أزمة مغربية ـ تونسية بعد استقبال سعيّد لزعيم «البوليساريو»

رئيس السنغال تأسَّف لغياب المغرب عن قمة «تيكاد»... ورئيس غينيا بيساو انسحب احتجاجاً

الرئيس التونسي مستقبلاً زعيم جبهة «البوليساريو» الانفصالية في مطار قرطاج الدولي أول من أمس (إ.ب.أ)
الرئيس التونسي مستقبلاً زعيم جبهة «البوليساريو» الانفصالية في مطار قرطاج الدولي أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

أزمة مغربية ـ تونسية بعد استقبال سعيّد لزعيم «البوليساريو»

الرئيس التونسي مستقبلاً زعيم جبهة «البوليساريو» الانفصالية في مطار قرطاج الدولي أول من أمس (إ.ب.أ)
الرئيس التونسي مستقبلاً زعيم جبهة «البوليساريو» الانفصالية في مطار قرطاج الدولي أول من أمس (إ.ب.أ)

قرر المغرب الاستدعاء الفوري لسفيره لدى تونس للتشاور، وعدم المشاركة في قمة «تيكاد» الثامنة التي انطلقت أشغالها أمس بتونس، وذلك عقب استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد زعيم جبهة «البوليساريو» الانفصالية، في إطار منتدى التعاون الياباني- الأفريقي (تيكاد). وقال بيان لوزارة الخارجية المغربية، صدر مساء أول من أمس، إنه بعد أن تضاعفت المواقف والتصرفات السلبية في الآونة الأخيرة تجاه المملكة المغربية ومصالحها العليا، فإن موقف تونس في إطار عملية «تيكاد» يؤكد عداءه الصارخ. مضيفاً أن «ترحيب رئيس الدولة التونسية بزعيم الميليشيا الانفصالية عمل خطير وغير مسبوق، ويجرح بشدة مشاعر الشعب المغربي وقواه الحية». كما أوضح البيان أن القرار المغربي لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على الروابط المتينة بين الشعبين المغربي والتونسي، وأن عدم المشاركة في قمة «تيكاد» الثامنة لا يشكك في التزام المغرب بمصالح أفريقيا، وعملها داخل الاتحاد الأفريقي، كما أنه لا يشكك في التزام المملكة في إطار «تيكاد».
وأعرب الرئيس السنغالي ماكي سال، رئيس الاتحاد الأفريقي، عن أسفه لانعقاد الدورة الثامنة من منتدى «تيكاد» في غياب المغرب «العضو البارز في الاتحاد الأفريقي، لعدم وجود توافق في الآراء حول قضية تتعلق بالتمثيلية»، وأعرب عن أمله في «إيجاد حل دائم لهذا المشكل في المستقبل، لما فيه حسن سير شراكتنا في أجواء هادئة».
ومن جهته، غادر رئيس غينيا بيساو، والرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)، أومارو سيسوكو إمبالو، قاعة المؤتمر، احتجاجاً على مشاركة «البوليساريو» التي فرضتها تونس، حسبما ذكرت مصادر دبلوماسية حضرت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر.
وتوالت أمس في المغرب ردود الفعل الغاضبة، الصادرة عن الهيئات السياسية والنقابية والجمعوية، إزاء استقبال الرئيس التونسي للأمين العام لجبهة «البوليساريو» الانفصالية. وقال حزب «التجمع الوطني للأحرار»، متزعم الائتلاف الحكومي، إنه تابع «الخطوة العدائية» التي أقدم عليها الرئيس سعيد، والمتمثلة في استقبال «زعيم الكيان الوهمي». واستنكر بشدة هذه الخطوة، معتبراً أن هذا الفعل العدائي غير المسبوق «يؤكد بالملموس مسلسل التهور الذي أدخل فيه الرئيس سعيد للأسف الشقيقة تونس، عبر اتخاذ قرارات مجانية مفرطة في العداء للدول الصديقة التي لن تفيد الشعب التونسي في شيء». واعتبر الحزب أن النظام التونسي «عبر هذه الخطوة المتهورة، وغير محسوبة العواقب، يصطف اليوم مع أعداء المملكة، وداعمي الميولات الانفصالية في المنطقة، وهو ما من شأنه أن يزيد من هوة الخلافات الإقليمية بشكل خطير، ويؤثر على استقرار المنطقة التي تتوق شعوبها إلى تحقيق الاستقرار وتكريس الديمقراطية».
من جهته، قال حزب «الأصالة والمعاصرة» (غالبية) إنه على أثر الخطوة «المستفزة» التي أقدم عليها الرئيس التونسي، وما حملته من «انحياز غير مقبول للدعاوى المعادية للوحدة الترابية وللسيادة الوطنية للمملكة المغربية، فإن الحزب يستنكر هذا الموقف الشاذ الذي لم يأتِ صدفة؛ بل جاء نتيجة لعدد من الخطوات غير المفهومة الصادرة عن الرئاسة التونسية في السنوات الأخيرة، والتي تجسدت في عديد من الإشارات السلبية، والمواقف المعادية للمصالح العليا للمملكة المغربية»؛ معتبراً أن ما قامت به الرئاسة التونسية «لا يعد فقط ضرباً خطيراً للعلاقات التاريخية التي ظلت تجمع البلدين الشقيقين؛ بل يعتبر طعناً من الخلف لحليف ظل وفياً للدفاع عن أمن تونس ووحدتها الترابية، واستقرارها السياسي وتقدمها الاقتصادي... وضرباً عميقاً لكل جهود إحياء المغرب العربي».
من جانبه، عبَّر حزب «الاستقلال» (مشارك في الحكومة) عن تفاعله مع الحدث، من خلال تدوينة لأمينه العام نزار بركة، جاء فيها: «يبدو أن حكام تونس الجدد، وليس الشعب التونسي، قد انعرجوا عن نهجهم الودي الراسخ تجاه بلادنا، وتنكروا فجأة لما يجمع بين بلدينا من حسن جوار، واحترام متبادل لشؤون كل بلد على حدة، دون تدخل أو إقحام للنفس. وحزب (الاستقلال) لا يمكنه إلا أن يشجب بشدة هذا الانقلاب السافر في موقف بلد شقيق، نكن له كل التقدير، ونتمنى له استعادة الاستقرار والتقدم، تجاه قضية وحدتنا الترابية، وما صاحبه من سلوكيات استفزازية استعراضية تخدش شعور المغاربة قاطبة. ولا يمكن لموقف من هذا القبيل أن يغير حقيقة مغربية الصحراء، ومصداقية وواقعية مخطط الحكم الذاتي الذي تقترحه بلادنا، ولكنه يؤشر للأسف على أن حكام تونس الجدد اختاروا الاصطفاف إلى جانب الهشاشة».
بدوره، أصدر قسم العلاقات الدولية بحزب «العدالة والتنمية» المعارض (مرجعية إسلامية) بياناً أدان فيه هذا التصرف الذي اعتبره «عدائياً تجاه المغرب»، مؤكداً أن هذه الخطوة «تشكل ضربة جسيمة للعلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، وموقفاً معادياً ومنحازاً ضد قواعد حسن الجوار والشراكة، وخيارات البناء المغاربي الوحدوي، ويخدم مخططات التجزئة والتقسيم». واعتبر الحزب أن ما قام به الرئيس التونسي «لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على عدالة وقوة الموقف المغربي في موضوع مغربية الصحراء»، المستند على حقائق التاريخ ومعطيات الجغرافيا وأدلة الشرع والقانون.
في سياق ذلك، قال حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» (معارضة برلمانية) إنه تلقى بغضب شديد ما أقدم عليه رئيس الجمهورية التونسية من استقبال رسمي «لزعيم ميليشيات البوليساريو». واعتبر أن ما أقدمت عليه الرئاسة التونسية هو بمثابة «طعنة في ظهر المغرب» الذي ظل حريصاً على استقرار تونس وأمنها، وكان الداعم الأول لها حينما كانت تمر من ظرفية قاسية. وقال إن هذه السابقة لم يفكر في اقترافها أي من رؤساء الجمهورية التونسية من العقلاء الذين كانوا حريصين على استقرار المنطقة وتجنيبها التوترات.
بدوره، وصف حزب «الحركة الشعبية» (معارضة برلمانية) استقبال زعيم «البوليساريو» في تونس بأنه «خطوة خطيرة غير محسوبة العواقب»، واستنكر بشدة «هذا الفعل العدائي الصادر عن الرئيس التونسي؛ لأنه يضرب في الصميم علاقات الصداقة التاريخية التي ظلت تجمع بين المملكة المغربية والجمهورية التونسية». واعتبر الحزب في بيان له أن الرئيس التونسي «يكون بهذه المغامرة قد حشر نفسه في زاوية خصوم المملكة المغربية». كما عبر نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» (معارضة برلمانية)، عن إدانته «بشدة»، لما عده «خطوة حمقاء أقدم عليها الرئيسُ التونسي»، باستقباله «للرئيس المزعوم للجمهورية الوهمية».
من جانبها، أدانت «نقابة الاتحاد الوطني للشغل» استقبال الرئيس التونسي لزعيم انفصاليي «البوليساريو»، ودعت النقابات التونسية للتعبير عن رفضها لسلوك الرئيس. وأكد الاتحاد في بيان له أنه تلقى باستغراب كبير السلوك غير المسبوق للرئيس التونسي، الذي قرر في خطوة انفرادية مستهجنة تخصيص استقبال لممثل «الكيان الانفصالي الوهمي».
وفي تونس، توالت أيضاً ردود الأفعال المنددة باستقبال الرئيس التونسي بصفة رسمية لزعيم «البوليساريو» في مطار تونس قرطاج الدولي، وجاءت في مجملها معبرة عن استنكار ورفض لما أقدمت عليه الرئاسة التونسية، وعدم مراعاتها وتقديرها لانعكاسات هذه الخطوة على العلاقات التي تجمع بين دول اتحاد المغرب العربي.
وندد غازي الشواشي، رئيس حزب «التيار الديمقراطي» المعارض، بخطوة الرئيس سعيد، وقال: «إنه يتجه لتدمير علاقات تونس مع الدول الشقيقة والصديقة، والإضرار بمصالحها الدبلوماسية والاقتصادية». ومن ناحيته، اعتبر عبد الوهاب الهاني، رئيس حزب «المجد»، أن استقبال زعيم «البوليساريو»، يعد «انحرافاً خطيراً وخروجاً غير مسبوق عن ثوابت الدبلوماسية التونسية، وهو بمثابة انتحار سياسي للرئيس قيس سعيد، وسيعرّض المصالح العليا لتونس، ويضر بمصداقيتها بين الدول»؛ مشيراً إلى أن هذه الخطوة «ترقى إلى حد الغباء الدبلوماسي في فهم التوازنات السياسية الإقليمية»، على حد قوله.
وضجت أمس مواقع التواصل الاجتماعي بالمنشورات المُنددة بهذا الاستقبال، وكانت مصحوبة بصور تُوثق استقبال الرئيس سعيد للطائرة التابعة للرئاسة الجزائرية، وذهبت بعض التعليقات إلى حد اعتبار ما جرى «إعلانا صريحاً للعداوة مع المغرب»، بينما رأى البعض الآخر أنها «أتت بفعل ضغوط من الجزائر وحلفائها في الاتحاد الأفريقي».
وفي مقابل الغضب المغربي، أعربت تونس عن استغرابها الشديد لما ورد في بيان المملكة المغربية من «تحامل غير مقبول على الجمهورية التونسية»، وقررت بدورها دعوة سفيرها في الرباط حالاً للتشاور. بينما أوضحت الخارجية التونسية أن «تونس حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء، التزاماً بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير إلى أن تجد الأطراف المعنية حلاً سلمياً يرتضيه الجميع».


مقالات ذات صلة

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

الولايات المتحدة​ إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي مايك روجرز، مساء أول من أمس في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز خلال مؤتمر صحافي عقب مباحثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا ترحيب مغربي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية

ترحيب مغربي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية

أعلن بيان للديوان الملكي المغربي، مساء أول من أمس، أن الملك محمد السادس تفضل بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح (أول) محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية. وجاء في البيان أن العاهل المغربي أصدر توجيهاته إلى رئيس الحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي. ويأتي هذا القرار تجسيداً للعناية الكريمة التي يوليها العاهل المغربي للأمازيغية «باعتبارها مكوناً رئيسياً للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيداً مشتركاً لجميع المغاربة دون استثناء».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا أعضاء «الكونغرس» الأميركي يشيدون بالتزام العاهل المغربي بـ«تعزيز السلام»

أعضاء «الكونغرس» الأميركي يشيدون بالتزام العاهل المغربي بـ«تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، مايك روجرز، مساء أمس، في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز، خلال مؤتمر صحافي، عقب محادثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم»، مبرزاً أن هذه المحادثات شكلت مناسبة للتأكيد على الدور الجوهري للمملكة، باعتبارها شريكاً للول

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا حزبان معارضان يبحثان تدهور القدرة الشرائية للمغاربة

حزبان معارضان يبحثان تدهور القدرة الشرائية للمغاربة

عقد حزبا التقدم والاشتراكية اليساري، والحركة الشعبية اليميني (معارضة برلمانية) المغربيين، مساء أول من أمس، لقاء بالمقر الوطني لحزب التقدم والاشتراكية في الرباط، قصد مناقشة أزمة تدهور القدرة الشرائية للمواطنين بسبب موجة الغلاء. وقال الحزبان في بيان مشترك إنهما عازمان على تقوية أشكال التنسيق والتعاون بينهما على مختلف الواجهات السياسية والمؤسساتية، من أجل بلورة مزيد من المبادرات المشتركة في جميع القضايا، التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني، وذلك «من منطلق الدفاع عن المصالح الوطنية العليا للبلاد، وعن القضايا الأساسية لجميع المواطنات والمواطنين».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا عائلات مغربية تحتج لمعرفة مصير أبنائها المفقودين والمحتجزين

عائلات مغربية تحتج لمعرفة مصير أبنائها المفقودين والمحتجزين

دعت «تنسيقية أسر وعائلات الشبان المغاربة المرشحين للهجرة المفقودين» إلى تنظيم وقفة مطلبية اليوم (الخميس) أمام وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي بالرباط، تحت شعار «نضال مستمر من أجل الحقيقة كاملة وتحقيق العدالة والإنصاف»، وذلك «لتسليط الضوء» على ملف أبنائها المفقودين والمحتجزين ببعض الدول. وتحدث بيان من «التنسيقية» عن سنوات من المعاناة وانتظار إحقاق الحقيقة والعدالة، ومعرفة مصير أبناء الأسر المفقودين في ليبيا والجزائر وتونس وفي الشواطئ المغربية، ومطالباتها بالكشف عن مصير أبنائها، مع طرح ملفات عدة على القضاء. وجدد بيان الأسر دعوة ومطالبة الدولة المغربية ممثلة في وزارة الشؤون الخارجية والتع

«الشرق الأوسط» (الرباط)

صراع «القرن الأفريقي»... نذر المواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
TT

صراع «القرن الأفريقي»... نذر المواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)

تصاعدت نذر الصراع في منطقة القرن الأفريقي على مدار الأشهر الماضية، وسط تزايد المخاوف من اندلاع حرب «لا يتحدث عنها أحد»، في ظل عدم وجود «أفق واضح للتهدئة» بين طرفي الأزمة الرئيسيين الصومال وإثيوبيا، ما قد يجر دول المنطقة، التي تعاني نزاعات داخلية متجذرة، إلى منعطف خطير، لا يؤثر عليها فحسب، بل يضرّ بحركة التجارة العالمية أيضاً.

الشرارة الأولى للصراع الحالي كانت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي، عقب توقيع إثيوبيا، الدولة الحبيسة، «مذكرة تفاهم» مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، اعترفت بموجبه أديس أبابا باستقلال الإقليم، مقابل حصولها على ميناء وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر.

لم تمر المذكرة بهدوء، ولا سيما أن إقليم «أرض الصومال» مارس بتوقيعه عليها عملاً من أعمال السيادة، برغم أنه لم يحظَ باعتراف دولي منذ أعلن استقلاله بشكل أحادي عام 1991.

عارضت مقديشو الاتفاق، ووقّع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بعد أسبوع، قانوناً يلغي «مذكرة التفاهم». كما أعلنت جامعة الدول العربية ومؤسسات دولية أخرى دعمها لسيادة الصومال.

مصر أيضاً دخلت على خط الأزمة، وحذّر الرئيس عبد الفتاح السيسي، عقب لقائه نظيره الصومالي في القاهرة، في يناير الماضي، من «المساس بأمن الصومال وسيادته»، وقال: «ماحدش (لا أحد) يجرب مصر».

بدأ الصومال في حشد الدعم الدولي لموقفه ضد إثيوبيا، ووقّع في 21 فبراير (شباط) اتفاقية تعاون دفاعي واقتصادي مع تركيا، و«مذكرة تفاهم» مع الولايات المتحدة لبناء ما يصل إلى 5 قواعد عسكرية لأحد ألوية الجيش. كما هدّد بطرد القوات الإثيوبية من بلاده، علماً بأنها تشارك ضمن قوة أفريقية في جهود «مكافحة الإرهاب».

وفي محاولة لحلّ الأزمة المتصاعدة، أطلقت تركيا، التي تمتلك قاعدة عسكرية في الصومال منذ عام 2017، في 2 يوليو (تموز) الماضي مبادرة للوساطة بين إثيوبيا والصومال، عقدت من خلالها جولتي مباحثات، بينما ألغيت الثالثة التي كانت مقررة الشهر الحالي.

ومع تصاعد الأزمة، وقّع الصومال ومصر بروتوكول تعاون عسكرياً في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة شحنتي أسلحة لدعم مقديشو، كما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل كجزء من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.

وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور يشهد عملية تفريغ شحنة مساعدات عسكرية مصرية (مديرة مكتب رئيس الوزراء الصومالي - إكس)

التحركات المصرية أثارت غضب أديس أبابا، التي اتهمت مقديشو بـ«التواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة الاستقرار». وفي المقابل، اتهم الصومال إثيوبيا بإدخال شحنة أسلحة إلى إقليم «بونتلاند».

ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية عن وزير خارجية أديس أبابا، تايي أتسكي سيلاسي، قوله إنه «يشعر بالقلق من أن الأسلحة القادمة من قوى خارجية من شأنها أن تزيد من تدهور الوضع الأمني الهش، وأن تصل إلى أيدي الإرهابيين في الصومال».

وردّ وزير خارجية الصومال، أحمد معلم فقي، بقوله إن «الدافع وراء هذه التصريحات المسيئة هو محاولتها (إثيوبيا) إخفاء التهريب غير القانوني للأسلحة عبر الحدود الصومالية، التي تقع في أيدي المدنيين والإرهابيين».

الصراع الحالي ليس إلا «نتيجة ثانوية لمذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال»، بحسب حديث الباحث المتخصص في شؤون شرق أفريقيا في «مجموعة الأزمات الدولية»، عمر محمود، لـ«الشرق الأوسط». لكنه «ليس صراعاً وليد اللحظة حيث يعكس التصعيد الأخير أيضاً قضايا قديمة في منطقة القرن الأفريقي لم تتم معالجتها».

وهو ما يؤكده عضو البرلمان الإثيوبي الباحث السياسي، أسامة محمد، مشيراً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى «المظالم التاريخية والنزاعات الحدودية التي تؤجج التوترات في القرن الأفريقي»، ضارباً المثل بالنزاع المائي بين مصر وإثيوبيا.

وتعد مكافحة «الإرهاب»، وتحديداً «حركة الشباب»، أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الصومال، جنباً إلى جنب مع المشاكل الداخلية المتعلقة بالعشائر القبلية. وهي تحديات ليست ببعيدة عن إثيوبيا التي تواجه أيضاً نزاعات داخلية في بعض الأقاليم، يرى مراقبون أنه «يمكن استغلالها في الصراع الحالي».

ويدافع عضو البرلمان الإثيوبي عن «دور بلاده التاريخيّ في استقرار الصومال»، وإن «أدت التحديات الداخلية بما في ذلك صراع تيغراي إلى عرقلة جهود أديس أبابا في دعم الدول المجاورة»، على حد قوله.

وتحت عنوان «الحرب المقبلة التي لا يتحدث عنها أحد»، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إنه «بفضل طموحات آبي أحمد التوسعية ومخططاته المتهورة، أصبح القرن الأفريقي على أعتاب حرب، من شأنها أن تعرض المنطقة للخطر، وترتد ضد بقية العالم».

ويرتبط النزاع الحالي بـ«مشاريع آبي أحمد التوسعية»، حسب الباحث الآريتري - الأميركي المتخصص في قضايا القرن الأفريقي، إبراهيم إدريس، الذي يشير، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن أديس أبابا «تحاول تحقيق التنمية على حساب الدول الأخرى».

طموح آبي أحمد في الوصول إلى البحر الأحمر ليس وليد اللحظة، حيث يسعى لتحقيق ذلك منذ توليه مهام منصبه في أبريل (نيسان) 2018، عبر ما يسمى بـ«دبلوماسية الموانئ». وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تحدث آبي أحمد، أمام برلمان بلاده، عن «ضرورة إيجاد منفذ لبلاده على البحر».

وفقدت إثيوبيا إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر، عندما حصلت إريتريا على استقلالها في عام 1993، ومنذ ذلك العام تعتمد أديس أبابا على ميناء جيبوتي.

ورغم أن منبع الصراع الحالي هو «مذكرة التفاهم»، فإن «إثيوبيا ترى أن مصر تسعى لفتح جبهة نزاع جديدة مع إثيوبيا في الصومال»، بحسب مدير معهد هيرال لشؤون الأمن في القرن الأفريقي، الباحث الصومالي محمد مبارك، في حديث له مع «الشرق الأوسط».

وبين مصر وإثيوبيا نزاع ممتد لأكثر من 10 سنوات، بسبب «سد النهضة» الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيس لنهر النيل، وتوقفت المفاوضات بين البلدين إثر «رفض أديس أبابا الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، ما دفع القاهرة إلى اللجوء لمجلس الأمن».

والتدخل المصري في الأزمة الصومالية يأتي في سياق تعزيز وجودها في القرن الأفريقي، مع أهمية المنطقة المطلة على البحر الأحمر، وهو «ليس جديداً»، بحسب الخبير الأمني المصري، اللواء محمد عبد الواحد، الذي كان في الصومال في التسعينات من القرن الماضي، في ظل وجود قوات مصرية «ساهمت في إعادة الاستقرار لمقديشو، وكذلك تقريب وجهات النظر بين العشائر المتحاربة».

لكن عضو البرلمان الإثيوبي يرى أن «تدخل مصر أدى إلى تعقيد الجهود الدبلوماسية في المنطقة».

بينما يرى إدريس أن دخول مصر وإريتريا على خط الأزمة «أمر طبيعي مرتبط بعلاقات البلدين التاريخية مع الصومال»، مؤكداً أن «القاهرة وأسمرة تهدفان إلى تعزيز سيادة الجيش الصومالي، وفرض الاستقرار والأمن في البحر الأحمر».

وعلى هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، عقد وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا اجتماعاً قبل أيام لتنسيق المواقف وحماية استقرار المنطقة.

وبينما لا يرجح الباحث في مجموعة الأزمات الدولية «اندلاع صراع مباشر بين إثيوبيا والصومال، بسبب تكلفته الباهظة»، لا يستطيع، في الوقت نفسه، استبعاد هذا السيناريو، «إذا لم يتم حل المشكلة، واستمرت التوترات في التصاعد».

ويستبعد الباحث الإرتيري أيضاً «نشوب حرب عسكرية في المنطقة»، وإن أشار إلى «استمرار صراع النفوذ بين القوى الغربية المختلفة على منطقة القرن الأفريقي، ولا سيما روسيا والصين، وفي ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية عدة في دول المنطقة».

واحتمالات التصعيد، وفق الباحث الصومالي، «متوسطة إلى عالية». ويشير مبارك إلى «توترات عدة في المنطقة لم تتطور إلى نزاع مسلح»، لكنه يرى أن «الصراع المسلح قد يصبح حقيقة إذا اعترفت إثيوبيا فعلياً بأرض الصومال».

ويعتقد عضو البرلمان الإثيوبي بإمكانية «كبيرة» للتصعيد، ولا سيما أن «تقاطع المصالح الوطنية والعابرة للحدود الوطنية، والتنافس على الموارد مثل المياه والأراضي والنفوذ السياسي قد يؤدي إلى إشعال مزيد من الصراعات». ويقول: «أي سوء فهم أو سوء تواصل، وخاصة في ما يتعلق بمياه النيل، من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من المواجهات بين إثيوبيا ومصر».

في المقابل، يخشى الخبير الأمني المصري من «تحركات عدائية إثيوبية ضد القوات المصرية قد تشعل الوضع في ظل عدم وجود أطر للتسوية أو حل الأزمة». ويشير إلى أن «أديس أبابا لديها تأثير في الصومال، وعلاقات بأمراء الحرب الذين أشعلوا الصومال في التسعينات، الأمر الذي يثير القلق من استخدامهم في النزاع الحالي».

ومع تصاعد الصراع الصومالي - الإثيوبي، اقترحت جيبوتي تأمين وصول أديس أبابا لمنفذ على البحر. وحتى الآن لم تتمكن جهود الوساطة، من «سد الفجوات بين الجانبين».

يتطلب حل الأزمة جهداً دولياً منسقاً، «تصطف فيه الوساطات في مسار واحد»، حيث يرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية أنه «لا يمكن لجهة فاعلة واحدة حلّ الصراع بمفردها.

مثله، يقترح عضو البرلمان الإِثيوبي «مزيجاً من التعاون الإقليمي والوساطة الدولية والإصلاحات الداخلية لحل الأزمة».

ويبدو أن الصراع الحالي ينذر بمخاطر عدة، ويثير مخاوف «حرب بالوكالة»، وفق الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، «بحيث قد يدعم كل طرف القوات المناهضة للحكومة في أراضي الآخر» على حد قوله.

وبالفعل، حذّر تقرير مشروع «كريتكال ثريتس» التابع لـ«معهد إنتربرايز» الأميركي للأبحاث السياسية العامة، قبل أيام، من «زيادة خطر اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقاً، وإطالة أمد الأزمة في القرن الأفريقي».