أزمة مغربية ـ تونسية بعد استقبال سعيّد لزعيم «البوليساريو»

رئيس السنغال تأسَّف لغياب المغرب عن قمة «تيكاد»... ورئيس غينيا بيساو انسحب احتجاجاً

الرئيس التونسي مستقبلاً زعيم جبهة «البوليساريو» الانفصالية في مطار قرطاج الدولي أول من أمس (إ.ب.أ)
الرئيس التونسي مستقبلاً زعيم جبهة «البوليساريو» الانفصالية في مطار قرطاج الدولي أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

أزمة مغربية ـ تونسية بعد استقبال سعيّد لزعيم «البوليساريو»

الرئيس التونسي مستقبلاً زعيم جبهة «البوليساريو» الانفصالية في مطار قرطاج الدولي أول من أمس (إ.ب.أ)
الرئيس التونسي مستقبلاً زعيم جبهة «البوليساريو» الانفصالية في مطار قرطاج الدولي أول من أمس (إ.ب.أ)

قرر المغرب الاستدعاء الفوري لسفيره لدى تونس للتشاور، وعدم المشاركة في قمة «تيكاد» الثامنة التي انطلقت أشغالها أمس بتونس، وذلك عقب استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد زعيم جبهة «البوليساريو» الانفصالية، في إطار منتدى التعاون الياباني- الأفريقي (تيكاد). وقال بيان لوزارة الخارجية المغربية، صدر مساء أول من أمس، إنه بعد أن تضاعفت المواقف والتصرفات السلبية في الآونة الأخيرة تجاه المملكة المغربية ومصالحها العليا، فإن موقف تونس في إطار عملية «تيكاد» يؤكد عداءه الصارخ. مضيفاً أن «ترحيب رئيس الدولة التونسية بزعيم الميليشيا الانفصالية عمل خطير وغير مسبوق، ويجرح بشدة مشاعر الشعب المغربي وقواه الحية». كما أوضح البيان أن القرار المغربي لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على الروابط المتينة بين الشعبين المغربي والتونسي، وأن عدم المشاركة في قمة «تيكاد» الثامنة لا يشكك في التزام المغرب بمصالح أفريقيا، وعملها داخل الاتحاد الأفريقي، كما أنه لا يشكك في التزام المملكة في إطار «تيكاد».
وأعرب الرئيس السنغالي ماكي سال، رئيس الاتحاد الأفريقي، عن أسفه لانعقاد الدورة الثامنة من منتدى «تيكاد» في غياب المغرب «العضو البارز في الاتحاد الأفريقي، لعدم وجود توافق في الآراء حول قضية تتعلق بالتمثيلية»، وأعرب عن أمله في «إيجاد حل دائم لهذا المشكل في المستقبل، لما فيه حسن سير شراكتنا في أجواء هادئة».
ومن جهته، غادر رئيس غينيا بيساو، والرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)، أومارو سيسوكو إمبالو، قاعة المؤتمر، احتجاجاً على مشاركة «البوليساريو» التي فرضتها تونس، حسبما ذكرت مصادر دبلوماسية حضرت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر.
وتوالت أمس في المغرب ردود الفعل الغاضبة، الصادرة عن الهيئات السياسية والنقابية والجمعوية، إزاء استقبال الرئيس التونسي للأمين العام لجبهة «البوليساريو» الانفصالية. وقال حزب «التجمع الوطني للأحرار»، متزعم الائتلاف الحكومي، إنه تابع «الخطوة العدائية» التي أقدم عليها الرئيس سعيد، والمتمثلة في استقبال «زعيم الكيان الوهمي». واستنكر بشدة هذه الخطوة، معتبراً أن هذا الفعل العدائي غير المسبوق «يؤكد بالملموس مسلسل التهور الذي أدخل فيه الرئيس سعيد للأسف الشقيقة تونس، عبر اتخاذ قرارات مجانية مفرطة في العداء للدول الصديقة التي لن تفيد الشعب التونسي في شيء». واعتبر الحزب أن النظام التونسي «عبر هذه الخطوة المتهورة، وغير محسوبة العواقب، يصطف اليوم مع أعداء المملكة، وداعمي الميولات الانفصالية في المنطقة، وهو ما من شأنه أن يزيد من هوة الخلافات الإقليمية بشكل خطير، ويؤثر على استقرار المنطقة التي تتوق شعوبها إلى تحقيق الاستقرار وتكريس الديمقراطية».
من جهته، قال حزب «الأصالة والمعاصرة» (غالبية) إنه على أثر الخطوة «المستفزة» التي أقدم عليها الرئيس التونسي، وما حملته من «انحياز غير مقبول للدعاوى المعادية للوحدة الترابية وللسيادة الوطنية للمملكة المغربية، فإن الحزب يستنكر هذا الموقف الشاذ الذي لم يأتِ صدفة؛ بل جاء نتيجة لعدد من الخطوات غير المفهومة الصادرة عن الرئاسة التونسية في السنوات الأخيرة، والتي تجسدت في عديد من الإشارات السلبية، والمواقف المعادية للمصالح العليا للمملكة المغربية»؛ معتبراً أن ما قامت به الرئاسة التونسية «لا يعد فقط ضرباً خطيراً للعلاقات التاريخية التي ظلت تجمع البلدين الشقيقين؛ بل يعتبر طعناً من الخلف لحليف ظل وفياً للدفاع عن أمن تونس ووحدتها الترابية، واستقرارها السياسي وتقدمها الاقتصادي... وضرباً عميقاً لكل جهود إحياء المغرب العربي».
من جانبه، عبَّر حزب «الاستقلال» (مشارك في الحكومة) عن تفاعله مع الحدث، من خلال تدوينة لأمينه العام نزار بركة، جاء فيها: «يبدو أن حكام تونس الجدد، وليس الشعب التونسي، قد انعرجوا عن نهجهم الودي الراسخ تجاه بلادنا، وتنكروا فجأة لما يجمع بين بلدينا من حسن جوار، واحترام متبادل لشؤون كل بلد على حدة، دون تدخل أو إقحام للنفس. وحزب (الاستقلال) لا يمكنه إلا أن يشجب بشدة هذا الانقلاب السافر في موقف بلد شقيق، نكن له كل التقدير، ونتمنى له استعادة الاستقرار والتقدم، تجاه قضية وحدتنا الترابية، وما صاحبه من سلوكيات استفزازية استعراضية تخدش شعور المغاربة قاطبة. ولا يمكن لموقف من هذا القبيل أن يغير حقيقة مغربية الصحراء، ومصداقية وواقعية مخطط الحكم الذاتي الذي تقترحه بلادنا، ولكنه يؤشر للأسف على أن حكام تونس الجدد اختاروا الاصطفاف إلى جانب الهشاشة».
بدوره، أصدر قسم العلاقات الدولية بحزب «العدالة والتنمية» المعارض (مرجعية إسلامية) بياناً أدان فيه هذا التصرف الذي اعتبره «عدائياً تجاه المغرب»، مؤكداً أن هذه الخطوة «تشكل ضربة جسيمة للعلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، وموقفاً معادياً ومنحازاً ضد قواعد حسن الجوار والشراكة، وخيارات البناء المغاربي الوحدوي، ويخدم مخططات التجزئة والتقسيم». واعتبر الحزب أن ما قام به الرئيس التونسي «لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على عدالة وقوة الموقف المغربي في موضوع مغربية الصحراء»، المستند على حقائق التاريخ ومعطيات الجغرافيا وأدلة الشرع والقانون.
في سياق ذلك، قال حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» (معارضة برلمانية) إنه تلقى بغضب شديد ما أقدم عليه رئيس الجمهورية التونسية من استقبال رسمي «لزعيم ميليشيات البوليساريو». واعتبر أن ما أقدمت عليه الرئاسة التونسية هو بمثابة «طعنة في ظهر المغرب» الذي ظل حريصاً على استقرار تونس وأمنها، وكان الداعم الأول لها حينما كانت تمر من ظرفية قاسية. وقال إن هذه السابقة لم يفكر في اقترافها أي من رؤساء الجمهورية التونسية من العقلاء الذين كانوا حريصين على استقرار المنطقة وتجنيبها التوترات.
بدوره، وصف حزب «الحركة الشعبية» (معارضة برلمانية) استقبال زعيم «البوليساريو» في تونس بأنه «خطوة خطيرة غير محسوبة العواقب»، واستنكر بشدة «هذا الفعل العدائي الصادر عن الرئيس التونسي؛ لأنه يضرب في الصميم علاقات الصداقة التاريخية التي ظلت تجمع بين المملكة المغربية والجمهورية التونسية». واعتبر الحزب في بيان له أن الرئيس التونسي «يكون بهذه المغامرة قد حشر نفسه في زاوية خصوم المملكة المغربية». كما عبر نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» (معارضة برلمانية)، عن إدانته «بشدة»، لما عده «خطوة حمقاء أقدم عليها الرئيسُ التونسي»، باستقباله «للرئيس المزعوم للجمهورية الوهمية».
من جانبها، أدانت «نقابة الاتحاد الوطني للشغل» استقبال الرئيس التونسي لزعيم انفصاليي «البوليساريو»، ودعت النقابات التونسية للتعبير عن رفضها لسلوك الرئيس. وأكد الاتحاد في بيان له أنه تلقى باستغراب كبير السلوك غير المسبوق للرئيس التونسي، الذي قرر في خطوة انفرادية مستهجنة تخصيص استقبال لممثل «الكيان الانفصالي الوهمي».
وفي تونس، توالت أيضاً ردود الأفعال المنددة باستقبال الرئيس التونسي بصفة رسمية لزعيم «البوليساريو» في مطار تونس قرطاج الدولي، وجاءت في مجملها معبرة عن استنكار ورفض لما أقدمت عليه الرئاسة التونسية، وعدم مراعاتها وتقديرها لانعكاسات هذه الخطوة على العلاقات التي تجمع بين دول اتحاد المغرب العربي.
وندد غازي الشواشي، رئيس حزب «التيار الديمقراطي» المعارض، بخطوة الرئيس سعيد، وقال: «إنه يتجه لتدمير علاقات تونس مع الدول الشقيقة والصديقة، والإضرار بمصالحها الدبلوماسية والاقتصادية». ومن ناحيته، اعتبر عبد الوهاب الهاني، رئيس حزب «المجد»، أن استقبال زعيم «البوليساريو»، يعد «انحرافاً خطيراً وخروجاً غير مسبوق عن ثوابت الدبلوماسية التونسية، وهو بمثابة انتحار سياسي للرئيس قيس سعيد، وسيعرّض المصالح العليا لتونس، ويضر بمصداقيتها بين الدول»؛ مشيراً إلى أن هذه الخطوة «ترقى إلى حد الغباء الدبلوماسي في فهم التوازنات السياسية الإقليمية»، على حد قوله.
وضجت أمس مواقع التواصل الاجتماعي بالمنشورات المُنددة بهذا الاستقبال، وكانت مصحوبة بصور تُوثق استقبال الرئيس سعيد للطائرة التابعة للرئاسة الجزائرية، وذهبت بعض التعليقات إلى حد اعتبار ما جرى «إعلانا صريحاً للعداوة مع المغرب»، بينما رأى البعض الآخر أنها «أتت بفعل ضغوط من الجزائر وحلفائها في الاتحاد الأفريقي».
وفي مقابل الغضب المغربي، أعربت تونس عن استغرابها الشديد لما ورد في بيان المملكة المغربية من «تحامل غير مقبول على الجمهورية التونسية»، وقررت بدورها دعوة سفيرها في الرباط حالاً للتشاور. بينما أوضحت الخارجية التونسية أن «تونس حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء، التزاماً بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير إلى أن تجد الأطراف المعنية حلاً سلمياً يرتضيه الجميع».


مقالات ذات صلة

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

الولايات المتحدة​ إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

إشادة أميركية بالتزام العاهل المغربي «تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي مايك روجرز، مساء أول من أمس في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز خلال مؤتمر صحافي عقب مباحثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا ترحيب مغربي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية

ترحيب مغربي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية

أعلن بيان للديوان الملكي المغربي، مساء أول من أمس، أن الملك محمد السادس تفضل بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح (أول) محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية. وجاء في البيان أن العاهل المغربي أصدر توجيهاته إلى رئيس الحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي. ويأتي هذا القرار تجسيداً للعناية الكريمة التي يوليها العاهل المغربي للأمازيغية «باعتبارها مكوناً رئيسياً للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيداً مشتركاً لجميع المغاربة دون استثناء».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا أعضاء «الكونغرس» الأميركي يشيدون بالتزام العاهل المغربي بـ«تعزيز السلام»

أعضاء «الكونغرس» الأميركي يشيدون بالتزام العاهل المغربي بـ«تعزيز السلام»

أشاد وفد من الكونغرس الأميركي، يقوده رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، مايك روجرز، مساء أمس، في العاصمة المغربية الرباط، بالتزام الملك محمد السادس بتعزيز السلام والازدهار والأمن في المنطقة والعالم. وأعرب روجرز، خلال مؤتمر صحافي، عقب محادثات أجراها مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، ناصر بوريطة، عن «امتنانه العميق للملك محمد السادس لالتزامه بتوطيد العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، ولدوره في النهوض بالسلام والازدهار والأمن في المنطقة وحول العالم»، مبرزاً أن هذه المحادثات شكلت مناسبة للتأكيد على الدور الجوهري للمملكة، باعتبارها شريكاً للول

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا حزبان معارضان يبحثان تدهور القدرة الشرائية للمغاربة

حزبان معارضان يبحثان تدهور القدرة الشرائية للمغاربة

عقد حزبا التقدم والاشتراكية اليساري، والحركة الشعبية اليميني (معارضة برلمانية) المغربيين، مساء أول من أمس، لقاء بالمقر الوطني لحزب التقدم والاشتراكية في الرباط، قصد مناقشة أزمة تدهور القدرة الشرائية للمواطنين بسبب موجة الغلاء. وقال الحزبان في بيان مشترك إنهما عازمان على تقوية أشكال التنسيق والتعاون بينهما على مختلف الواجهات السياسية والمؤسساتية، من أجل بلورة مزيد من المبادرات المشتركة في جميع القضايا، التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني، وذلك «من منطلق الدفاع عن المصالح الوطنية العليا للبلاد، وعن القضايا الأساسية لجميع المواطنات والمواطنين».

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا عائلات مغربية تحتج لمعرفة مصير أبنائها المفقودين والمحتجزين

عائلات مغربية تحتج لمعرفة مصير أبنائها المفقودين والمحتجزين

دعت «تنسيقية أسر وعائلات الشبان المغاربة المرشحين للهجرة المفقودين» إلى تنظيم وقفة مطلبية اليوم (الخميس) أمام وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي بالرباط، تحت شعار «نضال مستمر من أجل الحقيقة كاملة وتحقيق العدالة والإنصاف»، وذلك «لتسليط الضوء» على ملف أبنائها المفقودين والمحتجزين ببعض الدول. وتحدث بيان من «التنسيقية» عن سنوات من المعاناة وانتظار إحقاق الحقيقة والعدالة، ومعرفة مصير أبناء الأسر المفقودين في ليبيا والجزائر وتونس وفي الشواطئ المغربية، ومطالباتها بالكشف عن مصير أبنائها، مع طرح ملفات عدة على القضاء. وجدد بيان الأسر دعوة ومطالبة الدولة المغربية ممثلة في وزارة الشؤون الخارجية والتع

«الشرق الأوسط» (الرباط)

كيف أثرت حرب لبنان على جهود التهدئة في غزة؟

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

كيف أثرت حرب لبنان على جهود التهدئة في غزة؟

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)

بينما تراوح مفاوضات الهدنة في قطاع غزة مكانها منذ عدة أسابيع، تزداد وتيرة الحرب المشتعلة في لبنان، وتتسارع نداءات إطفائها عبر مقترح أميركي - عربي - أوروبي بوقفها مؤقتاً لمدة 21 يوماً، وسط ربط لبناني للتهدئة بمسار الصفقة في غزة وإنهاء التصعيد بالمنطقة، غير أن ذلك قوبل برفض إسرائيلي، وتوعد بمزيد من الضربات بالجبهتين.

ووفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن حرب لبنان أثرت على جهود التهدئة في غزة عبر مسارين؛ الأول «إيجابي، وهو إعادة تسليط الضوء على أن مفتاح حل الأزمة في جبهة لبنان مرتبط بوقف إطلاق النار في غزة، والثاني يحمل بعداً سلبياً؛ إذ لا يجعلها في سلم أولويات التحركات الدولية التي تخشى من الوصول لحرب شاملة تكون إيران جزءاً منها».

ووسط تواصل القصف الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، منذ الاثنين الماضي، مخلفاً مئات القتلى وآلاف النازحين بلبنان، دعت الولايات المتحدة وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر وفرنسا، إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً، كما عبرت عن دعمها لوقف لإطلاق النار في غزة، وفقاً لبيان مشترك للدول، أصدره البيت الأبيض، الأربعاء.

وفي أول تعقيب لبناني، رحب رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، في تصريحات من نيويورك، بالبيان، مضيفاً: «تبقى العبرة في التطبيق بالتزام إسرائيل»، دون تعليق من «حزب الله»، وذلك غداة تأكيد رئيس البرلمان اللبناني المقرب من الحزب، نبيه برّي، لـ«الشرق الأوسط» أن المساعي الدولية تراعي عدم الفصل بين جبهة لبنان أو غزة.

في المقابل، نفى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الخميس، القبول به، مؤكداً أن الأخير أصدر تعليماته إلى الجيش الإسرائيلي بمواصلة القتال بكامل قوته في لبنان وغزة.

قطر إحدى الدول الداعية لوقف حرب لبنان، وإحدى دول الوساطة لوقف الحرب بين إسرائيل و«حماس» في غزة، أكدت على لسان المتحدث باسم الخارجية، ماجد الأنصاري، عدم وجود رابط مباشر بين هذه المباحثات وتلك الهادفة إلى وقف التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني.

واستدرك الأنصاري، في مؤتمر صحافي بالدوحة، الخميس: «لكن من الواضح أن الوساطتين متداخلتان بشكل كبير عندما تتحدث عن الأطراف نفسها التي تشارك في الغالب في هذا المسار الدبلوماسي»، مضيفاً: «نعمل مع شركائنا لضمان وقف إطلاق النار الفوري في لبنان، كما نواصل جهودنا على المسار الآخر؛ المحادثات بشأن غزة».

تصاعد الدخان فوق جنوب لبنان في أعقاب غارة إسرائيلية وسط أعمال عدائية عبر الحدود بين «حزب الله» والقوات الإسرائيلية (رويترز)

وطالبت وزارة الخارجية المصرية، في بيان صحافي، الخميس، بـ«وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان»، محذرة من أن ما تفعله إسرائيل قد يقود إلى «فوضى تعرض المنطقة لعواقب خطيرة».

الأكاديمي المصري المتخصص في الشأن الإسرائيلي، الدكتور أحمد فؤاد أنور، يعتقد أن حرب لبنان أثرت سلباً وإيجاباً على جهود التهدئة في غزة، لافتاً إلى «أن التأثير السلبي يتمثل في أن الجميع يهتم بلبنان، ونظيره الإيجابي هو التسريبات الإعلامية بشأن اشتراط (حزب الله) حدوث التهدئة في الجبهتين: الفلسطينية واللبنانية».

أنور يرى «أن نتنياهو مستمر في خياراته، لكن الضغوط الأميركية والدولية قد تدفعه لقبول تهدئة مؤقتة في لبنان بشكل أولي قبل صفقة شاملة تشمل غزة».

ويرى الكاتب اللبناني والباحث في الشؤون الدولية، بشارة خير الله، أن التصعيد في لبنان «سرق الاهتمام من غزة»، والأولوية حالياً للتهدئة في الجنوب اللبناني. ووفق خير الله، مستشار الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان، فإن نتنياهو سيتمسك بخطة فصل جبهتي غزة ولبنان عن بعضها البعض، بخلاف «حزب الله» أملاً في ضغوط أكبر على «حماس» لتزيد مكاسبه.

ويرجح المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، رفض نتنياهو أي تسوية والاستمرار في التصعيد كما فعل في غزة، مع الإقدام على عملية اجتياح محدودة بلبنان، من أجل شراء المزيد من الوقت لضمان البقاء في السلطة، وضمان انتهاء الانتخابات الأميركية على أمل فوز حليفه دونالد ترمب، بوصفه منحازاً إلى إسرائيل في العديد من الملفات.

فلسطينية في أثناء خروجها مع أطفالها في وقت سابق من مخيم جنين متجهة إلى مكان أكثر أماناً (إ.ب.أ)

وعقب الرفض الإسرائيلي، صدر بيان إماراتي - سعودي - قطري - أميركي - أوروبي - ياباني، يجدد الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل. فيما تبذل واشنطن وشركاء، لم تسمهم، جهوداً للتوصل إلى «تسوية يمكن أن تغير المنطقة بأكملها تغييراً جذرياً» بحسب ما قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، في مقابلة مع شبكة «إيه بي سي»، من دون أن يقدم تفاصيل بشأنها، وسط مواصلة إسرائيل حربها على جبهتي قطاع غزة والضفة الغربية.

ووفق العبادي، «فإن إيران تخلت على ما يبدو عن أعوانها في المنطقة لا سيما (حزب الله)، وتقدم مراوغات إعلامية فقط»، مستدركاً: «لكن من المهم استمرار تلك النداءات الدولية لوقف الحرب».

وقد يشكل استمرار النداءات الدولية ضغوطاً على نتنياهو لوقف الحرب بلبنان، وربما يمتد ذلك لغزة، بحسب أنور، الذي أضاف: «لا يزال الأمل موجوداً... وفي ظل سياسة حافة الهاوية، كل شيء وارد». فيما أكد خير الله أن إسرائيل تحاول «فك مبدأ ربط الساحات ببعضها»، وستنتقل من غزة بالكامل إلى لبنان والتفرغ له، متوقعاً أن تهدأ الحرب في غزة قبل أن تهدأ في لبنان.