ماكرون يعيد إطلاق خطته من أجل إنشاء «مجموعة سياسية أوروبية»

السيادة في موضوع الطاقة محور رئيسي لمحادثاته مع رئيس وزراء بولندا

ماكرون مستقبلاً رئيس الوزراء البولندي في باريس (أ.ف.ب)
ماكرون مستقبلاً رئيس الوزراء البولندي في باريس (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يعيد إطلاق خطته من أجل إنشاء «مجموعة سياسية أوروبية»

ماكرون مستقبلاً رئيس الوزراء البولندي في باريس (أ.ف.ب)
ماكرون مستقبلاً رئيس الوزراء البولندي في باريس (أ.ف.ب)

رغم أن الحرب الروسية على أوكرانيا جاءت بالبرهان القاطع على أن أفضل حماية يمكن أن توفر للدول الأوروبية الخائفة من تكرار السيناريو الأوكراني لديها، تكمن في الانضمام إلى الحلف الأطلسي، وهو ما فعلته فنلندا والسويد، فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يتخلَّ عن مشروعه الداعي، من جهة، إلى تعزيز السيادة الأوروبية السياسية والدفاعية وفي قطاعات الطاقة، ومن جهة أخرى، الدفع باتجاه اقتراح إنشاء «المجموعة السياسية الأوروبية» الذي طرحه خلال الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي.
يقوم المشروع على إنشاء منتدى أو هيئة مفتوحة لكل الدول الأوروبية، أعضاء في الاتحاد أو خارجه. ويكون بمثابة محفل للتعاون ولمناقشة كل الملفات التي تهم الأوروبيين، وتوطئة لمن يريد الانضمام إلى النادي الأوروبي.
وأمس، كشف ماكرون عن اجتماع قريب للقادة الأوروبيين في براغ، العاصمة التشيكية التي ترأس حالياً الاتحاد، وذلك بمناسبة استقباله لرئيس وزراء بولندا ماتيوز مورافييتسيكي الذي زار باريس بحثاً عن تعزيز علاقات بلاده بفرنسا. والملفت أن الزيارة تمت برغم الأجواء المتوترة التي سادت سابقاً بين المسؤولين بسبب اختلاف رؤاهما حول الحرب الروسية على أوكرانيا. ويعزى التوتر لسببين: الأول، الود المفقود بين الرجلين. إذ إن ماكرون يعتبر أن رئيس الوزراء البولندي الذي يرأس حزب «القانون والعدالة» المتشدد ينهج خطاً يمينياً متطرفاً يحاربه، لأنه يتعارض مع القيم الأوروبية الديمقراطية، فضلاً عن أنه كان خصمه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث دعم منافسته من اليمين المتطرف مارين لوبن. والثاني، اختلاف المقاربة بينهما للحرب في أوكرانيا. وفي الربيع الماضي، انتقد المسؤول البولندي ماكرون بعنف آخذاً عليه اتصالاته المتكررة مع الرئيس فلاديمير بوتين. ومما قاله يوم 7 أبريل (نيسان): «نحن لا نتباحث مع مجرمين ولا نتفاوض معهم». وسأله: «هل كنت لتتفاوض مع هتلر أو ستالين أو بول بوت؟»، ورد عليه ماكرون بأنه سعى دوماً للتحدّث مع روسيا و«ناقش مع بوتين باستمرار التوصل إلى وقف لإطلاق النار وهدنة إنسانية، تماماً كما يفعل المستشار أولاف شولتس في ألمانيا أو غيره من رؤساء الدول الحكومات في أوروبا». بيد أن انتهاج ماكرون لاحقاً خطاً أكثر تشدداً إزاء بوتين والدعم الفرنسي لأوكرانيا قربا بين مواقف الطرفين. ثم جاءت المساعدة التي قدمتها بولندا لفرنسا من أجل التغلب على النيران التي التهمت ما لا يقل عن 50 مليون متر مربع من الغابات، لتسهم في التقريب بين الطرفين. وحرص ماكرون أمس، على شكر رئيس الوزراء البولندي على هذه المساعدة.
حتى اليوم، ما زال مقترح ماكرون «المجموعة السياسية الأوروبية» في بداية مساره. ولا شك أن الأيام والأسابيع المقبلة ستشهد تسريعاً لهذه الخطة التي طرحها الرئيس الفرنسي بداية كبديل سريع لطلب أوكرانيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وقال أمس إنه ما زال «مثابراً على الدفاع عن المقترح، وإنه يعمل للتوصل إلى تقارب في الرؤى السياسية والجيو - سياسية» بشأنه. ولا شك أن صعوبات كثيرة تواجه الانتقال به إلى حيز التنفيذ. ذلك أن وارسو وكييف وغيرهما من العواصم الأوروبية اعتبرته وسيلة لإبقاء عدة دول راغبة في الانضمام عند «باب» الاتحاد الأوروبي ومنعها من الدخول. وترى مصادر فرنسية أن اشتداد الحرب في أوكرانيا «كسف» خطة ماكرون. كذلك تراجعت دعوته إلى تعزيز السيادة الأوروبية، وإنشاء قوة عسكرية أوروبية للدفاع عن المصالح الأوروبية، أقله في الجوار الأوروبي المباشر، أي أفريقيا والشرق الأوسط والمتوسط. وفي أي حال، فإن التوجه العام اليوم، وفق المصادر المشار إليها، يدعو إلى الالتصاق بالحلف الأطلسي الذي يبدو أنه الضمانة الأصلب لحماية البلدان الخائفة من مغامرات روسية مستقبلية. وتقع بلدان أوروبا الشرقية ومن بينها بولندا في المقدمة. من هذه الزاوية، يمكن فهم إشارة ماكرون إلى أهمية «تعزيز الجناح الشرقي للحلف الأطلسي»، ولما قامت به باريس من مضاعفة حضورها العسكري الأرضي في رومانيا أو حضورها الجوي في بلدان بحر البلطيق. بيد أن الرئيس الفرنسي يحظى بدعم المستشار الألماني أولاف شولتس الذي أكد أمس مجدداً من براغ أنه يدعم مقترح ماكرون، مضيفاً أن المنتدى الجديد «يمكن أن يناقش مرة أو مرتين في العام موضوعات مركزية تهم قارتنا ككل مثل الأمن والمناخ والاتصال ...».
وفيما أوروبا تعاني من وقف أو خفض تدفق الغاز الروسي إلى كثير من أعضاء النادي الأوروبي، فإن الرئيس الفرنسي يستشعر الحاجة حالياً وأكثر من أي زمن سابق، إلى السيادة الأوروبية في قطاع الطاقة من أجل وضع حد للتبعية الأوروبية السابقة للغاز الروسي وبنسبة أقل للبترول والفحم الحجري. وأشار إلى أن التوق إلى السيادة الأوروبية في قطاع الطاقة آخذ بالتحول إلى «رؤية مشتركة»، الأمر الذي يمكن فهمه، نظراً لارتفاع أسعار الطاقة بكل مشتقاتها، والكهرباء، وتبعات ذلك كله على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلدان الأوروبية جميعها. ورغم نفيه المتكرر، فإن أحد أسباب زيارته المطولة للجزائر كان يهدف إلى تمكين فرنسا من الحصول على كميات إضافية من الغاز الجزائري ليحل محل النقص من الغاز الروسي.
وكان لافتاً أمس، أن رئيس الوزراء البولندي ذهب في اتجاه ماكرون بتأكيده من جهة، رغبة بلاده في تعزيز القدرات الدفاعية لأوروبا والتعاون من خلال الصناعات الدفاعية بين البلدين، ومن جهة ثانية دعوته إلى «استيقاظ أوروبا من سباتها وإلا فإنها ستخسر موقعها الجيو - استراتيجي في العالم»، داعياً شركاء بلاده داخل الاتحاد إلى «الوحدة رغم الملفات التي تباعد بيننا».


مقالات ذات صلة

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن الدول واستقرارها». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد «النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

«النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

قال مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة أوروبا اليوم (الجمعة)، إنه يتعين على البنوك المركزية الأوروبية أن تقضي على التضخم، وعدم «التوقف» عن رفع أسعار الفائدة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». وأوضح ألفريد كامر، خلال إفادة صحافية حول الاقتصاد الأوروبي في استوكهولم، «يجب قتل هذا الوحش (التضخم).

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم أوروبا تسجّل في 2022 أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة

أوروبا تسجّل في 2022 أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة

سجّل الإنفاق العسكري في أوروبا عام 2022 ارتفاعاً بوتيرة سريعة غير مسبوقة، حيث وصل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا إلى مستويات لم تشهدها القارة منذ الحرب الباردة، وفق ما أفاد باحثون في مجال الأمن العالمي. وأوردت دراسة لـ«معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» أن ارتفاع الإنفاق الأوروبي على الجيوش ساهم بتسجيل الإنفاق العسكري العالمي رقماً قياسياً للمرة الثامنة توالياً حيث بلغ 2.24 تريليون دولار، أو 2.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وعززت أوروبا انفاقها على جيوشها عام 2022 بنسبة 13 في المائة أكثر مقارنة بالأشهر الـ12 السابقة، في عام طغى عليه الغزو الروسي لأوكرانيا. وهذه الزيادة هي الأكبر م

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.