يبدو كأنه نسخة ترويجية لدراما عن جريمة حقيقية، لكنني رصدتُ حبكة الرواية أخيراً، في أيقونة من أيقونات الفن الحديث، لوحة «الاستوديو الأحمر»، التي رسمها هنري ماتيس عام 1911. وهذه اللوحة الضخمة، التي تُصوّر الأتيليه الفاخر الذي بناه ماتيس لنفسه والأعمال الفنية المعلقة فيه، هي موضوع المعرض حالياً في متحف الفن الحديث، الذي يُركز بشكل رائع على أعمال الفنان الراحل.
وصفت زميلتي روبرتا سميث لوحة «الاستوديو الأحمر» لماتيس بأنها «عمل فني مُذهل»، عندما افتُتح المعرض في مايو (أيار) الماضي، و«كنت أؤيدها بكل تأكيد. وسيرغب عشاق الفن في مشاهدته، أو ربما زيارته مراراً وتكراراً، قبل أن يختتم أعماله في 10 سبتمبر (أيلول) المقبل».
كنت قد رأيت لوحة «الاستوديو الأحمر» من قبل، في «متحف الفن الحديث»، حيث بقيت لعقود. لكن الأمر تطلب مني ثلاث زيارات لهذا المعرض الأخير، حتى أستطيع استكشاف القصة التي ظلّت لنحو 100 سنة مموَّهة تحت السطح الأحمر للوحة.
منذ اللحظة التي رُسمت فيها اللوحة تقريباً، كان سطحها يُعدّ قلب العمل. وكان من المفترض أن يعلمنا أن نترك خلفنا المساحة العميقة من الصور القديمة، وأن نحب الاستواء والانبساط الذي يميز الفن الحديث بدلاً من ذلك. بدأت في مكان ما قرابة عام 1900. وجزئياً بفضل ماتيس، بدأت الرسوم تُقرأ لأجل الألوان، والخطوط، والأشكال المتاحة أمامنا حتى نراها، بدلاً من أي مشهد آخر قد ننظر لأبعد منه حتى نفهمه. في كتالوغ معرض «متحف الفن الحديث»، تتحدث الأمينتان على المتحف، آن تيمكين ودورثي أغيسن، عن لوحة «النبتة الجديدة الجريئة»، التي تحولت إلى لوحة «الاستوديو الأحمر»، ومن ثَم إلى «المعلَم المسلم به» في الاتجاه الحديث المعاصر صوب التجريد. خلع ماتيس بنفسه في الأصل لقب «اللوحة الحمراء» على ذلك العمل، كما لو أن اللون والانبساط هما موضوعاها الحقيقيان.
كان هذا الحديث عن الانبساط صائباً على الدوام، ولكن في زياراتي العديدة إلى معرض «ماتيس: الاستوديو الأحمر»، بدأت أستشعر بُعداً آخر، مُتجهاً مُختلفاً، كما يمكن القول، وهو على الأقل بالأهمية نفسها التي ندرك أن بصرنا لا يذهب لأعمق من مجرد احمرار اللوحة. بدلاً من ذلك، فإن «المتجه» الجديد يقبع بعيداً داخل المساحة المصورة في الاستوديو، عابراً لوحة ضخمة لأنثى يصورها ماتيس على الجدار الأيسر مرتكنة إلى كرسي خاوٍ من الخيزران يواجهها في أقصى اليمين، وتبرز باللون الأصفر الفاتح في حين أن اللون الأحمر يهيمن في عنفوان على قطع الأثاث الأخرى المتناثرة في الغرفة.
راودتني فكرة عما قد يحدث حقاً في المشهد من الأقحوانات التي طاف بها ماتيس حول أنثاه الملهمة. لقد شاهدت هذه الزهور من قبل، في استنساخ للوحة «عائلة الرسام»، من لوحات ماتيس المبكرة بعض الشيء وتُعرض في «متحف هيرميتاج»، في سانت بطرسبرغ بروسيا: كانوا مجتمعين معاً أمام ثوب فتاة مراهقة تجلس منشغلة بأعمال الحياكة في آخر اللوحة.
وكانت هناك تلك الأزهار مرة أخرى، في معرض «متحف الفن الحديث»، التي تحيط بالفتاة المتجردة التي تظهر في سلسلة من رسومات ماتيس للأنثى التي تملأ ذلك الفراغ من الجدار في «الاستوديو الأحمر». كشف نص على الحائط عن شخصيتها. إنها مارغريت بالفرنسية، وتعني «الأقحوانة»، أكبر أبناء ماتيس، التي كانت في عمر 16 أو ربما 17 سنة فقط، حين عَمِل والدها على تلك اللوحة.
بحلول عام 1911، كانت مارغريت قد ساهمت في لوحات والدها ماتيس وأصدقائه. كما لعبت أيضاً دوراً حيوياً، أمومياً تقريباً، في إدارة أسرة ماتيس الفوضوية، وهكذا تكون قد تحولت إلى مرحلة البلوغ في سن مبكرة للغاية، في عصر لم تكن الطفولة تدوم كل هذه المدة.
كان ماتيس يكافح منذ فترة من الزمن لإذابة الحدود بين «الفن الجميل» الذي هيمن على النخبة الأوروبية، والعناصر الزخرفية والمساحات الداخلية التي تبدو مهمة في كثير من ثقافات العالم الأخرى. وفي بعض الأعمال السابقة، كان ماتيس قد صور رسوماته الجديدة جذرياً على أنها دعائم في حياة منزلية دافئة، تهدف إلى «الغموض المثمر بين المجالين الفني والمحلي الذي ميّز فن ماتيس طوال مسيرته»، كما يقول كتالوغ «متحف الفن الحديث».
في لوحة «الاستوديو الأحمر»، يضخم ماتيس التأثير، مصوراً أتيليه الرسام بكامله على أنه أقرب إلى غرفة معيشة بورجوازية؛ إذ يُخفي كل الميزات العملية والصناعية تقريباً التي وضعها لورشته الجديدة (تظهر في «معرض متحف الفن الحديث») وبدلاً من ذلك، يملأ صورها بالأثاث واللوحات المؤطرة التي قد تجدها في منزل ماتيس المريح القريب. هذا هو المكان الذي استعان فيه بطفليه وزوجته في لوحة لجنة شوكين السابقة، «عائلة الرسام»، التي كان ماتيس قد تخيل أن تُعلق إلى جانب لوحة «الاستوديو الأحمر» حالما تصل إلى منزل راعيه. (في النهاية، رفض شوكين لوحة «الاستوديو»، لأسباب ليست واضحة تماماً).
استمد ماتيس في لوحة «الاستوديو الأحمر»، مارغريت، المدبرة المنزلية البارعة من لوحته العائلية، والمحددة هناك بواسطة «المارغريتيين» حول فستانها. تلك الشخصية المحورية في حياة ماتيس المنزلية، أي التي يمكنها تأدية الواجب المزدوج كرمز للتقاليد الأوروبية العظيمة. يخبرنا بأن الحياة المنزلية لا تزال في المتناول بالصورة الجديدة، بصرف النظر تماماً عن مدى تقدم الفن وتطوره.
- خدمة «نيويورك تايمز»