تتقدّم المطربة اللبنانية المعتزلة دنيا يونس بعُمر منحت عزّه للفن وجدواه للعائلة. يسود تخوّفٌ من تراجع الصحة، فيتوجّه السؤال إلى ابنتها الأستاذة في القانون الدولي ريان عساف: «أتستطيع الوالدة الكلام؟ نخشى إرهاقها»، لتردّ ضاحكة: «إنها شابة جداً!». تروي لـ«الشرق الأوسط» محطّات من زمنها الجميل واختيارها الاستراحة من الأضواء بمشيئتها. ذريعة الحوار، مقال نشرته «الغارديان» عن موسيقيين بريطانيين شغفا بها ودمجا أغنيتها «أبو الزلف» بموسيقى غربية ضمن أسطوانة حقّقت مبيعات هائلة.لم تعلم دنيا يونس بانتشار «أبو الزلف» بصوتها في الطرف الآخر من الأرض. تمضي أيامها في منزلها وسط السكينة.
وصل إليها الخبر قبل خمس سنوات، ومنذ ذلك اليوم وهي في دهشة. فالبريطاني بريان إينو، الموسيقار والملحّن والمنتج، ومواطنه دايفيد بيرن، عازف القيثارة والمغنّي والمنتج المعروف بتأثيره في تطوّر الموسيقى وابتكار أنواعها الفريدة؛ غمرا قلبها بسرور لا يوصف حين أوصلا «أبو الزلف» رمز التراث اللبناني إلى العالمية: «ما فعلاه عوّضني غيابي الفني».
بدأت القصة حين دخل إينو «ديسكوتيك» لبيع الأسطوانات، فلفتته أسطوانة «موسيقى من العالم الإسلامي» التي ضمت أغنية «أبو الزلف» لدنيا يونس. تنقُل عنه إعجابه بما سمع، ولفرطه، خرج بـ«فيوجين» هو خليط الموسيقى الغربية بالشرقية مستوحى من الأغنية التي افتتن بها. آنذاك، سمّى الأسطوانة «My Life in the Bush of Ghosts»، ألّفها مع بيرن وأنتجاها في أميركا. وصفتها «الغارديان» بأنها «كانت أسطوانة رائدة»، نفدت منها جميع النسخ منذ إصدارها في عام 1981 حتى الاحتفاء بعيدها الخامس والعشرين في عام 2006.
دنيا يونس اختارت الاعتزال من أجل عائلتها
عمَّ تساؤل عن المطربة صاحبة الصوت مع تعليقات تطالب باسمها وهويتها، وهل لا تزال حيّة. إلى أن كان التواصل الأول بين الموسيقيين وعائلة يونس بواسطة الـ«زوم» إثر مكوث البشرية في المنازل. وبما يشبه اللفتة التكريمية، اهتمت «الغارديان» بالحكاية التي تصفها المطربة بـ«السوريالية». وبنشرها المقال أُعيدت إلى الأضواء كأنها في احتفالية.
بدأت بسنّ صغيرة حياة فنية أعطتها عنوان «الانتقاء». من كورال المدرسة إلى الإذاعة اللبنانية حيث أُعجب رائد الموسيقى توفيق الباشا بصوتها ونصحها الاحتراف في الكونسرفتوار.
تذكر تعاونها الأول مع الفنان روميو لحود حين كان مسرح «فينيسيا» يستقطب جمهوراً كبيراً. يومها، استمرّ العرض مع ناديا جمال لعام، ثم راح التعاونُ يجرُّ التعاونَ، فشاركت في «مهرجانات الأرز الدولية» وقدّمت مع زكي ناصيف «دقّة ودقّة مشينا»، إلى أدائها أغنية «الأم» من كلماته وعزفه على البيانو، كتحية إلى أمه المريضة. ولا تنسى «بدي أعرف شو بدّو، بيقعد وبيسند خدّو»، أغنيتها الجماهيرية التي ضاهتها شهرة ما يُردَّد إلى اليوم: «وينك يا جار شرّفنا عالصبحية، القهوة عالنار عم ساويها بإيديي».
دنيا يونس انسحبت من الحياة الفنية في أوج عطائها
تعدّدت المحطات قبل المحطة الأخيرة، حين شاءت التفرّغ لمهمّة لا تقل نبلاً؛ الأسرة. تعود بالذاكرة إلى الخشبة يوم قدّمت مع وديع الصافي مسرحية «طواحين الليل»، وغنّت فيها واحدة من أقرب الأغنيات إليها، «حبّك صلاة». سجّلت أغنية «لا عيوني غريبة» بصوتها، إلا أنّ قدراً آخر رسم حياتها، فاشتهرت بصوت وديع الصافي ولا تزال تُردَّد. تعرّفت إلى الرحابنة من دون أن يتمّ التعاون، فالمكان العريض لفيروز، «وبوجودها لن أتمكن من أخذ مساحتي». تتحدث مجدداً عن الانتقاء: «أردتُ فناً أصيلاً ولم أكترث للوصول بأي ثمن. الاختيار أساسي كمحرّك للحياة».
اختارت الاعتزال في عزّ شهرتها، تاركة أغنيات يردّدها كثيرون ولا يعلمون مَن يغنّيها. زواجها بضابط في الجيش، بما تعنيه الرتب العسكرية في مؤسسة لها هيبتها آنذاك، عزّز قناعتها بأنّ المرء لا يحصل على كل شيء وعليه الانتقاء. تقول الأم لثلاث صبايا منحتهنّ سنواتها، إنها ابتعدت بسعادة ولم يُرغمها أحد على الاعتزال. تفهّمت خصوصية وظيفة زوجها. وبرغم اختيار «أبو الزلف» كأغنية وحيدة لفنانة لبنانية تشارك وسط أغنيات من دول عدة في مهرجان أوروبي يحتفي بفولكلور الشعوب، اعتذرت في اللحظة الأخيرة: الالتزام العائلي يناديها.
خرقت اعتزالها بالمشاركة في لجنة تحكيم «استوديو الفن» في عام 1988 بناء على طلب المخرج الراحل سيمون أسمر. وحين دعتها «إم تي في» لحلقة تكرّم زكي ناصيف، لم تتردّد. أيلفحكِ الندم، أم تَعْلق في الحنجرة غصّة جرّاء توقفها المبكر عن الغناء؟ تجيب بأنها لم تتوقف يوماً عن حبّ الفن: «لا أزال أغنّي بمفردي وبين الأهل، لكني توقفتُ عن الغناء للناس. إيماني بالله عزائي، فهو صانع قدري ودليل اتجاهاتي».
لم يمضِ وقت على الاعتزال حتى اندلع الاقتتال الداخلي، فانشغل بالها في احتمالات النجاة. تلتفت دنيا يونس إلى ما مرَّ لتقول إنها ما كانت لتعلم ما تخبّئه الأيام لو استمرت في الفن، وبرأيها «هو والزواج معاً يصبحان مسألة شائكة. التفرّغ يجعلني أتقن ما أقوم به وأمنحه طاقتي، فاخترتُ العائلة».
ورغم طلب أسرتها الامتناع عن إذاعة أغنياتها، كـ«صيغة تُساعد على البُعد»، ثمة أغنيات شقّت طريقها غير آبهة بمحاولات إخمادها. «الناس أوفياء»، يفاجئها وفاؤهم كأنها لم تغب.
المطربة اللبنانية المعتزلة دنيا يونس إلى الأضواء مجدداً
موسيقيان بريطانيان و«الغارديان» احتفوا بها
المطربة اللبنانية المعتزلة دنيا يونس إلى الأضواء مجدداً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة