مهرجان «ساما الموسيقي» يعيد الروح للخرطوم

جمع بين إيقاعات التصوف وموسيقى الشعوب

فرقة موسيقية تقدم مقطوعات موسيقية خلال الحفل في الخرطوم
فرقة موسيقية تقدم مقطوعات موسيقية خلال الحفل في الخرطوم
TT

مهرجان «ساما الموسيقي» يعيد الروح للخرطوم

فرقة موسيقية تقدم مقطوعات موسيقية خلال الحفل في الخرطوم
فرقة موسيقية تقدم مقطوعات موسيقية خلال الحفل في الخرطوم

شنفت آذان سكان الخرطوم المهتمين بالتذوق الموسيقى بليالٍ موسيقية باذخة مازجت بين التصوف والفن المحلي والعالمي، وهي تهدف للارتقاء بالأرواح، أو كما أورد منظمو مهرجان «ساما الموسيقي»، الذي شاركت فيه فرقة الإنشاد العرفاني وفرقة عقد الجلاد السودانية، وفرقة «فيز فوس» الألمانية، ضمن مهرجان «ساما الموسيقي».
وشهدت مسارح كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان، ومركز الفيصل الثقافي، وقاعة «اسبارك ستي» بالخرطوم خلال الفترة من 9 – 11 يونيو (حزيران) الحالي، حفلات التذوق الموسيقى نظمها المركز الثقافي الألماني «معهد جوتة» بالتعاون مع مركز الفيصل الثقافي، وفندق كورنثيا، والخطوط الجوية التركية، وبرعاية وزارة الثقافة السودانية.
ويهدف مهرجان «ساما الموسيقي» لخلق حالة تبادل الموسيقى بين السودان وموسيقى باقي دول العالم، ولعكس تراث البلاد الثري وتنوعها الموسيقي الموغل في التاريخ، الذي تمتد جذوره إلى آلاف السنين، وللدمج بين الفنون الشعبية والحديثة لشعوب العالم.
وتعني كلمة «ساما» الارتقاء الروحي من خلال تفاعلها مع الموسيقى، واستطاع منظمو المهرجان خلق تجربة فريدة استمتع خلالها الحضور بفن راقٍ وأصيل، امتزجت فيه الموسيقى السودانية و«مدائح المتصوفة» بالموسيقى الألمانية.
وقالت مديرة المهرجان رندا حامد، إن تجربة المهرجان الأولى سلطت الضوء على الفن الصوفي، باعتباره فنًا أصيلاً، ذا جذور ضاربة في أعماق التراث السوداني منذ القرن السادس عشر. وأضافت: «من خلال استضافة الطريقة البرهانية، وبالتعاون الفريد مع فرقة عقد الجلاد ومشاركة فرقة (فيز فوس) الألمانية ذات الأصول التركية، استطعنا تقديم تجربة غنية بالألوان، قدمت خلالها الفرقة الألمانية نماذج موسيقية من إسبانيا وإيطاليا وإيران وتركيا ودول شمال أفريقيا».
وأقامت فرقة «فيز فوس» والطريقة البرهانية ورشة عمل في كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان شارك فيها طلاب من الكلية، إضافة إلى محاضرة عن الموسيقى الصوفية قدمها الموسيقار أنس العاقب والناقد مصعب قدمت خلالها نماذج صوفية من أداء فرقة الشيخ عبد الله الحبر.
واختتم «مهرجان ساما» ليلة الخميس بحفل جماهيري بقاعة «اسبارك ستي» بضاحية بري شرق الخرطوم، قدمت خلالها فرقة «فيز فوس» أعمال موسيقية عالمية، وشاركتها الليلة فرقة الغناء الكورالي السودانية الشهيرة «عقد الجلاد». وقال القاص عبد الغني كرم الله تعليقًا على ليلة الختام الخميس، إنه من طرفه سرح وحلّقت روحه في ألق فصيح، وأضاف: «بدعوة من روح الشاعر العظيم جوتة، حيث تجسد حبه للحياة في شكل مراكز باسمه في نواحي الكوكب، أقام مركز جوتة ليلة للإنشاد الصوفي، فأنشد الإخوة البرهانيون، بالطواقي الحمر، والروح الأخضر، والثياب البيض، قصيدة (يا سائق الأظعان)، والأنشودة الصوفية (المدحة) للشاعر الصوفي العظيم عبد الغني النابلسي، صاحب البروق الآتية من سدة القدس، في لبوس معان، وفي ستار حروف».
ويضيف كرم الله: «عبد الغني النابلسي شاعر عارف، يستخدم الرمز والقصيد واللحن، في توصيل فكرته، بل إلهامه، وما غرفه من سدة القدس، في جسمه السعيد بحواس نضر».
ودرج معهد جوتة الألماني بالخرطوم على الاهتمام بالموسيقى والثقافة والسينما والتشكيل، وقالت مديرة المهرجان رندا عنه وفي تفسير للدور الكبير لاهتمام المركز بتراث وثقافة السودان: «نحن حريصون على إشباع الذوق السوداني لتجربة موسيقى جديدة ممزوجة بالنفس الصوفي».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».