اغتيال دوغينا... بداية مرحلة بشعة من الحرب في أوكرانيا؟

داريا دوغينا (رويترز)
داريا دوغينا (رويترز)
TT

اغتيال دوغينا... بداية مرحلة بشعة من الحرب في أوكرانيا؟

داريا دوغينا (رويترز)
داريا دوغينا (رويترز)

اغتيال داريا دوغينا؛ ابنة الفيلسوف والمُنظر السياسي الروسي ألكسندر دوغين، قد يشكل نقطة تحول في الحرب الروسية - الأوكرانية، ليس لفرادته واحتمال إطلاقه حملة تصفيات في روسيا وأوكرانيا فحسب؛ بل أيضاً لإشارته إلى دخول الحرب مرحلة جديدة قد تكون الأصعب منذ اندلاع القتال قبل نصف عام.
ثمة اتفاق بين المراقبين على أن هدف تفجير السيارة التي كانت تستقلها داريا، كان القضاء على والدها ألكسندر الذي غير رأيه - على ما يقال - واستقل عربة ثانية. يطرح التفصيل هذا سؤالاً عن الكيفية التي جرى بها التفجير: هل هو من خلال عبوة تعمل بساعة توقيت أم بواسطة جهاز تحكم لاسلكي؟ في البحث التقني، يمكن أن تغير الإجابة اتجاه التحقيق. لكن هذا شأن بوليسي.
ما يعنينا هنا هو الأسئلة التي طُرحت فور وقوع الانفجار ليل السبت 20 أغسطس (آب) الحالي؛ وأهمها عن الجهة التي قررت التخلص من دوغين فقتلت ابنته. المتهم الأول هو أجهزة الاستخبارات الأوكرانية. ولكييف حساب طويل مع دوغين؛ أحد أبرز المحرضين على الحرب الحالية وصاحب الآراء المعروفة في إنكار كل ما يتعلق بالتاريخ والهوية والثقافة واللغة الأوكرانية؛ أي بكل ما يجعل من أوكرانيا أمة مستقلة عن روسيا. في المقابل؛ ورغم كل «الكليشيهات» التي ألصقت بدوغين وبمساهمته الدعائية والنظرية في التمهيد للحرب الروسية على أوكرانيا، فإنه ليس من صانعي القرار السياسي والأمني والعسكري في موسكو وليس مقرباً من الرئيس فلاديمير بوتين إلى الحد الذي يصوره بعض وسائل الإعلام.
متابعة التساؤل عن مسؤولية الاستخبارات الأوكرانية تقود إلى أسئلة إضافية من نوع: هل باتت كييف تمتلك قدرات عملانية لتنفيذ هذا النوع من التصفيات في موسكو؟ جلي أن الأجهزة الأوكرانية آخذة في التطور منذ بداية الحرب. وقد مثلت إقالة رئيس الاستخبارات الداخلية إيفان بكانوف في يوليو (تموز) الماضي علامة على تصميم الرئيس فولوديمير زيلينسكي على رفع مستوى الخدمات الاستخبارية.
وإلى جانب الموقف الأخلاقي الرافض اعتماد الاغتيال طريقة في التعامل مع الخصوم الفكريين والسياسيين، تبدو محاولة التخلص من دوغين غير مفهومة؛ إذ إن الرجل ليس الأبرز في سلسلة المحرضين على الحرب الذين يملأون شاشات التلفزة الروسية الرسمية ولا يعرفون حدوداً في التحريض على إبادة الأوكرانيين وتهديد العالم بالحرب النووية... ما يدفع إلى التساؤل عن إمكان اختيار هدف سهل غير محمي أمنياً؛ من جهة، أو أن طرفاً روسياً داخلياً قرر اغتيال دوغين لأسباب تتعلق بلعبة الولاءات المعقدة داخل جدران الكرملين؛ حيث قد يفقد المرء الحظوة التي كان يتمتع بها من دون أن يعلم فينتهي أمره بواسطة مسدس كاتم للصوت أو عنصر مشع من نوع «نوفاتشوك» أو عبوة ناسفة في سيارته.
وليس دوغين داعية سلام أو انفتاح على الآخرين؛ بل يمكن عدّه النتاج الفكري الأصفى لسقوط الاتحاد السوفياتي وفشل تجربته التاريخية والتعبير الأبرز عن استئناف المسار الروسي ما قبل السوفياتي في التوكيد على الخصوصية الثقافية والدينية والجيوسياسية للعنصر الروسي في العالم. وعلى حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي؛ أكدت داريا تأييدها مواقف والدها وفخرها بها. لكن هذا أمر؛ والتصفية الجسدية أمر آخر.
من جهة ثانية، تدعو قائمة الاغتيالات التي وقعت في روسيا وخارجها لرجال أعمال ممن يعرفون بالأوليغارشيين منذ بداية الحرب، إلى الدهشة فعلاً، فهي لا تقتصر على سيرغي بروتوسينيا وفلاديسلاف آفايف وفاسيلي ميلنكوف وألكسندر تيولياكوف... وغيرهم ممن يتشاركون في الاستحواذ على ثروات ضخمة جراء نشاطات حظي أكثرها بتغطية من السلطات الروسية. وعثر على جثث بعضهم في منازلهم في أوروبا وروسيا من دون أن تظهر التحقيقات أسباباً واضحة لموتهم أو للطرف المسؤول عن قتلهم. فهل انتقلت موجة الاغتيالات الغامضة من أوساط رجال الأعمال إلى المسؤولين عن الدعاية والتأسيس النظري لحكم بوتين وسياساته؟
في جميع الأحول؛ الأرجح أن مقتل داريا دوغينا أو محاولة اغتيال والدها، يدشن مرحلة جديدة وبشعة من الحرب في أوكرانيا، بغض النظر عن الجهة المسؤولة عن العمل الدموي، وأن ما يبدو من انسداد في تحقيق الأهداف الروسية وإمكان انقلاب مسار الحرب لمصلحة كييف بعد سلسلة من الضربات الناجحة في شبه جزيرة القرم وفي عمق المناطق التي يحتلها الجيش الروسي في أوكرانيا، هو في واقع الأمر بداية تصعيد إضافي في ظل الشح الشديد في مبادرات السلام.


مقالات ذات صلة

روسيا تكثف هجماتها على أوكرانيا قبل اجتماع الحلفاء في رامشتاين

أوروبا عناصر الدفاع المدني يحاولون إخماد نيران ناجمة بعد هجوي جوي في كوستيانتينيفكا بإقليم دونيتسك (أ.ف.ب)

روسيا تكثف هجماتها على أوكرانيا قبل اجتماع الحلفاء في رامشتاين

أفاد مسؤولون أوكرانيون بأن روسيا شنت هجوماً بطائرات مسيَّرة، ليل السبت - الأحد، على العاصمة الأوكرانية كييف والبنية التحتية لميناء أوديسا.

«الشرق الأوسط» (كييف - لندن - واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خلال لقاء سابق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)

تقرير: ترمب طلب نصيحة بوتين بشأن تسليح أوكرانيا في عام 2017

كشف تقرير صحافي أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب طلب نصيحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن تسليح الولايات المتحدة لأوكرانيا في عام 2017.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش (من حسابه في «إكس»)

رئيس البرلمان التركي: لا مفاوضات لحل أزمة أوكرانيا من دون روسيا

أكد رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش ضرورة إدراك أميركا وبعض الدول الأوروبية استحالة نجاح أي مفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا من دون روسيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا زيلينسكي يصافح الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش اجتماعات الجمعية العامة بنيويورك في 25 سبتمبر (أ.ف.ب)

زيلينسكي يستعدّ لطرح «خطة النصر» في اجتماع الحلفاء الأسبوع المقبل

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن بلاده ستطرح «خطة النصر» في اجتماع دوري لحلفائها في رامشتاين بألمانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
يوميات الشرق المراهقة تواجه تهمة القتل غير العمد وهي حالياً قيد الاحتجاز الوقائي (رويترز)

صدمة في الرأس وكدمات ونزيف... مراهقة عائدة من أوكرانيا تضرب جدتها حتى الموت

وُجهت اتهامات لفتاة أوكرانية تبلغ من العمر 14 عاماً انتقلت مؤخراً إلى ولاية فلوريدا الأميركية بصفتها شخصاً بالغاً بعدما ضربت جدتها البالغة من العمر 79 عاماً حتى

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

أمين «كايسيد» يؤكد أهمية التعاون الدولي في نشر ثقافة السلام

الحارثي يتحدث خلال الاجتماع رفيع المستوى لمجموعة أصدقاء تحالف الأمم المتحدة للحضارات (كايسيد)
الحارثي يتحدث خلال الاجتماع رفيع المستوى لمجموعة أصدقاء تحالف الأمم المتحدة للحضارات (كايسيد)
TT

أمين «كايسيد» يؤكد أهمية التعاون الدولي في نشر ثقافة السلام

الحارثي يتحدث خلال الاجتماع رفيع المستوى لمجموعة أصدقاء تحالف الأمم المتحدة للحضارات (كايسيد)
الحارثي يتحدث خلال الاجتماع رفيع المستوى لمجموعة أصدقاء تحالف الأمم المتحدة للحضارات (كايسيد)

شارك الدكتور زهير الحارثي، أمين عام المركز العالمي للحوار (كايسيد)، في الاجتماع رفيع المستوى لمجموعة أصدقاء تحالف الأمم المتحدة للحضارات، الذي عُقد على هامش الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك.

وركّز الحارثي خلال مداخلة له على الدور المحوري للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في بناء السلام العالمي، وتعزيز التفاهم المتبادل، كما تطرق إلى التحديات العالمية التي يمكن معالجتها من خلال الحوار البنّاء.

وأكد أهمية التعاون المشترك بين «كايسيد» والأمم المتحدة والمكاتب التابعة لها في نشر ثقافة السلام والحوار بمختلف دول العالم، لا سيما مع تغوّل خطابات التطرف والكراهية ببعض المجتمعات، التي تدفع دائماً نحو مزيد من الصراعات والحروب.

وأوضح الحارثي أن «كايسيد» يهتم بالشراكات الدولية والأممية التي من شأنها تعزيز ونشر السلام والحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وهو ما يعد أولوية لدى المركز، ونقطة ارتكاز رئيسة في استراتيجياته حيال تحقيق أهدافه ورؤاه الآنية والمستقبلية.

جانب من مشاركة الحارثي في اجتماع مجموعة أصدقاء تحالف الأمم المتحدة للحضارات (كايسيد)

وشهد الاجتماع استعراضاً لجهود التحالف في تعزيز وتطوير برامجه ومؤسساته المتنوعة التي تسعى إلى معالجة قضايا التعايش والتفاهم بين الحضارات.

من جانب آخر، بحث الحارثي مع ميغيل أنخيل موراتينوس، الممثل السامي لتحالف الحضارات، جهود ترسيخ قيم التفاهم المتبادل، وتعزيز التعايش السلمي بين المجتمعات المختلفة، كذلك سبل تطوير التعاون المشترك بين «كايسيد» و«التحالف» في مجالات الحوار بين أتباع الأديان والثقافات.

وناقش الجانبان التحضيرات المتعلقة بالمنتدى العالمي العاشر لتحالف الحضارات المقرر عقده في البرتغال، حيث مقر «كايسيد»، الذي يهدف إلى تعزيز الجهود الدولية بمجال الحوار بين الثقافات ومواجهة التحديات العالمية المشتركة.

كما التقى الحارثي مارتن شونغونغ أمين عام الاتحاد البرلماني الدولي، وسايت يوسف نائب أمين عام المنظمة الدولية للثقافة التركية، وأنطونيو بيدرو روكي دا فيسيتاكاو أوليفيرا نائب رئيس الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط، والسفير محمد باشاجي الممثل الخاص لأمين عام منظمة التعاون الإسلامي، كلاً على حدة.

وبحث معهم سبل تعزيز التعاون في نشر ثقافة الحوار ومعالجة التحديات العالمية المشتركة، ومعالجة التحديات العالمية التي تواجه المجتمع الدولي، بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار العالميين.