ثالث بوش يبدأ السباق إلى البيت الأبيض

قال إنه سيكون «مختلفًا».. ويحمل مواقف مثيرة للجدل في السياسة الداخلية

جيب بوش حاكم فلوريدا السابق يعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة الأميركية خلال حديثه إلى ممثلي وسائل الإعلام قبل أن ينهي زيارته إلى أستونيا أول من أمس (إ.ب.أ)
جيب بوش حاكم فلوريدا السابق يعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة الأميركية خلال حديثه إلى ممثلي وسائل الإعلام قبل أن ينهي زيارته إلى أستونيا أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

ثالث بوش يبدأ السباق إلى البيت الأبيض

جيب بوش حاكم فلوريدا السابق يعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة الأميركية خلال حديثه إلى ممثلي وسائل الإعلام قبل أن ينهي زيارته إلى أستونيا أول من أمس (إ.ب.أ)
جيب بوش حاكم فلوريدا السابق يعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة الأميركية خلال حديثه إلى ممثلي وسائل الإعلام قبل أن ينهي زيارته إلى أستونيا أول من أمس (إ.ب.أ)

يعلن اليوم جيب بوش، الحاكم السابق لولاية فلوريدا، وابن الرئيس السابق جورج إتش بوش، وشقيق الرئيس السابق جورج دبليو بوش، بداية سباق يبدو صعبا نحو البيت الأبيض. حتى قبل أن يعلن رسميا انضمامه إلى السباق، واجه انخفاضا في التأييد في الاستفتاءات الشعبية، وانتقادات لأنه أيد غزو العراق في عهد شقيقه.
لكنه، أمس، في مقابلة في تلفزيون «سي إن إن»، تعهد بأن يكون مختلفا. كان يتحدث من تالين، عاصمة استونيا، في نهاية جولة في أوروبا ليكسب تأييدا وسط الأميركيين الذين يقولون إنه لا يملك خبرات في السياسة الخارجية. وقال: «عندما أعلن ترشيحي سأقدر على تقديم برنامج محدد، عكس وضعي الآن، حيث أظل أسمع وأتعلم». وأمس، قالت وكالة الصحافة الفرنسية إن بوش «يحمل إرث شقيقه الرئيس السابق جورج بوش في العراق. ويحمل مواقف مثيرة للجدل في السياسة الداخلية. لكنه، يأمل أن يجذب المؤيدين الذين رفعوا توقعاتهم نحوه. كما أن صلته الأسرية كابن وشقيق رئيسين أميركيين سابقين قد تشكل نعمة، أو قد تشكل لعنة على طريق المستقبل السياسي الذي يطمح له».
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»: «يحاول بوش أن يتخلص من بداية مهتزة». وقالت صحيفة «واشنطن بوست»: «يجب أن يقدم بوش شيئا جديدا غدا (الاثنين)، لأنه لم يقدم ذلك، حتى الآن». وقالت صحيفة «لوس أنجليس تايمز»: «يفعل بوش ما فعل قبله مرشحون: يتجول في أوروبا لزيادة أسهمه في السياسة الخارجية. لكن، لا يكفى ذلك». ورغم أن بعض وسائل الإعلام وضعته على رأس المرشحين الجمهوريين، فإنه لم يصل، حتى الآن، إلى المستوى المطلوب في الاستفتاءات الشعبية. في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلن بوش أنه يدرس خيار الترشح للرئاسة، وظهرت مؤشرات تشير إلى احتمال هيمنته على المنافسة بين الجمهوريين، إلا أنه لم يثبت ذلك فعليا، حتى الآن. وحسب صحيفة «واشنطن بوست»، أول من أمس، بلغت التبرعات لبوش أكثر من مائة مليون دولار، حتى قبل أن يترشح رسميا، مما يؤكد أنه يحصل على دعم العديد من الممولين من أصحاب الملايين، وأنه قد يجمع ما يقارب المليار دولار».
والشهر الماضي، أقحم بوش نفسه في مأزق حين لم يفصح بشكل واضح إذا كان سيسمح بغزو العراق، مثلما فعل شقيقه. وحسب وكالة «أسوشييتد برس»: «يظهر ذلك أن غزو العراق سيشكل واحدا من التحديات أمامه. عليه تخطي إرث شقيقه جورج بوش وسياسته العراقية المكروهة».
والأسبوع الماضي، أعلن بوش تعديلات في حملته الانتخابية. وعين داني دياز مديرا للحملة بدلا من ديفيد كوهيل، الخبير الاستراتيجي. ولأن دياز من أصول لاتينية، يعتقد أن بوش، وزوجته لاتينية، يريد أن يركز على أصوات اللاتينيين.
أول من أمس، كتب إريك اريكسون، المحافظ في موقع «تاون هول»: «يواجه جيب بعض المشاكل، أولا. يوجد كثير من الطهاة في مطبخه. هؤلاء سيستفيدون (بسبب التغطية الإعلامية) حتى إذا خسر الانتخابات». وأضاف اريكسون أن المشكلة الثانية تكمن في اسم عائلته، أما الثالثة فهي أن «تصريحاته قبل وصوله إلى منصب حاكم فلوريدا تختلف عن أدائه كحاكم فعلي، إذ أظهر أنه محافظ أكثر من شقيقه جورج بوش حين كان هذا الأخير حاكما لتكساس».
يواجه بوش قضيتين أساسيتين: الأولى هي دعمه للتعديلات على سياسة الهجرة والتي تضعه إلى يسار الجمهوريين، أما الثانية فهي دعمه لمبادرة حكومية لإصلاح نظام التعليم، وهي المبادرة التي يرفضها عدد كبير من المحافظين داخل الحزب الجمهوري.
مثل غيره من المرشحين، يتوقع أن يعلن بوش ترشيحه اليوم، ثم يسافر إلى ولاية أيوا، حيث ستجرى أول انتخابات تمهيدية. لكن، أوضح استطلاع الشهر الماضي أنه في المرتبة السابعة بين المرشحين الجمهوريين المعلنين والمحتملين.
والأسبوع الماضي، حسب استطلاع للرأي لموقع «ريل كلير بوليتكس»، حاز بوش المرتبة الأولى بحصوله على 11.3 في المائة. لكن، الفرق مع المرشحين الستة الآخرين وصل إلى 4 في المائة، ومن بينهم حاكم ويسكونسن سكوت والكر، الذي حاز المرتبة الأولى في استطلاع أيوا.
لم يمارس جيب بوش السياسة من مركز السلطة في واشنطن. لهذا، ربما سيواجه صعوبات في النأي بنفسه عن صلته العائلية برئيسين سابقين. لهذا، يحاول إظهار نفسه كرجل مستقل، إذ يسعى للقاء الناخبين في محاولة للتواصل معهم وإقناعهم بأن له استقلاليته.
وقال بوش في شريط مصور من 90 ثانية ثبت الجمعة «أنا بحاجة لأشاطر الناس ما في قلبي. أنا في حاجة لإظهار القليل من تجربتي في الحياة».



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.