يمتلئ تاريخ قضايا الطب الشرعي وأخبار الجريمة للأسف بالجثث التي تم العثور عليها في حقائب وأكياس وصناديق وصناديق سيارات وثلاجات ومجمدات. وتشمل الأمثلة على هذه الاكتشافات حقيبة بمحطة قطار مزدحمة في طوكيو عام 2015، وحقيبة سفر على شاطئ سياتل عام 2020، وحالة 2019 لبقايا بشرية في حقيبة تركت على جانب طريق سريع جنوب أستراليا.
وهناك سبب بسيط لكون الحقائب شائعة جدًا في هذه المواقف. وفي حين أن معظم أفلام الجريمة تصور جثثًا متروكة فوق الأرض أو مدفونة في مقابر ضحلة سرية، فإن ضحايا القتل في الواقع غالبًا ما يتم إخفاؤهم بأشياء مرتبة في اللحظة الأخيرة. فهي أشياء يسهل الحصول عليها ويمكن الوصول إليها وكبيرة بما يكفي لتناسب الجسم، وسهلة النقل (ومزودة بعجلات). وقد تخفي أيضًا رائحة التحلل لبعض الوقت.
ويسمي باحثو الطب الشرعي مثل هذه الأماكن «بيئات الوصول المحدودة»، لأنها تحد أو تؤخر أو تعيق كليًا إحدى الخطوات الطبيعية التي تحدث بعد الموت، ألا وهي «وصول جحافل الحشرات».
وتتمثل مهمة العلماء كعلماء الحشرات في الطب الشرعي بالمساعدة بالتحقيق في الجرائم، ولكن أيضًا لتطوير الأبحاث التي تجعل هذه المهمة أقل صعوبة.
الحشرات هي المفتاح
وفي تحقيق جنائي يشمل جثة متحللة، يمكن لعلماء الحشرات الشرعيين استخدام الحشرات للمساعدة في تقدير الوقت منذ الوفاة، وتتبع تحركات المجرمين والضحايا، وتحديد وجود المخدرات والحمض النووي الغريب. إذ تمتلك حشرات الجيف كذباب الزجاجة الزرقاء والخضراء وذباب اللحم والذباب المنزلي وذبابة التابوت أنظمة شمية عالية التخصص تستخدمها لاكتشاف رائحة التحلل. فإذا تُركت جثة دون إزعاج على الأرض في بيئة معتدلة، فإن حشرات الجيف ستستعمرها قريبًا، وتجذبها الروائح التي تنتجها عملية التحلل التي تتوسطها البكتيريا. وفي غضون ساعات قليلة، ستضع الحشرات بيضًا على فتحات الجسم وجروحه، وستبدأ اليرقات الصغيرة التي تفقس منها في التهام الجسم. لكن حقيبة السفر تحد من وصول الحشرات. وحتى الآن، لم تحظ أبحاث الطب الشرعي حول كيفية تغير مشاركة الحشرات في بيئات الوصول المحدودة هذه باهتمام كبير.
وأخيرا تم الانتهاء من دراستين تجريبيتين فقط حول عملية التحلل في الحقائب؛ واحدة في المملكة المتحدة والأخرى بواسطة فريق غرب أستراليا. وتظهر كلتا الدراستين أن حشرات الجيف شديدة الحيلة عندما يتعلق الأمر بالوصول إلى الأجسام المخفية. ويجري حاليًا أكبر تجربة على الإطلاق في عملية التحلل داخل حقائب السفر والصناديق مع ما يقرب من 70 عينة، وذلك حسبما نشر موقع «ساينس إليرت» العلمي المتخصص، نقلا عن The Conversation.
حقائب مرتبة بالخارج في التجربة
ووفق فريق التجربة، سيوفر هذا العمل الأول من نوعه بيانات مفيدة للتحقيق في حالات مماثلة حول العالم. تحتوي كل حقيبة وسلة على خنزير صغير ميت، يحاكي جسدًا ميتًا؛ يتم وضع الضوابط في البيئة للمقارنة. لقد وضعنا أدوات لتسجيل درجات الحرارة والرطوبة وكمية الأمطار سواء في الحقل أو داخل الحاويات.
بدأت التجربة أوائل شتاء 2022 وستنتهي في الصيف. وسيتم تقديم البيانات الأولى في أكبر مؤتمر لعلوم الطب الشرعي في العالم بفبراير(شباط) 2023.
وعلى الرغم من التأخير الأولي في وصول الحشرات خلال فصل الشتاء البارد والممطر، فقد لاحظنا في غضون شهر من وضع الحقائب مجموعات بيض من الذباب المنفوخ على سحّابات الحقائب وحولها. وعندما فتحنا الحقائب على فترات زمنية محددة، وجدنا يرقات الذباب، إلى جانب ذباب التابوت وبعض الخنافس النشطة. وهذا يعني أن الذباب والخنافس الكبيرة يجب أن تصل إلى الجسم من خلال أسنان السحّاب.
في هذه الأثناء، يمكن للذباب الأصغر أن يعبر السحّاب وهو بالغ، ويضع بيضه مباشرة على البقايا المتحللة.
وبمجرد أن تكمل اليرقات دورة حياتها وتظهر كذباب بالغ، لا يمكن لأي منها الهروب من الحقيبة. حيث تمثل هذه الحشرات المحاصرة مصدرًا غنيًا للمعلومات.
ومن هذا المنطلق، يمكن لخبير علم الحشرات الشرعي أن يستنتج وقت أو موسم الوفاة، وإمكانية نقل الجسد، والمساعدة في تفسير أسباب وظروف الوفاة.
وغالبًا ما يمثل التحقيق في الرفات البشرية داخل حقيبة سفر أو صندوق مشاكل معقدة. ولكن بمساعدة ذبابة متواضعة تأكل الجيف محاصرة بداخله، نحصل على كنز دفين من المعلومات الحيوية التي يمكن أن تساعدنا في حل الجرائم.