«جنيف» اليوم.. والأمم المتحدة تسعى لاحتواء هفوة إسقاط أحد المرجعيات المهمة للمشاورات

الحكومة اليمنية تشدد على ضرورة تنفيذ القرار 2216.. وتشاؤم إزاء النتائج المرجوة من الجلسات

TT

«جنيف» اليوم.. والأمم المتحدة تسعى لاحتواء هفوة إسقاط أحد المرجعيات المهمة للمشاورات

بعد شد وجذب، تقرر عقد المشاورات اليمنية في موعدها الجديد المحدد باليوم (الاثنين)، وذلك إثر موافقة وفد الحوثيين و«حزب المؤتمر العام»، أمس، على الانتقال من صنعاء إلى جنيف، حيث ستجري الجلسات. وبذلك، التحق الوفد «الحوثي - صالح» متأخرا عن وفد الشرعية الذي وصل أبكر بيوم، وأبدى تجاوبًا أسرع مع ترتيبات المنظمة الدولية للموعد.
ولم تعلن الأمم المتحدة، أمس، بشكل رسمي، موافقة الوفد «الحوثي - صالح» على الذهاب إلى جنيف، إلا أنها قدمت تصريحات فهم من خلالها أن الوفد تخلى عن تحفظاته السابقة التي كان يرددها، مثل عدد المشاركين وتفاصيل تخص الجلسات ومكان الإقامة. لكن إشكالاً آخر ظهر أمس، وتمثل في إصدار الأمم المتحدة بيانًا حددت فيه مرجعيتين اثنتين لمشاورات جنيف، هما المبادرة الخليجية والحوار الوطني، متراجعة عما كانت تعلنه سابقًا، مسقطة مرجعية القرار الأممي 2216 الذي صدر قبل شهرين ونصف الشهر على ضرورة انسحاب الحوثيين من المدن التي استولوا عليها، وتسليم أسلحتهم للدولة.
ورغم أن المتحدث باسم الأمم المتحدة أحمد فوزي حاول استدراك الأمر خلال مؤتمر صحافي عقده بمقر الأمم المتحدة في جنيف، ظهر أمس، وذكر فيه بوجود المرجعيات الثلاث، إلا أن «الوفد الرسمي للجمهورية اليمنية» أصدر، من مقر إقامته بجنيف، بيانًا جديدًا أكد فيه موقفه من المرجعيات، وقال الوفد إنه «قدم إلى جنيف ملبيًا لدعوة الأمم المتحدة في الوقت المحدد وبروح إيجابية منفتحة، والنظر بعين المسؤولية لكل ما يمر به وطننا، ملتزمًا بتفاصيل ما اتفق عليه، في أن اللقاء التشاوري في جنيف بين طرفين، هما السلطة اليمنية وطرف الانقلابيين، وأن أي مواقف معلنة تخالف ذلك لا تعد مقبولة». وعلمت «الشرق الأوسط»، أن وفد الجمهورية عقد في وقت لاحق أمس اجتماعًا مع المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
ويرى محللون كثيرون أن القرار الأممي 2216 يعد سلاحًا قويًا بيد الحكومة الشرعية، تمكنت من انتزاعه من الأمم المتحدة في أبريل (نيسان) الماضي، بالإجماع، ولم تمتنع عن التصويت له سوى روسيا التي بدأت في الآونة الأخيرة تبرز كحليف جديد للحوثيين بعد إيران. ويعتقد أن الحوثيين منزعجون جدًا من القرار الذي جرى التوصل إليه في إطار البند السابع، أي أن المجتمع الدولي أراد «فرضه» على الطرف المعني به (الحوثيين).
عمومًا، بدا الجو العام في مقر الأمم المتحدة بجنيف أمس متسمًا بالتشاؤم والتناقض أحيانا إزاء المشاورات، على خلفية التصريحات «الغامضة» للأمم المتحدة وأيضا بسبب التأجيلات السابقة ووجود تضارب بشأن الأهداف والرؤى لدى كل طرف.
وحاول المتحدث باسم الأمم المتحدة فوزي خلال مؤتمره الصحافي، أمس، تفادي التطرق للجوانب «السياسية» في المشاورات، والتركيز على الإجراءات الفنية، و«ما هو مؤكد حتى الآن»، ومن ذلك، حسب قوله، أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومبعوثه الشخصي موجودان في جنيف استعدادًا للمشاورات، وأنهما عقدا لقاء مع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، وآخر مع سفراء دول الراعية للمبادرة الخليجية، أي «مجموعة الـ16» التي تحولت إلى «مجموعة الـ18» (تضم خصوصًا الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي ومصر وتركيا ودول أخرى).
وحتى موعد بدء الجلسات كان غامضًا، فقد ذكر فوزي أنه «يتوقع» انطلاق المشاورات اليوم (الاثنين)، كما رفض تأكيد موافقة وفد «الحوثي - صالح» على الانتقال من صنعاء إلى جنيف (كانت التصريحات قبل أي إعلان عن وصول الوفد).
وأوضح أن المشاورات ستجري في غرفتين منفصلتين، وأنها ستعرف، إضافة إلى مشاركة وفد الشرعية والحوثيين وحزب صالح، حضور مجموعتي «اللقاء المشترك» و«الحراك السلمي» أيضًا.
وبدا فوزي حذرًا في تقديم التفاصيل، إذ رفض الكشف عن كيفية إجراء المشاورات ومدتها بالتحديد. واكتفى بالقول إن كل وفد سيضم «ما بين 10 إلى 12 شخصية»، وذلك على عكس ما أعلنته الأمم المتحدة سابقًا من أن كل وفد يضم 7 أشخاص يرافقهم 3 مستشارين.
وتطرق بيان «وفد الجمهورية» أيضا إلى جزئية عدد المشاركين، فقال إن الدعوة «وجهت على أساس سبعة أعضاء وثلاثة من المستشارين يمثلون السلطة الشرعية ومثلهم للطرف الآخر».
وتابع الوفد الممثل لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي أنه قدم إلى المشاورات «مستندا بوضوح على قرارات الشرعية الدولية وعلى المرجعيات المتفق عليها والمتمثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني والقرارات الدولية، وعلى رأسها القرار 2216 الذي شكل خريطة طريق واضحة للحل وإحلال السلام، ووقف العدوان الذي شنته ميليشيات الحوثي - صالح المتمردة، والانسحاب من كل المحافظات التي استولوا عليها بما فيها العاصمة صنعاء، والبدء بجهود الإغاثة الإنسانية العاجلة، وبما يعزز من الاستقرار المنشود».
وعبر وفد الشرعية أيضا عن دعمه لكل الجهود التي يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة، ومبعوثه الخاص «بما يخدم هذا التوجه، ويحقق تنفيذ القرار 2216».
وكان بيان الأمم المتحدة الأول ذكر أن «مشاورات جنيف ستكون منبثقة عن المبادرة الخليجية والحوار الوطني»، وأن «الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بعد مشاوراته مع المبعوث الأممي، قرر إرسال وفد موحد إلى مشاورات جنيف».
وتابع البيان أن المبعوث الأممي يرحب بقرار الرئيس هادي إرسال بعثة، ويحث أعضاءها على المشاركة بنية حسنة، ويسعى إلى نتائج تقود لرفع المعاناة الإنسانية في اليمن، وتعيد البلاد إلى الطريق نحو انتقال سلمي ومنظم.
وبعد البيان، وجد المتحدث باسم الأمم المتحدة فوزي وزميله ريال لوبلان، نفسيهما خلال المؤتمر الصحافي، أمام وابل من الأسئلة حول «التناقض» بين تأكيدهما على وجود ثلاث مرجعيات للمشاورات من جهة، وإسقاط مرجعية القرار 2216 من بيان المبعوث الأممي من جهة أخرى. لكن كلا منهما امتنع عن تقديم قراءة سياسية وتفادى الإجابة. وعندها همس الصحافيون بينهم بأن إصدار البيان ربما صدر لمغازلة الحوثيين ودفعهم للموافقة على السفر إلى صنعاء، ذلك أن الأمم المتحدة تبدو حريصة جدًا على عقد هذه المشاورات، وتبدو مهتمة بالشأن الإنساني والتوصل إلى هدنة خلال شهر رمضان.
وساد الغموض أيضا، أمس، حول الجهات المشاركة في المشاورات، مع إضافة اسمي «اللقاء المشترك» و«الحراك السلمي» لأول مرة. وحول هذه المشاركة، قُدمت للإعلاميين في المقر الأممي بجنيف، توضيحات غير رسمية تفيد بأن الحكومة الشرعية ستمثل فريقًا رئيسيًا، وأن الحوثيين وحزب صالح واللقاء المشترك والحراك سيشكلون مجتمعين الفريق الثاني.
وحسب المعلومات الشحيحة و«التوقعات» أيضًا، فإن الفريقين سيجلسان في قاعتين منفصلتين، وفي طابقين منفصلين أيضًا، وأن الفريق الأممي المشرف، برئاسة إسماعيل ولد شيخ، سينتقل بين القاعتين ليطرح على الوفدين أسئلة ويستمع إلى إجابات.
ولم يعلن حتى يوم أمس عن محاور المشاورات أو الطريقة الأكيدة التي ستجري بها. وعكست التصريحات غير الحاسمة للمتحدثين باسم الأمم المتحدة، أمس، أن الفريق الأممي الراعي للمشاورات مقبل على الجلسات وهو مستعد لأي تطور محتمل. ولذلك، رفض فوزي الكشف عن القضايا التي ستطرقها الجلسات كما امتنع عن تقديم فترة زمنية محددة للمشاورات. وقمت إدارة الإعلام بالأمم المتحدة في جنيف بطاقات اعتماد صالحة حتى 19 من الشهر الحالي، مما فهم أن الحد الأقصى للجلسات هو خمسة أيام علما بأن الأمم المتحدة كانت قالت في وقت سابق إن الجلسات ستدوم ثلاثة أيام فقط.
وأقر المتحدث باسم الأمم المتحدة فوزي، أمس، بأن الأيام القليلة الماضية عرفت الكثير من الأحداث المتسارعة بشأن التحضير للمشاورات، كما شهدت بروز «عدة إشاعات».
يذكر أن استجابة الأطراف اليمنية للدعوة للمشاورات بدت متثاقلة منذ الوهلة الأولى؛ إذ كان المبعوث الأممي اقترح 28 مايو (أيار) موعدًا للاجتماعات، إلا أنه تأجل، بعد تحفظ الرئيس هادي، إلى 14 يونيو (حزيران). ثم تأجل الموعد مجددًا 24 ساعة بسبب عراقيل برزت في صنعاء تتعلق بانتقال وفد جماعة الحوثيين. وظل المعنيون بهذا الملف السياسي في جنيف على مدى اليومين الماضيين بانتظار أخبار من صنعاء، إلى أن أعلن، أمس، أن الوفد الحوثي وافق في الأخير على المشاركة، لكن دون الاستجابة للطلب الذي ظل يقدمه برفع عدد الوفد إلى أربعين شخصية.
وأشار دبلوماسيون في جنيف إلى أن سقف التوقعات من المشاورات محدود جدًا، بالنظر إلى المواقف المتباعدة بين الطرفين، وحتى مع الطرف الراعي (الأمم المتحدة).
فالحكومة الشرعية قررت القدوم إلى جنيف لهدف رئيسي هو بحث آليات تطبيق القرار الأممي 2216، بينما اختار معسكر الحوثيين وصالح فرض عقبات حول عدد المشاركين ليصل إلى 40، وهو يطمح لتوسيع النقاش والقفز على القرار 2216. وبينهما تبرز الأمم المتحدة في موقف صعب لا تحسد عليه اضطرها حتى لإصدار بيانات غامضة.



تصعيد صومالي جديد ضد إثيوبيا يُعمق التوتر في «القرن الأفريقي»

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود معلناً أمام برلمان بلاده رفض اتفاق إثيوبيا مع «أرض الصومال» (أرشيفية- الرئاسة الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود معلناً أمام برلمان بلاده رفض اتفاق إثيوبيا مع «أرض الصومال» (أرشيفية- الرئاسة الصومالية)
TT

تصعيد صومالي جديد ضد إثيوبيا يُعمق التوتر في «القرن الأفريقي»

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود معلناً أمام برلمان بلاده رفض اتفاق إثيوبيا مع «أرض الصومال» (أرشيفية- الرئاسة الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود معلناً أمام برلمان بلاده رفض اتفاق إثيوبيا مع «أرض الصومال» (أرشيفية- الرئاسة الصومالية)

في تصعيد جديد للخلاف بين مقديشو وأديس أبابا، قررت الحكومة الصومالية «طرد» دبلوماسي بالسفارة الإثيوبية لدى الصومال، بداعي «القيام بأنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي»، في خطوة رأى مراقبون أنها «تعمِّق التوتر في منطقة القرن الأفريقي».

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وسط رفض من الحكومة الصومالية ودول الجامعة العربية.

وفي مواجهة تلك التحركات، حشد الصومال، دعماً دولياً وإقليمياً، لمواقفه، ضد المساعي الإثيوبية، وأبرم بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو.

ومساء الثلاثاء، طلبت الخارجية الصومالية من المستشار الثاني في سفارة إثيوبيا لدى الصومال، علي محمد آدم، مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، واتهمته بممارسة «أنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي، وتشكل خرقاً لاتفاقية (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية الصادرة عام 1961»، وفق إفادة للخارجية الصومالية.

وأكدت وزارة الخارجية الصومالية «التزام الصومال حماية سيادته، والحفاظ على البروتوكولات الدبلوماسية الدولية، والقانون الدولي».

خلافات أعمق

ورجَّح أستاذ العلاقات الدولية في المعهد العالي للدراسات الأمنية بالصومال، حسن شيخ علي، ارتكاب الدبلوماسي الإثيوبي «أعمالاً عدائية تمس السيادة الصومالية»، وقال إن «المستشار بالسفارة الإثيوبية هو في الأساس ضابط بالجيش الإثيوبي»، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الإجراءات الصومالية تستهدف حماية سيادته الوطنية».

وفي اعتقاد شيخ علي، فإن التوتر في العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، أعمق من مسألة طرد دبلوماسي تابع لأديس أبابا، ويقول إن «الخلاف بين البلدين أكبر من هذا الإجراء، ذلك أنه يرتبط باستهداف إثيوبيا كيان الدولة الصومالية وسيادتها، ويدعم انقسام جزء من أراضيها».

وسبق أن قال وزير الخارجية الصومالي، أحمد معلم فقي، إن إثيوبيا «لا تسعى للحصول على موانئ بحرية فقط، عبر (إقليم أرض الصومال)، وإنما تريد السيطرة على الأراضي الصومالية وضمها إلى سيادتها»، وطالب في تصريحات صحفية في مارس (آذار) الماضي، بـ«ضرورة مغادرة القوات الإثيوبية المشاركة في قوات حفظ السلام الأفريقية، الأراضي الصومالية، بنهاية تفويضها هذا العام»، وقال إن «بقاءها سيكون احتلالاً عسكرياً سنتعامل معه بكل الإمكانات المتاحة».

طابع تصعيدي

ويعد طرد الصومال دبلوماسياً إثيوبياً «تطوراً طبيعياً للتصعيد المستمر بين مسؤولي البلدين في الفترة الأخيرة» وفق تقييم الخبير المصري في الشؤون الأفريقية رامي زهدي، الذي أشار إلى أن «تصاعد لهجة الانتقادات وتبادل الاتهامات، يهدد قنوات الاتصال بين البلدين»، وقد ينتج عنه «تجاوز من أحد مسؤولي البعثات الدبلوماسية، وصولاً إلى خيار قطع العلاقات الدبلوماسية».

ويعتقد زهدي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن التحركات الصومالية الأخيرة التي تحمل طابعاً تصعيدياً، «قد تكون وسيلة لحل خلافاتها مع أديس أبابا»، مشيراً إلى أن «حشد مقديشو تحالفات إقليمية باتفاقيات تعاون أمني وعسكري مع دول مثل مصر وتركيا، وتعزيز تعاونها مع دول الجوار المباشر، مثل أوغندا وكينيا وجيبوتي، يبعثان برسائل مباشرة لإثيوبيا أنها لن تكون صامتة أمام أي عدائيات على أراضيها».

ورأى الخبير أن تعزيز الصومال تحالفاته الإقليمية «تأكيد على رفض مقديشو أيَّ حل يخالف القانون الدولي، وينتقص من سيادة الصومال»، إلى جانب «توفير الغطاء السياسي لأي إجراء ستتخذه الحكومة الصومالية، سواء عسكرياً أو سياسياً، خصوصاً مع عدم وجود أي إشارات إلى تراجع أديس أبابا عن اتفاقها مع أرض الصومال».