مع ارتفاع احتمالات توصل الطرفين الأميركي والإيراني، عبر الوساطة الأوروبية، إلى اتفاق على أساس الخطة الأوروبية للعودة إلى العمل باتفاق عام 2015 الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، عقب الردود الإيرانية التي وصفها مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية بـ«الإيجابية»، وفي انتظار الكشف عن الردود الأميركية التي يبدو أنها تسير هي أيضاً في اتجاه إيجابي، تزداد المخاوف الإسرائيلية ومعها الضغوط التي تمارسها تل أبيب مباشرة على الإدارة الأميركية، ومن خلال الكونغرس؛ ولكن أيضاً على الأطراف الأوروبية الثلاثة الضالعة في الاتفاق (فرنسا وألمانيا وبريطانيا).
ففي الأيام الأخيرة، كثفت السلطات الإسرائيلية اتصالاتها مع القيادات الأوروبية المعنية؛ إذ قام رئيس الوزراء الإسرائيلي باتصال أول مع المستشار الألماني أولاف شولتز قبل يومين، ثم حصل أمس اتصال مشابه بين يائير لبيد والرئيس الفرنسي. وينتظر أن يحدث الشيء نفسه مع رئيس الوزراء البريطاني. ولأن تل أبيب لم تنجح حتى اليوم في ليّ ذراع الرئيس الأميركي جو بايدن في الملف النووي الإيراني؛ خلال الزيارة الرسمية التي قام بها إلى إسرائيل أواسط شهر يوليو (تموز) الماضي، ولا من خلال تواصلها مع الدبلوماسية الأميركية، فإنها تسعى للالتفاف على واشنطن متوسلة لذلك الطرف الأوروبي. وسبق أن انتقل لبيد إلى باريس الشهر الماضي، في أول زيارة له إلى الخارج، مستذكراً، من غير شك، أن وزير الخارجية الفرنسي الأسبق لوران فابيوس كان الأكثر تشدداً في مفاوضات عام 2015 والذي «قاوم» من غير نجاح ضغوط نظيره الأميركي جون كيري الساعي وقتها لتسريع التوقيع على الاتفاق النووي الأمر الذي حصل في فيينا يوم 14 يوليو (تموز) عام 2015.
ويأمل الجانب الإسرائيلي، وفق مصادر أوروبية متابعة للملف النووي، تعبئة الأوروبيين ليس لإحباط الاتفاق ومنع العودة إليه؛ بل على الأقل لتحسين شروطه وبالتالي تأخير التوقيع عليه. ورغم أن الجانب الإسرائيلي لا يريد أزمة مفتوحة مع واشنطن لاقتناعه بأنه غير قادر على منعها من العودة إلى الاتفاق، فإنه يحاول، وفق المصادر المشار إليها، أن يلعب ورقتين متوازيتين: الأولى، رفع ورقة التهديد الذي يشكله الاتفاق، في صيغته التي عرضها المبعوث الأوروبي، ليس على إسرائيل وحدها؛ بل أيضاً على أوروبا. والثانية، اعتبار أن إسرائيل «غير معنية» به؛ بمعنى أنها تبقى حرة التحرك وبالتالي لا تستبعد القيام بعمل عسكري ضد إيران. وهو ما أكده مجدداً أمس وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الذي أعلن أن «وثيقة الاتفاق النووي يشوبها كثير من الثغرات»، وأنه «لا يستبعد شن هجوم مسلح على إيران إذا اقتضت الضرورة». وبكلام آخر؛ فإن غانتس يلوح بالحرب رغم أنه يعي أن إسرائيل لا يمكن أن تقوم بها من غير ضوء أخضر أميركي، ولكن غرضه، كما هو واضح، الضغط على الغربيين لدفعهم إلى إعادة النظر فيما تراه إسرائيل تساهلاً مع إيران، وتهديداً لها، علما بأنها تنظر إلى إيران وبرنامجها النووي على أنهما «تهديد وجودي لها».
وفي الاتصال الهاتفي بين ماكرون ولبيد، سعى الأول إلى طمأنة الثاني. وجاء في البيان الصادر عن «قصر الإليزيه» أن الرئيس الفرنسي عرض لمضمون المحادثة الرباعية التي حصلت يوم الأحد مع بايدن وشولتز وبوريس جونسون، وأنه «عبر عن رغبته في مواصلة الجهود من أجل التوصل إلى اتفاق يعيد تفعيل (خطة العمل الشاملة المشتركة - اتفاق 2015) مع الأخذ في الحسبان المشاغل الأمنية الإسرائيلية؛ وأيضاً مشاغل دول المنطقة الأخرى».
ومقابل البيان الرئاسي الفرنسي، صدر عن مكتب لبيد بيان جاء فيه أنه أبلغ ماكرون معارضته العودة إلى الاتفاق النووي، وأنه إذا تم ذلك؛ فإن إسرائيل لن تلتزم به. وقال مكتب لبيد: «أوضح رئيس الوزراء للرئيس (الفرنسي) أن إسرائيل تعارض العودة إلى الاتفاق، ولن تكون ملزمة بمثل هذا الاتفاق. وستواصل إسرائيل بذل قصارى جهدها لمنع إيران من الحصول على قدرات نووية».
إلا إن القناعة المتجذرة في العواصم الأوروبية المعنية أن «كلمة السر» موجودة في واشنطن، وأن باريس وبرلين ولندن ليست قادرة على منع الإدارة الأميركية من الذهاب إلى التوقيع على الاتفاق الجديد إذا رأت في ذلك أنه يحقق مصالحها. وتذكر المصادر الأوروبية بأن العواصم الثلاث عارضت جماعياً رغبة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في نقض الاتفاق وإعادة فرض عقوبات قاسية على إيران؛ لا بل إنها سعت من خلال آلية «إنستيكس» إلى الالتفاف على العقوبات الأميركية العابرة للحدود؛ لكنها فشلت في ذلك. وفي أي حال، فإن بادرة بايدن التشاور مع الزعماء الغربيين الأربعة تدل، على الأرجح، على أن «الطبخة قد نضجت». ولا يفهم البيان الذي صدر عن البيت الأبيض عقب الاتصال، والذي جاء فيه أن القادة الأربعة قد «بحثوا المفاوضات الجارية بشأن برنامج إيران النووي، والحاجة إلى تعزيز الدعم للشركاء في منطقة الشرق الأوسط، والجهود المشتركة من أجل ردع واحتواء النشاطات الإيرانية المزعزعة للاستقرار إقليمياً»؛ إلا من باب استباق رد الفعل الإسرائيلي والإقليمي بشكل عام، علماً بأن الغربيين قد تراجعوا جماعياً عن مطلبهم السابق لجهة إدراج ملفين إيرانيين أساسيين يشكلان مصدر قلق للمنطقة بأكملها؛ هما: برنامج إيران الصاروخي الباليستي، وسياستها الإقليمية. والتخوف أن رفع جميع العقوبات عن طهران سيحرم الغرب من أي وسيلة ضاغطة على السلطات الإيرانية لحملها على ضبط برنامجها الصاروخي من جهة؛ ووضع حد لتدخلها السافر في شؤون جوارها الداخلية من جهة أخرى.
إسرائيل تلجأ للأوروبيين... لكنها لا تريد «أزمة مفتوحة» مع أميركا
ماكرون يعد لبيد بأخذ المشاغل الأمنية الإسرائيلية والإقليمية بالحسبان في الاتفاق المرتقب
إسرائيل تلجأ للأوروبيين... لكنها لا تريد «أزمة مفتوحة» مع أميركا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة