمالي، بشرط انتظام أعمال ومهام المؤسسات الدستورية وإرساء توافق وطني عريض يدعم خطة التعافي ويسهّل تمرير حزمة القوانين الضرورية التي طلبها صندوق النقد الدولي وبمشاركة مكونات القطاع المالي الممثلة بالبنك المركزي والجهاز المصرفي».
ويشير سمعان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى التوازن النسبي الذي أظهرته الأسواق النقدية خلال الشهرين السابقين بفضل تنشيط موسم السياحة الصيفي، حيث تشير التقديرات الأولية إلى ضخ ما يزيد على 3 مليارات دولار في الأسواق من قبل الوافدين، «وهذا ما ساهم بوضوح في استيعاب أثر أغلب التداعيات الناجمة عن التوترات الداخلية وخفف من انعكاسها التلقائي على سعر صرف الليرة»، فضلاً عن أنه «أظهر الحيوية الكامنة في مؤسسات القطاع السياحي، والتي تعرضت لانتكاسات وخسائر جسيمة بفعل الأزمات، فضلاً عن الأضرار الهائلة التي أحدثتها كارثة انفجار مرفأ بيروت».
وبمعزل عن الرهان على الثروة النفطية والغازية في المياه الإقليمية اللبنانية والمقدرة بحدها الأدنى بنحو 500 مليون دولار، ووصولاً إلى رقم تريليون دولار، يمكن للبنان، بحسب سمعان، استعادة مسار النمو الإيجابي للاقتصاد بدءاً من العام المقبل، والشروع بتنفيذ الإصلاحات الشرطية للخروج من دوامة الأزمات إذا تأمنت ظروف الاستقرار الداخلي وتم اجتياز الاستحقاقات الدستورية الداهمة في مواعيدها وإعادة تفعيل مؤسسات الدولة وتحقيق التقدم الموعود في ملف المفاوضات مع صندوق النقد. وقال، إن «قطاعات الاقتصاد كافة أظهرت مرونة مشهودة في إدارة التعامل الكفوء مع الانكماش الحاد للناتج المحلي من نحو 55 إلى نحو 22 مليار دولار»، وذلك رغم الخسائر وارتفاع أكلاف التشغيل وتفاقم المشكلات اللوجستية والهجرة الاستثنائية للكوادر البشرية المحترفة والخبيرة.
وأبقت وكالة «ستاندرد أند بورز»، في أحدث تقييم لها، التصنيف الطويل والقصير الأمد للديون السيادية بالعملات الأجنبية عند درجة «SD»، والتصنيف الطويل والقصير الأمد للديون السياديّة بالعملة المحليّة عند «CC» و«C» بالتتالي مع نظرة مستقبليّة سلبيّة. وبيّنت أن إقرار الحكومة اللبنانية استراتيجيّة إعادة هيكلة الديون، يشكل أحد الشروط التسعة المطلوبة من قِبل صندوق النقد الدولي ليقوم مجلس إدارته بدراسة الموافقة على اتفاقيّة التمويل البالغة قيمتها 3 مليارات دولار.
بدورها، أكدت وكالة التصنيف الدوليّة «فيتش»، في تقرير متزامن، تصنيفها الائتماني الطويل الأمد بالعملات الأجنبيّة للدولة اللبنانية عند حالة التخلّف عن الدفع المقيدة، وحافظت على التصنيف الائتماني القصير الأمد بالليرة اللبنانيّة وبالعملات الأجنبيّة عند الدرجة «C»، والتصنيف الائتماني الطويل الأمد بالعملة المحليّة عند الدرجة «CC»، وتصنيف السقف السيادي عند الدرجة «CCC».
وفي حين أشارت «ستاندرد اند بورز»، إلى أن نظام البلد الاقتصادي والمؤسساتي مقيّد من قِبل نظامه السياسي، قالت، إن إعادة هيكلة الدين لا تزال ممكنة، بالنظر إلى تقلص حجم الدين بالعملة المحلية بشكل كبير ليشكل نسبة 52 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة تدهور سعر صرف العملة المحلية والزيادة الكبيرة في معدلات التضخم.
وتوقعت «ستاندرد أند بورز» تسجيل انكماش إضافي في الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3 في المائة في العام الحالي على إثر تراجع الإنفاق بسبب ارتفاع التضخم، وانخفاض الاستهلاك الحكومي، وفي المقابل، تترقب أن يسجّل الناتج المحلي ارتفاعاً بنسبة 1.5 في المائة في العام المقبل نتيجة تطور مستوى الاستهلاك والاستثمار، علماً بأن قياس الناتج للفرد الواحد انحدر من متوسط 8 آلاف دولار في العام 2018 إلى 1300 دولار فقط خلال العام الحالي.
كما لاحظت بأن المشهد السياسي المنقسم والذي يترجمه الفشل في تشكيل حكومة بعد مرور 3 أشهر على إجراء الانتخابات قد يؤدي إلى عرقلة تطبيق الإصلاحات والشروط المرفقة لتوقيع اتفاقية التمويل مع صندوق النقد، محذرة من الصعوبات التي تحول دون إقرار بعض القوانين المتعلقة بالقطاع المالي كتوحيد أسعار الصرف وإعادة هيكلة القطاع المصرفي. بينما سيؤدي تطبيق برنامج صندوق النقد إلى سعر صرف أكثر مرونة مع توقعات أن يتحسّن سعر الصرف إلى مستوى مستقر عند 28 ألف ليرة للدولار مع نهاية العام 2025.
وبحسب وكالة «فيتش»، فإن توقيت البدء بتنفيذ البرنامج التمويلي مع الصندوق غير أكيد بسبب المشهد السياسي في لبنان والذي من شأنه أن يعرقل تنفيذ الخطوات المطلوبة للحصول على الموافقة النهائية. وذلك إلى جانب غياب التوافق بين الحكومة والقطاع المالي حول كيفية معالجة الشح بالدولار الأميركي وتوزيع الخسائر، علماً بأن البيئة الماكرواقتصادية تدهورت بشكل جذري وتقلصت معها الحركة التجارية، بسبب القيود على التحاويل وشحّ العملات الأجنبية وارتفاع مستويات التضخّم.
وإذ نوّهت بأن أي إعادة هيكلة للدين تفتح الطريق أمام عملية إصلاح شامل للقطاع المالي، لاحظت بأن حال عدم اليقين حول مسألة إعادة هيكلة الدين العام بالعملة المحلية نتجت أساساً عن استمرار توقف المحادثات مع المستثمرين. وعليه، أبدت استعدادها لإعادة النظر إيجابيا بتصنيف لبنان في حال توصلت الحكومة إلى اتفاق على إعادة هيكلة مع دائنيها ونجحت بتطبيق هذا الاتفاق. كما يمكن أن النظر بالتصنيف الائتماني الطويل الأمد بالعملة المحلية في حال لم تشمل إعادة الهيكلة الدين بالليرة.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

بلينكن لإسرائيل: تصعيد الصراع سيجعل عودة المدنيين للشمال أكثر صعوبة

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ف.ب)
TT

بلينكن لإسرائيل: تصعيد الصراع سيجعل عودة المدنيين للشمال أكثر صعوبة

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ف.ب)

أبلغ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بأن مزيداً من التصعيد للصراع في لبنان سيزيد فقط من صعوبة عودة المدنيين إلى ديارهم على جانبَي الحدود، حسبما ذكرت وزارة الخارجية في بيان لاجتماعهما.

ورفضت إسرائيل، أمس (الخميس)، الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار مع «حزب الله»، متحدية بذلك أكبر حلفائها في واشنطن، وواصلت الضربات التي قتلت المئات في لبنان، وزادت المخاوف من اندلاع حرب إقليمية شاملة.

ورغم موقف إسرائيل، فإن الولايات المتحدة وفرنسا سعتا إلى الإبقاء على احتمالات التوصّل إلى هدنة، مدتها 21 يوماً، اقترحتاها يوم الأربعاء، قائمةً، وقالتا إن المفاوضات مستمرة بما في ذلك على هامش اجتماع بالأمم المتحدة في نيويورك.

وقالت الخارجية الأميركية في البيان: «ناقش الوزير أهمية التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان».

وأضافت: «أكد أن مزيداً من التصعيد في الصراع سيؤدي فقط إلى جعل هذا الهدف (عودة المدنيين) أكثر صعوبة».

وأشارت الوزارة إلى أن بلينكن ناقش أيضاً الجهود المبذولة للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، والخطوات التي يتعين على إسرائيل اتخاذها لتحسين آليات وصول المساعدات الإنسانية في القطاع؛ حيث تشرّد نحو 2.3 مليون شخص وتوجد أزمة جوع.

كان الرئيس الأميركي جو بايدن طرح في 31 مايو (أيار) اقتراحاً لوقف إطلاق النار في غزة على 3 مراحل، لكن الاتفاق واجه عقبات معظمها بسبب مطالب إسرائيل بالحفاظ على وجودها في ممر فيلادلفيا (صلاح الدين) على حدود غزة مع مصر وتفاصيل محددة بشأن تبادل الرهائن الإسرائيليين مقابل محتجزين فلسطينيين.

وتواجه واشنطن انتقادات دولية ومحلية متزايدة؛ بسبب دعمها لإسرائيل وسط تصاعد الصراع في لبنان، حيث أدت الضربات الإسرائيلية إلى مقتل المئات في الأيام الماضية.

ويقول منتقدون إن واشنطن لم تستغل مساعداتها للضغط على إسرائيل لقبول دعوات وقف إطلاق النار. ومن المقرر أن يلقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم (الجمعة).