شهدت الأيام الأخيرة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، في البيت الأبيض أفعالاً ما زال يتردد صداها حتى يومنا هذا، رغم مرور ما يقرب من عامين عليها.
وقال أحد موظفي البيت الأبيض لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، إنه قبل أربعة أيام من نهاية رئاسة ترمب، أطلّ على المكتب البيضاوي وكان مذهولاً ومتفاجئاً تماماً، حيث كانت جميع الصور الشخصية للرئيس السابق لا تزال مصفوفة خلف المكتب كما لو أن شيئاً لم يتغير وكما لو كان ترمب لم يخسر الانتخابات.
وقال الموظف إنه في ذلك اليوم كانت الطاولة في غرفة الطعام الخاصة بترمب خارج المكتب البيضاوي مكدسة عالياً بالأوراق، كما كانت طوال فترة ولايته. وأضاف «لكن على الرغم من ذلك، ففي الطابق العلوي من البيت الأبيض، كان هناك بعض المؤشرات على أن ترمب أدرك إلى حد ما أن وقته قد انتهى كرئيس لأميركا. ففي هذه الغرفة جمع ترمب وثائق حكومية، كان من المقرر أن تذهب إلى الأرشيف الوطني، في نحو عشرين صندوقاً».
مساعدين لترمب ينقلون بعض الصناديق خارج البيت الأبيض في آخر أيام رئاسته (نيويورك تايمز)
وقال مصدر آخر لـ«نيويورك تايمز» إن بعض مساعدي ترمب بحثوا له عن رسائل كان قد تلقاها من كيم جونغ أون، الزعيم الكوري الشمالي، وسلموها إليه في الأسابيع الأخيرة.
وليس من الواضح أين انتهى الأمر بكل هذه الوثائق والأوراق، ولكن، كما هو واضح، فقد انتهى الأمر ببعضها في منزل الرئيس السابق في منتجع مارالاغو بفلوريدا، حيث تم تخزينها هناك في أماكن مختلفة على مدار الـ19 شهراً الماضية، وفقاً لكثير من المصادر المطلعة على الأمر.
وقالت المصادر إن مارك ميدوز، كبير موظفي البيت الأبيض في عهد ترمب، لعب دوراً في هذا النقل للوثائق لمنزل ترمب، مشيرةً إلى أنه تجاهل مطالبة مكتب مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض له بضرورة تسليم الصناديق إلى الأرشيف، رغم أنه أخبره بأنه سيبذل قصارى جهده لضمان امتثال إدارة ترمب لقانون السجلات الرئاسية الذي يحظر إخفاء أو إزالة أو تشويه السجلات الحكومية.
وقال عدد من الخبراء إن تعامل ترمب الفوضوي مع الوثائق الحكومية كان جزءاً من الفوضى الأكبر التي أحدثها بعد أن رفض قبول خسارته في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، والتي تجلت بوضوح عند تشجيعه عدداً من مؤيديه على الهجوم على مبنى الكابيتول في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 في محاولة لإحباط التصديق على فوز جو بايدن بالرئاسة.
ولم يردّ متحدث باسم ترمب على طلب للتعليق على تقرير «نيويورك تايمز»، كما رفض محامي ميدوز التعليق أيضاً.
الاستهزاء بقانون السجلات الرئاسية:
أشار عدد من مساعدي ترمب السابقين إلى أنه، منذ الساعات الأولى له في منصبه، كان يتعامل مع كل شيء في البيت الأبيض كأنه ملكية خاصة به، واصفاً الوثائق الحكومية والممتلكات الأخرى -حتى موظفيه- بأنها ممتلكات شخصية.
ولكن هذا الاعتقاد من ترمب بأن «كل شيء ملكه» لم يكن صحيحاً. فبموجب قانون السجلات الرئاسية، فإن كل وثيقة من الوثائق الحكومية هي ملك لدافعي الضرائب ويجب على أي رئيس أميركي إرسال جميع رسائل البريد الإلكتروني والرسائل ووثائق العمل الأخرى الخاصة به إلى الأرشيف الوطني.
إلا أن ترمب استهزأ بهذا القانون، وفقاً للخبراء، مرتين؛ مرة حين تخلص من بعضها في المرحاض، ومرة أخرى حين نقل بعضها لمنزله بفلوريدا.
ففي فبراير (شباط) الماضي، كشف كتاب جديد من تأليف ماغي هابرمان، مراسلة «نيويورك تايمز»، أن الموظفين كانوا يجدون مرحاض البيت الأبيض مسدوداً بوثائق ممزّقة، في عهد ترمب، وأنهم يعتقدون أن الأوراق قد أتلفها الرئيس نفسه وتخلص منها بهذه الطريقة.
وكان محامو ترمب ومساعدوه على دراية جيدة بقانون السجلات. فقد قال مسؤولون سابقون إن دونالد ماكغان، أول مستشار للرئيس السابق في البيت الأبيض، وضع بروتوكولاً للتعامل الصحيح مع الوثائق الحكومية وتحدث مراراً مع الموظفين عن هذا القانون.
ووفقاً للمسؤولين، فبحلول نهاية رئاسة ترمب، أدرك بات سيبولوني وباتريك فيلبين، محاميا البيت الأبيض السابقان، أن تعامل الرئيس السابق مع الوثائق سيتسبب في مشكلة محتملة.
لكن المسؤولين أشاروا إلى أن علاقة ترمب بسيبولوني توترت بعد ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة، حيث إن الرئيس السابق كثيراً ما وبّخ المحامي لاعتراضه على محاولاته تقويض انتصار جو بايدن.
وبحلول أوائل عام 2021، بعد أن غادر ترمب البيت الأبيض، أدرك المسؤولون عن الأرشيف أنهم يفتقدون لوثائق مهمة، ومن ثم تواصلوا مع عدد من مسؤولي البيت الأبيض، من بينهم سكوت غاست، الذي كان محامياً في مكتب مستشار البيت الأبيض في عهد ترمب، والسيد فيلبين.
وكان أمناء الأرشيف مصرين بشكل خاص على استعادة المراسلات المفقودة من الزعيم الكوري الشمالي والرسالة التي تركها أوباما لترمب على المكتب البيضاوي، حيث إن كليهما له قيمة تاريخية كبيرة.
ترمب يحمل خطاباً قال إنه من الزعيم الكوري الشمالي خلال لقاء مع رئيس وزراء اليابان في 2018 (نيويورك تايمز)
كما سأل مسؤولو الأرشيف غاست وفيلبين عن الصناديق العشرين التي كانت موجودة في المنزل خلال الأيام الأخيرة لإدارة ترمب. ورد فيلبين بقوله إنه سيعمل على إعادتها للأرشيف.
لكنّ المسؤولين لم يحصلوا على ما يريدون حتى سافروا إلى مارالاغو في يناير 2022 واستعادوا 15 صندوقاً من الوثائق.
أما بقية الصناديق، فقد تم استجواب كلٍّ من فيلبين وغاست بشأنها قبل أشهر من مكتب التحقيقات الفيدرالي.
وفي يونيو (حزيران)، أكد أحد محامي ترمب، في خطاب أرسله إلى وزارة العدل، عدم احتفاظ موكله بأي وثائق أو معلومات سرّية مخزّنة في منتجع مارالاغو بفلوريدا، وفقاً لمصادر مطلعة على الأمر.
رفع السرية عن وثائق مكتب التحقيقات الفيدرالي:
ركزت إحدى المناقشات القوية حول الوثائق الحكومية في نهاية رئاسة ترمب على تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي فيما إذا كانت حملة ترمب قد تآمرت مع المسؤولين الروس.
وفي حين أن هذا التحقيق، الذي بدأ في عام 2016، لم يتهم ترمب في النهاية بالسلوك الإجرامي، فإنه ظل مهووساً به طوال فترة ولايته.
وفي الأسابيع الأخيرة لترمب في منصبه، حث ميدوز وكالات إنفاذ القانون الفيدرالية على رفع السرية عن ملف التحقيق في هذا الشأن، والذي تضمن معلومات غير منشورة بشأنه التحقيق ورسائل النصية بين اثنين من كبار مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي السابقين هما بيتر سترزوك وليزا بيغ، اللذان انتقدا ترمب بشدة في اتصالاتهما الخاصة خلال انتخابات عام 2016.
ووفقاً لأشخاص مطلعين على النقاش، كان مكتب التحقيقات الفيدرالي قلقاً من أن نشر المزيد من المعلومات قد يضر به.
وقبل ترك منصبه بساعات، أمر ترمب برفع السرية عن ملف التحقيق بشأن «التدخل الروسي» المزعوم في انتخابات 2016.
وقال ترمب وقتها في مذكرة له: «تم إجراء بعض التنقيحات على الوثائق من أجل السماح بالكشف عنها علناً».
ولم يتم العثور على أي من المستندات التي تتعلق بالتحقيق الروسي ضمن الوثائق التي استعادها مكتب التحقيقات الفيدرالي من مارالاغو، وفقاً لشخص على دراية بالموقف.
العفو الرئاسي:
استهلك جزء كبير من الساعات الأخيرة لترمب في منصبه بالعفو عن عدد من المعتقلين.
ففي مساء يوم 19 يناير 2021 أصدر ترمب عفواً عن 73 شخصاً وخفف الأحكام الصادرة على 70 آخرين. وبين أبرز هؤلاء الأشخاص مستشاره السابق ستيف بانون أحد مهندسي حملته الرئاسية في 2016، الذي اتهمه المدعون الفيدراليون في مانهاتن باختلاس أموال كانت مخصصة حسبما يعتقد لبناء جدار على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
كما أصدر ترمب عفواً عن مغني الراب الأميركي ليل واين الذي أقر بذنبه لحيازة سلاح ناري وهي جنحة عاقب عليها القانون بالسجن عشر سنوات، وألبرت بيرو جونيور، الزوج السابق لمقدمة قناة «فوكس نيوز» جينين بيرو، الذي أُدين في عام 2000 بالتهرب الضريبي والتآمر وحُكم عليه بالسجن لمدة 29 شهراً.