لبنان يتفادى «مؤقتاً» اضطرابات رفع الدولار الجمركي... والتضخم يتفاقم

المحروقات تؤرق المستهلكين قبل ضغوط «مصاريف الخريف»

جنود لبنانيون في مواجهة محتجين على ارتفاع أسعار الإنترنت أمام شركة للاتصالات في بيروت يوم 5 يوليو الماضي (أ.ب)
جنود لبنانيون في مواجهة محتجين على ارتفاع أسعار الإنترنت أمام شركة للاتصالات في بيروت يوم 5 يوليو الماضي (أ.ب)
TT
20

لبنان يتفادى «مؤقتاً» اضطرابات رفع الدولار الجمركي... والتضخم يتفاقم

جنود لبنانيون في مواجهة محتجين على ارتفاع أسعار الإنترنت أمام شركة للاتصالات في بيروت يوم 5 يوليو الماضي (أ.ب)
جنود لبنانيون في مواجهة محتجين على ارتفاع أسعار الإنترنت أمام شركة للاتصالات في بيروت يوم 5 يوليو الماضي (أ.ب)

يشهد مؤشر التضخم في لبنان اندفاعة غير مسبوقة على المستويين الشهري والتراكمي، بفعل تجمع استثنائي للعوامل المحفزة وبدفع من توجهات الحكومة لرفع قيمة الدولار الجمركي بنحو 13 ضعفاً، وتسريع إجراءات البنك المركزي في التخلي عن الدعم الجزئي لمادة البنزين، فضلاً عن التأثيرات التلقائية لموجة التضخم في العالم، ربطاً بتداعيات حرب أوكرانيا.
وفي تطور بارز ومتصل، أبلغ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وفداً من الهيئات الاقتصادية بأن موضوع الدولار الجمركي يلزمه اقتراح قانون من مجلس النواب، وبأنه على المجلس أن يتخذ قراراً في شأنه. وبذلك فرض التهيب الحكومي والسياسي، بحسب مصادر معنية، تأخير البت في هذه الخطوة إلى أمد غير محدد تخوفاً من اضطرابات تنتج عن تفاعلاتها الكارثية على المستوى المعيشي، وبالتالي وجوب المساهمة، ولو نسبياً، في «تبريد» الحماوة المشهودة التي تشهدها أسواق الاستهلاك، بعدما تفاعلت مع رفع السعر بوصفه أمراً واقعاً ومرتقباً خلال أيام قليلة.
وبالفعل، بدا المشهد المعيشي مقبلاً بسرعة غير عادية على وقائع كارثية عشية الدخول في موسم الخريف الذي يفرض مصاريف مستجدة ووازنة على موازنات الأسر المنهكة أساساً، لا سيما بينها المخصصات المطلوبة للمدارس والجامعات وتحضير احتياجات التدفئة لفصل الشتاء، ومعها الاحتياجات التموينية التقليدية والتي تشكل إنفاقاً ضاغطاً بقوة وبالأخص في المناطق الريفية والجبلية. ومعلوم أن المعدل التراكمي لارتفاع أسعار الاستهلاك بلغ مستوى 1300 في المائة خلال 3 سنوات متتالية من الانهيارات المستمرة نقدياً ومالياً.
وحتى قبل التحقق من علو موجة الغلاء المستجدة، الذي تقول مصادر وزارية واقتصادية إنه قد يتراوح بين 20 و30 في المائة جراء قرار رفع سعر الدولار الجمركي، سجل مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان، وفق إدارة الإحصاء المركزي التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، ارتفاعاً بنسبة 50 في المائة خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، مراكماً بذلك نسبة بلغت 169 في المائة على مدار سنة قياساً بمستوى المؤشر في الفترة عينها من العام الماضي.
وفي الوقائع المستجدة للمؤشر التي ستضاف إلى حصيلة الشهر الحالي، تسجل أسعار المشتقات النفطية كافة ارتفاعات متتالية، ربطاً بارتفاع سعر تداول الدولار في الأسواق غير النظامية، والتي تعكس سعر الصرف الواقعي للعملة الوطنية من جهة، وأيضاً إقدام البنك المركزي على الخفض المتدرج لحصة الشركات المستوردة من التصريف عبر منصة «صيرفة» والتي توفر الدولار النقدي (البنكنوت) بسعر نحو 27 ألف ليرة حالياً، مقابل نحو 34 ألف ليرة للسعر الرائج في المبادلات.
وتعلو الهواجس لدى المستهلكين من تكريس التوجه إلى اعتماد سعر للمحروقات يبلغ نحو 20.5 دولار لكل صفيحة بنزين (20 ليتراً)، مما يرفع السعر فوراً بنسبة تتعدى 15 في المائة. وفيما أكد عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات، جورج البراكس، أن «المصرف المركزي يواصل سياسة رفع الدعم التدريجي عن البنزين»، صدر أمس جدول الأسعار مع تعديل في نسبة الدولار المدعوم والمؤمن من قبل «مصرف لبنان» وفقاً لمنصة «صيرفة»، من 70 إلى 55 في المائة. وبذلك ارتفع سعر صرف الدولار للنسبة غير المدعومة والبالغة 45 في المائة والتي تجري تغطيتها عبر الأسواق الموازية من 33.15 ألف ليرة إلى 33.95 ألف ليرة.
وليست الأحوال بأفضل في أسواق الاستهلاك، حيث تغيب، بشكل شبه تام، عمليات الرقابة والتحقق في شكل رسمي من توسع نطاق التسعير العشوائي والاحتكارات، بينما يلمس المواطنون، وفق ما رصدت «الشرق الأوسط»، ارتفاعات محمومة تطرأ يومياً على أسعار المواد والسلع كافة وبنسب تعدت متوسطاتها 20 في المائة خلال أسبوع واحد بذريعة تقهقر سعر الليرة والاحتساب المسبق لارتفاع سعر الدولار الجمركي، فضلاً عن تقنين التسليمات إلى السوبر ماركت ومحلات البيع بالتجزئة توخياً من كبار المستوردين والتجار لتحقيق أرباح إضافية لأن البضائع المخزنة محتسبة على السعر الرسمي للدولار الجمركي قبل رفعه المرتقب.
وفي حين حذر نقيب مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي، من «كارثة في الأسعار في حال ارتفاع الدولار الجمركي ودولار السوق السوداء معاً»، أشار إلى أن «ارتفاع أسعار البضائع الذي يترافق مع ارتفاع سعر الصرف هو حماية للرساميل وليس ربحاً». ورداً على سؤال عن اعتماد التسعير بالدولار، قال إن «جدلاً يدور في هذا الإطار، لا سيما أن قانون حماية المستهلك يفرض الدفع بالليرة».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

اتهامات أممية لإسرائيل بارتكاب أعمال إبادة جماعية وعنف جنسي في غزة

أطفال فلسطينيون يجلسون وسط أنقاض المنازل التي دمرت خلال الهجوم الإسرائيلي في رفح جنوب قطاع غزة (رويترز)
أطفال فلسطينيون يجلسون وسط أنقاض المنازل التي دمرت خلال الهجوم الإسرائيلي في رفح جنوب قطاع غزة (رويترز)
TT
20

اتهامات أممية لإسرائيل بارتكاب أعمال إبادة جماعية وعنف جنسي في غزة

أطفال فلسطينيون يجلسون وسط أنقاض المنازل التي دمرت خلال الهجوم الإسرائيلي في رفح جنوب قطاع غزة (رويترز)
أطفال فلسطينيون يجلسون وسط أنقاض المنازل التي دمرت خلال الهجوم الإسرائيلي في رفح جنوب قطاع غزة (رويترز)

قال خبراء في الأمم المتحدة في تقرير جديد، اليوم الخميس، إن إسرائيل ارتكبت «أعمال إبادة جماعية» بحق الفلسطينيين، ودمرت بشكل ممنهج منشآت رعاية صحية للنساء خلال الحرب على قطاع غزة، واستخدمت العنف الجنسي استراتيجية في الحرب.

ووصفت البعثة الدائمة لإسرائيل في الأمم المتحدة في جنيف الاتهامات في التقرير بأنها لا أساس لها ومنحازة وتفتقر للمصداقية، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية وإسرائيل: «السلطات الإسرائيلية دمرت جزئياً القدرة الإنجابية للفلسطينيين في قطاع غزة بأفعال منها فرض إجراءات بهدف منع المواليد وهي أحد بنود أعمال الإبادة الجماعية في (نظام روما الأساسي) ومعاهدة منع الإبادة الجماعية».

وذكرت اللجنة أن تلك الإجراءات بالإضافة إلى ارتفاع عدد الوفيات بين الأمهات بسبب تقييد الوصول إلى الإمدادات الطبية يصل إلى حد جريمة الإبادة وهي من الجرائم ضد الإنسانية.

واتهم التقرير القوات الإسرائيلية باستخدام التعرية العلنية القسرية والاعتداء الجنسي في إطار الإجراءات الاعتيادية لتنفيذ العمليات لمعاقبة الفلسطينيين بعد هجوم قادته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ورفضت إسرائيل تلك الاتهامات.

وقالت بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة بجنيف في بيان رداً على ذلك، إن الجيش الإسرائيلي «لديه أوامر واضحة... وسياسات تمنع صراحة مثل تلك الإساءات»، مضيفة أن عمليات المراجعة التي تنفذ تتسق مع المعايير الدولية.

واتهم تقرير سابق نشرته اللجنة في يونيو (حزيران) 2024 حركة «حماس» وجماعات فلسطينية مسلحة أخرى بارتكاب انتهاكات خطيرة للحقوق خلال هجوم السابع من أكتوبر بما تضمن التعذيب والمعاملة المهينة.

وإسرائيل من الدول الموقعة على معاهدة منع الإبادة الجماعية وأمرتها محكمة العدل الدولية في يناير (كانون الثاني) 2024 باتخاذ إجراءات لمنع أعمال الإبادة الجماعية خلال الحرب على حركة «حماس».

لكن إسرائيل ليست طرفاً في «نظام روما الأساسي» الذي يمنح المحكمة الجنائية الدولية صلاحية إصدار أحكام في قضايا جنائية فردية تنطوي على إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.

ورفعت جنوب أفريقيا قضية تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية بسبب ما فعلته في قطاع غزة أمام محكمة العدل الدولية.

وتشير إحصاءات إسرائيلية إلى أن الهجوم الذي شنه مسلحون بقيادة حركة «حماس» عبر الحدود على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 أسفر عن مقتل 1200 واحتجاز 251 رهينة.

واندلعت الحرب في قطاع غزة إثر الهجوم. ويقول مسؤولون في قطاع الصحة الفلسطيني إن الحملة العسكرية الإسرائيلية على القطاع أسفرت عن مقتل أكثر من 48 ألفاً.